فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).
وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، مع هذه الآيات المباركات. تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:172-175].
معاشر المستمعين والمستمعات! هذا خبر من أخبار الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172]، فالذين استجابوا لله والرسول -نسأل الله تعالى أن نكون منهم- هم كل من امتثل أوامر الله ففعلها واجتنب نواهي الله فتركها، وامتثل أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلها، واجتنب نواهي الرسول فتركها إلا ويدخل في هذه البشرى العظيمة، إلا أن هذه الآية نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا وقعة أحد، وهذه الاستجابة علمنا أن معركة أحد كانت يوم السبت وما كان المساء إلا ودخل الناس بيوتهم في مدينة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومن الغد صباح الأحد يؤذن المؤذن: أنْ الجهاد.. الخروج إلى قتال أبي سفيان وجيشه، فإنهم قد عزموا العودة على قتالنا، والناس مثخنون بالجراحات، أتعاب لا تقادر، آلام لا تقدر، وما إن أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج المؤمنون ومنهم الجرحى، ومنهم كبار السن ومنهم ومنهم، إلا أن اثنين من بني الأشهل أخوان جريحان يحمل أحدهما الآخر فترة، ثم ينزله ويماشيه ويحمله وكذا إلى حمراء الأسد.
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [آل عمران:172] أي: أجابوا الأمر الذي طلب منهم، وهو الخروج إلى ملاحقة أبي سفيان وقتاله مع جيشه.
مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172] والقَرح والقُرح: الجراحات وآلامها، والكروب والأحزان ومضارها على النفس.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان الإحسان: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) أي: تعتقد أنه يراك، ومعنى هذا: أن العبد إذا أخذ يتوضأ أو يغتسل، أو أخذ يصلي، أو أخذ يطوف ويسعى، أو أخذ يعبد الله ويتلو كتابه، ويذكر ربه، ويعبده وكأنه يرى الله، فإن عجز عن هذا المقام السامي فليعلم نفسه أن الله مطلع عليه وأنه يراه، وفي هذه الحال ثقوا بأنه يحسن العبادة، ويتقنها، ويجودها، ويأتي بها على أفضل وجوهها ومن ثَمَّ تكون النتيجة زكاة الروح وطهارتها.
لَكُمْ [آل عمران:173] أي: لتدميركم وقتالكم.
فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173] أي: ارهبوهم وخافوهم وانهزموا حتى لا تقتلوا. ما موقفهم؟ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [آل عمران:173] هذا الطابور الخامس بدل ما يشتت كلمتهم وصفوفهم وينهاروا ازدادوا إيماناً بأن الله معهم، وأنهم أولياؤه وهو وليهم، وأنه هازم أعدائه ومكسر قواتهم فقوي إيمانهم أكثر مما كان.
والمتصوفة الهابطون والضلال قالوا: إبراهيم قال: حالي يغني عن سؤالي، يعني ما نسأل الله، هو أعرف بي، وانتشرت هذه الكلمة الهابطة فكممت المؤمنين من الدعاء، بمعنى: لا تدعوا ربكم، والدعاء هو الدين، و( الدعاء هو العبادة )، من ترك دعاء الله كفر، مات، والله عز وجل يبتليك ليسمع دعاءك، فإذا قلت: ما أدعو لأنه يعرف حالي، كيف أدعوه؟ فهذه كلمة وضعها الشيطان، ونشرها الجهال تحت عنوان التصوف وعلم التصوف.
أما إبراهيم فقد قال: حسبي الله ونعم الوكيل، وبلغتنا هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أول كلمة قالها إبراهيم: حسبنا الله ونعم الوكيل )، وما إن قالها إبراهيم حتى صدر أمر الله السامي إلى النار المتأججة الملتهبة، فقال: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] قبل أن يصل إليها؛ لأن المسافة بعيدة، أججوا النار من أربعين يوماً، فما يستطيعون أن يأخذوا بيد إبراهيم ويدفعونه إليها، جعلوه في منجنيق من مسافة بعيدة، وهو في الطريق قال تعالى يخاطب ناره وهو خالقها ومالك أمرها: يَا نَارُ [الأنبياء:69] قالت: لبيك رب لبيك. كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، لو لم يقل تعالى: (وسلاماً) لمات إبراهيم من البرد، برد لا تتصور ثلج ولا غير ثلج، لكن قوله تعالى: وَسَلامًا [الأنبياء:69] والله ما أتت ولا أحرقت منه إلا الكتاف الذي في يديه ورجليه فقط، وخرج وجبينه تتصفد عرقاً، وودع، وقال: إني مهاجر إلى ربي سيهدين.
فهذه الكلمة قالها إبراهيم وقالها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوها أنتم: حسبنا الله ونعم الوكيل، الذي يوكل إليه أمورنا ونتركها له هو الذي يحفظها، هو الذي يقوم بها؛ لأنه الولي الحميد.
حسبنا: يكفينا الله كل ما يهمنا، ونعم الوكيل: نطرح أمورنا إليه ونوكله بها، الحمد لله.
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:174] لا في أبدانهم ولا في مالهم ولا في دينهم ولا في أعراضهم، عادوا بخير وعافية، كلمة سوء نكرة لتعم كل ما يسيء.
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:174] فأين الطابور الخامس الذي هدد؟
قال: لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:174] اتبعوا ما يرضي الله وأطاعوا الله ورسوله، فكل طاعة لله والرسول هي طلب لرضا الله عز وجل، فكل من عصى الله والرسول طلب سخط الله -والعياذ بالله- واتبعه. وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].
يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] أي: الشيطان يخوف أولياءه الكافرين والمشركين.
فالشيطان أولياءه الكافرون ويخوف من أوليائه الكافرين، أبو سفيان وجيشه كفار، بعثوا هذا نعيم بن مسعود ، هذه القضية فيها كلام، بعثوا به ليقول لهم: إن أبا سفيان قد عزم العودة إليكم وقرر الرجوع إلى قتالكم، إذاً: الشيطان من الإنس خوف المؤمنين أولياءه أيضاً من الإنس وهم أبو سفيان ورجاله.
(إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه) حذف الضمير. فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، فبالفعل ما خافوا أبا سفيان ولا جيشه، بل خافوا الله عز وجل فلزموا طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
نعيد تلاوة الآيات بعد هذا التبيين: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا [آل عمران:172-174] أي: رجعوا من حمراء الأسد، بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174]، أي: اتبعوا رضوان الله في طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].
ما زال السياق في أحداث غزوة أحد، وما لابسها من أمور وأحوال، والآيات الأربع كلها في المؤمنين الذين حضروا غزوة أحد يوم السبت، وخرجوا في طلب أبي سفيان يوم الأحد، وعلى رأسهم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يرفع معنويات أصحابه الذين كلُموا وهزموا يوم السبت بأحد] ومعنى (كلموا): جرحوا.
[ وأن يرهب أعداءه، فأمر مؤذناً يؤذن -بأعلى صوته- بالخروج في طلب أبي سفيان وجيشه]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أستاذ الحكمة ومعلمها، يتلقى معارفه من رب العالمين، ونحن مأمورون بالاقتداء به والائتساء، والله لو ائتسينا به ما ذللنا.
قال: [ فاستجاب المؤمنون وخرجوا وإن منهم للمكلوم المجروح، وإن أخوين جريحين كان أحدهما يحمل أخاه على ظهره، فإذا تعب وضعه فمشى قليلاً، ثم حمله حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى حمراء الأسد]، وحمراء الأسد تقع وراء أبيار علي، والرجلان هم من بني الأشهل وما في ذلك شك.
قال: [ وألقى الله تعالى الرعب في قلب أبي سفيان فارتحل هارباً إلى مكة، وقد حدث هنا أن معبداً الخزاعي ] وخزاعة حلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [ إن معبداً الخزاعي مر بمعسكر أبي سفيان فسأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ] أبو سفيان سأل: كيف عسكر محمد؟ [ فأخبره أنه خرج في طلبكم، وخرج معه جيش كبير، وكلهم تغيظ عليكم، أنصح لك - أبا سفيان - أن ترحل. قال: فهرب برجاله ] هذا الطابور النافع، وهذا تسخير الله عز وجل [ فهرب برجاله خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد برجاله كذا ليلة، ثم عادوا لم يمسسهم سوء، وفيهم نزلت هذه الآيات الأربع.
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172] يريد في أحد، واستجابوا: لبوا نداء الرسول صلى الله عليه وسلم وخرجوا معه في ملاحقة أبي سفيان .
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172] ولكل من أحسن واتقى أجر عظيم، ألا ] فـ(ألو) بناتنا وأطفالنا يعرفونها، أما (ألا) لا يعرفونها؛ لأنهم ما يسمعون (ألا)، فلنصلح أحوال بيوتنا ونربي أولادنا وبناتنا على: (ألا فعلت كذا)، (ألا سمعت الله يقول كذا)؟
[ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172] ولكل من أحسن واتقى أجر عظيم، ألا وهو الجنة ] جعلنا الله من أهلها [ الآية الثانية: هي قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173] المراد من الناس القائلين هم: نفر من عبد القيس مروا بـأبي سفيان وهو عازم على العودة إلى المدينة لتصفية المؤمنين بها في نظره، فقال له أبو سفيان : أخبر محمداً وأصحابه أني ندمت على تركهم أحياء بعدما انتصرت عليهم، وإني جامع جيوشي وقادم عليهم، والمراد من الناس الذين جمعوا هم: أبو سفيان ، فلما بلغ هذا الخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه زادهم إيماناً فوق إيمانهم بنصر الله تعالى وولايته لهم، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، الذي يكفينا ما أهمنا ونفوض أمرنا إلى الله.
قوله: فَانْقَلَبُوا [آل عمران:174] أي: رجعوا من حمراء الأسد؛ لأن أبا سفيان ألقى الله الرعب في قلبه فانهزم وهرب، رجعوا مع نبيهم صلى الله عليه وسلم سالمين في نعمة الإيمان والإسلام والنصر.
وَفَضْلٍ [آل عمران:174] حيث أصابوا تجارة في طريق عودتهم.
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:174] أي: أذى.
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:174] بالاستجابة لما دعاهم الله ورسوله، وهو الخروج في سبيل الله لملاحقة أبي سفيان وجيشه.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174] وما أفاضه على رسوله كاف في التدليل على الآية الرابعة.
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، وذلك أن وفد عبد القيس آجره أبو سفيان بكذا حمل من الزبيب إن هو خوف المؤمنين منه، فبعثه كأنه طابور يخذل له المؤمنين إلا أن المؤمنين عرفوا أنها مكيدة، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فنزلت الآية: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ [آل عمران:175] الناطق على لسان النفر من عبد القيس يخوف المؤمنين من أوليائه أبي سفيان وجمعه.
فَلا تَخَافُوهُمْ [آل عمران:175] فنهاهم عن الخوف منهم وأمرهم أن يخافوه تعالى، فلا يجبنوا ويخرجوا إلى قتال أبي سفيان وكذلك فعلوا؛ لأنهم المؤمنون بحق رضي الله عنهم أجمعين].
وهناك لطيفة: فالآية في لسان العرب: العلامة. فمثلاً إذا قلنا: يا عدنان! أين ولدك عبد العزيز؟ قال: في المنزل. قلت: ما آية ذلك؟ أي: ما علامة أنه في المنزل؟ فيقول: كذا وكذا. فالآية بمعنى العلامة.
فكل آية علامة على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ وهذه الآية أنزلها الله سبحانه وتعالى، فطأطأت الدنيا رأسها وسلمت بأن هذا القرآن أنزله الله عز وجل.
إذاً: فالله موجود، عليم، حكيم، رحيم، أمر ألا يعبد إلا هو وأخبر ألا يوجد إله سواه، فكل آية دالة على أنه لا إله إلا الله، والذي نزلت عليه من بين الناس من دون العالم بأسره مستحيل أن لا يكون رسول الله.
إذاً كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ علامة على ذلك.
قال: [ من هداية الآيات:
أولاً: فضل الإحسان والتقوى وأنهما مفتاح كل خير]، فضل الإحسان والتقوى، فقد قرنهما الله عز وجل مع بعضهما البعض، والإحسان أن نتقن العبادة ونحسنها حتى تزكى أنفسنا، وأن نحسن في كل عمل نقوم به، حتى الخياط يجب أن يحسن خياطته، وحتى الطاهي للطعام يجب أن يحسن طهيه، وحتى مقلم أظفاره يجب أن يحسن قلمه.
فالإحسان فريضة، ومن هنا رقى العالم الإسلامي وبلغ عنان السماء وهبطت البشرية كلها من باب الإحسان، ففي الجهاد، وفي الرباط، وفي القول، وفي القضاء، وفي الحكم، وفي العمل، وفي الفلاحة، وفي الزراعة، وفي السفر، وفي كل شيء، فتفوقت أمة الإسلام ثلاثة قرون، عرف العدو هذا فأهبطها بالكذبة.
فمثلاً: عند الخياط تشتري ثوب خياطة سوق، يأتي المشتري ويقال له: هذه خياطة سوق، ويبيع له الثوب بعشرين ريال، والخياط يخيط بعشرين ريال فقط، فقيمة الخياطة عشرين والكتان مجاناً، يعني: أنه يعبث بالخياطة ويغش فيها حتى يلبسها الرجل يومين أو ثلاثة وتتمزق، وهذا لا يجوز وحرام عليه، ويجب أن يحسن هذه الخياطة حتى ولو باع الثوب ليهودي أو نصراني، وكذلك يجب الإحسان حتى في بناء العمارات وفي إصلاح السيارات، وحتى في كتاب الجوابات، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فسبب هبوطنا هو الجهل، أبعدونا أعدائنا عن نور الله فعشنا في الظلام أكثر من ألف سنة، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال: [فضل الإحسان والتقوى وأنهما مفتاح كل خير].
فالتقوى حال تتقي بها غضب الله وسخطه وعذابه بأن تطيعه ولا تعصيه، فغضب الله يجلب العذاب والشقاء، فكل من أطاع الله ورسوله فيما يأمران به من أمور واجبة، وينهيان عنه من منهيات محرمة قد جعل بينها وبين غضب الله وقاية أفضل من وقاية الأسوار، فهذه إذاً هي التقوى.
والتقوى أيضاً هي الخطوة الثانية في تحقيق ولاية الرحمن، يا من يرغب أن يصبح ولياً لله أفضل من عبد القادر والعيدروس ! آمن حق الإيمان واتقي الله وأنت ولي الرحمن؛ لقوله تعالى في بيان الأولياء: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
[ ثانياً: فضل أصحاب رسول الله على غيرهم، وكرامتهم على ربهم ]؛ لقوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ... [آل عمران:172] الآية.
[ ثالثاً: فضل كلمة: (حسبنا الله ونعم الوكيل) ] فهذه أربع كلمات، لكن يجوز إطلاق الكلمة على قصيدة كاملة.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالها إبراهيم من قبل، فصلى الله عليهما وسلم أجمعين. ونحن نقولها، فكل من أصابته مصيبة أو ارتبك في شيء يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، يفوض أمره إلى الله عز وجل، ويوكل الأمر إليه، والله لن يخيبه.
قال: [رابعاً: بيان أن الشيطان -عليه لعائن الرحمن- يخوف المؤمنين من أوليائه ]، فلو عزم العرب على أن يضربوا اليهود -هذا من باب المستحيل- لكن من باب الفرض والتقدير أن العرب تحركوا قالوا: إلى متى ونحن أذلاء لليهود؟ والله ليأتي الشيطان بأوليائه من الشرق والغرب ويأخذون في تخويفهم، أنتم كذا، هؤلاء يملكون الهيدروجين، يملكون الذرة، وراءهم أمريكا والعالم حتى يهزمهم، فلو حصل هذا لخوف الشيطان العرب أولياءه من الكفار، انتبهوا ترموا أنفسكم في جحيم؛ لأن الشيطان ماكر، وما زال يخوف أولياءه، أي: يخوف المؤمنين من أوليائه الكافرين الفاسقين حتى لا يقاتلوهم.
[ بيان أن الشيطان يخوف المؤمنين من أوليائه -إذاً- فعلى المؤمنين ألا يخافوا غير ربهم ]، فلو خافوا ربهم ما عصوه، ما عطلوا شرعه، وما أوقفوا شرائعه وعطلوها، فأين الخوف من الله؟
قال: [ فعلى المؤمنين ألا يخافوا غير ربهم تعالى في الحياة، فيطيعونه ويعبدونه ويتوكلون عليه، وهو حسبهم ونعم الوكيل لهم ] إي والله!
فمن يوقظ المؤمنين ويحرك ضمائرهم، ومن يجمعهم على كلمة الحق؟!
جاءني طلاب من الإمارات مساء اليوم وقالوا: ما تقول يا شيخ؟ فهذا يقول سيد قطب كذا، وهذا يقول كذا؟ قلت: هذا نسميه بأعراض المرض، فالإنسان إذا مرض يظهر المرض في جسمه إما اصفرار في عينيه أو عجز عن النطق، أو فيه ضعف عن الحركة والمشي يدل على مرض، أمة الإسلام مريضة، فلهذا هي دويلات وأحزاب ومنظمات وجماعات تتطاحن فيما بينها البين، في حين أنهم أمة الإسلام فقط، فالمسلم يجب أن يقول: أنا مسلم فقط، لا مالكي ولا زيدي ولا حنفي ولا.. ولا عربي ولا..، لكن مسلم، مرني بأمر الله أطيعه، انهني بنهي الله أنتهي، وقد سبقت طرق صوفية، فالقرية الواحدة فيها عشر طرق، فهذا يقول: أنت من إخوان سيدي فلان، وأنت من إخوان سيدي فلان، فإلى الله الشكوى.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر