أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن يحقق الله تعالى لنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الرجاء؛ إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:15-17].
وهذه الآيات من سورة آل عمران، فهل تعرفون عن هذه السورة شيئاً؟
الجواب: عرفنا أنها مدنية، ومرحباً بالمدنيات والمكيات، وعلمنا أن المكيات تعالج العقيدة، تؤهل العبد الصالح لأن يتحمل رسالة الله ويرقى بها إلى الملكوت الأعلى، والمدنيات تحمل الشرائع والأحكام والآداب والعبادات، وكلها أنوار الله.
أيضاً: هذه السورة نزلت في وفد نجران الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجادلوه في شأن عيسى عليه السلام، وفيهم نزلت نيف وثمانون آية.
أيضاً: من عجيب هذه السورة: أن آخرها نزل قبل أولها بكذا سنة.
قال الله تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15].
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] هنا أذكركم بكلمة عمر رضي الله عنه -وتعرفون والحمد لله من هو عمر بن الخطاب - لما نزلت الآية التي درسناها فيما مضى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، قال عمر : الآن يا رب. ما دمت زينتها لنا الآن. فنزل بعد ذلك كالجواب عليه قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] أي: قل: يا رسولنا: هل أدلكم على خير من ذلكم وهو كذا.. وكذا.. وكذا!
وكلمة (خير) بمعنى: أخير، وهو اسم تفضيل، وحذفت الهمزة لكثرته اختصاراً، والعرب إذا تكرر اللفظ في لسانهم يعدلون عن القوانين.
وفي هذا إشارة لا بأس بها -وإن لم نقف عليها- وهي: أن هذه المزينات من الحرث والأنعام فيها خير متى استخدمت في طلب رضوان الله عز وجل ورضاه ورحمته؛ فإن استعملت ضد ذلك فكلها شر، ووالله لا خير فيها.
فمثلاً: حب الشهوات من المشتهيات من الطعام والشراب، والنكاح، والإركاب، هذه إذا كان المحب لها يستعملها وينتفع بها وهو طالب رضا الله ففيها خير، ولكنها لا تساوي خير دار السلام!
أيضاً: البنين.. الأولاد، إذا سأل العبد ربه الولد بنية أن يعبد الله عز وجل ويكون في عداد الصالحين، وتزوج لذلك وربى الولد ونماه على ذلك ففي هذا الولد قطعاً خير، ولكنه لا يعادل خير دار السلام، وإن هو أهمله وأضاعه وطلبه فقط ليشتد ساعده به فيطغى على الناس ويأكل أموالهم ويعتز عليهم، فوالله ما فيه خير أبداً.
أيضاً: القناطير المقنطرة من الذهب أو الفضة وكثرة المال إذا أخذ عبد الله أو أمته يجمعه لله، وبسم الله، ومن أجل أن يتقرب به إلى الله، فيتصدق به على الفقراء والمساكين والمحاويج، ويبني به المساجد ويعبد به الطرق، ويقدمه للمجاهدين عتاداً حربياً، ففي هذه الحال فيه خير، ولكنه إذا اكتسبه من الحرام، وهو ينفقه في الحرام، وحمله على الكبر والتعالي على البشر، ومنع الحقوق منه، فوالله إنه لشر كله، وليس فيه خير أبداً.
أيضاً: الخيل المسومة، إذا اشتراها عبد الله بنية الجهاد عليها والركوب عليها في الغزو والفتح، لنشر: (لا إله إلا الله) ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن العلف الذي يعلفه لها والله محسوب له بحبة الشعير، وإذا كان يمتلك الفرس للمباهاة والخيلاء والفخر بها ولا يغزو عليها ولا يجاهد، فوالله إنها لحمل حطب إلى جنهم، ولا خير فيها بالمرة.
أيضاً: الأنعام من الإبل والبقر والغنم - الضأن والماعز- إن أنت اكتسبتها واقتنيتها من أجل أن تسد حاجتك، ومن أجل أن تقضي متطلبات حياتك من كساء أو منزل أو زواج أو كذا وربيتها ونميتها وأديت زكاتها، وتصدقت بشيء من الألبان والزبد، فهذا فيها خير، وإن اشتريتها للمباهاة والعلو والفخر والطغيان، ومنعت حق الله فيها لا زكاة ولا صدقة ولا.. ولا، فهي والله لا خير فيها.
أيضاً: الحرث، وهو كل عمل ينتج، فنحن حارثون، والحرث: كل ما تكتسبه من طريق العمل؛ زراعة، صناعة، تربية مواشي، العمل وإن كان يتناول البر والشعير، والذرة وأنواع الحبوب، فهذه مزينة من قبل الخالق لها، زينها للفطرة البشرية، فما من إنسان عاقل إلا ويرغب في الحصول على هذه المذكورات الخمس: حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران:14]، ثم يأتي التعقيب فيقول تعالى: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14]، هذا الذي سمعتم يتمتع به في هذه الدار فقط، لا ينتقل منه إلى الدار الآخرة شيء، فهذه الدار محدودة الزمان، معدودة الوقت، نموت بآجالنا، لا نتقدم ولا نتأخر، ولكن مآلنا الفناء والزوال والرحيل منها إلى الدار الآخرة.
هذه الشهوات مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] فافهموا هذا، فلا يحملنكم هذا المتاع على أن تنسوا الحياة الأبدية الخالدة، فإن كانت دار النعيم فلا تسأل عن أنواع النعيم؛ فإنك تعجز عن تقديره بل وتصوره، وإن كانت دار الشقاء.. دار البوار والهلاك.. النار عالم الشقاء، فلا تسأل عن ذلك الشقاء والبلاء والعذاب الأليم.
هذه الآيات الكريمة، يقول تعالى في الختام وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، يعلمنا أن عنده حسن المرجع، فيأيها الراجعون! أيها العائدون! إن ربكم عنده حسن المرجع والمآب، فاطلبوه منه، واقرعوا باب الله، سلوه!
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15]. أنبئكم بخير مما سمعتم، ولكنه: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15] كذا الشرط؟ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15]
من هم الذين اتقوا؟ لا يحصرون في إقليم ولا في جيل، ولا في منطقة، بل كل رجل أو امرأة اتقى عذاب الله عز وجل وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية كالحصون والأسوار العالية، وهذه الوقاية لن تكون بالجيوش الجرارة، ولا بالمليارات من الدولارات، ولا بالأنساب والأصحاب، والله لا تكون إلا بطاعة الله ورسوله فقط.
إذا أمرك سيدك ومولاك فقل: سمعاً ربي وطاعة، وأقبل على العمل وحاول، فإن عجزت واطرحت، فقل: ربّ إنك لا تكلف نفساً إلا وسعها وقد عجزت عن القيام بهذا الواجب!
فمثلاً: مريض يتألم، ما طاق الصوم يرفع حاجته إلى ربه ويضع بين يديه عذره، ويقول: ربّ لقد أحببت ولا أحب لي من الصيام، ولكن كما تراني قد عجزت فاغفر ربّ وارحم وتجاوز عما تعلم!
وإذا نهاك سيدك عن عقيدة فاسدة.. عن النظر إلى باطل.. عن قول خاسر، عن عمل سيء فابتعد عنه ما استطعت، اهرب من المنطقة كلها، بل من الإقليم كله حتى تتمكن من طاعة ربك عز وجل!
وأما طاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهي من طاعة الله، إذ ما أمر رسول الله بغير ما يأمر الله به، ولا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ما نهى الله عنه، وهؤلاء المتقون الذين اتقوا سخط الله وغضبه وبالتالي اتقوا عذابه، اتقوه بطاعته وطاعة رسوله.
وهنا لطيفة! أذكر بها من لم يبلغهم هذا: والله إن طاعة الله وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لا تعدو كونها تؤهلك وتعدك للسعادة والكمال في الدنيا والآخرة، أما الله فهو غني غنىً مطلقاً إذ كان ولم يكن شيء غيره، فلا تفهم أن طاعة الله وطاعة الرسول ضريبة من الضرائب أمرت بها. والله ما في ذلك شيء، فما هي إلا سلم بدرج ترقى بها إلى سعادتك وكمالك، فمن عصى الله ورسوله هبط إلى أن يتمزق.. إلى أن يتلاشى.. إلى أن يصبح من أهل الخسران الأبدي!
ومن باب الترغيب وتحريك الضمائر والنفوس تأتي هذه الأساليب القرآنية وإلا فطاعة الله وطاعة رسوله لن تسعد يا ابن آدم ولن تكمل إلا على هذه الطاعة أحببت أم كرهت.
ماذا تقولون في طبيب أمامه مريض يقنن له لقمة الطعام بأوقات محددة وكمية لا تزيد ولا تنقص، فيمنعه من كذا وكذا وكذا، ويأمره بأن يفعل كذا وكذا، لأجل ماذا؟ لأجل برئه وشفائه.
إذاً: هل هناك من يتهم الطبيب ويقول: لا، هذا يريد أن يضر به. قال: ما تأكل بقلاوة الليلة، ما تشرب العصير، والله له المثل الأعلى: فقط أحببت أن يفهم المؤمن الواعي والمؤمن البصير أن أوامر الله وأوامر رسوله ما هي إلا سلم للكمال والسعادة: أعرضت عن هذه الطاعة هبطت وتمزقت والله العظيم.
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15] الذي سمعتم من قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ [آل عمران:14] الآية: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [آل عمران:15]، اتقوا ماذا؟ اتقوا عذاب الله وسخطه.
بماذا يتقونه؟ بالإيمان والعمل الصالح، بترك الشرك والمعاصي، والكلمة الجامعة: بطاعة الله وطاعة رسوله. هل يتقى الله بغير هذا؟ لا والله، فلا سور ولا قبيلة تدفع، ولا حيلة تنفع.
اتقوا من؟ اتقوا ربهم. من هو ربهم؟ خالقهم. هل يوجد مخلوق بدون خالق؟ مستحيل! فالذي خلق وصور وأوجد في الأرحام وأخرج من ظلماتها إلى نور هذه الحياة، وأوجد اللبن في ثدي الأم بعد كان دماً قانئاً فأصبح لبناً أبيض مشرقاً وحفظ عليه سمعه وبصره وعقله وبدنه، هذا ربه، هذا سيده، هذا خالقه.
الجواب: لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [آل عمران:15]، الجنات جمع جنة.. بستان، لكن ما كل بستان يقال فيه جنة، فالجنة والجنان إذا كانت أشجاره قد التفت وأصبحت ملتفة ببعضها البعض، أما شجرة هنا وأخرى هناك والشمس تحرق فليس بجنة هذا.
وعدد الجنات لا يحصى، ونحن نعرف عنها واحدة.. الفردوس، فأين توجد هذه الجنات؟ في السماء.
فإذا قال قائل: كيف لا تسقط، تبقى النخلة في السماء لا تسقط.. القصور لا تسقط؟
فالجواب: إذا خطر ببالك هذا فقل له: يا عدوي، ارفع رأسك إلى هذا الكوكب النهاري.. إلى الشمس، لِم لا تسقط؟ أحكمته يد أمك هناك؟ لم ما سقط وهو أكبر من الأرض بمليون ونصف المليون مرة؟ أو ما في شمس؟ الكواكب تعد حصى الأودية ولا تعدها فوقنا، فكيف ثبتت؟ بأمر من يقول للشيء كن فيكون.
نحن أتباع نبي صلى الله عليه وسلم ارتاد الجنة ووطئها بقدميه الشريفتين، ورآها رأي العين، رأى أنهارها، قصورها، حورها، وتجاوزها، والذي يشك في هذا ميت لا قيمة له.
لما قلنا: ما وصلوا القمر، لا الأمريكاني الكذاب، ولا الروسي الساحر، فهذا كذب، ماجت الدنيا وضاقت كيف تقول هذا؟
قلنا لهم: هل آمنوا برائد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي ارتحل من مكة إلى فلسطين في لحظات، ومنها اخترق السبع الطباق إلى الجنة؟ لِم لا يؤمنون ونحن نجري وراءهم ونصفق: وصلوا القمر؟ أي قمر هذا؟ ما قيمته؟
والحمد لله، ما مضى نصف قرن حتى كذبوا أنفسهم، فيخرج رائد أمريكي فيقول: والله أكاذيب، ما وصلنا القمر وأنى لنا ذلك، فخافوا وسكتوا، لأنه فضحهم منذ سنة أو سنتين فقط.
وأما الجنة فارتادها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، واسمعوا الله الجبار يحلف: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ [النجم:1-5] جبريل عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً [النجم:6-13] مرة أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:13-15].
عجزت الإنس والجن على أن ينقضوا آية من هذا القرآن، فتاهوا في الأرض حيارى وما استطاعوا.
وَلَقَدْ رَآهُ [النجم:13] أي: محمد رأى جبريل، أين؟ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:14-18] هذا كلام الرحمن الرحيم، هذا الذي حوله العدو إلى المقابر والمآتم يقرأ على الموتى.
إذاً: أبواب الجنة ثمانية وأما الجنات والله لا يحصيها إلا الله، والدليل أن أقل واحد له جنتان: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].
إذاً: الجنات لا يحصي عددها إلا خالقها، لكن أبواب الجنة ثمانية، لما تدخل تجد قصورك أنت وجناتك، وهل تعرفون أن أهل الجنة ينظر أحدهم إلى قصر أخيه كالكوكب الغابر في السماء يتراءون منازلهم في العلو كما نتراءى الكواكب في السماء، قولوا: آمنا بالله.
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ [محمد:15] الآن الكيلو بمائة ريال، وهناك أنهار تجري من العسل، فأية نحلة أنتجت هذا؟ لا تسأل! لا يحتاج إلى نحل فهذا يتم بأمر (كن فيكون).
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15]، أظنكم تعرفون الخمر، ومواد تركيبها، هذه الخمر حرمها الله تعالى على هذه الأمة؛لأنها أمة الرسالة، أمة الهداية، أمة الريادة، فلم يسمح لهم أن يتجمعوا على كئوب وكئوس الخمر يشربونها؛ فتذهب عقولهم، ويقولون الباطل، وينطقون بالسوء والهجر والكفر!
أئمة البشرية هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فلهذا حرمها عليهم تحريماً باتاً، والمدمن لها المواظب عليها ليل نهاراً لن يشربها في دار السلام، والله لن يذوقها، مدمن الخمر لا يذوقها في الجنة أبداً.
وإن قلت: علل يا شيخ؟ كيف ذلك؟
فأقول: ما أدمن عليها وواظب عليها أربعين أو خمسين عاماً إلا لأنه ما آمن، إيمانه ليس بسليم ولا صحيح، والله لو آمن ما استطاع أن يعاودها أكثر من ثلاث مرات.
وإن شئت أن ترقى رقياً آخر فقل: إذا أدخله الله الجنة يصرف قلبه عن الخمر، فلا يسمع بها ولا يراها ولا يحبها، يصرفه عنها صرفاً كاملاً إذ لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم، فلا يشتهيها ولا يشربها.
إذاً: بمجرد يا عبد الله! يا ولي الله، يا أمة الله المؤمنة تتوضئين وتحسنين الوضوء وترفعين رأسك إلى السماء وأنت المؤمنة وتشهدين شهادة الحق وتسألين الله الطهر والصفاء.. بمجر ذلك تتفتح أبواب الجنة، ولو كنت أمامها والله لدخلت، لكن بيننا وبينها قرون، وسيأتي ذلك اليوم إن شاء الله!
عندنا لطيفة! نكررها للزائرين: الذين يقرءون سورة الكهف يوم الجمعة لهم جائزة، يقول تعالى في آخرها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:107-108]، أي: لا يطلبون التحول منها أبداً؛ وذلك لوافر نعيمها.
وقلنا: الآن سمعنا الذي يسكن في القاهرة المعزية يقول: آه لو زرت باريس، والذي يسكن باريس يقول: آه لو زرت دمشق.. آه لو زرت موسكو وهكذا.. إلا المؤمنون المتقون المهاجرون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108]، المؤمن الصادق الإيمان، العارف بربه إذا نزل المدينة ونبت فيها وترعرع والله لو يعرض عليه أن يحكم البلد الفلاني والتاج على رأسه لا يخرج من المدينة؛ لأن بها قطعة من الجنة. تعرفون أين هذه القطعة؟ إنها الروضة؛ لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، لهذا الجزء في المدينة المؤمنون الصادقون لا يبغون التحول عنها أبداً.
يعرض على المؤمن من أهل المدينة: تعال نجعلك أميراً في الرياض، فيقول: لا.. لا. نسند إليك مهام جدة والمواني كلها. فيقول: لا.. لا، لا نخرج من المدينة إلا إذا كان لأمر صدر رغم أنوفنا، كأمر أمير المؤمنين الجهاد فيجاهد ويرجع.
اسمعوا! هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدعو الله وبنته أم المؤمنين حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم تسمعه فيقول: (اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتاً في بلد رسولك).
فتقول: يا أبتاه! كيف هذا؟ الجهاد وراء نهر السند وبالأندلس، وأنت تطلب الموت في المدينة والشهادة؟ كيف تجمع بين الشرق والغرب يعني؟
فيقول لها: اسكتي، فضل الله واسع، ليس شأنك يا حفصة ! واستجاب الله لـعمر، واستشهد في محراب رسول الله، جاء مجوسي منتن عفن مبعوث من قبل الحزب الوطني الإيراني- ليدمر الإسلام وبخاصة عمر نقمة عليه، فهو الذي مزق تاج كسرى ووضعه على رأس سراقة بن مالك بن جعشم - أعطوه التعاليم: أن يقتل عمر وهو يصلي بالمؤمنين، فما إن ركع رضي الله عنه حتى طعنه أبو لؤلؤة المجوسي لعنة الله عليه.
والعجيب: لما أغمي عليه رضي الله عنه والدماء تسيل أخذوه فسأل: من القاتل؟ قالوا: أبو لؤلؤة المجوسي. فقال: الله أكبر، الحمد لله، الحمد لله.
تحقق طلبه، وجمع الله له بين متباعدات؛ إنه على كل شيء قدير، فكان موته رضي الله عنه شهادة في سبيل الله وموت في بلد رسوله. استجاب الله دعاءه.
يقول صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرام من عائر إلى ثور )، عائر جبل كالحمار؛ لأن العير هو الحمار في لغة العرب. وثور: جبيل صغير رابض وراء أحد من الشمال، أحد في الحرم وجبل في مكة اسمه ثور أيضاً، والعرب يسمونه لأنه كهيئة الثور.
نشرح لكم أم أنكم عالمون؟
الذي يؤسس بنكاً ربوياً ويأخذ ويعطي هذا أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله!
الذي يفتح أستوديو للتصوير في مدينة رسول الله أحدث حدث شر وسوء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: ( لعن الله المصورين ). ويقول: ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة: المصورون )!
الذي يفتح صالون حلاقة كأنه في لندن أو باريس فيحلق وجوه الرجال ويخنثهم، أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله!
الذي يورد في الخفاء وبالهمسات الكوكائين والأفيون والحشيشة ويروجها في الخفاء والظلام في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! ولا يخرج من هذه اللعنة بل هو أول مستحق لها.
والذي يورد السجائر على اختلافها وتنوعها ليشم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرائحة الكريهة في مدينته، مدينة الملائكة والنور ويبيع ويوقع المسلمين الغافلين الجهلة في هذه الفتنة العظيمة أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله!
والذي يأتي ببدعة أو خرافة ينشرها في الخفاء وفي البيوت من البدع التي تتنافى مع السنة والكتاب ويروجها في الخفاء كالطرق الصوفية وما إليها هذا أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! أحدث أبشع حدث يفسد على المؤمنين قلوبهم ويدسي أرواحهم.
الذي عند بداية العطلة السنوية يوزع مناشير أيها الأبناء تعالوا إلى المكتب أربعين يوماً في لندن تتخرجون علماء باللغة الإنجليزية فيجمع الشبيبة الغافلة ويرمي بها في أحضان الكفر والمسيحية ويتعلمون الرقص والخنا، وشرب الخمر والباطل ويأتي بهم كالمجانين يكرهوننا في زينا وفي لبسنا، هذا أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله! فأي حدث أعظم من هذا؟
أشار إلي أحد الصالحين: أن الذي يستورد هذه الدشوش أو الصحون الهوائية وينصبه على بيته ليتفرج بكامل أحاسيسه ومشاعره الساعة والساعتين والأكثر فيشاهد مناظر العهر والباطل والخنا والشر والفساد ويسمع أصوات العواهر والمغنين في مدينة الرسول قد أحدث حدث شر وسوء في مدينة رسول الله!
آه! لو كان الرسول حياً، يلعنه لعناً يتمزق فيه ويتشتت.
إذاً: (من أحدث فيها حدثاً) ما كان موجوداً عندنا في كتابنا ولا في هدي رسولنا بل أحدثه (أو آوى محدثاً) ساعده وناصره وقواه على أن ينشر هذه البدعة أو ينشر هذا الباطل (فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً)، لا فرضاً ولا نفلاً، فالفرائض مردودة والنوافل مردودة.
معشر المستمعين والمستمعات! إن شاء الله عرفنا الطريق، فلا نسمع في بيوتنا إلا كلام ربنا، نتملق إلى ربنا، وعندنا إذاعة ربانية لا نظير لها في دنيا البشر، إذاعة القرآن الكريم
هذه الإذاعة افتح أبواب أبواقها طول النهار والليل، فلا تسمع امرأة تتكلم ولا تغني، ولا رجلاً يعزف، ولا باطلاً، لا تسمع إلا قال الله.. قال رسوله.. العلم.. الحكمة.. الآداب.. المعرفة.. السياسة السامية الرفيعة.
أعرض عن هذه وآتي بإذاعة تغني فيها عاهرة في بيتي؟ أدياثة هذه أم ماذا؟
سيقول قائل: يا شيخ لا تلمهم؛ لأنهم ما علموا. إي نعم، لو علموا ما علمتم ما فعلوا، لكن من صرفهم عن العلم؟ لِم لا يحضرون مجالس العلم وهي بالعشرات في الحرمين الشريفين؟ لِم لا يسألون أهل العلم؟
الجواب: لما أصيبوا بما أصيبوا به، ولكن نسأل الله أن يتوب عليهم. اللهم تب عليهم وارحمهم، واغفر لهم يا رب العالمين.
وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [آل عمران:15] من دم الحيض والنفاس، فنساء الجنة والله لا يلدن ولا يحضن فالحيض دم منتن عفن، فنساء الجنة مطهرات من البول والغائط.
وأما الطعام الذي أكلته والماء الذي شربته فيتحول الطعام إلى جشاء والماء إلى عرق والله لأطيب من أطيب مسك في دنيا البشر.
وهنا أقص عليكم قصة ألطف بها جوكم؛ لأنكم متألمون من طول الدرس: ركب مسيحي لبناني في سيارة أو قطار مع مسلم سني، فأخذ المسيحي يسخر من السني، فيقول: يقولون: أنتم تؤمنون بالجنة، ونحن نؤمن بها، ولكن الجنة أرواح فقط ليس فيها أبدان -هذا معتقد النصارى الهابطين- وتقولون: إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون، فكيف تصبح بطونهم؟ مراحيض يعني؟
فألهم الله السني المؤمن وهو ليس بعالم -ولكن وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83]- فقال له: يا هذا! الغلام عندما يبلغ السادس من الشهور يتغذى أو لا؟ فقال: من الشهر الرابع ونصفه وهو يتغذى وينمو على الغذاء. فقال له: وهل بطن أمه أصبح مرحاضاً؟ أين بول هذا الولد وأين غائطه؟ فألقمه حجر وأسكته. فالغلام بمجرد ما يخرج من بطن أمه يبول، فلم ما بال بالأمس في بطن أمه؟ قولوا: آمنا بالله.
إذاً: مُطَهَّرَةٌ [آل عمران:15] من كل ما هو أذى، بول أو غائط أو مخاط.
فلهذا نعيم الجنة كله لو فقد رضا الله ما كان شيئاً، ولهذا قال تعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:72]، نعم لأن يرضى علي سيدي ولو حرمني الطعام والشراب المهم أن يكون راضياً عني، أما إذا كان ساخطاً ما قيمة الأكل والشرب واللباس؟!
لم هذه الجملة(وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )؟
هذا النعيم المقيم لمحمد ورجاله، أم لأهل نجران من النصارى الصليبيين الذين يتبجحون ويقولون: هذا ابن الله ونحن.. ونحن، وغير ذلك من الهراء.
إن الله بصير بالعباد، فينزل منازل الأبرار في دار السلام من هم متأهلون لها، ويطرد الآخرين ويرمي بهم في أتون الجحيم.
ما هي بالسحر والتدجيل والباطل، تقولون هكذا جزافاً: نحن أولياء الله، فهذا لا ينفع؛ لأن الآيات في وفد نجران وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ الذين هم أهل لهذا النعيم المقيم والذين ليسوا له بأهل فمأواهم الجحيم، شرابهم الحميم، وطعامهم الزقوم.
الَّذِينَ يستحقون هذا النعيم يَقُولُونَ رَبَّنَا أي: يا ربنا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16]، هذه صفة الذين يقولون ربنا إننا آمنا بك وبلقائك وبرسولك وكتابك ووعدك ووعيدك، وبكل ما أخبرتنا به وأمرتنا بالإيمان به.
إننا آمنا يا ربنا فاغفر لنا، توسلوا إلى الله ليغفر ذنوبهم بماذا؟ بجاه فلان أو سيدي فلان؟ آه، ماذا فعل الثالوث الأسود؟ حرموا هذه الأمة يا أبنائي قروناً إلا من شذ وندر؛ حرموهم من التوسل إلى ربهم وأعطوهم فقط وسيلتين منتنتين لا خير فيهما، ولا تنفعان لا في الدنيا والآخرة: اللهم إني أسألك بحق فلان وجاه فلان، تدخل قرية الصعيد بكاملها فلا تجد أحدهم يتوسل إلا بسيدي فلان، لا يوجد منهم من يفهم أنه يقوم في الليلة الباردة يغتسل ويصلي ويبكي ويسأل الله حاجته!
لا يتوسل إلى الله وبطنه يؤلمه من الجوع لما يقف جائع عند الباب فيحرم نفسه ليواصل الجوع طول الليل ويطعم ذلك المسكين ويسأل الله بذلك. لا، فهم لا يتوسلون إلابـ: أعطني بحق فلان، وأعطني بجاه فلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بم توسل هؤلاء المؤمنون من أهل الجنة؟ بإيمانهم بربهم، اللهم إنا آمنا بك وبرسولك فكفر سيئاتنا، أو أذهب هذا الهم والغم عنا، اشف مرضانا.
لأنهم طردوا من ساحات النور الإلهي، أبعدوا عن مجالس العلم، والعلم يطلب ولا ينزل عليك وحياً، وإنما العلم بالتعلم.
وهذا ابن عباس رضي الله عنه كان يحصل له إشكال في آية أو في حديث أو حادثة ورسول الله قد مات، وأبو بكر مات، فيأتي إلى باب الصحابي في المدينة ويجلس عند الباب، يستحي أن يقرع الباب، فيبقى ينتظر الساعتين والثلاث حتى يخرج الصحابي!
ما الذي يحصل؟ المدينة غبار ليس فيها بلاط ولا إسمنت، والغبار يأتي عليه وعلى وجهه، وهو صابر حتى يخرج عمر أو علي أو عبد الرحمن فيقول: يا ابن عباس كيف هذا؟ يقول: أمرنا بالتأدب معكم.
بهذا ورثنا العلم وعلمنا وأصبحنا علماء، أما نحن إن نسأل فنسأل بسخرية واستهزاء -جربنا العوام- أو لا نسأل.
لماذا لا نسأل؟ كيف نعرف الله حتى نحبه؟ كيف نعرف الله حتى نخافه؟ الشيء الذي لا تعرفه تحبه؟ لا تحبه أبداً. إذاً: هيا نعود، يجب على المسلمين في قراهم، في جبالهم، في تلالهم، في سواحلهم، في أوديتهم، حيثما كانوا، عرباً أو عجماً أن يراجعوا الطريق الذي سلكه رسول الله وأصحابه وأحفادهم، فليس بصعب هذا ولا مستحيل، فلا نكلفك يا بني سوى أن تطرح قلبك لله ووجهك وأن تسلم وجهك لله: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، فقط أهل القرية يتعاهدون على أنه لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا طفل عن صلاة المغرب والعشاء في مسجدنا، ونوسع المسجد، إذا ضاق نوسعه، وبلغنا: أن ناساً أخذوا بهذه الدعوة وقالوا: ضاق المسجد علينا ونحن نوسع أعينونا، فأعانهم الصالحون، وقال: ما أصبحنا نرى بعد غروب الشمس رجل ولا امرأة في القرية، كلهم في بيت الرب يصلون المغرب ويجلسون هذه الجلسة ومكبرات الصوت متوفرة منة من الله عز وجل، نساءنا وراءنا ورجالنا أمامنا والستار بيننا، وأطفالنا بين أيدينا، ونتلقى الكتاب والحكمة، ليلة آية من كتاب الله، وأخرى حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوماً بعد يوم وعاماً بعد عام فلا تمضي عدة أعوم إلا أهل القرية كلهم أولياء الله، انتفى بينهم الحسد والبخل والغش، والخداع والنفاق والباطل والشرك؛ انمحى بأنوار الكتاب والسنة.
هل هذا فيه صعوبة؟! مستحيل هذا؟!
اليهود والنصارى الذين نجري وراءهم ونهتم بهم ونقتدي بهم ولا حول ولا قوة إلا بالله إذا دقت عندهم الساعة السادسة أوقفوا دولاب العمل كله وذهبوا إلى المقاهي والملاهي، وإلى المراقص والمقاصف ودور السينما يروحون -كما يزعمون- على أنفسهم، ونحن أهل الإيمان، أهل السماء والأرض أين نذهب؟ في الأباطيل والتراهات والكلام السيئ.. وهكذا.
كيف نتعلم؟ دلوني؟ والله لا طريقة إلى إنقاذنا إلا هذا أحببنا أم كرهنا، مع أنه لا يكلف شيئاً، والله إن أعمالنا النهارية الدنيوية لتقوى وتصبح أعظم، إذ يوجد عزم وصدق وربانية فلا غش ولا خداع ولا باطل، فنشتغل ثمان ساعات أكثر من أربعين ساعة عند اليهود والنصارى.
ماذا أضعنا؟ كل ما في الأمر أنها ساعتان من غروب الشمس تغلق الدكاكين والمقاهي والعمل، نغلق كل شيء ونتطهر ونأتي بأزواجنا وأولادنا إلى بيت ربنا فنتعلم في صدق الكتاب والحكمة، ولا نزال نسمو ونرتفع حتى نصبح كالكواكب في السماء، ولا تسأل عما يفتح الله به علينا بعد ذلك.
إذاً: صفات أهل الجنة: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [آل عمران:16]، يعترفون بذنوبهم أولا، ويطلبون من سيدهم المغفرة، ويتوسلون إليه بإيمانهم وأن يقيهم عذاب النار، خائفين، أي نعم.
ومنهم أيضاً: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17] وهذا نأتي عليه في درس آخر إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر