فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا طلبنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، ومع هذا النداء الإلهي الكريم، وتلاوته بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103].
أولاً: الأمر بتقوى الله عز وجل، فهيا نطع ربنا، أما نادانا بعنوان الإيمان لأننا مؤمنون فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:102]؟ فقلنا: لبيك اللهم لبيك، مر نفعل، انه نجتنب، بشر نفرح، أنذر نخاف ونحذر، علم نتعلم، كلنا استعداد، وذلك لأننا أحياء، ولأن الإيمان روح وصاحبه حي، والحي يسمع ويأمر وينهى، ويمتثل ويترك لكامل حياته.
أي: أن نتقي غضبه وسخطه وعذابه، وقل: اتقوا الله: خافوه، ارهبوه، اخشوه، ولازم ذلك أن تطيعوه.
إذاً مرة أخرى: نتقي الله بطاعته فيما أمر، وفيما نهى عنه وزجر، إذ لا يمكن لآدمي أو جني أن يتقي عذاب الله وسخطه بدون طاعته عز وجل، فأطيعوه بفعل ما أمركم بفعله، وترك ما نهاكم عن تركه، والمأمور والمنهي يدور على أعمال القلوب والألسن والجوارح.
إذا أمر الله بمعتقد -سواء استطعنا إدراكه وفهمه أو عجزنا لضعفنا- أمرنا أن نؤمن به، كأن يُخبرنا بأنه تعالى فوق عرشه، بائن من خلقه، وكأن يُخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة وينادي: ( هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه )، فنقول: آمنا بالله، ولا نقول:كيف ينزل؟! بل آمنا فقط، وذلك لعجزك يا ابن آدم، ولضعفك، ولعدم قدرتك على ذلك، إذ إننا قد عرفنا أن طاقاتنا محدودة، فالطاقة البدنية صاحبها يستطيع أن يحمل كيساً من الدقيق، وقد يعجز عنه آخر، كذلك الطاقة البصرية قد تبصر إلى مدى ستة أميال عشرة أميال، ثم يعجز بصرك فلا تستطيع أن ترى، أيضاً طاقة سمعك، فقد تسمع صوتاً ينادي من ثلاثة أميال من عشرين ميلاً، ثم تعجز فلا تستطيع أن تسمع، فكذلك عقلك يدرك في حدود محدودة، ولا يستطيع أن يدرك كل شيء، فإذا أمرنا الله تعالى بعقيدة فيجب أن نعتقدها ونعقدها في قلوبنا، سواء قدرنا على فهمها أو عجزنا، والمثال الذي ذكرته لكم واضح، فإذا كان الله ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر وينادي، فلا نقول: كيف؟! فالله أخبرنا، ورسوله يقول: ( إن الله ينصب وجهه لعبده في صلاته ) فإذا قلت: الله أكبر ودخلت في الصلاة، فالرحمن جل جلاله ينصب وجهه لك، وهو معك، فلا تقل: كيف؟! فهو يعلم السر وأخفى، يعلم نبضات العروق وتدفق الدم فيها، لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137]، أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: ( كان الله ولم يكن شيء قبله ) آمنا بالله.
كذلك إذا أمرنا أن نقول قولاً فيجب أن نطيعه ونقول، ولو كان ذلك القول يتنافى مع أغراضنا، مع شهواتنا، مع أطماعنا، مع متطلبات حياتنا، قد أمر الله فأطعه، واتق عذابه بطاعته، فإذا نهانا عن قول أو عمل ينبغي أن ننتهي، إذ تقوى الله عز وجل تكون بالخوف والرهبة منه، والخوف والرهبة يحملان العبد على الطاعة، فالخائف يطيع، والذي لا يخاف ما يطيع.
كأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا رب الذين قلت فيهم: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]؟
قد يقول لك العوام: سيدي عبد القادر، مولاي إدريس ، سيدي العيدروس! فهم لا يعرفون أولياء لله بين الناس أبداً، وإنما يعرفون أولياء الله الذين ماتوا وبنيت على قبورهم القباب، ووضعت عليها الستائر الحرير، وأنيرت قبورهم بالمصابيح، أولئك أولياء الله عندهم! أما أولياء الله الأحياء في الأسواق والمتاجر والمزارع فلا يعرفونهم أبداً.
وقد تكرر هذا القول فبلغوه؛ لأنه لا يزال (95%) منا معاشر المسلمين! لا يعرفون أننا أولياء الله، وإنما أولياء الله -في نظرهم- الذين ماتوا وعُبِدوا من دون الله بالذبح والنذر لهم، والحلف بهم، والخوف منهم عند وجودنا أمام قبورهم، أولئك الأولياء حسب اعتقاد العوام، أما الموجودون على سطح الأرض، يبيعون ويشترون، ويحرثون ويحصدون، ما هم بأولياء!
فهل هناك من يرد علي لعليَ واهم؟
الجواب لا، لا يوجد، وقد عرفنا سر ذلك معرفة علمية يقينية، فقد أراد الثالوث الأسود، وأراد العدو أن يهبط بنا لنصبح دونه، فقنن هذه القوانين، وحصر ولاية الله في الموتى فقط من أجل أن يستبيح الأحياء دماء بعضهم بعضاً، وأعراض بعضهم بعضاً، وأموال بعضهم بعضاً، فترى المسلمين في القرية هذا يزني بامرأة أخيه، وهذا يسرق ماله، وهذا يسبه ويشتمه، وهذا يتكبر عليه ويترفع فوقه، وهذا يزدريه ويحتقره، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، من هذا مع ولي من أولياء الله ما يقدر على أن يقول في ولي: يا كذا.. ممن ماتوا وبنيت عليهم القباب، فهل فهمتم هذه وبلغتموها أو ما زلنا نبكي فقط؟
هيا نسافر إلى دمشق، أو بغداد، أو القاهرة المعزية، أو كراتشي الباكستانية، أو اسطنبول، وبمجرد ما ننزل من الطائرة وندخل المدينة، أول من يقابلنا من أهل البلاد نقول له: يا سيد! جئنا لنزور أحد أولياء الله في هذه المدينة، فمن فضلك دلنا على ولي، والله -إن لم يكن حضر في هذه الحلقة وعرف- لا يقودونا إلا إلى قبر، ولا يفهم أن في كراتشي ولياً بين الناس، ولا في اسطنبول ولا في بغداد ولا في دمشق ولا في مراكش، اللهم إلا الذين بلغتهم هذه الدعوة، وقد انتشرت ففهموا، أما أولئك فلا يفهمون وجود ولياً بين الناس، ولهذا وجد الشتم، والتعيير، والتلصص، والسرقة، والخيانة، والزنا، والفجور، فلا إله إلا الله! لو كانوا مع أولياء الله يفعلون هذا؟! أحدهم ما يستطيع أن يحلف بالكذب بولي من أولياء الله.
فهل عرفتم من هم أولياء الله؟ الجواب من رب الأرباب، إذ قال في بيان ذلك: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].
فهل الذي يعرف هذا يعتدي على ولي الله؟! يسخر منه؟! يستهزئ به؟! يمكر به؟! يفجر بامرأته؟! والله ما كان.
إذاً: تنال ولاية الله بأمرين اثنين: الإيمان، والتقوى الدائمة المتجددة المتكررة، إذ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] يتقون من؟ الله؛ حتى لا يغضب ويسخط عليهم، أو يمحو اسمهم من ديوان أوليائه.
كيف نتقي الله يا أبناء الإسلام؟ نتقيه بطاعته، بالإذعان له، بالتسليم له، إن قال: آمِن، قلت: آمنت، قال: قل، قلت، قال: قف، وقفت، قال: سر، سرت، فهذا هو الإيمان، وهذه هي التقوى.
وبالتالي فكيف نستطيع أن نعرف محاب الله ونستوفيها، ونعرف مساخط الله ونجمعها، فنصبح عالمين بما يحب ربنا وبما يكره؟ هل يحصل هذا بالمنام؟ بالتمني؟ أسألكم بالله بم يحصل؟
يحصل بالطلب، فاطلب تجد، وحسبك أن تسمع قول الله في كتابه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] (فَاسْأَلُوا): فعل أمر، أيأمرنا ولا نلتفت إلى أمره؟! كفرنا به، أم تكبرنا عليه، أم ماذا أصابنا؟! أليس هذا أمره؟ يا من لا يعرف محاب الله، يجب أن تسأل أهل العلم عنها حتى تعرفها، يا من لا يعرف مساخط الله، اسأل أهل العلم حتى تعرفها فتتركها حتى لا تُغضب الرب عليك.
هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون رسول الله؟ ، نعم، فهذا ابن مسعود وقف في الصف وقال: ( يا رسول الله، أي شيء أحب إلى الله؟ قال -جواب العالم-: الصلاة على وقتها -أحب شيء: الصلاة على أول وقتها- قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين )، فأصبح ابن مسعود يبر بأبويه، يؤثرهما على نفسه، يجوع ولا تجوع أمه، يعرى ولا يعرى أباه، ( قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله )، فما نودي إلى الجهاد إلا كان في وسط الصف، يسأل أو لا؟
والرسول نفسه يعلمهم بالسؤال فيقول: ( ألا ) تعرفون: (ألا)؟ ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله ) أي: نبئنا، أخبرنا، لمَ ينبئهم بأكبر الكبائر؟ ليجتنبوها، وحتى يحققوا تقوى الله لهم، ( بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله ) فلم يبق أبداً ممن سمعوا من المؤمنين والمؤمنات من يرضى بأن يشرك بالله ولو في كلمة، والشرك بالله يكون باعتقاد وجود من يخلق أو يرزق أو يدبر أو يحيي أو يميت أو يعطي أو يمنع أو يضر أو ينفع في هذه الأكوان، فلا يصرف عبد الله ولا أمته عبادة الله لغير الله ولو بانحناء.
كثير من شبيبتكم أيها المؤمنون! ومن أحفادكم وأولادكم يقبل يد أبيه أو الشيخ، هكذا، ويسجد، يُقبَّل وهو فحل أطول منك! فهل يجوز هذا؟ هل هناك من يستحق أن يُسجد له على الجبهة والأنف سوى الله؟ والله لا أحد، فالركوع لا يكون إلا لله.
ومن المؤسف: أن أبطال الكرة -والعياذ بالله- لما ينتهي اللعب ويريدون أن يتفرقوا يركعون للشيطان! ومع الأسف فيهم من يزعم أنه مؤمن.
أرأيتم كيف يركعون للشيطان؟!
آه! لا يحل لمؤمن يؤمن بالله ولقائه أن يصرف عبادة من العبادات لمخلوق من مخلوقات الله يحمل العذرة والبول العفن في بطنه، فكيف يركع له ويسجد؟! كيف ينحني له؟!
وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سيد البشر، والله ما رضي أن يُسجد له، جاء أحدهم من أهل الشام، وأراد أن يفعل كما يفعل مع حكامه ومسئوليه، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )؛ لما له عليها من حقوق، ولكن لا سجود إلا لله.
وبينا لكم كيف الشرك؟ وفيم أشرك؟ في عظمة الله، تلك العظمة مخلوق من مخلوقات الله؛ لأن أصل الحلف هو تعظيم المحلوف به وإجلاله وإكباره؛ لما له من سلطة وقوة وقدرة وجناب عظيم، فإذا حلفت بمخلوق فقد أعطيت مما هو لله لهذا المخلوق، وأشركته في العظمة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أشرك هذا المخلوق في حق الله، في عظمة الله، ولعلكم لا تعلمون أن الفطرة البشرية في الجاهلية أنه لا يحلف إلا بشيء عظيم، فلا يحلف بالشيء المهان كالقط والكلب وما إلى ذلك، وإنما يحلف بما هو عزيز وعظيم، ومن هنا من حلف بغير الله فقد أشرك في عظمة الله وجلاله وكبريائه.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ( فقد كفر )، فقد قلت لكم وعلمتم أن الكفر معناه: الجحود، التغطية، الستر، فمن حلف بغير الله فقد غطَّى الله وستره وجحده، حتى حلف بغيره، لو تجلى له الله عز وجل ما يستطيع، كيف يحلف بغيره؟ فمن حلف بغير الله فقد كفر الله، وجحده، ولو ما جحده لمَ لا يحلف به؟! وكيف يحلف بغيره وهو يؤمن به؟! وماذا نصنع مع هؤلاء؟ نقول لهم: توبوا، قولوا: لا إله إلا الله.
إذاً: لابد من معرفة ما نتقي الله تعالى فيه، وهو أوامر ونواهي جاءت في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن لم يعرف تلك الأوامر ولا تلك النواهي -والله- لن يكون ولياً لله، ولو طار في السماء ونحن نشاهد، أو غاص في الماء ونحن نبصر، والله ما هو بولي لله أبداً، تذكرون هذه أو نسيتموها؟ قالت الحكماء: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علَّمه. أي: إذا أرادك الله ولياً له وأنت جاهل علمك، كيف يعلمك؟ يعطيك ذكاء فارطاً، فلا تسمع كلمة إلا تحفظها، يبعثك إلى حِلق الذِكر ويدفعك دفعاً، يبعث بك إلى أبواب العلماء فتقرع الباب وتسأل حتى تتعلم، فهو يعلمك بالإيحاء الخاص، لا أنك بنبي.
هل هي المدارس والمعاهد والكليات والجامعات؟! حقاً هي وضعت للتعليم، ولكن صرفناها لغير الله، وقد قلنا لهم: اتركوها لدنياكم، اتركوها لتعليم الصناعات ومهن الحياة، وأما تعليم محاب الله ومكارهه فإنه لا يتم في غير بيوت الله عز وجل، إذ الآتي إلى المسجد لا يرجو شهادة يظفر بوظيفة بها، ولا سمعة ولا شهرة يرتفع بها، وإنما يجيء فيتململ ويطِّرح بين يدي الله في بيته يتعلم محابه ومساخطه، ليحب ما يحب ربه، ويكره ما يكره ربه، وليعمل المحبوب ويقدمه لمولاه، ويبتعد عنه المكروه والمبغوض له.
يا علماء الإسلام! أين أنتم؟ ماتوا.. سبحان الله! أين علماء الإسلام؟ كأنني قاربت الموت، فلهذا ما أصبحت أخاف، أين العلماء؟ لا وجود لهم أو غطيتموهم؟ كذا شهراً بل سنة ونحن نقرر هذه الحقيقة، لن نعود إلى الصراط السوي والطريق المستقيم لنكمل ونسعد إلا إذا عدنا إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن يجتمع نساء ورجال القرية وأولادهم في جامعهم الذي بنوه باللبن والطوب، بالخشب والشجر أو بالحديد والاسمنت، يصلون المغرب ويجلسون جلوسنا هذا، النساء وراء، والأطفال دونهن، والفحول أمامهم، ويجلس لهم عالم رباني، يعلمهم ليلة آية من كتاب الله، وأخرى حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك لن يبقى مذهب ولا فرقة ولا طائفة ولا جماعة؛ لأن أهل القرية أصبحوا كنفس واحدة، فقد أخذوا يتعلمون: قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، في العقيدة، في العبادة، في الآداب، في الأخلاق، في المعاملات، فلا تمض سنة إلا وهم أولياء الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله على أن يزيل جبلاً لأزاله، فيصبحون في حماية الله، من عاداهم أعلن الله الحرب عليه، فمزقه وشتت شمله وأهلكه، ولا يكلف هذا المؤمنين شيئاً، فلا يوقِف مزارعهم ولا متاجرهم، ولا يوقِف أعمالهم أبداً، فكل البشر إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل وأقبلوا على اللهو والباطل والأكل والشرب، والمؤمنون عرب وعجم في قراهم ومدنهم أولى بهذا أو لا؟ ولا سبيل إلى توحيد أمة الإسلام، وجمع كلمتها وقلوبها، وإطفاء نار التحزب والخلاف والفتنة بينها إلا هذا الطريق، أحببنا أم كرهنا.
ووالله لن يسعد حكامهم، ولن تطيب حياتهم، ولن يشعروا بطمأنينة ولا سلام ولا سعادة إلا على هذا المنهج، من يرد عليّ؟ يا أهل البصائر قولوا، عندنا مثل: يا أهل القرية الفلانية! نسألكم بالله من هو أتقاكم لله، فلا يسرق ولا يزني ولا يكذب ولا يخون؟ الجواب: أعلمنا، أو في هذا وهم؟! في أي مكان أعلم أهله أتقاهم لربه؟ لمَ؟ لأنه عرف الله وعرف ما يحب وما يكره، وعرف ما لديه لأعدائه ولأوليائه فاتقى الله، أما أن تأمر جاهلاً بتقوى الله فلن يتقي الله؛ لأنه ليس أهلاً لتقوى الله.
وشيء آخر قلته غير ما مرة: حتى في البلاد التي فيها الحكم العسكري والضغط و.. لما يشاهد المسئولون اجتماع القرية في مسجدهم على هذا النور، والله لأتوا وجلسوا معهم واطمأنوا، واستفادوا أموالاً كثيرة يصبحون في غنىً عنها؛ لأن هذا التجمع في الله ينتهي معه الفقر المدقع، إذ إن العامل ناشط مبارك العمل، فينتهي الإسراف والشهوات والبذخ، والخبز والزيت كافيان، فلا نريد البقلاوة والحلاوة، ويتوفر الثياب واللباس، وتستريح الدولة، فهل ما نستطيع أن نفعل ذلك؟ يا علماء! أين الكتاب المفتوح إلى علماء المسلمين وحكامهم، إلى مسئولي أمة الإسلام علماء وحكام؟ بمن البداية؟ بالعلماء أو بالحكام؟
بالعلماء، والحكام يكفيهم مهمتهم، ولذا لابد أن العلماء هم الذين يقرعون أبوابهم، ويقدمون الهدى لهم، فهذا كتاب مفتوح كأنما وزعناه على القبور إلى الآن! سنة إلى الآن؟ هذا في فاتح المحرم، والله سنة، كأنما نشرناه على قبور الموتى، ما بلغنا أن عالماً حاول هذه الحركة بأدب واتصل بالمسئولين وقال: نجمع إخواني في هذا المسجد ولا.. ولا.. لا في الشرق ولا في الغرب، لا في العرب ولا في العجم، أبداً، كأن هذا الكلام باطل، أو خرافة، أو ضلالة، أو يجلب بلاء، أو يسوق إلى فتنة، والله لا ذاك ولا ذا، ما هو إلا أن نعود إلى الله؛ لنطهر ونصفوا ونكمل ونسعد، وينتهي الخبث من ديارنا، وينتهي الشر والفساد؛ ليظهر الحب والولاء، وينتهي كل مظهر من مظاهر الضعف والهبوط، إذا السُلَّم للرُقي هو ما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
وهنا جاءت آية من سورة التغابن خففت عن نفوس المؤمنين، وهي قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] اتقوا الله بالقدر الذي تقدرون وتستطيعون عليه، فمن أراد أن يحمل كيساً يحمل، فإن عجز تركه، ولا يقول: أنا ما أستطيع، لا، أولاً: قم طاعة لله واحمد، فإذا أراد أن يصوم ما يقول: ما أستطيع أن نصوم، وإذا أذن الظهر عجز أفطر، لما يعرف أنه اتقى الله في حدود طاقته، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] فهذه كالمخففة لعموم هذه الآية، وما قاله العلماء نعيش عليه، نذكر الله فلا ننساه، ونشكره فلا نكفره، ونطيعه فلا نعصيه.
وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر