أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم اجعلنا من هؤلاء المؤمنين الذين فازوا بهذا الأجر العظيم.
وها نحن مع تلاوة هذه الآيات الثلاث بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:23-25]. وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات أذكركم بنتائج الآيات السابقة التي درسناها أمس بإذن الله.
وتذكرون ذلكم الحديث، حديث أبي عبيدة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ فأجابه الحبيب صلى الله عليه وسلم: رجل قتل نبياً )،فهذا من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ( رجل قتل نبياً بغير حق، ورجل أمر بالمعروف أو نهى عن منكر فقتلوه )؛ لأن الله قال: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21]، والقسط هو العدل، والعدل يدور حول ما أمر الله به وما نهى عنه، فمن أمر بما أمر الله به ونهى عما نهى الله عنه ما زاد أبداً على العدل.
ثم ذكر محنة بني إسرائيل أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً في الصباح، ولما قام العباد الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ونهوهم وأمروهم قتلوهم، وكان عددهم مائة وسبعة وسبعين.
والله عز وجل توعد من يفعل ذلك فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].
ماذا قال؟ كل بلدة يكون فيها أربع خصال أو أمور فهي آمنة من البلاء، بعيدة من الشقاء. أول هذه الخصال الأربع: إمام عادل. أي: حاكم لا يظلم ولا يجور، لا يعتدي على أعراض الناس ولا أموالهم ولا على أبدانهم، ويحكم بينهم بما حكم الله به ورسوله. هذه واقية من أعظم الواقيات الأربع.
الثانية: رجل على سبيل الهدى. أي: عالماً يعلم الناس الخير والهدى ويدعوهم إليه، فإذا وجد في البلدة عالم قائم بواجب البيان والهداية فالأمن حاصل.
الثالثة: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مشايخ من أهل العلم يأمرون أهل البلدة بالمعروف إذا تركوه، وينهونهم عن المنكر إذا فعلوه، فهم وقاية عجيبة.
الرابعة من الواقيات من البلاء: نساء متسترات غير متبرجات تبرج الجاهلية الأولى. وهذه ما إن ظهرت هذه الدولة على يد عبد العزيز حتى ظهرت فيها هذه الوقايات الأربع، وإن شئتم حلفت لكم بالله، واستمر النور والهداية والأمن والطهر وعرف هذا العدو من اليهود والنصارى والمشركين وما عرفه المسلمون، فأعداء الإسلام إلى هذه الساعة يعملون بجد واجتهاد على إبطال هذه الأربع الواقيات وإبعادها لتهبط هذه البقية الباقية إلى مستوى العالم الإسلامي، فلا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا حجاب ولا تستر، ولا عدل ولا رحمة، ومن الأسف أننا نحن أهل البلاد ما عرفنا هذا، فمن الحين إلى الحين تظهر ظاهرة دعوة إلى السفور، إلى كشف وجوه النساء.
وإذا تبرجت النساء وخرجن واختلطن بالرجال كاشفات الوجوه فعلى الطهر السلام، يحل محله الخبث، ولازم الخبث غضب الرب وسخطه وبذلك يحل العذاب.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الهيئات تسمع من ينقد، تسمع من يطعن، حاولوا أن يكتبوا أيضاً وكتبوا متقززين: كيف تقام الصلاة ويخرج الناس من دكاكينهم وأعمالهم؟ تألموا لذلك ولا هم لهم إلا إطفاء هذا النور الباقي.
وإذا انتهت الصلاة عاد العمل كما كان وأحر مما كان، لأنهم أهل إيمان، لأنهم أحياء تمام الحياة، فإذا نادى منادي صلاة العصر وقف العمل وخرجت الأمة إلى ربها، إذ لهذا خلقها، فلا تفهم غير هذا، فوالله ما خلقنا إلا لهذه، فكيف نحاول أن نتملص ونخرج ونشرد ونقول: صل حيثما وجدت،فإذا أذن المغرب وأذن العشاء خمس مظاهرات ربانية يلتقي المؤمنون بعضهم ببعض في بيوت ربهم في مظهر من مظاهر الدين الحق.
أما أن يؤذن المؤذن فمن شاء أن يغلق دكانه ومن شاء أن يفتحه، من شاء أن يغني ومن شاء أن يصلي، من شاء ومن شاء.. فأين الربانية إذاً؟ أين مظاهر العبودية لله؟
وقد مكن الله عز وجل العالم الإسلامي في الحكم بعد أن استدل واستعبد واسترق على أيدي أعدائه الكافرين من مستعمري الشرق والغرب فخلصهم ليبتليهم، فتستقل الدولة والإقليم ولا تقام بينهم صلاة، وأنا أعجب، من صرفهم؟ هل اشترطت عليهم بريطانيا : اسمعوا! أعطيكم الاستقلال، نخرج من دياركم على شرط أن لا تصلوا؟
والله ما كان هذا أبداً ولا تفعله بريطانيا أو فرنسا، فلم ما أقمنا الصلاة وقد مكننا الله في الأرض وسودنا وحكمنا؟!
من ثَمَّ المسلمون في بلاء وشقاء وتعاسة وآلام إلى اليوم، فأين ثمار الاستقلال ونتائجه الطيبة؟ أين الأمن؟ أين الطهر؟ أين الإخاء؟ أين المودة؟ ما الذي حصل؟ حال لا نشكوها إلا إلى الله.
الزكاة هي قاعدة الإسلام الثالثة، ولكننا ما علمنا وما بلغنا أن إقليماً استقل أهله عن بلجيكا أو بريطانيا أو فرنسا فأجبروا المواطنين على إخراج الزكاة، فهل اشترطت عليهم فرنسا وقالت: نخرج من دياركم على شرط أن لا تجبوا الزكاة حتى يتحطم الإسلام؟ لا والله.
ومن العجيب ونحن أطفال صغار كانت تأتي ضرائب تسمى غرامة من الدولة الحاكمة فرنسا، والله تسميها الزكاة، وتذكرنا نحن المستعمرين بالزكاة، لا تلوموا ولا تبكوا إذا أخذنا منكم هذا القدر لأنكم أنتم تؤدون الزكاة، والله بعيني أقرأ كلمة زكاة، وكأنما تذكرنا بالإسلام، ولما جاء رجالنا وأبناؤنا مسحوها فليس هناك زكاة بل الضريبة حتى ينسى المؤمنون الزكاة، فأي ظلم أعظم من هذا؟
وما زلنا نرقص لأننا نمشي إلى الهاوية، لم تخطئ سنة الله بشراً إما أن نتوب وإما أن تنزل البلايا والرزايا.
سئل أحدهم: أين الله؟ قال: بالمرصاد، يشير إلى قوله تعالى لما دمر عاداً وثمود وفرعون قال: إِنَّ رَبَّكَ [الفجر:14] يا محمد لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فلسنا بأفضل من قوم عاد أو قوم صالح وثمود أو فرعون.
إذاً: جباية الزكاة فريضة الله، ودعامة الدولة.
ولما كون عبد العزيز تغمده الله برحمته هذه الدولة، جعل نوابه في القرى وأخذوا يجمعون الناس على الكتاب والسنة، ويقرأ قائمة في كل صلاة صبح، إبراهيم بن عيسى، عثمان بن خالد، زيد بن إبراهيم، نعم نعم، كلهم حضروا، وإذا غاب واحد يمشون إليه: لم غبت؟ فإذا كان مريضاً يدعون الله أو يداوونه، وإن كان غائباً بلا عذر يعرفونه، فإن أبى أن يحضر يؤدبونه بالعصا، فأقيمت الصلاة بمعنى الكلمة.
وقولوا لي: ما الذي تبع إقام الصلاة؟ تبعها أن انتهى الخبث ومظاهر الشر والباطل والفساد، وهذه سنة الله عز وجل.
أسألكم بالله! من صرفهم؟ أنا قلت لكم: ما بلغنا وقد خبرنا الحياة ظاهرها وباطنها ما بلغنا أن دولة مستعمرة اشترطت على ذاك الشعب المستعمر عند استقلاله أن لا يصلي أو أن لا يؤتي الزكاة أو أن لا يأمر بالمعروف.. أبداً، فما الذي صرفنا لتنزل بنا المحنة ويحل بنا البلاء والشقاء والعذاب؟!
الله الله في هذه الأيام أيام هذه الاختراعات العجيبة والفتوحات الربانية، لو أسلمنا لدخل البشر كلهم في الإسلام، لكن نحن صرفنا الشرق والغرب عن الإسلام لأنهم ينظرون إلينا ونحن أشد هبوطاً منهم، لا وفاء ولا صدق ولا حرم ولا كرامة ولا ولا.
إذاً: يتقززون من حالنا، ينظرون إلينا وإلى الإسلام من خلال سلوكنا، والآن لا نستطيع أن نصلي صلاة الظهر في العالم الإسلامي مع بعضنا البعض، فنؤخر نحن ويقدم الآخرون في وسطها ونصلي الصلاة في ساعة واحدة. أما الصيام أما العيد فلا تسأل! فهل نحن أمة واحدة، إذاعتها واحدة.
إذاً: القاعدة الثالثة: هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه دعائم الدولة الإسلامية، فأيما شخص يفكر في إقامة دولة ولم ير فيها ما رأى الله ولم يقيم على ما أراد الله والله إن سلكها لهاو وإنها لساقطة ولن ينتفع أهلها بها، ولا كرامة ولا طهر ولا صفاء ولا سعادة.
لم لا يتكلم بهذا العلماء والكتاب والمربون؟
قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] لم يشأ الله أن تقوم دولة على هذه القواعد فتسند هذه الدولة وتشد من عضدها أبداً.
إذاً: قال القرطبي في ما يرويه: أربع إذا وجد في بلد أمنت من البلاء والدمار والعذاب.
الأولى: إمام عادل، عدل الإسلام لا عدل الاشتراكية الذين سلبوا أموال الأغنياء وأراضيهم ومزارعهم وأعطوها للفقراء والشعب، وقالوا: عدل كبير هذا، أي عدل هذا؟ هذا أبشع أنواع الظلم، هذا تقرير قاعدة بلشفية حمراء روسية وضعها اليهود من أجل تدمير العالم والقضاء على الروح الإنسانية.
أيضاً: الضرائب ففي بعض البلاد النافذة عليها ضريبة، كيف تفتح نافذة في الشارع؟ ادفع ضريبة.
والضرائب: أكل أموال الناس بالباطل، لم يأذن الشارع فيها إلا في حالة ضرورية قصوى، كأن يكون إمام المسلمين مضطر لظروف دعت إلى ذلك، أما أن تصبح فريضة بدل الزكاة ويحجب معنى الزكاة ولفظها فهذا والله لظلم عظيم، وآثاره واضحة.
ثانياً: عالم على سبيل الهدى، وليس عالماً خرافياً صوفياً، وقد جئناكم بمجموعة من الكتب نسمعكم كل يوم إن شاء الله منها، بعث بها إلينا رجل عالم من نيجيريا، جمع كتب المتصوفة كلها وجمع العجائب من كل كتاب عجيبة، وهذا يتفق مع آيتنا الآن.
ثالثاً: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يا أهل القرى! اجتمعوا في مسجدكم وإن كانت الحاكمة بريطانية وكونوا لجنة من صلحائكم، تجولوا في القرية فإذا رأيتم طفلاً يقول الباطل، أو رجلاً يرتكب حماقة أدبوه وعلموه، فهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يرضى الله عنا ولا يسخط.
إياكم والمتوسطة والثانوية والجامعة وأخيراً: الوظيفة! وحلفت لهم بالله في رسالة قديمة بعنوان (الإعلام بأن العزف والغناء حرام) أنكم إذا فتحتم الابتدائيات كانوا يطالبون بالثانوية.
جريدة البلاد: تكتب وتقول: المرأة السعودية في ديجور من ظلمات الجهل.. كذا، وهم مدفوعون بدوافع الشيطان وأوليائه.
قلنا: والله! إن فتحتم الابتدائيات لتطالبن بالثانويات يومئذ، ولتفتحن الثانويات ولتطالبن بالجامعات، ووقع هذا، وكان هذا قبل خمس وثلاثين سنة.
والآن الوظيفة شريفة أو خبيثة؟ ما دام هذا النور فليس بمسموح أن المرأة تتوظف مع الرجال، وهم يتألمون لماذا؟ آه! أين أولوا البصائر والنهى؟ هيا بنا ندرس الحياة بكاملها؟ أخلقنا لهذه؟ من قال نعم قل له: لا تمت، ولم مات أبوك وماتت أمك؟ أين يذهبون؟
إذاً: ما دمت عاجزاً على أن تفرض بقاءك على الله فاعلم أنك لم تخلق لهذه بل خلقت لغيرها، فتهيأ للملكوت الأعلى حتى تسكن السماوات العلى، والشاهد عندنا: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123] سنة الله، السم يقتل، الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، الكفر يوجب غضب الرب وعذابه، الفسق يقود إلى الهاوية وزوال النعم، وهكذا، لن تتبدل سنن الله.
فإن قال قائل: علل يا شيخ لهذه المحنة؟ الجواب معروف، الجهل، جهلونا، أبعدونا عن الله ومعرفته فأصبحنا كالبهائم يسوسوننا كما شاءوا ويركبوننا كما أرادوا، فهيا نخرج من هذا المضيق؟
فإن قال قائل: يا شيخ! ما نستطيع، نحن مسحورون، نقول: سبحان الله! لماذا لما تسحر امرأتك لا تأتي بمن يقرأ عليها حتى تشفى؟ هل ترضى أن تكون مسحوراً؟ حاول أن تخرج نفسك من هذا السحر.
فإن قال: بماذا؟ نقول: أن نتعاهد لربنا بأننا عدنا وله أسلمنا قلوبنا ووجوهنا، وأننا من اليوم إذا دقت الساعة السادسة مساءً أوقفنا العمل، إن كنا في مقهى أغلقنا بابها، دكان كذلك، متجر، مصنع، كل عمل، وأخذنا نساءنا وأطفالنا طاهرين إلى بيت ربنا، إلى المسجد مسجد القرية ونجتمع فيه، ونبكي بين يدي ربنا الساعة والساعة والنصف ونحن بين يديه منطرحين نتعلم الكتاب والحكمة، يوماً بعد يوم حتى تلوح الأنوار وحتى تتصدع الصدور بتلك الأنوار ونصبح لا نرى إلا ما يرى الله، ولا نسمع إلا ما يسمع الله، ولا نعمل إلا بما أذن الله، ويومها لو أراد أهل الأرض أن يزلزلوها من تحت أقدامنا ما استطاعوا.
ولا تسألني عن النتائج المادية، ينتهي كل مظهر من مظاهر الجريمة، فلا غش، لا خداع، لا كذب، لا باطل، لا خيانة، لا لا.. بل حل محل ذلك الأمن، الطهر، الولاء، المحبة، الغنى، والله ما يبقى في القرية من يشكو جوعاً وإخوانه شباع، ولا من يتألم للبرد وإخوانه مكسوون، ينتهي هذا نهائياً.
ستقولون: آه! ما نستطيع هذا يا شيخ، فأقول لكم: ما يمنعكم؟ لو كانت تحكمنا بريطانيا وأردنا هذا والله ما تمنعنا.
أقسم بالله لو كانت تحكمنا إيطاليا والله ما تمنعنا من هذا، فهذا يساعدهم على أن يستقر الوضع وتهدأ الأحوال ويستغني الناس وينتهي التلصص والجريمة والخيانة، فلم يمنعوننا إذاً؟
هذا الكلام يشهد الله أننا قد رددناه مئات المرات، فهل من واعٍ يعي هذا؟ لا أحد. هل من سامع؟ لا أحد. لماذا؟ نرد الأمر إلى الله، بهذا قضى الله عز وجل.
( فقالا: فإن إبراهيم كان يهودياً ). أي: كيف تقول أنا على ملة إبراهيم وإبراهيم كان يهودياً، إذاً: ادخل أنت في اليهودية حتى تكون كما تقول على ملة إبراهيم، فإبراهيم كان يهودياً، ( فقال صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم )، أي: بيننا وبينكم التوراة، هاتوا التوراة، ومعلوم أن التوراة نزلت بعد وجود إبراهيم بمئات السنين، التوراة نزلت على موسى وبين موسى وإبراهيم قرون عديدة ( فأبيا عليه ) لما عرفوا أن التوراة ليس فيها يهودية ولا نصرانية، رفضوا إتيان التوراة والنظر فيها والعمل بما فيها ( فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] ) . فكانت الآية منطبقة عليهم، واتضح معنى الآية تماماً.
هنا قالت العلماء: إذا دعوت مؤمناً إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ورفض دخل مع هذه الجماعة الملعونة!
إذا دعوت مؤمناً حاكماً كان أو مواطناً إلى التقاضي إلى الكتاب والسنة والتحاكم إليهما فرفض لأنه خائف من الحق أن يخرج من جيبه فهو ممن قال الله فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] غير ملتفتين إلى التحاكم إلى كتاب الله التوراة.
هذه الآية وحدها يقرؤها النساء والرجال من المؤمنين والمؤمنات ولو كانوا يقرءونها ويفهمون معناها لم يتحاكم مؤمن ولا مؤمنة عند بريطانيا ولا الأمم المتحدة، والآن يتحاكمون في مجلس الأمن، نزاع بين دولتين إلى مجلس الأمن.
هذه مظاهر الجهل بالله، ما عرفنا الله معرفة تثمر لنا حبه في قلوبنا، ولا الرغبة والخوف منه في نفوسنا، فلهذا لا نبالي أن نتحاكم إلى اليهود والنصارى، ونحن أهل العدل، أهل الكتاب والحكمة.
لم والتوراة بين أيديهم؟ لأن التوراة لم يبق فيها ما تسمى به التوراة على الحقيقة، همشوا وحشوا وزادوا ونقصوا وبدلوا فأصبحت كلمات الله فيها كالكواكب هناك كوكب وآخر هنا والباقي كله خرافات وأباطيل.
إي نعم. من فعل هذا؟ علماؤهم، ساداتهم، أرباب السلطة والجاه عندهم.
ونحن أهل الإسلام جرينا وراءهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع إلا أن الله عز وجل حفظ لنا كتابه، فما استطاع شرقي ولا غربي أن ينقص منه حرفاً واحداً أو يزيد كلمة، وذلك لتعهد الله تعالى به؛ إذ قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فما أسنده إلى الأشراف ولا إلى العلماء ليحفظونه، بل تولى عز وجل حفظه بنفسه، فلهذا حاول النصارى واليهود محاولات متعددة على إسقاط حرفي (قل) فعجزوا.
مؤتمرات انعقدت في السودان وفي روسيا وفي العالم يبحثون: كيف يسقطون كلمة (قل) من القرآن فما استطاعوا؛ لأن كلمة (قل) ترغم أنوفهم أن هذا كلام الله.
الرسول نفسه يقول لنفسه: قل؟ هل هناك متحدث يقول لنفسه: (قل)؟ مجنون هذا.
إذاً: من الذي قال له: قل يا أيها الكافرون، قل هو الله أحد، قل يا أيها الناس؟ من؟ سلطة عليا، إذاً: هذا الله هو الذي يأمره.
فقالوا: لو استطعنا أن نسقط كلمة (قل) لقلنا هذا كلام محمد فقط وليس بكلام الله ولا بتنزيله، فعملوا المستحيل فما استطاعوا، وكيف يستطيعون والله العزيز تولى حفظ كتابه بنفسه؟
لما أسند الله التوراة والإنجيل إلى أهلها ما استطاعوا أن يحفظوها، فالإنجيل حولوه إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً، ولما انكشفت عورتهم اجتمعوا اجتماعات متعددة وصفوا تلك الأناجيل وغربلوها وجمعوها في خمس كتل: إنجيل لوقا، إنجيل برنابا، إنجيل مرقس، إنجيل يوحنا، خمسة أناجيل، والشيطان هو الذي يدعو إلى الكفر والضلال.
وهذا مرض وجنون، كيف تؤاخذون بعمل أسلافكم؟ كيف هذا؟ وإذا كان أسلافنا كفار وأسلمنا ندخل النار لأن أسلافنا كفار؟ هذا هبوط، هذا أسوأ الفهوم، كون أسلافكم عبدوا العجل وضربهم الله وقتل منهم أربعين ألفاً وانتهت أنتم تؤاخذون بذلك؟ نحن لا يعتقد الرجل أنه يؤاخذ بذنب أبيه أو ولده أبداً، لكنهم جهال في ظلام يعيشون، قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ .
وفي سورة البقرة قال تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا [البقرة:80] بهذا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:80-81] صفعتهم صفعة واحدة، جهلة ضلال، قل أفاتخذتم عهداً عند الله أنه لا يعذبكم إلا أربعين يوماً؟ هل عندكم عهد من الله بذلك؟ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] لا تستحون، تكذبون على الله؟
ثم بين لهم أن الأمر ليس كمزاعمكم وضلالاتكم بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة:81] أبيض أو أسود، يهودي أو نصراني أو مسلم ، كل من كسب سيئة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81] عجب هذا القرآن! قطع ألسنتهم.
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:80-81] وفي قراءة: (خطاياه).
أما نحن فقد عرفنا لو كنت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزك نفسك بهذه العبادات حتى تطهر وتطيب والله لن تدخل الجنة، ولن يشفع لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كنت ابن رسول الله ولو كنت أباً رسول الله خاتم الأنبياء والله ما شفع لك ولا دخلت الجنة إن مت على خبث النفس وتدسيتها.
وهذا رجل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أبوه من أهل الفترة فسأله أين أبي؟ فقال: ( أبوك في النار ) متزمت ما فهم، فسأل: أين أبي؟ فقال له: في النار، مات مشركاً، فتململ الرجل فقال له صلى الله عليه وسلم: ( أبي وأبوك في النار )، مات على الكفر، فنفسه خبيثة مدساة مظلمة منتنة، من يدخله دار السلام؟
كيف يرقى ويخترق السبع الطباق؟
إبراهيم عليه السلام هل هناك من هو أكرم من إبراهيم؟ أرحم من إبراهيم في الدنيا؟
سمي بالأب الرحيم، وفي عرصات القيامة يسأل ربه: ( رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم القيامة يوم يبعثون وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أعظم من هذا الخزي يا رب؟ فيقال له: إبراهيم! انظر تحت قدميك وكان رافع رأسه إلى الله، انظر، فإذا أبيه
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] هذا حكم من الله، عرفتموه، فلم إخوانكم ما عرفوه في الشرق والغرب؟ لأنهم لا يجتمعون على كتاب الله وسنة رسول الله.
صدر حكم الله على البشرية كلها، فيا ويلها من هذا الحكم، إنه صارم، حكم ذي الجلال والإكرام؛ وهو قوله تعالى بعد الإقسام العظيم والحلف الكبير: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أي: نفسه.
من يراجع الله وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، سنن لا تتبدل، فهيا نزكي أنفسنا.
بم نزكيها يا رب؟ بما شرعنا لكم من صلاة وصيام وذكر وعبادات وقربات.
بم تتدسى النفس يا رب وتخبث؟ بما حرمنا عليكم من النظرة إلى اللقمة الحرام، فكل معصية تعود آثارها على النفس بالخبث والظلمة والنتن، فاعرفوا عبادة الله فاعبدوه بها تزكوا نفوسكم وتطيب، أما كوننا أتباع الزعيم الفلاني أو أولاد الأشراف أو أبناء السادة الفلانية فهذه ضلالات عجب.
قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ [آل عمران:24] خدعهم فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24] من الأكاذيب والأباطيل التي حرفوا بها الكتاب وحشوا وهمشوا وشرحوا وبينوا، هي التي أوقعتهم في هذا وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24].
فَكَيْفَ [آل عمران:25] الحال إِذَا جَمَعْنَاهُمْ [آل عمران:25] كلهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:25] ألا وهو يوم القيامة، كيف يكون حالهم؟
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ [آل عمران:25] أي: ما عملت وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25] لأن القاضي الحاكم الله ذو العدل والرحمة والإحسان.
وبعد: فهذه أسماء كتب أهل الطرق كتبتها نصيحة ليحذر منها المسلمون لما فيها من الضلالات، أعاذنا الله).
أولاً: يذكر الكتاب والمؤلف مثلاً: (الفتح الرباني لـمحمد الطفطفاوي بالقاهرة، الياقوتة الفريدة لـمحمد النطيفي ، جيش الكفيل لـمحمد الصغير).
أيضاً: يذكر: إيقاظ الهمم، الطبقات الكبرى، الفوز والنجاة، أورد أسماء الكتب وأسماء مؤلفيها والبلاد التي كتبت فيها، والأعجب من هذا: ما يذكره عنهم من أقوالهم وبدعهم.
انتبهتم أم لا؟ يقولون: الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً، ونحن نقول ولو في كانت في الكعبة فهي غير مقبولة قطعاً حتى تستوفي أركانها وشروطها.
يقولون: للشيخ التجاني مقام أربعين نبي في الجنة، وليس مقام نبي واحد، وآباؤنا وأمهاتنا لما يسمعون هذا يبكون، فانظروا كيف يصنع الجهل؟!
وهذا معناه: أن الولي أعظم من الله.
إذا خاطبه كافر أو وقف بين يديه يغمض عينيه ولو لم يفعل فإن الكافر يموت، فلهذا الشيخ يغمض عينيه.
والعجيب أنه آمن بهذا بلايين المسلمين، ويبكون، والله رأيناهم خاشعين متعجبين يبكيون!
وتجد بعضهم والله يأتي من المغرب ليزور عبد القادر في بغداد بالطائرة.
كم يكلف ذلك؟
من المغرب الأقصى يأتي يزور قبر عبد القادر الجيلاني ؟
لم؟ لوجه الله؟ ما السبب؟ لتقضى حاجاته.
أسألكم بالله! الذي يفهم هذا هل سيقرأ القرآن؟
عام كامل ولا يختمه، فيقول: أصلي مرة واحدة بستة آلاف ختمة.
ووالله لقد فهم هذا آباؤكم وأجدادكم وأمهاتكم وكبرنا وهللنا وقلنا: إيه، هكذا، فهم لا يفهمون كما تفهمون الآن حيث انتشر النور والهداية، ولو قلت: هذا باطل يضربونك بالعصي.
الله أكبر! التجاني هو خليفة النبي وبه يبقى الوجود؟!
من هو التجاني هذا؟ وأين هو؟ هذا في صحراء الجزائر، ارتقى إلى هذا المستوى، وأصبح صيته من إسطنبول إلى نيجيريا؛ لأن الشياطين تريد إطفاء نور الله وتريد إهلاك البشر وإقحامهم في جهنم، والتجاني هذا هو أحمد التجاني .
مما عرفناه: أن فرنسياً دخل مدينة فاس أو مكناس المغربية ودخل في طريقة أربعين سنة وهو ينشر في تلك الطريقة من هذا النوع والناس يهللون ويكبرون، وبعدها عاد إلى فرنسا ولبس الكرفات والبدلة والبرنطية وقال: أنا شيخ تلك الجماعة.
إياك أن تفهم هذا فهو باطل.
والبرهنة القاطعة: كيف حكمتنا فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا لولا أننا هبطنا وتمزقنا ومتنا؟ وكيف يعلو الكفر على الإيمان والله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]؟
اسمع كيف الكفر، يحضر النبي وأصحابه الأربعة عند جوهرة الكمال.
يا معشر المستمعين من الزوار! من منكم عنده جوهرة الكمال؟ يجحدونها، موجودة، يقرءونها في الليل وفي النهار، جوهرة الكمال عبارة عن قصائد وترنمات.
يقول: جوهرة الكمال على الذاكر أن يصور شيخه أو مقدم الشيخ -الواسطة- خادم التجاني ، ثم يأخذ في الذكر ولا بد أن يتخيل أن الشيخ بين يديه، وإذا ما استطاع أن يتخيل الشيخ فالمقدم يسمونه وهو النائب عن الشيخ.
فالحمد لله الذي عافانا!
الحمد لله الذي طيبنا وطهرنا!
الحمد لله الذي علمنا!
الحمد لله الذي ردنا بعد غيبتنا إلى كتابه وهدي رسوله.
اللهم احفظ لنا هذا النور ولا تمحه يا رب العالمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر