أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.
وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:
قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ * وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:98-102].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] الله يخاطب بهذا رسوله ومصطفاه نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وكل أمته تابعة له، ومأمورة بهذا الأمر.
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98] أي: إذا أردت أن تقرأ، كقوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6] فلا نغسل لما نقوم إلى الصلاة، ولكن نتوضأ أولاً ثم نصلي.
كذلك الاستعاذة، فإننا نستعيذ بالله ثم نأخذ في القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الرحمن الرحيم: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2].
أولاً: الاستعاذة بهذا اللفظ القرآني: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تكون عند إرادتك قراءة الآيات أو السورة، فإن كانت سورة فبعدما تستعيذ بالله تبسمل إلا ما كان من سورة التوبة، فإنها نزلت بدون بسملة.
إذاً: في بداية السور تقرأ البسملة ما عدا سورة براءة -سورة التوبة- فالقارئ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] مثلاً.
وإذا كان يقرأ من داخل السور وأثناء الآيات -كما قرأ الطالب الآن- فهذا لا يبسمل، بل يكتفي بـ: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ويقرأ.
ثم المصلي لما يفتتح صلاته ينبغي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويبسمل: بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ الفاتحة، وبعد ذلك في الركعات الباقية يكتفي بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم) ولا يعيد الاستعاذة؛ لأنه قد افتتح صلاته بالاستعاذة، فله أن يقرأ طول النهار ولا يكرر الاستعاذة.
إذاً: المصلي لما يفتتح صلاته يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الآيات.
فإذا قام للركعة الثانية والثالثة والرابعة مثلاً يكتفي بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم)، ولا يجهر بها في صلاته، بل يسرها، وذلكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمسلمين وما كان يجهر بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم)، بل يقولها سراً كما ترون أئمتنا في المسجد النبوي.
الجواب: الاستعاذة: طلب العياذ والحفظ من الله من الشيطان، لأن الشيطان يفسد على القارئ قراءته، ويمنعه من التدبر.. يمنعه من الاتعاظ.. يمنعه من التفكر.. يشغله بأمور أخرى حتى لا يستفيد من قراءته؛ لأن العدو إبليس عليه لعائن الله يعرف أن تلاوة كتاب الله بتدبر تفتح القلوب، وتشرح الصدور، وتكسب العلوم بعد العلوم.
فكيف يمنع صاحبها؟ بالوسواس، حتى يقرأ ويخرج من قراءته وما استفاد شيئاً.
وقد أرشد الله تعالى عباده المؤمنين وعلى رأسهم رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] والشيطان: هو إبليس، وكنيته أبو مرة، من المرارة؛ فلهذا لا تكني أحداً من الناس بأبي مرة، فهذه كنية خاصة بعدو الله إبليس.
والشيطان: من شطن يشطن، من الخبث والعفرتة، من شطن الحبل في البئر: إذا استخرجته.
والشيطان -والعياذ بالله تعالى- يفسد القلوب، وتستطيع أن تقول: كل فاسق أو فاجر فالشيطان هو الذي قاده لذلك، وساقه إلى الفسق والفجور.
ولماذا يفعل الشيطان هذا بنا؟
الجواب: لأن أبانا آدم عليه السلام كان السبب في إبلاسه وإخراجه من الجنة، وهذه الحادثة قرآنية مفصلة في سور كتاب الله.
فقد أمر تعالى الملائكة أن تسجد لآدم سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة، فالمعبود هو الله عز وجل الذي أمر فأطيع، وهو شبيه بصلاتنا خلف مقام إبراهيم، فمن طاف بالبيت سبعة أشواط يسن له أن يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم؛ لأن الله عز وجل لما عجز إبراهيم عن إعلاء البناء أمره بالإتيان بحجر، فوضعه عند جدار البيت وأخذ يبني عليه البيت، فقدم هذا الحجر خدمة لله فعرف الله له ذلك فشرع صلاة دونه، فالصلاة لله عز وجل، ولكن الحجر يجل لذلك ويكبر ويصلى وراءه.
إذاً: لما أمر تعالى الملائكة أن تسجد لآدم سجود تحية وتعظيم رفض إبليس أن يسجد كما سجدت الملائكة، وعصى الله، وادعى أنه أفضل من آدم، وقال: كيف أسجد له؟! وقاس قياساً فاسداً ليس بصحيح إذ قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] فالنار أفضل وأعلى وأسمى من الطين، فكيف أسجد أنا لآدم؟
وقد أخطأ في هذا القياس؛ لأن النار لا خير فيها، وأما الطين فكل الخيرات والبركات من الطين، من التمر إلى العنب إلى كل الفواكه والخضر، وأما النار فتحرق وتقضي على الموجود.
أساء في القياس ففسد، فمن ثم لعنه الله عز وجل، فقال: ما دمت قد لعنت من أجل آدم فأنا سأعمل جهدي في إفساد أولاده ليدخلوا النار معي كما قال الله على لسانه: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] اللهم اجعلنا منهم!
انتقم لنفسه، وطلب من الله تعالى أن يؤخر حياته إلى نهاية هذه الحياة، واستجاب الله له، فأخبره أن سيؤخره إلى وقت معلوم.
إذاً: هذا الشيطان وهذا العدو -كما قلت لكم- يفسد على القارئ قراءته، في التفكر.. في التدبر.. في التفهم.. في الاتعاظ بها، يحمله على وساوس وخواطر فيقرأ القرآن وهو لا يفكر فيما هو فيه.
فلا بد إذاً من التحصن منه، فعندما تريد أن تقرأ الفاتحة أو سورة أخرى تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد وورد عن بعض السلف أنهم كانوا يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم بعد القراءة أخذاً بظاهر الآية: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98] أي: فرغت فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] فبعض السلف يرى أنه يستعيذ بعد القراءة.
والصواب: أنه يستعيذ قبلها، وإن استعاذ بعدها فنعم؛ لأنك إذا قرأت وفرغت ممكن أن يوسوس لك الشيطان بفتنة: أنت أفضل الناس، وأنت أطهر الناس، وأنت قرأت.. فتطرده أيضاً قبلها وبعدها.
فمن هنا أقول: الاستعاذة قبل القراءة، ومن استعاذ بعدها مع الاستعاذة قبل القراءة فحسن واستعاذته حسنة؛ لأن العدو لا يفارقنا، فبمجرد أن نقول: الله أكبر وندخل في الصلاة يدخل في القلب يريد فتنتنا، والحمد لله أن الله عز وجل يحمينا منه إن نحن لجأنا إلى الله واستعذنا بجنابه، وقلنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
هذا ما دلت عليه هذه الآية الكريمة: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] أي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
هؤلاء ليس له عليهم سلطان، أي: قدرة بأن يصرفهم عن الحق.. بأن يبعدهم عن الخير.. بأن يحملهم على الباطل.. بأن يقودهم إلى الفسق والفجور.
لا يستطيع ذلك لحماية الله لهم! فهؤلاء أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والشياطين لا تقدر على إغوائهم وإفسادهم أبداً، ومهما تغري وتزين فإنهم لا يستجيبون لها، وبمجرد ما يشعر الشيطان بقول المؤمن: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ينصرف عنه.
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا [النحل:99] الإيمان الحق.. الإيمان الصدق.. الإيمان الذي هو بمثابة الطاقة الدافعة، بمثابة روح الحياة لا مجرد كلمة إيمان، أو أنا مؤمن!
والإيمان معاشر المستمعين والمستمعات! أركانه ستة لو سقط منها ركن انهدم البناء وفسد الإيمان، وهي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وهذا الإيمان -كما قلت وأكرر القول- والله بمثابة الروح، صاحبه حي وفاقده ميت، كما قال الله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80] أي: يا رسولنا! إن الكفار لا ينتفعون بقراءة القرآن؛ لأنهم صم بكم.. أموات.
ومثل آخر كررناه أيضاً، وهو أن أهل الذمة بيننا لا نأمرهم بصلاة ولا صيام، ولا بزكاة ولا بجهاد؛ لماذا؟ لأنهم أموات.
هل تقول لليهودي: صم. وهل تقول: للنصراني: صل؟! لا. هذا ليس بمعقول أبداً، فهو ميت، انفخ فيه الروح إذا قدرت على ذلك فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وعندها مره يأتمر؛ لأنه حي.
أما قبل أن يحيا فهو ميت ولا يجوز هذا أبداً، وأهل الذمة لا يؤمرون بيننا بصلاة ولا صيام إلا إذا أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، وأعلنوا عن ذلك بـ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ وعندها مرهم بالغسل يغتسلون، وبالوضوء يتوضئون، وبالصلاة يصلون!
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا [النحل:99] أولاً وَعَلَى رَبِّهِمْ [النحل:99] لا على سواه يتكلون يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99].
هذه من لطائف هذا الدرس لفضل الله علينا، فمثلاً: لو نقول: يا صاحب هذا الدكان! لا تبع المجلات التي فيها صور الخلاعة، والجرائد التي فيها الصور، ولا تبع الدخان، فقد حرمه العلماء في الشرق والغرب، وقالوا: لا يجوز فقال لنا: مع الأسف إذا لم نبع هذا ما يأتينا زبائن، ولا تمشي التجارة!
فهنا توكل على من؟ على الله أو على المحرمات؟ لن نستطيع أن نقول: توكل على الله إلا إذا أخذها ورماها وقال: لن أبيع ما يغضب ربي أبداً وإن مت جوعاً، فهذا نقول: توكل على الله.
أيضاً: شخص اعتاد على معصية من المعاصي وزين له الشيطان حتى أصبح يدعى إلى التوبة فما يقبل ذلك ويقول: كيف أترك ما فعلته من كذا وكذا؟ فهذا ما توكل على الله، ولو توكل على الله لكفاه، فالشيطان -عدونا عليه لعائن الله- لا سلطان له على المؤمنين المتقين المتوكلين على الله، وقدرته كاملة على الذين ما آمنوا أو آمنوا إيماناً ضعيفاً وما عرفوا التوكل على الله وإنما توكلوا على مادياتهم.
والله تعالى نسأل أن يجعلنا من هؤلاء المؤمنين المتوكلين على رب العالمين حتى لا ينال الشيطان منا شيئاً، هكذا يقول تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:98-99] فالتوكل على الله معناه: تفويض الأمر إليه، وترك القضية لله!
أمرتني يا رب! أفعل، وليكن ما يكون!
نهيتني يا رب! أترك ما نهيتني عنه، وليكن ما يكون، أفوض أمري إليك. هذا هو التوكل.
السلطان ما هو؟ القوة أم لا؟ السلطان: القوة، القدرة، الفعل، إنما سلطان الشيطان عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل:100] وينضمون إلى جماعته، ويصبحون من حزبه، وهو قائدهم ورائدهم يسوقهم شرقاً وغرباً، هؤلاء سلطانه عليهم حقيقة يقودهم حيث شاء.
وكل الموبقات والجرائم التي ترتكب في ديار المسلمين الشيطان هو الذي تولاها؛ لأن من قام بها تولى الشيطان وأصبح من أوليائه: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل:100] أي: يطيعونه ويعملون بما يرشدهم إليه، ويزينه ويحسنه لهم.
وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ [النحل:100] أي: بالشيطان مُشْرِكُونَ [النحل:100] أو به أيضاً أي: بالرحمن عز وجل مشركون، فعبدة الشيطان مشركون بالشيطان، أشركوا عبادة الشيطان مع عبادة الرحمن عز وجل، فنبرأ إلى الله أن نكون من هؤلاء.
إنما سلطان إبليس على من؟ على الذين يحتضنونه، يتولونه، ينضمون إلى حزبه، يكونون دائماً مع مراده، مع ما يرغب فيه ويفعله، هؤلاء هم أولياء الشيطان.
وبصورة عامة أهل الفسق والفجور الذين يرتكبون كبائر الذنوب بترك ما أوجب الله وفعل ما حرم هؤلاء الشيطان والاهم ووالوه فهو وليهم؛ ولهذا يسوقهم كما شاء، ونبرأ إلى الله تعالى أن نكون من أولياء الشيطان، ونرجو أن نكون من أولياء الرحمن.
حصروا الولاية في الموتى وإلى الآن بقيت بقايا في العالم الإسلامي، وقد قلت لكم -والله تعالى أحمد وأشكر على إفضاله وإنعامه أن هدانا لهذا العلم- قلت لكم: من فعل بنا هذا؟ اليهود والنصارى والمجوس، الثالوث الأسود.
لم أرادوا أن يحصروا الولاية في الموتى فقط؟
الجواب: لأنهم يعرفون أن المؤمن يحرم أذيته في دمه وماله وعرضه، كما جاء في الحديث القدسي الشريف: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) كلمة الله عز وجل في الحديث القدسي الشريف: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) فالمسلمون لما بلغهم هذا والله ما قدر أحدهم على أن يؤذي مؤمناً لا بسب ولا شتم ولا تعيير ولا تقبيح ولا سلب مال ولا انتهاك عرض إلا من أغواه الشيطان.
فعرف هذا الأعداء فسلبوا من قلوب المؤمنين الولاية الحقة وجعلوها في الموتى، ويبقى الأحياء ازن بنسائهم، اسرق أموالهم، اضرب أولادهم، افعل ..، لا تخاف، كما هو شائع؛ لأن الولي لا يستطيع الإنسان أن يؤذيه.
مجموعة من كبار السن قالوا: إن فلاناً كان إذا زنى لا يمر بقبر سيده فلان، فلان إذا فجر لا يمر بطريق فلان لأن فيها سيدي فلان، فلا يستطيع أن يمر بقبره!
انظر كيف يخاف من الولي الميت ولا يخاف من الأولياء الأحياء، فيزني بنسائهم؟!
هذا هو الجهل، وهذه مكائد العدو، والذي ما زلنا منصاعين ذائبين فيه.
حصروا الولاية في الموتى، ووضعوا علامة تدل عليهم؛ فأوقدوا الشموع على قبورهم، ووضعوا البخور عليها، وأما الأحياء فما فيهم ولي فكل أموالهم واضرب أعناقهم!
والله عز وجل قال في بيان صفات أوليائه من سورة يونس عليه السلام المكية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] وكأن سائلاً قال: من أولياؤك يا رب؟! فقال في الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64].
أَلا [يونس:62] هذه نظيرها عندنا الآن: ألو! الله ما قال: ألو، ماذا قال؟ أَلا [يونس:62] ومعناها: انتبه، أنت معي، هل تسمع ما أقول؟
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في البرزخ، لا خوف ولا حزن عليهم؛ لأنهم أولياؤه، وهو بيده كل شيء، وعلى كل شيء قدير، فكيف يحزنون أو يكربون؟
يتقون ماذا؟
الجواب: يتقون غضب ربهم عليهم، فلا يخرجون عن طاعته بل يفعلون ما يأمر بفعله، ويتركون ما ينهى عن فعله، هذه هي التقوى، ولكن لا بد من معرفة أوامر الله ونواهيه!
الذين لا يعرفون ما حرم الله كيف يجتنبوه؟!
الذين لا يعرفون ما أوجب الله كيف يفعلوه؟!
لا بد من العلم أولاً: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19].
عرفتم هذه اللطيفة أم لا؟ حصروا الولاية في الموتى، وأما الأحياء كل واشرب واذبح فما هم أولياء الله.
هذا مكر عجيب!
إذاً: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ [النحل:99-100] إذاً على من؟ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل:100] ويصبحون من أوليائه، يأمرهم بالشر، وينهاهم عن الخير، ويستجيبون لما له من قدرة على قلوبهم؛ لأن القلوب انطمس النور فيها بصب الذنوب والآثام عليها.
الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:100] والذين هم به مشركون، الضمير يصح عوده على الله، أي: هم مشركون بالله، ويصح عوده إلى الشيطان؛ لأنهم يشركون الشيطان في عبادة الله، والكل صحيح.
الشرك: أن تعبد مع الله غيره بأية عبادة، لو تصوم الدهر كله وتصلي أوقات الليل والنهار كلها ثم تشرك بالله في الدعاء فقط فتدعو معه غيره بطل كل شيء!
الشرك: أن تشرك إنساناً.. مخلوقاً.. ملكاً.. كائناً من كان مع الله في عبادة من عباداته، فتعبده بها.
تأملوا هذا واحفظوه! الشرك بمعنى: الشراكة، أن تشرك شخصاً مع الله في عبادة من عباداته، فيصبح شريكاً لله وأنت مشرك، ولو تعبد الله بكل العبادات إلا عبادة واحدة فتقول: أشرك فيها فلاناً تصبح من المشركين، ولا يغفر لك ذنبك إلا إذا تبت من الشرك قبل موتك؛ لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]
من هم الذين يشاء الله أن يغفر لهم؟ التائبون الراجعون إلى الله، الآيبون الباكون المستغفرون، يغفر لهم مهما كانت ذنوبهم، والذين يموتون على التوحيد.
يخبر تعالى عن أهل مكة -عن المشركين- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ماذا يقول؟ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً [النحل:101] نسخناها ووضعنا بدلها أخرى، إذ قال تعالى من سورة البقرة: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106] لحكم عالية، ومن الأمثلة على ذلك: أن العرب بالذات ألفوا الخمر واعتادوها، وأصبحوا يتنافسون في تقديمها، فمن رحمة الله عز وجل أنه ما حرمها عليهم في يوم واحد بل بالتدريج شيئاً فشيئاً، حتى ألفوا ذلك ثم حرمها عليهم فامتنعوا منها.
وقد تقدم في هذه السورة قول الله تعالى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67] نزلت هذه الآية بمكة، ثم نزلت آية سورة النساء بالمدينة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43] فمن ثم أصبح المؤمنون لا يستقون الخمر قبل الظهر أو قبل العصر، أو قبل المغرب، أو قبل العشاء؛ لأنهم منهيون أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، فجعلوا يخصونها بوقت معين بعيد عن الصلوات كنصف الليل أو الضحى أو ما إلى ذلك، وأصبح عندهم حرج لهذا، فتساءلوا: لماذا؟ فنزلت آية البقرة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] فانكمشت، وقل من يشربها -وهذا ليس في يوم واحد أو في سنة- ثم بعد ذلك لما تهيئوا وأصبحوا راغبين عنها لا يريدونها نزل من سورة المائدة المدنية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90-91] قالوا: انتهينا يا ربنا! انتهينا يا ربنا! وأريقت زقاق الخمر وقربه في شوارع المدينة حتى جرت الشوارع بالخمر.
هذا هو الإيمان.. هذه هي الرحمة الإلهية، بهذا التدريج وقع النسخ، ينزل حكماً وينسخه بآخر ألطف منه أو أرحم، فسمع العرب هذا، فقالوا: محمد يكذب، لم يقول: هذا حرام ويوم غد يقول: حلال؟ أو هذا يجوز وهذا لا يجوز، قالوا: يكذب.. يفتري، فرد الله تعالى بقوله: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ [النحل:101] لفائدة عباده المؤمنين ومصلحتهم قالوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ [النحل:101] أي: كذاب، وبذلك كفروا، فالذي ينسب للرسول الكذب كفر، فهم كافرون.
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل:101] الجهل هو الذي حملهم على هذا، فلو كانوا يعلمون ما قالوا هذا، ولكنه الجهل.. ما عرفوا.
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [النحل:102] ألا وهو جبريل عليه السلام، هو الذي كلفه الله بمهمة الوحي الإلهي.
وذكر أهل العلم استثناء: وهو أن سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] نزل بها ملك ما نزل إلى الأرض قط، وهذا يرفع قيمة الفاتحة ويعلي شأنها؛ ولهذا لا تصح صلاة عبد إلا بها.
سورة الفاتحة قالوا: نزل بها ملك لم ينزل إلى الأرض قط، وباقي القرآن نزل بواسطة جبريل عليه السلام.
قُلْ نَزَّلَهُ [النحل:102] أي: القرآن بأحكامه وشرائعه وقوانينه رُوحُ الْقُدُسِ [النحل:102] والقدس: الطهر، ألا وهو جبريل عليه السلام، مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102] لماذا؟ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا [النحل:102].
القرآن كان ينزل يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر كذا، والقلوب تتحمل وتثبت حتى امتلأت بالإيمان، وأصبح أحدهم يفضل أن يصلب أو يقتل ويحرق ولا يعدل عن كلمة: لا إله إلا الله!
ثبت الله به القلوب، فما نزل في دفعة واحدة، ولكن في ثلاث وعشرين سنة والمؤمنون يتلقون هذه المعارف ويعملون بها.
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا [النحل:102] القرآن كلما تنزل آية يزداد إيمان المؤمنين، كلما يشرع الله فيأمر بأمر أو ينهى عن شيء ازدادوا إيماناً.. وهكذا حتى كملوا، ولو كان في دفعة واحدة لا يطيقونه.
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102] لماذا؟ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102] وهدى: الهداية معروفة وهي ضد الضلال.
والقرآن هدى، ووالله ما آمن به عبد وقرأه وعمل بما فيه إلا اهتدى، وما أعرض عنه عبد وتركه ولم يعمل بما فيه إلا ضل وشقي والعياذ بالله!
القرآن هدى، فمن أراد الهداية يطلبها من القرآن الكريم!
اجعله نصب عينك وامش وراءه، فلن يصل بك إلا إلى دار السلام، فلا خبث ولا شر ولا فساد ولا كفر ولا شرك ولا نفاق.
وَهُدًى وَبُشْرَى [النحل:102] لمن؟ لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102] بشرى لهم برضا ربهم عز وجل، وسعادتهم وكرامتهم في الدارين.
ولكن لمن هذه البشرى؟ لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102] هكذا قال.
من هم المسلمون؟ بنو تميم؟ بنو هاشم؟ بنو كذا..؟ من هم المسلمون هؤلاء؟
اعلموا أن المسلم هو ذاك الذي أسلم قلبه ووجهه لله، هذا المسلم، أبيض كان أو أسود.
أسلمت كذا لكذا: أعطيته، أسلم لله قلبه فأصبح قلبه لا يتقلب أبداً إلا في طلب رضا الله ليلاً ونهاراً، همه مقصور على ربه كيف يرضى عنه ويسعده؟
وأسلم وجهه لربه فلا يقبل بوجهه على غير الله أبداً، لا صنم ولا حجر ولا فلان ولا فلان، دائماً ووجهه إلى الله، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125].
هؤلاء المسلمون بشرى وهدى لهم القرآن الكريم، وحق هذا، وتم والحمد لله، فقد اهتدى العرب الذين كانوا على أسوأ ما يكونون جهلاً وفسقاً وفجوراً وشركاً وباطلاً.
خمسة وعشرين سنة وإذا بهم أئمة العالم وسادة البشرية بسبب ماذا؟ بالسحر؟! بالربا وأكل المال الحرام؟! بالتلصص والإجرام؟!
لا! وإنما بالقرآن وإسلام القلب إلى الرحمن عز وجل، آمنا بالله، أعلنوا عن إيمانهم بالله فاستقاموا، فما أذن الله في أكله أكلوه، وما لم يأذن والله ما يأكلونه، وما سمح الله بقوله قالوه، وما لم يسمح به والله لا يقولونه، كما تشاهدون أنفسكم أيها المتقون!
هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102] اللهم اجعلنا منهم.
قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] عرفت كيف تفعل؟
إذا أردت أن تقرأ القرآن قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والسور لها بسملة مفتتحة بها: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ، فإذا قرأت من داخل السورة فلا تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بل يكفيك أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وفي الصلاة عند الركعة الأولى تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وفي الركعات بعدها تقرأ الفاتحة ببسم الله الرحمن الرحيم لا غير.
وقد عرفتم أن الشيطان مرجوم ملعون مطرود من دار السلام؛ لأنه عصى ربه، قال: لا أسجد، والذي لا يسجد لله طول حياته ولا يصلي كيف حاله؟!
إبليس كفر بأن امتنع عن سجدة واحدة سجدها الملائكة فأبلسه الله وطرده، وتارك الصلاة يعيش خمسين عاماً لا يركع لله ولا يسجد فكيف ينظر الله إليه أو يرحمه؟!
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99] المؤمنون الصادقون في إيمانهم المتوكلون على ربهم لا قدرة للشيطان على إغوائهم أو إفسادهم أبداً، حتى ولو كان الشيطان من الإنس يغريه ويزين له الفاحشة والله ما يستجيب له بل يلعنه ويطرده؛ لأن شياطين الإنس كذلك يغرون بالزنا والربا والكذب والخيانة بالكلام الطيب في نظرهم، فأولياء الله محميون بحماية الله لهم، فلا يستطيعون أن يغروهم أو يفسدوا قلوبهم.
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ * وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ [النحل:100-101] من القائلون؟ المشركون في مكة.. الكفار قبل الإيمان، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت تكذب فقط، كيف يوم تقول: كذا وغداً تقول كذا؟
قال تعالى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل:101] حقيقة النسخ للآيات وتبديلها، لا علم لهم.
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102] روح القدس جبريل عليه السلام.
هل هناك سورة نزلت مع غير جبريل؟ نعم، الفاتحة العظيمة.
لم نزل القرآن؟ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102] الذين أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، فلا يعرفون غير الله عبادة وطاعة وحباً وولاء، وخوفاً ورغبة ورهبة. اللهم اجعلنا منهم!
أولاً: استحباب الاستعاذة عند قراءة القرآن بلفظ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ].
لماذا قلنا: استحباب الاستعاذة؟ حتى لا تقول: فريضة هذه وواجبة، بل هي من السنن المستحبات.
والقارئ لما يريد أن يقرأ يستحب له أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولو أنه ما قالها ما كفر ولا فسق ولا فجر!
[ ثانياً: بيان أن لا تسلط للشيطان على المؤمنين المتوكلين على ربهم ] وقد عرفنا هذا من الآية: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:100].
[ ثالثاً: بيان أن سلطان الشيطان على أوليائه العاملين بطاعته المشركين بربهم ] هؤلاء أولياء الشيطان وسلطانه عليهم قوي فهو يسوقهم كالأغنام إلى المفاسد والشرور.
[ رابعاً: بيان أن القرآن فيه الناسخ والمنسوخ ] وقد دل على ذلك قوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ [النحل:101].
إذاً: القرآن فيه الناسخ والمنسوخ وعلى أهل القرآن أن يعرفوا الناسخ والمنسوخ. لا بد من معرفة هذا.
[ خامساً: بيان فائدة نزول القرآن بالناسخ والمنسوخ، وهي تثبيت الذين آمنوا على إيمانهم، وهدى من الضلالة، وبشرى للمسلمين بالفوز والفلاح في الدارين ] أي: الدنيا والآخرة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر