أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) . اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
أعيد إلى أذهاننا جميعاً هداية الآيات الثلاث التي تدارسناها بالأمس، وتلاوة الآيات تلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:23-25].
أولاً: من الإعراض عن الدين والكفر به: رفض التحاكم إلى كتاب الله عز وجل ] مما يدل على أن فلاناً أو الجماعة الفلانية أو الأمة الفلانية معرضة عن دين الله عدم تحاكمها إلى كتاب الله عز وجل [ إذ قال تعالى وقوله الحق: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ]. وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] فوفد نجران رفضوا أن يرجعوا إلى كتاب الله والتوراة كالإنجيل تحملان صفات رسول الله ونعوته بصورة تكاد تنطق، ولما دعوا إلى ذلك رفضوا.
[ثانياً: أفسد شيء للأديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها: الافتراء فيها -على الله- والابتداع عليها والقول فيها بغير علم]. الأديان الإلهية يفسدها الافتراء على الله والكذب وإضافة ذلك إلى كتاب الله والابتداع في دين الله.
وعلى سبيل المثال: من أين لليهود أن النار لن تمسهم يوم القيامة إلا أربعين يوماً؟ والله لهو الافتراء والكذب على الله.
من وضع لهم هذه؟ علماؤهم ليسهلوا عليهم طرق الفساد والشر ومواصلة الكذب والنفاق، وآية البقرة فضحتهم أيما فضيحة؛ إذ قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ [البقرة:80] هاتوا عهد الله الذي عهد إليكم أنه لن يمسكم العذاب إلا أربعين يوماً أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] وهذه أسوأ، بل تقولون على الله ما لا تعلمون.
ثم قال تعالى: بَلَى [البقرة:81] أي: ليس الأمر كما زعمتم أو كما تعتقدون الباطل مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81]، وقد وقع المسلمون في هذه الورطة بالذات، فكتب العلماء وهمشوا وحشوا وكتبوا وأضافوا إلى دين الله ما ليس منه، فوقعت أمتنا في ما وقعت فيه الأمم السابقة إلا من رحم الله.
[ ثالثاً: مضرة الاغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحدثين على الكتب الدينية من الحكايات والأباطيل بحجة الترغيب والترهيب، فيغتر بها الناس فيضلوا ويهلكوا ] وقد قرأنا أمس نبذة من كلام المشايخ رؤساء الطرق كيف يكذبون على هذه الأمة.
[ رابعاً: فضيلة ذكر أهوال يوم القيامة وما يلاقي فيها أهل الظلم والشر والفساد ] لأن الله قال: فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25]. هذه هداية الآيات الثلاث السابقة.
وعوضت عن ياء النداء مع اسم الجلالة الأعظم الميم المشددة في آخر اسم الجلالة: (اللهم)، هذه الميم المشددة عوض عن ياء النداء، وهذا مما اختص الله به عز وجل، (اللهم) كأنك تقول: يا ألله.
ويروى عن السلف: أن هذا الاسم بهذه الميم اشتمل على كل أسماء الله الحسنى، فمن سأل الله بقوله: اللهم هب لي كذا فكأنما دعاه بأسمائه كلها؛ لأن اسم الجلالة الأعظم (الله) يدل على تلك الأسماء: العليم والحكيم واللطيف والخبير والرءوف والرحيم وغيرها.
إذاً: فلنكثر من دعاء الله عز وجل ولنفتتحه بكلمة: (اللهم).
كيف يصنع؟ يقول: ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) . لازمها يا عبد الله إن كنت مديناً، لا تفتر تقولها يومياً، فإن الله سيقضي عنك دينك ولو كان ملء الأرض ذهباً.
وكان في الحلقة أحد الصالحين أقسم بالله لقد كان عليه سبعون ألف ريال دين وقضيت في أيام، ونحن لا نمتحن ربنا -معاذ الله- ولكن بلغنا هذا فقلنا به.
يا أصحاب الديون! يا من يشتكون ديوناً للغير هذا باب قضائها وسدادها قد انفتح لكم، لا تفتر صباح مساء.
نحن نقولها والحمد لله دبر كل صلاة، فادع الله بهذا الدعاء وكلك يقين بأن الله سيقضي عنك دينك، تقرأ هاتين الآيتين ثم بعد ذلك تقول: رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما اقض عني ديني، ترزق من تشاء، اقض عني ديني. وكررها كل يوم، فإن الله عز وجل سيقضي عنك دينك. والحديث هكذا كما ذكره القرطبي .
ونص الحديث كما أخرجه أبو نعيم في الحلية: ( أن
كيف ترون هذه الفائدة؟
يا أيها المدينون! هذا باب قضاء دينكم قد انفتح فلا تحرموه، ما يمنعك أن تتملق ربك مرة في الليلة ومرة في النهار: ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) . وكرر هذا الالتجاء الصادق وكلك يقين في أن الله سيؤدي عنك هذا الدين فإنك والله لن تحرم.
أو نترك هذا ونذهب إلى البنوك وبيع السيارات؟!
ستقولون: يا شيخ! ما علمنا هذا، ما عرفناه إلا اليوم وإلا ما وقعنا في ذلك.
إذاً: افتح المصحف تجد هاتان الآيتان، وإذا كنت لا تعرف القراءة فاجلس إلى بنتك أو ابنك يقرأ وتعلم عنه الآيتين وتحفظهما، فإذا حفظت الآيتين بقي نص الحديث: ( رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما ما تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) وكرر هذا اليوم بعد اليوم حتى تنفرج عنك الحال ويقضى دينك.
وأهل العلم يرغبون في تلاوة هاتين الآيتين دبر كل صلاة، نقرأ آية الكرسي ونضيف إليها: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18] و: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] فهذا ذكر رباني، كلام الله نتملق به ونتزلف إليه سبحانه.
فإذا كان أخوك بين يديك فإنك لا تقول: يا إبراهيم، بل تقول: إبراهيم صب الماء، إبراهيم قم لكذا، وأما إذا كان بعيداً فتحتاج إلى أن تقول: يا إبراهيم.
ولما كان الله أقرب إلينا من حبل الوريد منا جاءنا بهذه الكلمة الطيبة منة منه وفضلاً، بلغتنا عن رسوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم).
الله يعلم رسوله: (قل اللهم) إلا إذا قلنا: (قلِ اللهم) حسب القراءة حركنا اللام الساكنة قلنا: (قلِ اللهم)؛ لأن اسم الله إذا سبق بحرف جر يلين ويرقق ولا يفخم، كأن تقول: بسم الله، وتقول: وصلى الله. أليس كذلك؟
تقول: هذا من فضل الله، وتقول: هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
إذاً: اسم الجلالة إذا سبقه حرف جر يأتي بالترقيق، بسم الله، من فضل الله، وإن سبقه رفع أو نصب يفخم، قال الله جل جلاله.
كذلك: قل اللهم، لكن إذا حذفنا قل ستقول: اللهم. أي: يا ألله.
ما المناسبة؟ المناسبة: أن اليهود رفضوا الدخول في الإسلام على علم، لا يريدون الإسلام؛ طلباً للملك، وطلباً للسيادة، طلباً للعزة والدولة والسلطان.
كيف يطمعون في هذا الطمع وهم شراذم ممزقة هنا وهناك؟
ما يئسوا، قالوا: إذا دخلنا في الإسلام وأصبحنا أتباعاً للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم انتهى أملنا في إيجاد مملكة بني إسرائيل نهائياً.
والأمر واضح، إذا دخلوا في الإسلام هل سيكونون مملكة في الإسلام لبني إسرائيل؟ هذا ليس بمعقول أبداً، فآثروا الدنيا على الآخرة، انتبهتم، وغرر بهم علماؤهم وقالوا: إن كفرتم بمحمد ودينه رجوتم أن يعود إليكم ملككم ودينكم أما النار إن عذبتم بها فلن تزيد مدة العذاب على أيام معدودات، فاصبروا إذاً على الكفر.
هل فهتم هذه الحقيقة؟
وما زال اليهود إلى الآن يعملون بكل الإمكانيات لتحقيقها، يضحون بأعراضهم، بدمائهم، بوجودهم من أجل أن يقيموا مملكة بني إسرائيل كالتي كانت لهم على عهد داود وسليمان، لكن لحمقهم وجهلهم وضلالهم أرادوا أن يكونوها من حيث لا تكون، لأن الذي يعطي الملك هو الله، لا أن تعلن الحرب على الله ليعطيك الملك، أنت أحمق. قل يا رسولنا: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء.
والنصارى كذلك، والمجوس كاليهود حاربوا الإسلام من أجل الملك ولبقاء الدولة والسلطان، وإن شئتم حلفت لكم بالله، رفضوا الإسلام لبقاء دولتهم وسلطانهم، إذ الإسلام إذا دخلوا فيه عمتهم رحمة الله وأصبحوا عابدين لله مسلمين، ليس هناك عنتريات وتعال وعزة وسلطان.
هكذا يعلم الله تعالى رسوله أن يقول: اللهم مالك الملك، ولفظ الملك يشمل كل مملوك، فلا تفهم منه فقط الدولة، فكل ما نملك يسمى ملكاً، تقول: هذه الدار ملكي، هذه السيارة ملك فلان.
هل يصح أن تأتي إلى فقير وتقول له: من فضلك أعطيني سيارة؟ من أين يعطيك سيارة؟ لو كان يملكها فمعقول أن تقول له: أعطيني سيارة، إما إذا كان فقيراً فأنت تضحك على نفسك.
إياك أن تفهم أن الله يشاء أن يعطيك شيئاً وأنت لست بأهل له، لا يفعل هذا؛ لأنه عليم حكيم، يضع كل شيء في موضعه، فلا تفهم أنك تحاربه ليل نهار وتقول له: أعطني ملكاً أسود به وأحكم به فيعطيك، هذا خطأ.
إذاً: اطلب ما تطلب يا عبد الله من الله، إذا هو الملك الحق، واعلم أنه يعطيك إذا كنت أهلاً لهذا العطاء، فإن لم تكن متأهلاً له لا يعطيك؛ لأنه الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، تيقن أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.
إذاً: الجأ إلى الله عز وجل واعمل برضاه، وبالسنن التي وضعها وسنها وقننها للوصول إلى الملك، فإن الله لا يحرمك، أما أن تطلب ذلك من غيره، أو تطلبه من سنن ما وضعها وقوانين ما سنها وتريد أن تصل إلى مطلوبك فلا والله، إلا إذا كنت ما آمنت بالله ولا بسلطانه وملكه.
فيا بني إسرائيل! إذا أردتم الملك والسيادة والعز فادخلوا في رحمة الله تصبحون سادة البشر وأئمة.
أو أن تطلب من الله وأنت كافر معرض عن سنن الطلب وطرق الوصول إلى الخير فهيهات هيهات أن تحصل عليه!
تأملوا هذه! اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] أي: من عبادك وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ [آل عمران:26] وتأخذه مِمَّنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] لأنه ما أهل لذلك.
وهل فعل الله هذا؟ نعم فعله مع بني إسرائيل. أين تلك الإمبراطورية العظمى؟ أين مملكة سليمان من أقصى الشرق إلى الغرب فقد حكم الإنس والجن؟ زالت، لما تبرجت نساؤهم، وكشفن عن وجوههن، ولبسن الكعب العالي.
السفور من نشره في العالم؟ رجال الكنيسة؟ لا والله العظيم. فمن؟ إنهم اليهود، بنو عمنا؛ لأنهم يريدون أن نسقط من علياء السماء، وأن ننزل إلى الأرض بنفس الطريق الذي هبطوا به هم.
كيف سقطت دولة بني إسرائيل؟ أخبرنا أبو القاسم، بدأت بالكعب العالي والسفور، وهم اليوم يصنعون الكعب العالي لنسائنا ونسائنا يتبخترن به.
أما تعرفون الكعب العالي هذا؟ سبحان الله! هو الحذاء يجعلون له كعب رقيق طويل، لما تلبسه المرأة تصبح تتمايل، في الشارع في السوق تتمايل، تجذب قلوب أصحاب الشهوات ليقعوا في الفجور.
أيضاً:كشف الوجوه لنساء البشر ما كان معروفاً أبداً حتى سن هذا القانون اليهود؛ لإيقاع الأمة في الفجور والفسق ثم الهبوط، حتى يتمكنوا من أن يعودوا كما كانوا سادة مالكين حاكمين.
والعالم الإسلامي، كيف هبط؟ ما سبب هبوطه؟ هو إعراضه عما عن الله عز وجل، وطلب ما ليس لهم بحق، فهبطنا وحكمنا الشرق والغرب.
ماذا فعل الله باليهود والنصارى؟ أذلهم وأزال ملكهم.
وأما العرب الذين كانوا يطالبون بالملك علمهم من أين يأتى الملك وكيف يطلب، إلى الآن من أراد أن يعز فليطلب العز من الله.
ما هو سبيل العز؟ هل هو المال والقوة والسلطان؟ والله ليذل.
أين روسيا؟ أذلها الله وأنتم أحياء تشاهدون، وقد مضت فترة إذا خطب خطيب في موسكو تهتز أوروبا من الفزع والخوف، فأين هي؟ قالوا: لا إله والحياة مادة، فما مضى عليها ثمانون سنة.
أين عزها؟ مجموعة من الشيشان أذلتهم وأخزتهم وحطمتهم.
أبعد هذا نطلب العزة من غير الله؟!
ستقولون: يا شيخ! علمنا كيف نطلب العز من الله؟ هل بالدعاء فقط؟ أو بالأخذ بالأسباب والسنن؟
الجواب: بالدعاء، وبالأخذ بالأسباب، أول شيء أن تعرف أن العز يملكه الله، وأنه لا يطلب إلا من الله، ثم تقبل على الله طالباً سائلاً ضارعاً، آخذاً بالأسباب التي وضعها لأن تعز وتسود، والأمر عندنا سهل، فقط رجعة صادقة إلى الله، وخلال أربع وعشرين ساعة لا أعز من المسلمين في الأرض.
افزعوا إلى الله، ما بقي والله بيننا من يقول: يا سيدي عبد القادر أبداً، ولا يا رسول الله ولا يا فاطمة بعد الليلة، ولا يا حسين ولا إدريس !
عرفنا يا رب أنه لا ملك إلا أنت، أنت الملك الحق، بيدك الملك تهبه من تشاء، وتمنعه ممن تشاء، تعز من تشاء وتذل من تشاء، ولو عرف المؤمنون والمؤمنات هذا والله ما قالوا يا رجال البلاد، أو يا مولى بغداد، يا راعي الحمراء، يا عيدروس ، يا حسين ، لكنهم ما عرفوا!
ثم الذين يريدون أن يطلبوا ملكاً كيف يطلبونه؟ مثلاً: بلد من بلاد المسلمين أراد شبانها أن يطلبوا الحكم، أن يصبحوا الحاكمين، ما الطريق؟
الطريق أن يفزعوا إلى الله ويطرحوا بين يديه يبكون الليل والنهار، يزكون أنفسهم ويطهرونها، حتى تصبح كأرواح الملائكة؛ فحينئذٍ إذا رفعوا أكفهم إلى الله أن يزول من شاءوا أن يزول والله لأزاله الله، أما فقط بالعنترية والكلام الفارغ والمتفجرات فهذا هراء تابع لهراء.
ستقولون: لا تلمهم يا شيخ! ما عرفوا. إي والله ما عرفوا. من عرفهم؟ ما تربوا في حجور الصالحين، لا أعواماً قليلة ولا كثيرة.
بِيَدِكَ [آل عمران:26]، لا بيد غيرك، الخير والشر أيضاً، ولكن لا حاجة إلى ذكر الشر؛ لأننا نريد أن نسأل الخير، لا نريد أن تسقط دولتنا أو نمرض أو نصاب بالفقر.
فهل يقال مثل هذا الكلام؟! قال: على كل شيء قدير باستثناء أنه لا يوجد إله مثله.
أقول تنبيهاً: هذا الكلام لا يقال؛ لأن الله يخاطبنا بما تعارفنا عليه وما تعايشنا فيه من أمور دنيانا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، أن يملك، وأن يعز، يحيي، يميت، يعطي، يمنع، يدخل الجنة، يدخل النار، على كل شيء قدير، فلم نستثني إلا ذاتاً كذاته، أي داع إلى هذا، فقوله: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] هذه الجملة تعليلية.
كيف تقول: رب إنك على كل شيء قدير ارزقني أولاداً صالحين وأنت تأبى أن تتزوج؟
عرض عليك والدك الزواج فقلت لا أتزوج وتقول: رب ارزقني أولاداً صالحين، هل يجوز هذا الدعاء؟
أو تقول: يا رب إنك على كل شيء قدير فاجعلني نبي آخر هذه الأمة، هل يجوز الكلام هذا وأنت تعرف عن النبوة ختمها؟ أو تقول: رب أعلم أنك على كل شيء قدير فأخرج مني عنصراً من الذهب نعيش عليه؟ ما جرت سنة الله بهذا، فلابد وأن تطلب الله الذي على كل شيء قدير ما جرت به سنته في خلقه، فلا تناقض سنن الله.
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، مثلاً: أراد ملك أن يدوم ملكه، ويسأل الله عز وجل بدون ما يأخذ بأسباب البقاء يستجاب له؟ لا. إذاً: يدوم الملك بالعدل، وإقامة الشرع، وعبادة الرحمن عز وجل. أي طاعة الله في كل ما أمر به ونهى عنه ومن ذلك إعداد العدة للجهاد والقتال والتسلح وصناعة ذلك.
إذاً: إيلاج الليل في النهار هو إدخال الليل في النهار والنهار في الليل ولا تقل الشمس ولا.. كله هراء يصرفك عن تعظم الله والخوف والرهبة منه والحب فيه، والشمس من أدارها في فلكها حتى تكون الليل والنهار؟
انظر أمامك وأنت في رابعة النهار أين الليل؟ أمك وأبوك طرداه؟ أهل البلاد زجروه؟
انظر هذا! الآن يدخل الظلام الحالك ويعم البلاد بكاملها فأين النهار؟ من ذهب به؟
لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يذهبوا به دقيقة ما استطاعوا، فهذه عظمة الله، حكمة الله، جلال الله، قدرة الله، فقل: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله..
الشيطان يعبث بالقلوب ويبعدها عما أراد الله لها من الهداية والخير، يفكرون كيف الليل والنهار، أما سمعت الله يقول: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [آل عمران:27]. هل هناك من قال: نحن بني فلان نولجه؟ لا.
وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [آل عمران:27]، فأهل الإقليم ليلهم ليل، ونهارهم نهار، في كل أنحاء العالم، من يفعل هذا سوى الله؟
كيف فعله؟ بحسب قوانينه وسننه وتدبيره في ملكوته وخلقه، فلا ولي من الأولياء ولا نبي من الأنبياء، ولا عبد صالح ولا عيسى ولا مريم يستطيع هذا.
وهذه صفعات لوفد نجران الذين يقولون: عيسى هو الله، فقال الله لهم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [آل عمران:26-27].
هل هناك من يشارك الله في هذا؟
الجواب: لا. إذاً:لم يشاركونه في دعائهم والذبح والنذر لهم، والتزلف والتقرب إليهم وهم لا يملكون شيئاً؟
وأخرى: والله لو يجتمع أهل الأرض على أن يغيروا نظام الليل والنهار والله ما استطاعوا أبداً، ثم لو أخبرهم الله وأراد إهلاكهم وغيروا لخرب العالم وهلكوا أجمعين.
إذاً: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [آل عمران:27]، البيضة ميتة، وتكفش فوقها أمها كذا ليلة وإذا بها تفقسها وإذا بحي خرج منها، وهذا مشاهد في هذه الحيوانات، وإن قال علماء الكون وعلماء الحياة: قالوا: النواة حية، فالبيضة فيها عنصر حي، كالمني، مني الفحول أيضاً فيه مادة الحياة.
نقول: هذا لا يتلفت إليه؛ لأنه لا يفقه ولا يفهم ولا تدعى إليه البشرية لتفهمه، حتى ترهب الله وتحبه، فالقرآن يخاطب الصغير والكبير، والبصير والأعمى والأول والآخر، أشياء مشاهدة، فلا نبحث عن خيالات، نحن نشاهد أن البيضة ميتة، تخرج من الحي، وأن الكتكوت أو الفرخ يخرج من البيضة الميتة فهذه آية من آيات الله، لو اجتمع أهل أوروبا بل أهل الأرض على أن يخرجوا من ميت حي لا يستطيعون والله ولا ذبابة، لو تجتمع البشرية على خلق ذبابة ما تستطيع.
إذاً: من يستحق التأليه والعبادة والرجوع إليه سوى الله؟
وهناك أيضاً معنى مراد في الآية: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95]، عكرمة بن أبي جهل قائد، بطل الرباني، خرج من صلب أبي جهل ، وأبو جهل مات أسوء موتة، والكافرون أموات: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، فالكافر ميت، وهذه حقيقة.
نقول: الإيمان الحق بالله ولقائه وكتابه ورسوله هذا الإيمان بمثابة الروح، بمنزلة الروح للإنسان إذا آمن الآدمي حيي، وأصبح حياً، وإذا لم يؤمن فهو ميت، وأصبح حكمه حكم الميت. والدليل والبرهنة: نحن أهل راية لا إله إلا الله، إن وجد بيننا يهودي أو نصراني أو مجوسي ذمياً تحت رايتنا نؤمن حياته ونحفظه من كل ما يسئ إليه، هذا والله لا نأمره بأن يصوم معنا، والله لا نأمره أن يشهد الصلاة معنا، والله لا نسمح له أن يدخل الجيش ليجاهد معنا. لم؟
لأنه ميت، فهل الميت يفعل شيئاً؟
أهل الذمة في بلاد المسلمين هل نقول لهم: صوموا، رمضان غداً فصوموا معنا؟ والله ما يجوز أن نقول ذلك، ميت فكيف تكلف ميتاً؟ انفخ فيه الروح فإذا حيي فكلفه فإن يقدر على أن ينهض ويفعل، أما وهو ميت فلا.
من عرف الله عز وجل وعبده بما شرع فهذا حيي حياة كاملة، يقدر أن يقول الخير ويسكت عن الشر، يقدر على أن ينهض بالواجب ويتخلى عن المكروه؛ لوجود حياة فيه، أما من لا إيمان له فلا يكلف حتى يؤمن؛ لأنه كالميت.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] كم من إنسان صالح مؤمن رباني يخرج من صلبه ابن فاسد، كافر ميت؟!
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31]، هذا فعل من؟ فعل الله.
هل هناك من يشارك الله في هذا؟ الجواب: لا. إذاً: لا إله إلا الله، هذا مسك الختام، لا إله إلا الله والله العظيم، لا يوجد إله يعبد بحق إلا الله.
من رفع لنا معبوداً ننظر إليه: هل خلق شيئاً؟ الجواب: لا. إذاً: من لا يخلق لا يعبد.
هل رزق شيئاً؟ لو تتفق البشرية على إيجاد غذاء ما أوجده الله وتعرض عن اللحم، والخضار فهل تستطيع ذلك؟
والله ما تستطيع.
إذاً: الخالق الرازق المدبر للحياة بالإحياء والإماتة والإعطاء والمنع والإعجاز والإذلال هو الله جل جلاله، فلا يعبد إلا هو، فلهذا أكبت الله وفد نجران وألقمهم حجراً وانهاروا وانهزموا؛ لأنهم جاءوا يجادلون رسولنا في أن عيسى ابن الله، وأنه إله مع الله، فبكتهم الله في ثلاث وثمانين آية وأسكتتهم وذهبوا مرتعدين خائفين.
وَتَرْزُقُ [آل عمران:27] أيضاً مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]، فتعطيه العطاء الوافي الذي ما يحتاج إلى عد ولا حساب.
هذه مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية، فمن عرف الله عبده، ومن لم يعرفه صرف عن عبادته وهرب منها؛ ليخسر خسراناً أبدياً في الحياتين الأولى العاجلة والآخرة الآجلة.
أولاً: فضل الدعاء بهاتين الآيتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول: ( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء اقض عني الدين). فإنه يقضى بإذن الله تعالى ويعطى إن سأل حاجة له من حوائج الدنيا والآخرة ] إن شاء الله هذه حفظناها والذين لم يحفظونها يحفظونها من الآن ويضيفون إليها: ( رحمان الدنيا الآخرة) أي: يا رحمان الدنيا.. ولا نناديه بياء البعيد ( رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء، اقض عني الدين). تقولها يومياً في الليل والنهار حتى يقضى دينك.
وإياك أن تمل، تقول: آه! دعوت وما استجيب لي، إياك! فقد حذرنا رسول الله من هذا، فإياك أن تسأل الله وتقول: آه! سألت فما أعطاني، فتلك والله الحالقة، انتبهوا!
اثبت وكلك يقين على أن يقضي الله عنك دينك ويسدده.
ثم اسأل بها غير الدين، توسل إلى الله عز وجل بها لما تختمها: اللهم اكشف ما بي من هم وكرب، اللهم اشف مريضي، وتكون قد توسلت إلى الله بأسمائه وصفاته.
قال: [ثانياً: استجابة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وإنجازه ما وعده في أمته ].
تدرون أن الرسول يوم الخندق أيام كان يحمل التراب على كتفه الطاهر وهم يحفرون الخندق كبر: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر فسألوه، قال: ( لاح لي ملك أمتي في بلاد فارس شرقاً وغرباً )، فضحك المنافقون واستهزءوا وقالوا: أحدنا لا يستطيع أن يتغوط خارج بيته وهو يقول: ( ملك أمتي سيبلغ كذا وكذا ).
وضحك لها اليهود، وتعاونوا مع المنافقين، وإذا بهذه تتحقق كما أراد الله، والله لقد ملكت هذه الأمة مملكة فارس والروم، وتحقق ما ذكر الله عز وجل وأراه رسوله صلى الله عليه وسلم، سيبلغ ملك أمتي كذا وكذا، انتهى إلى ما وراء نهر السند وإلى ما وراء الأندلس، تحقق هذا: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، فنزع ملك فارس والروم ووضعه في أيدي المسلمين أصحاب رسول الله، وأحفادهم وأولادهم.
قال: [ ثالثاً: بطلان ألوهية عيسى عليه السلام، وثبوت عبوديته لله ورسالته وكرامته ]، أما الألوهية فله لا إله إلا الله، وأما كونه عبد الله ورسوله ووليه فنعم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر