فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) .
اللهم حقق رجاءنا يا ولينا؛ إنه لا ولي لنا سواك.
وها نحن مع هذه الآيات الأربع من سورة آل عمران.
وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:86-89].
هذا كلام الله عز وجل. وقبل الشروع فيها نذكر أنفسنا بالآيتين السابقتين اللتين درسناهما الليلة الماضية.
ولو قال لنا قائل: ماذا أسلمتم لله؟ تعلنون أنكم مسلمون فأي شيء أسلمتموه؟
جوابنا: أسلمنا له قلوبنا فلا تتقلب أبداً إلا في طلب رضاه، وأسلمنا له وجوهنا وتبعتها أعضاؤنا، فو الله لا نبني ولا نهدم ولا نتزوج ولا نطلق ولا نأكل ولا نشرب ولا ننام ولا نستيقظ إلا من أجل الله؛ لأننا وقف على الله، وكل ريع الوقف يعود إلى من أوقف عليه، وآية الوقفية من سورة الأنعام المباركة وهي قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
إذاً: أنتم وقف على الله، فإياكم أن يضيع شيء منكم لغير الله. فلما تجلس يا شيخ عبد الله أمام شاشة الفيديو أو التلفاز، وتبدأ أنواع العروض تظهر من دقيقة إلى أخرى، وأنت وسيدتك وبناتك وأولادك، وهذه تضحك وهذا يقول: انظر يا بابا، وهذا كذا، ساعتين أو ثلاث ساعات، فهذا الوقت من سمح لكم ووهبكم أن تضيعوه في ما يغضب الله .. في ما يسخط الملائكة ويخرجهم من بيوتكم؟ وإذا فرغ المنزل يعمره العدو المتربص ألا وهم الشياطين.
فإذا دخلت الشياطين ماذا تصنع معكم؟
تطبخ لكم الطعام! تحرس لكم بيتكم من اللصوص! تزيد في طاقة إيمانكم!
مهمة الشياطين إفساد قلوبكم؛ لتخبث نفوسكم، فتتحدون معهم في أنكم من أهل النار، وهذه مهمة إبليس، إذ قال لربه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ يا رب لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82].
فالذي يضيع الساعتين في هذا الباطل يكون الشيطان قد أخذ منه ربع وقفه؛ لأنه يستيقظ عشر ساعات ويقضي اثنا عشر ساعة في النوم.
وكذلك لما تجلس تقول: هات يا ولد جريدة البلاد .. الجزيرة .. الرياض .. كذا، وتبدأ تتصفح وتقرأ ثم ترمي، ولمدة ساعتين. فما الذي استفدته وقدمته لله في الساعتين؟ أسألك بالله أن تخبرني.
الجواب: لا شيء. هل نفعت هذه الصحف في زيادة المعارف والعلوم؟ وهل رقتهم وسمت بهم في آدابهم وأخلاقهم فتأتسي أنت وتجري وراءهم؟ كلا.
أين الفائدة المرجوة؟!
لو كنت مسئولاً على البلاد والعباد وأردت أن تتبع أحداث العالم فهل أنت وليهم لنعذرك، وهل يكون عملك هذا في قراءة الصحف بالساعة والساعتين هذا لله؛ لأنك تريد أن تحمي من تحتك وأنت أميرهم ووليهم، لكن ما دمت لا صلة لك بالسياسة ولا علاقة لك بالحكم فتضييعك لهذا الوقت في سبيل من؟!
والله لأن تصلي ركعتين خير لك ألف مرة من تلك الساعتين التي تقرأ فيهما المجلات والصحف الهابطة، لا تتعلم فيهما آية ولا سنة.
أين الوقفية على الله؟
اتصلت بي مؤمنة تقول: يا شيخ! زوجي يفجر بالخادمة وفي رمضان، فماذا أصنع؟
قلت لها: انصحيه وقولي له: اسمع يا فحل! إما أن تتوب وإما أن نفارقك، فإن الله لا يجمع الطيبين مع الأخباث ولا الخبثاء مع الطيبين، فالطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات.
ثم سألتها: هل عندكم في البيت تلفاز؟ قالت: نعم عندنا نلفاز نجلس عليه.
قلت لها: لم؟ قالت: من أجل الأولاد.
فوضعت السماعة وتركتها، وعرفت أن العلة في الشياطين فهي التي زينت وحسنت وحملت هذا الرجل على أن يفجر بخادمته وأم أولاده بين يديه.
فمن مسخ قلبه وأزال ذلك النور وأبطله؟ كيف اكتسب هذا؟ والله إنه لمن السماع والنظر.
إذاً: نقول: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ نعم يا رب! لك لا لسواك مسلمون، أسلمنا قلوبنا ووجوهنا، فلا هم لنا إلا أن يرضى الله ولا يسخط علينا، وليس هذا بمانع أن تتناول مسحاتك يا فلاح وتسقي زرعك أو أن تعمل في حديقتك لتكتسب قوتك، أو أن تحمل كيسك أو زنبيلك وتجول في الشوارع تلتقط الأوساخ كناس في البلدية، لنعم ذلك العمل إن كنت تريد به وجه الله عز وجل.
فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يفهم هذه الكلمة، فيعرف من هم الخاسرون، فالخاسرون عباد الله هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا حكم الله عز وجل.
والإسلام هو: الانقياد والخضوع، وتسليم القلب والوجه لله.
ومبنى هذا الدين يقوم على: الإيمان والإسلام والإحسان، وحديث جبريل عليه السلام شاهد في هذا. فقد بعث الله جبريل وتزيا بزي المؤمنين ودخل كأنه بدوي يشق الصفوف والناس ينظرون إليه، حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ليعلمنا كيف نتلقى العلم والمعرفة، ثم أخذ في السؤال: ( أخبرني يا محمد عن الإيمان، فيقول: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيقول: صدقت. أخبرني عن الإسلام يا محمد. فيقول: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلاً، فيقول: صدقت. فقالوا: عجبنا له يسأله ويصدقه ) إذاً هو أعلم منه. ( أخبرني عن الإحسان يا محمد! قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ) فإن عجزت وهبطت وما استطعت أن تصل إلى هذا المستوى فعلى الأقل أن تعبد الله وأنت موقن أنه يراك، فإن لم تكن تراه أنت لعجزك وضعفك فهو يراك.
فأيما مؤمن صادق الإيمان يدخل في عبادة ويؤديها كأنه ينظر إلى الله أو موقن أن الله ينظر إليه من المستحيل أن يعبث بها أو يخرج بها عن دائرتها، أو يؤديها على غير الوجه المطلوب منها لتثمر الزكاة والطهر لنفسه، لكن الذي يصلي ولا يشعر أنه مع الله ولا أن الله ينظر إليه ولا هو يتصور أنه بين يدي الله وأنه يناجيه كيف يعبد الله؟ إنها عبادة فارغة لا تنتج زكاة ولا طهراً.
فإن قال قائل: ما الدليل على ما تقول يا شيخ؟
الجواب: الدليل يقول تعالى في بيان سبيل الهداية والطرق الموصلة إلى الكمال، يقول لرسوله وأمته تابعة له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ أي: اقرأ ما أوحي إليك من الكتاب وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، فابتدأ بقوله: إِنَّ الصَّلاةَ التي أمرت أن تقيمها تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فيقول العليم الحكيم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. فهو كالذي لا يأكل فلا يشبع، والذي لا يشرب فلا يرتوي، والذي لا يستريح فلا يستريح، فإنها سنن لا تتبدل، فلو كانت تلك الصلاة قد أثمرت له زكاة روحه وطهارة نفسه لما خرج من المسجد يكذب، ولما صلى ثم خرج من المسجد يغش .. يخدع .. ينظر إلى نساء الناس .. يشتم ويلعن .. يعير ويضحك ويسخر.
أين آثار الصلاة؟!
والصحيح أنه ما صلى؛ إذ (لو صلى ما غنى) وهذه كلمة قيلت أيام كانت المدينة محط الأنوار على عهد التابعين، فقد مر رجلان في أزقة المدينة الضيقة أيام ما كانت سيارات ولا دبابات، وأثناء الليل وإذا بصوت مغني يسمع من الكوة أو النافذة، وليس بصوت عاهر أو فريد الأطرش ، قال: آه! يا ترى، هل صلى هذا العشاء؟ قال له صاحبه: لو صلى ما غنى. إي والله! لو صلى ما غنى.
الآن مضت عليكم فترة، وقبل ثلاثين سنة .. سبع وعشرين سنة، كان الذي يستنكر الأغاني يعتبر معتوه لا قيمة له: كيف يستنكر الأغاني؟ والناس يهيئون الأفراد لهذا، فيتعلم الأغاني النساء والبنات والفتيات والرجال، وكانت هناك مدارس خاصة للتمثيل، وكان هناك فلان مغني، وفلانة مغنية، لكن الحمد لله! زالت تلك السحب ولاحت أنوار الشمس من جديد، وأصبح الحاضرون لا يتألم وممكن واحد في المائة إذا نددنا بالأغاني وأهلها، وقبل اليوم يا ويحك.
على كل حال! عرفتم الإسلام الذي نحن من أهله: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي: آمنا بالله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، فلا نصرف طاعة من طاعته لغيره أبداً كيفما كانت الأحوال إلا إذا هددنا بالقتل أو التعذيب فقد رفع الله عنا ذلك: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
ثانياً: الإسلام قائم على الإيمان، ومن لم يؤمن لا يستطيع أن يسلم شيئاً، فهو شحيح، حتى بساعة من يومه أو ليلته، لكن إذا آمن وأيقن وأصبح على نور من ربه فهو مستعد أن يجاهد.
لقد كان الأوائل يرقصون فرحاً إذا دخلوا الميدان ومعركة الجهاد فرحاً بلقاء الله عز وجل؛ لأنهم عرفوا الله عز وجل. وكان أحدهم يخرج بماله، وقد خرج أبو بكر من ماله كله، وخرج عمر من نصف ماله، وخرج شيخكم في جهاد الجزائر من نصف ماله، كان عندي قدر من المال قسمته قسمين وقدمناه للمجاهدين أيام كان الجهاد لله.
أما الحكومة السعودية التي نسأل الله تعالى أن يميتنا قبل أن يسقطها، وألا يرينا الله تعالى فيها مكروهاً، فإنها آية الله وحجته على البشرية كلها، أين الذين يفقهون ويفهمون؟
لما هبطت أمة الإسلام ولصقت بالأرض وسادها الكفر وقادها إلى العهر والفجور والسحر والباطل وعزم العالم كله ألا عودة للإسلام، وألا قيمة لهذا القرآن، يقرأ على الموتى، ولا يتحقق به أمن ولا طهارة ولا صفاء؛ فجاء الله بـعبد العزيز قدس الله روحه، ولعن الله من يلعنه، جاء به في ظروف قاسية وشديدة، واسألوا الذين كانوا في جيشه فقد كان راتبهم صاعاً من شعير أو تمر، ولا طائرة ولا سيارة ولا هاتف، فحكَّم كتاب الله، وأقام تلك الدولة البدوية الصحراوية على دعائم إلهية ربانية؛ أربع دعائم فقط جاءت في قول الله تعالى من سورة الحج يا أهل القرآن: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] وبالله الذي لا إله غيره لن تكمل أمة ولن يسعد شعب ولن تطهر بلاد ولن تعز ما لم تقم الدولة على هذه الأركان الأربعة.
وساد البلاد أمن ما حلمت به هذه البلاد من عهد القرون الذهبية الأولى، بعدما كان الرجل في المدينة يجد باب بيته يباع في السوق فلا يتكلم. وكان الحاج يأكل ذهبه يدخرها في بطنه حتى إذا خرأها استخرجها وإلا تسلب منه.
فساد هذه البلاد أمن، ويمشي الرجل من طرف المملكة إلى طرفها شرقاً وغرباً لا يخاف إلا الله، وقد سكنا من كذا وأربعين سنة في منزل والله بلا باب، وهذه السويقة الصغيرة باب السلام تمر بالذهب والدراهم والدنانير مكومة وعليها غشاء غطاء من خرقة بالية والمؤمنون بين يدي الله يصلون، لا يخافون أن يسلب دينار ولا درهم، فكيف تحقق هذا الأمن؟ بالسحر! تحقق بالبوليس! بالآلات!
فرنسا رسمياً تعلن عن عشرة آلاف جريمة في كل يوم، ومن منا يملك طاقات الأمن كفرنسا؟ وهل نفعت؟!
لقد تحقق طهر ما كانت تعرفه هذه البلاد إلا في عهد القرون الذهبية بقوة ماذا؟ لا شيء.
لقد أراد الله أن يقيم حجته على الخلق ليعلموا أن الإسلام إذا طبق وعمل به لابد وأن يتحقق به مراد الله من الأمن والطهر والصفاء.
وسحر اليهود العرب والمسلمون فاستقل لنا نيف وأربعون إقليماً، وعايشنا تلك الاستقلالات، فلما كان الإقليم يستقل كان نقول: الله أكبر! الله أكبر! فاستقلت باكستان .. استقلت إندونيسيا .. ولم يعرف إقليم واحد هذه القواعد الأربعة وبنى عليها دولته، وهو كذلك حال الدويلات الهابطة والتي فيها حفنات من البشر.
أنا أعجب! حاربنا فرنسا وطردناها وأجليناها فلم لا نطبق شريعة الله؟
طردنا بريطانيا وأبعدنا هولندا العجوز وقد كانت تحكمنا في إندونيسيا، كيف أن ثلاثة عشر مليوناً يسوسون مائة مليون، فأين المسلمون؟ الجواب: ماتوا. فلا أقيمت الصلاة في بلد ولا جبيت الزكاة في بلد ولا وجد من يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر في بلد.
وكان المفروض بنا لو كنا متأهلين للخير أنه ما إن يستقل إقليم - ونحن ما استقللنا في يوم واحد ولا في عام واحد بل أكثر من خمسين سنة- في الشرق أو الغرب، في بلاد العجم أو العرب يأتي رجاله على الفور، وتأتي لجنة سباعية .. عشارية، ويقولون: أي عبد العزيز ! أنت إمام المسلمين، وهذه مفاتيح البلاد بين يديك، فابعث لنا قضاة يقضون بيننا بالكتاب والسنة كما عندكم، ويكونون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيدخلون البلاد أولاً: إقام الصلاة إجبارية. ثانياً: جباية الزكاة رسمية، فلا ضريبة ولا مضروبة، وثالثاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم تابعون للدولة الإسلامية وجزء منها حتى تعود الخلافة من جديد. والله ما فعل هذا قطر ولا إقليم لا من العرب ولا من المسلمين. وهذا الواقع.
وبعد ماذا أصابهم من بلاء؟ هل عزوا؟ هل كملوا؟ هل سعدوا؟ هل طابوا وطهروا؟
أسألكم بالله! لا شيء، هذا جزاؤنا، لو تم هذا لكانت الخلافة قائمة، لكن على العكس هناك من يقول: السعودية اليهودية، السعودية الوهابية، فالسب والشتم. ومحدثكم هذا الذي تغضبون له وعليه سمع هذا من الشرق والغرب، كأنه لا عدو إلا هذا، والله بأذني هاتين ركبت حافلة في بلد ما، وطلع أعمى ومعه دف وزميله مساعده معه، يدفدفون هكذا ويطلبون الفلوس يقولون: يا سعودية يا يهودية؛ ليجمعوا الفلوس ويعطيهم إخوانكم. آه! فماذا عسانا أن نقول؟
وجاءت الفاضحة، وليست الحاقة ولا الواقعة، وهي حرب الخليج، وإخواننا المسلمون يرقصون ويصفقون فرحون بالجهاد مع صدام . والله لولا الله لتبقى هذه الحجة له قائمة لكانوا في أربعة أيام يطبقون علينا نهائياً، وقد طوقونا من الشمال والجنوب والغرب والشرق، ولكن الله قال: قفوا، فما زالت حجة الله عز وجل. فوقفوا.
هل من واع؟ كلا، فلا بصيرة ولا وعي.
وفي داخل البلاد يعملون على إسقاطها وإحباطها، فيهزءون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسخرون من العلماء، ويستهزئون بالحكام وهم لا يشعرون.
ونحن نقول: يا جماعة! يا مسلمون في الشرق والغرب! هذه آية ربكم لا تطفئوا نورها، فاعملوا على بقائها وتقويتها.
إن الذي يزني في هذه البلاد يهدم في هذه الحكومة، والذي يكذب في هذه البلاد كالذي يسرق ويهدم، والذي يترك ذكر الله ويقبل على ذكر الشيطان هو يعمل على هدم هذه البقية الباقية، تقول: استقيموا، ولكن:
أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
وليمض حكم الله وهو العزيز الحكيم.
إلا أننا نتوقع أن محنة وفتنة وبلاء ستنزل بالعرب والمسلمين، لا ندري كيف، وظواهرها وبوادرها لائحة في الآفاق، لأننا ما عرفنا الطريق إلى الله. والعلة ما من مصيبة إلا بذنب، وصدق الله العظيم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].
قال: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:86] أي: كالشمس وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمران:86] أي: لا يهديهم إلى ما فيه سعادتهم وكمالهم .. لا يهديهم إلى طرق النجاة والسلامة من عذاب الدنيا وخزيها وعذاب الآخرة وخزيها.
وهذه الآية وإن نزلت في أحداث فهي عامة.
كم واحد دخل في الإسلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذهبوا إلى مكة وارتدوا؟
هناك مجموعة من اليهود حصل منهم هذا، لكن الآية ليست بسبب شخص أو أشخاص.
قوله: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا قلوا أو كثروا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ أي: بعد أن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله انتكسوا وارتدوا وعبدوا غير الله، وكذبوا رسول الله وحاربوا دينه ورسالته.
فيستبعد الله تعالى إيمان هؤلاء، فما يعودون.
وبنو أبيرق كانوا قد سرقوا درعاً، والدروع كانت ذات قيمة في الحروب، فلما طلبوه وشعروا أخذوا الدرع ورموه في بيت يهودي وقالوا: تعالوا، فالدرع في سقيفة اليهودي. فجاء الأصحاب ووجدوا الدرع في بيت اليهودي، فقال اليهودي: أبداً، أنا ما فعلت، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، فدافع عن بني أبيرق، ثم فضحهم الله، وشرد زعيمهم وذهب إلى مكة مرتداً، وجاء يخون في منزل فحفر الجدار وأدخل رأسه فسقط عليه الجدار، فألقي كالفأر ميتاً كافراً في الجدار، وفيه نزل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ... [النساء:105-106] الآيات.
فهذه الأحداث وجدت، لكن الآية أعم من جماعة أو فرد.
ثم لما نبحث في قوله: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ [آل عمران:86] نجد ينطبق على الذين عطلوا الشريعة بكاملها وأعرضوا عنها، ويستوردون القوانين الهابطة من ديار الشيوعية والصليبية والكفر ويعرضون عن الإسلام.
وشيء آخر: هل سادوا أو عزوا وكملوا؟ هل ذاقوا نسيم الأمن والطهر في ديارهم؟ والله ما ذاقوه.
هي نتوب إلى الله، فإن الله قال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:89]. من يبلغهم هذا؟ لا أحد، فهناك إعراض كامل.
إذاً أولئك البعداء جزاؤهم مقابل ردتهم وانتكاستهم وإعراضهم ونسيانهم لذكر الله بعدما جاءهم الحق وعرفوه، الكتاب بين أيديهم والرسول يعرفون حتى قبره وبلاده؛ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [آل عمران:87] .
إذاً: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:89] فيغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم، إذ من صفاته صفات الجلال والكمال أنه غفور، فلو لم يكن من ذنب كيف يعرف أن الله غفور؟
وهو رحيم بعباده .. بالحيوانات .. بكل المخلوقات، فكيف بمن رجعوا إليه واطرحوا بين يديه معلنين عن توبتهم وإسلامهم؟!
هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر