أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن ما زلنا مع آيات سورة الحجر.
قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:45-56].
من فعل بنا هذا؟
إنه العدو المكون من اليهودية والمجوسية والصليبية.
لماذا حولونا عن كتاب الله؟ لماذا حولونا عن قراءته ودراسته بيننا لنقرأه على الأموات؟
الجواب: لعلمهم -ولو كان أحدهم يسمعني لقال: إيه صدق هذا القائل- أن القرآن الكريم روح، وأن من فقده فقد روحه فهو ميت، ومصداق ذلك من الكتاب العزيز قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا [الشورى:52] ما قال قرآناً: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، سماه روحاً.
وهل تتم الحياة في الإنسان بدون روح؟ والله لا تتم.
ودليل ذلك في الواقع: كان العرب في هذه الديار في أسوأ ما يكونون، أمواتاً غير أحياء، يعبدون الأحجار والأشجار، أذلاء مهانون من الشرق والغرب، وما إن نزل هذا القرآن وآمنوا به واجتمعوا عليه وتدارسوا وفعلوا ما يأمر به وانتهوا عما ينهى عنه ما هو إلا ربع قرن حتى سادوا العالم، وكانوا أكمل البشرية في الشرق والغرب.
عرف هذا العدو وجهلناه نحن، والمفروض كل ليلة في قريتنا أو في حينا إذا فرغنا من العمل ورمينا المسحاة جئنا لصلاة المغرب ونجتمع اجتماعنا هذا بعد صلاة المغرب، ويجلس لنا عالم بكتاب الله، فنتدارس كتاب الله، نقرأ آيات ونتدارسها، ونفهم مراد الله منها، فإن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان حراماً اعتزلناه وتركناه، وإن كان أدباً تأدبنا به، ولا نزال كذلك بنسائنا وأطفالنا ورجالنا حتى نكمل ونصبح حقاً أولياء الله، ويومئذ لن يجد الشياطين من الإنس ولا من الجن مدخلاً ليفسد علينا قلوبنا وأحوالنا ودنيانا.
ما المانع أن أهل القرية يتفقون مع إمامهم في المسجد: يا أبناءنا، يا إخواننا إذا غابت الشمس أو مالت إلى الغروب انتهى العمل، توضئوا وتطهروا وائتوا بنسائكم وأطفالكم إلى المسجد لنصلي المغرب ونتعلم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نصلي العشاء وننصرف وقلوبنا مستنيرة وعقولنا عالية، وهممنا عجيبة.
والله ما تمضي سنة على تلك القرية أو ذلك الحي إلا وقد قلت فيه مظاهر الشر والفساد وانمحت، وانتشر الحب والإخاء والمودة والتعاون والبر والتقوى، وتنتهي مظاهر الشر والفساد.
في قريتكم أعلمكم بالله وكتاب الله أتقاكم، وهذا أمر مسلم به في أي مكان، أعلمنا بالله أتقانا، أقلنا ظلماً وفجوراً وباطلاً. وأجهلنا بالله أكثرنا فسقاً وباطلاً، هذا أمر لا يجادل فيه أحد.
بماذا اتقوا عذاب الله وسخطه؟ بالحصون العالية؟ باللباس الغليظ؟ بماذا يتقى غضب الله وسخطه يرحمكم الله؟
الجواب: بطاعته في أمره ونهيه، أطعه تتقي عذابه، وإذا عصيته فقد تعرضت لعذابه، والله كما تسمعون، المتقون جمع متقي، والمتقي عبد خاف من الله فأطاعه فيما أمره أن يعتقد أو يقول أو يفعل، وفيما نهاه أن يعتقده أو يقوله أو يفعله.
والجنة دار المتقين؛ لأن التقوى هي كأن تدخل مستحماً فتغتسل وتتطهر وتنظف وتدخل القصر، أما أن تريد الدخول والأنجاس والأرجاس على بدنك وفي ثيابك فمن يسمح لك بالدخول؟!
إذاً: ما التقوى إلا طاعة لله ورسوله، تنتج تلك الطاعة زكاة النفس وطهارتها، فتصبح نفس العبد زكية طاهرة أشبه بهذا النور، لا ظلمة عليها ولا دنس ولا رجس.
وأهل هذه الأرواح النقية الزكية هم أولياء الله، وهم الذين ينزلهم الله في الجنة بجواره، وأذكر السامعين وأعلم غير العالمين من زوار المسجد النبوي بأن حكماً لله تعالى قد صدر علينا، والله العظيم، والله إذا حكم لا يعقب على حكمه، من يقدر على أن يعقب على حكم الله فيبطله أو يغيره أو يبدله؟ لا أحد.
صدر حكم الله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، أفلح من زكى نفسه وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، أي: خبثها ولوثها وعفنها بأوضار الذنوب والآثام.
من يرد على الله؟ لم أوجد الله عالمين عالم علوي وهم أهل الجنة، وعالم سفلي وهم أهل النار؟
الجواب: من أجل أن ينزل أصحاب الأرواح الزكية بالملكوت الأعلى بدار السلام، وأصحاب الأرواح الخبيثة بالشرك والذنوب والمعاصي في أسفل سافلين.
وهانحن عمال نعمل، فمنا من يعمل الصالحات فتزكو نفسه، ومنا من يعمل السيئات فتخبث نفسه، والجزاء بعد الموت كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، كأننا عمالة "شغيلة" نعمل الليل والنهار، ونحن صنفان: يعملون الصالحات، ويعملون السيئات، فأصحاب الأعمال الصالحة نفوسهم تزكو عليها وتطيب وتطهر، وأما أصحاب الأعمال الفاسدة فنفوسهم تخبث وتنتن والعياذ بالله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].فهيا بنا نعمل الصالحات.
الجواب: الطريق أن نجتمع في بيوت ربنا بعد صلاة المغرب لعالم رباني بكتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتعلم أوامر الله وكيف نؤديها، ونتعلم نواهي الله، وكيف نستعين بالله على تركها، فلا نزال نعمل الصالحات ونتجنب الطالحات حتى تزكو نفوسنا وتطيب وتطهر، ونصبح لا نرضى أن ننظر نظرة محرمة، ولا أن نقول كلمة باطلة، وتتم بذلك ولاية الله لنا، ونصبح أولياء الله، واسمعوا بيان الله في شأنهم، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم يا رب؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64].
مضت علينا قرون نعتقد أن الولي: هو الذي مات وبني على قبره؛ فلا يزال يعكف حول قبره، ويستغاث به ويستعاذ به وينذر له النذور، ذلكم هو الولي.
أما أن نعتقد أن ولياً يمشي في السوق أو في البستان أو في أي مكان يعمل فلا يوجد ذلك أبداً!
لو تدخل مدينة من مدن العالم وأول من تلقاه من الرجال تقول: يا سيد دلني على ولي من أولياء في هذه المدينة والله ما يدلك إلا على قبر.
من فعل بنا هذا؟ إنه الثالوث الأسود الذي يعمل ليل نهار إلى الآن على محو الإيمان من قلوب المسلمين.
أرأيتم ماذا فعل؟ لماذا؟ لأنهم يعرفون قول الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، والمؤمنون كلهم أولياء الله، فقالوا: كيف نستطيع إذاً أن نسلط المؤمنين على بعضهم البعض؛ يزنون بنساء بعضهم البعض، ويسرقون أموال بعضهم البعض، ويسبون ويشتمون ويمكرون ويخدعون ويغشون ويتكبرون؟ كيف نفعل ذلك؟
قالوا: نحصر الولاية في الأموات، أم الأحياء فلا انكح النساء، كل، اشرب، افعل، اضرب، ليسوا بأولياء.
إذاً:لم حصروا الولاية في الأموات فقط وسلبوها عن الأحياء؟
الجواب: حتى يستبيح الناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ولما تعلمون يقيناً أن الولي في قبره لا نستطيع أن نقول فيه كلمة سوء، فهو ولي الله، وأما الأولياء الذين يمشون في الأسواق والمتاجر يعيشون لا نبالي بهم، نقول: ليسوا بأولياء، سب.. اشتم.. اسرق.. اكذب، افعل ما شئت.
من فعل هذا بنا؟ إنهم المجوس واليهود والنصارى، وذلك لنكون مثلهم، لم نفوز بالدنيا والآخرة؟ لم نسعد ويشقون؟ لم نكمل وينقصون؟ إذاً: اسلبوا منهم أنوار الهداية.
يا عبد الله! تريد أن تكون ولياً؟
إذاً عليك بأمور: أولاً: آمن حق الإيمان، لو تقطع، لو تصلب، لو تحرق لا تعدل عن كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم آمن بما أمرك الله أن تؤمن به بعد الإيمان به تعالى جل جلاله وعظم سلطانه، ثم اتقه بفعل ما يأمرك وترك ما ينهاك عنه، هنا تجد نفسك مضطراً يقيناً إلى أن تتعلم أوامر الله، ما هي؟ وكيف تؤديها في أوقاتها وظروفها، وتتعلم ما حرم الله عليك ونهاك عنه وكيف تتركه، ومن هنا فإن طلب العلم فريضة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ).
لماذا؟ لأنك لن تحقق ولاية الله وأنت ما تعرف الله، الذي لا يعرف الله بأسمائه وصفاته وجلاله وكماله لا يخافه ولا يطيعه، فأنى له بعد ذلك أن يحقق الولاية؟
إنها ليست طاعة تقليدية، بل أطعت الله لعلمي بجلاله وكماله وقدرته ورحمته وعظيم سلطانه، فأنا عبده يجب أن أطيعه، فلابد من معرفة الله، ثم معرفة ما يحب الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات والذوات، وما يكره من ذلك من أجل أن توافقه فيما يحب وفيما يكره، وإلا لا ولاية لك.
إذا كان العبد يكره ما يحب الله، ويحب ما يكره الله والله ما هو بولي الله، وإنما هو عدو الله.
من عدوك؟ الذي يكرهك، ويكره ما تحب ويقف في وجهك، ذلك هو عدوك، فالذي يحب ما يكره الله، ويكره ما يحبه الله والله إنه عدو الله، وولي الشيطان.
تذكرون هذا معاشر المستمعين والمستمعات، وتذهبون إلى مدنكم وقراكم وتقولون لأهل القرية: هيا نجتمع على دراسة كتاب الله وسنة رسوله.
فإن قالوا: ليس عندنا وقت، تقولون لهم: اشتغلوا من صلاة الصبح إلى غروب الشمس في مصانعكم ومتاجركم وفي مزارعكم، ومن بعد صلاة المغرب أوقفوا العمل، والذين سادوكم وحكموكم من الغربيين إذا كانت الساعة السادسة أوقفوا العمل فلم لا يقف العمل عندنا نحن؟
أعوذ بالله، كيف هبطنا هذا الهبوط؟ أعداؤنا يشتغلون وإذا دقت الساعة يقف العمل ويذهبون إلى المراقص والملاهي والملاعب لأنهم كفار أموات أخباث، ونحن أولياء الله نبقى في العمل حتى لا نجتمع في بيت الرب ولا نتعلم كتابه ولا هدي رسوله؛ لنبقى على جهلنا وما يثمره الجهل من الفسق والشر والفساد، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
كتبنا في هذا رسائل وبكينا على هذا الكرسي أربعين سنة، وما بلغنا أن أهل قرية اجتمعوا كل ليلة على كتاب الله وسنة رسول الله أبداً، لا في الشرق ولا في الغرب لا في العرب ولا في العجم، وتعهدت: لو بلغني أن أهل قرية اجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله سنة لأزورنّهم لأشاهد أنوار الإيمان في وجوههم، وحصل أن أهل قرية في جنوب مملكتنا بلغوني عنهم أنهم كذا فزرناهم في الشهر الماضي ووجدناهم ما وفوا، فقط الخميس والجمعة، ليلة الخميس وليلة الجمعة وباقي الخمسة الأيام الأخرى لا يجتمعون ومع هذا كملوا وسادوا وطابوا وطهروا أفضل من غيرهم.
ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46]، ادخلوا تلك الجنان وتلك الجنات ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ [الحجر:46]، لا مرض ولا كبر ولا.. ولا عطش ولا ضعف ولا.. ولا، آمنين من كل ما من شأنه أن يعكر صفو سعادتهم، فلا مرض ولا كبر ولا جوع ولا.. ولا، لا وجود لشيء ينغص تلك السعادة.
ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46]، متى هذا؟ عندما تكون الأرواح أرواح المؤمنين الطاهرة الزكية، أرواح أولياء الله، بمجرد ما تقبض الروح والله يعرج بها إلى السماء ثم سماء بعد سماء إلى دار السلام الجنة، إلى عليين، وما زالت جثته على التراب أو السرير، ويسجل اسمها في كتاب اسمه عليون، واقرءوا: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:18-21] من الملائكة.
هؤلاء هم الأبرار وهم ضد الفجار، إن لم يكن فاجراً فهو بار، ومن كان غير بار فوالله إنه لفاجر؛ لأن البار ذاك الذي عرف الله فرهبه وخافه وأحبه وأطاعه في أمره ونهيه، فحرم ما حرم عليه، وانتهى عما نهاه عنه، ونهض بتلك العبادات من جهاد وحج وصيام وصلاة.. إلى غير ذلك، ذلكم البار ضد العاصي، فلان بار بأبويه وفلان عاق عاصٍ.
ولكن الذين لا يدخلون هم الكفار والمشركون، فلهذا نرجو لآبائنا وإخواننا أن يموتوا على لا إله إلا الله، ولهذا أوصيكم إذا مرض أحدكم لا يبرح عنه حتى يقول: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، حتى تقبض روحه وهو يقول: لا إله إلا الله، وإذا كان قريبك بعيداً أو قريباً وزرته أو في المستشفى فاجلس إلى جنبه، وقل: لا إله إلا الله، فإن قالها اسكت، فإن تركها، قل: لا إله إلا الله؛ حتى يموت عليها، ومن مات على لا إله إلا الله دخل الجنة أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كلمة تزن الدنيا وما فيها.
إذاً: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الحجر:47]، الغل والحقد والبغض والعداوة والحسد الموجودة فينا، هذه تنزع من قلوب أهل الجنة، فيصبحون كالملائكة، فلان ضربته وفلان ضربك ودخلتما الجنة، والله ما في نفس أحدكم شيئاً أبداً بل يحبك وتحبه، فنزلت هذه الآية فيهم حقاً وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، إخواناً سواء كانوا بيضاً أو سوداً.
عَلَى سُرُرٍ [الحجر:47] جمع سرير متكئين متقابلين.
من كمال السعادة أنهم لا يجلسون على الأرض بل يجلسون على أسرة من ذهب وفضة، وإذا جلسوا للتحدث وتذكر الدنيا وما كان فيها يجلسون متقابلين، ولو كانوا بالملايين، وجوههم مع بعضهم البعض، متقابلين على سرر، فإذا انصرفوا إلى نعيمهم انصرفت الأرائك كذلك، ينصرفون بوجوههم، فلا ترى دبره ووراءه أبداً، وهذه آية من آيات الله وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، عند جلوسهم في تلك الليالي والساعات التي يسعدون فيها بلقاء بعضهم البعض.
قوله: لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ [الحجر:48] النصب التعب، فلان نصب نفسه للعمل فتعب، النصب التعب، والله لا يوجد في الجنة تعب أبداً، تأكل، تشرب، تنكح، تتجول، تتنقل في ذلك العالم ولا تتعب أبداً لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48] أبداً.
وأما أهل النار فد قال تعالى فيهم: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، وقال: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:43] وعدهم بجهنم، فكما قدمنا: الكفار والمشركون من اليهود والصليبيين والمجوس والعرب هؤلاء لا يخرجون من النار أبداً، وعدهم بها فهم فيها.
ومن مات على التوحيد فهو المؤمن الذي لا يؤمن بأن هناك من يخلق أو يرزق أو يعطي أو يمنع أو يضر أو ينفع إلا الله، ويعتقد اعتقاداً كاملاً أن الله معنا حيثما كنا يرانا ويسمع قولنا ويجزينا بكسبنا، ويؤمن إيماناً كاملاً أنه لا يصح أبداً أن يدعو مخلوقاً ويقول: أعطني يا فلان، أو يعلق في عنقه صورته أو صليبه ويقول: ينفعني.
الموحد ذاك الذي لا يعبد إلا الله، وهو يقول دائماً: لا إله إلا الله، لا معبود إلا الله.
وقد وقع إخواننا وآباؤنا في الجهل، وأنقذنا الله منه، نسأل الله أن يكونوا قد ماتوا على التوحيد، وإلا الذين يذبحون للقبور ويعكفون حولها ويحلفون بها ويرهبونها عبدوا غير الله، أشركوا بالله.
ماذا نقول لهم؟ كلمة واحدة: أرجو الله أن تكون مرضياً عنها، وهي: نقول: إذا مات أحد وهو يشهد أن لا إله إلا الله ومات على هذه الكلمة نجا، وإن دخل النار وإن عذب وإن وإن، لابد وأن مصيره إلى الجنة، فلا تفارق ألسنتكم لا إله إلا الله عند المرض بالذات، والمريض لقنوه، فالرسول يقول: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )، فمن مات وما قال: لا إله إلا الله فإن شاء الله من أهل الجنة، وإن مات وهو يقول يا سيدي عبد القادر! أو يا رسول الله، أو يا فلان وفلان.. فالعياذ بالله.
وإن مات وهو يقول: لا إله إلا الله، إن شاء الله من أهل الجنة، ونلتقي بهم إن شاء الله عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
ولكن من مات يذبح للأولياء ويحلف بهم ويعكف على قبورهم ويحجها و.. و.. ويدعوهم ويستغيثهم: يا سيدي فلان يا سيدي فلان، إن لم يتدارك نفسه بأن مات على كلمة التوحيد فهو في جهنم ولن يخرج منها أبداً؛ لأنه أشرك بالله.
وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، لا يخرجون من الجنة، أعمارهم لا نهاية لها، عالم لا يمكن أن يفنى أبداً، وإن شككت فهذا العالم الأرضي مضت عليه آلاف السنين وسيفنى، وذاك العالم خلق لأجل البقاء فلا يفنى أبداً، لا موت ولا فناء وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48].
أنبئكم يا معشر المستمعين والمستمعات بأن الله غفور لذنوبكم رحيم بكم، لكن بشرط أن تتوبوا، فمن كان يباشر معصية كالدخان، كالشيشة كالخمر كالزنا كالربا كعقوق الوالدين كأذية المؤمنين يجب أن يتوب، ومن تاب تاب الله عليه ومحا ذنوبه ولو كانت مثل الجبال، فالله غفور، هذا اسمه، وهذه صفته، يغفر الذنوب لأصحابها عندما يرجعون إلى الله ويتوبون إليه، وهو الرحيم بأوليائه وبعباده.
ومن هنا يجب أن نحب الله، مادام يغفر ويستر ولا يؤاخذ ويرحم كيف لا يحب؟ هذا الذي ينبغي أن نحبه ونتحاب فيه، ونحب ما يحب ونترك ما يكره، نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49] .
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:50] وأن عذابي في الدنيا والآخرة هو العذاب الأليم، الغاية في الإيجاع والعياذ بالله تعالى.
معشر الأبناء والإخوان! لا أطيل عليكم، أذكركم: أنتم أولياء الله ومن شك في ولايته فليرجع إلى ربه، أما قال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]؟
إذاً: من كان يلازم معصية فليتركها ويتخلى عنها، ومن كان نقاه الله ونجاه فالحمد الله، ولنعبد الله بما شرع لنا من هذه العبادات على الوجه الذي بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يتطلب منا أن نتعلم، يجب أن نتعلم، لا يقضي أحدنا سبعين سنة في بستانه أو دكانه ولا يجلس جلسة كهذه، حرام هذا ولا يجوز أبداً، والله لو لازمنا بيوت الله في هذا الوقت للتعلم لأصبحنا علماء، ولكن مع الأسف الشيطان يصرفنا عن بيوت الله.
إذا غابت الشمس يجب أن يتوقف العمل عندنا الدكان والمقهى والمتجر و.. و، ونجتمع في بيوت ربنا، وهي متوفرة وموجودة، وأهل العلم متوفرون أيضاً، وضعنا لكم كتاب: (المسجد وبيت المسلم)، لهذا الغرض؛ لأن أهل القرى في العالم ليسوا بينهم علماء، وهذا الكتاب ثلاثمائة وستين آية وحديث بمعدل سنة، ليلة آية وأخرى حديث؛ يحفظون ويعملون ويفعلون، سنة فقط وإذا بهم أنوار تتلألأ وقد طهرت بلادهم، ولكن الله نسأل أن يتوب علينا وعلى كل المؤمنين والمؤمنات.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر