وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع هذه الآيات القرآنية الكريمة من سورة البقرة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:204-207].
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] من القائل؟ الله، يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أتباعه صلى الله عليه وسلم يتناولنا الخطاب يتناولنا إذا آمنا حق الإيمان وأسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله.
ومن الناس شخصية عفنة خبيثة منتنة، لأنه ما بعد الكفر وسخ ولا دنس، فكيف إذا أضيف إليه المكر والتمرد والكذب والنفاق؟ والصيغة صيغة تعجب: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] إذا تكلم في الدنيا: في الطبخ في التجارة في الحرب تعجب بكلامه لبراعته وطلاقة لسانه، كلامه عجب.
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] بارع في الخصومة شديد قوي؛ لأن إبليس يمده بالطاقة.
وقوله تعالى: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] استنبطنا منه أن المؤمن إذا قال: أشهد الله على كذا، الله يشهد أني كذا، الله يعلم؛ فاحذر يا عبد الله أن تكون كاذباً فتقع في هذه الهاوية، فلا تقل: أشهد الله على ما قلت، الله يشهد على ما قلت، الله يعلم أني كذا، ينبغي أن تكون صادقاً وإلا فهي الحالقة، لأن هذا المسلك سلكه الأخنس ، واسمع ما توعده الله.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] أي: إذا تكلم في أمور الحياة -اللباس الطعام الحكم الدولة- تعجب، بيان وفصاحة، ويؤكد أقواله وآراءه بكلمة: يشهد الله على كذا، أشهد الله، الله يعلم، حتى يموه ويغرق الناس في الأوهام والباطل، والله فضحه شر فضيحة.
وأيضاً: وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205] رجع من مجلسه وانصرف عنه وغاب عن حضرتك أهلك الحرث والنسل، فكيف إذا تولى بمعنى حكم وتسلط؟ يدمر الحياة كلها، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205] ويكرهه، وإذا كره الفساد كره المفسد من باب أولى، إذ هو الذي جر الفساد وأتى به، والفساد في الأرض يكون بالشرك والمعاصي، تتعفن وتصبح بلاء وشراً ولا خير فيها إذا ساد الشرك وعبد غير الله وعصي الله عز وجل بمخالفة أوامره ونواهيه.
قرية يدخلها شخص يروج فيها الباطل والمنكر والبدعة والضلالة فإنه يفسدها، قرية يأتي تاجر يبيع فيها أشرطة الدعارة والخلاعة فقد أفسدها، وهكذا لا يتم فساد في الأرض إلا بالشرك والمعاصي، ومن قال: لا؛ فليتفضل ليرينا أرضاً طالحة لم يشرك أهلها ولم يعصوا الله عز وجل.
أما هذا المريض بالشرك والكفر والفساد في الأرض فإذا قلت: اتق الله تأخذه العزة بطيارة الإثم وتعلو به في مجالات الفساد والدمار، لا يطيق كلمة (اتق الله).
فخذ أنت هذا الميزان، إذا لاحظ أخوك خطأً منك وقال: اتق الله يا فلان، كيف تقول هذه الكلمة؟ فانظر إلى حالك: إن اشتد غضبك واحمرت عيناك وصحت فإنك من هذا النوع، وإن أنت قلت: أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه، علمت أنك من أهل الكمال، هذا ميزان.
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ [البقرة:206] هذا الجزاء يكفيه، أما يكفيه جهنم؟ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] هي، تمهد له.
وجرب، فمنذ حوالي ثلاثين سنة لما بدأت فتنة الربا كان البنك الأهلي، وكانوا يعملون سراً، فقد كان الربا ممنوعاً، لكن كانوا يرابون بالحيلة، وانكشفت القضية لنا وكتبنا (رسالة إلى اللاعبين بالنار)، من هم اللاعبون بالنار؟ المرابون، وتململ الناس وانكشفت العورة، كانوا يعملون سراً.
وكان أحد الطلبة في الحلقة موظفاً عندهم بأربعمائة ريال، فقال: إذاً: من الآن لن أعود، وانقطع وجاءنا بعد أيام وبشرنا بأنه أعطاه الله أفضل مما ترك، وقلنا: الحمد لله، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ) .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] يعني: إذا قال في شئون الحياة الدنيا، قال: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] أنه صادق وأنه يحبكم وأنه وأنه، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] فتميزت هذه الشخصية بين الناس الآن.
وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205] عن مجلسك وانصرف، أو تولى فحكم وأدار شيئاً سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205]، الآن يهلكون النسل، ليس نسل البهائم، يريدون أن يهلكوا نسل البشر، بتحديد الأولاد وتنظيم الولادة وكذا، هذا إهلاك للنسل البشري هو مثل إهلاك النسل الحيواني: الإبل والبقر والغنم، والقرآن عجب، فهذا النوع والله! ليوجد الآن، وهذه الشخصيات بالآلاف، يعجبك قوله في مسائل الدنيا، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] أني صادق ومحب لكم وأريد خيركم وكمالكم وسعادتكم، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:204-205] استقل وأدار فإنه يسعى في الأرض بالفساد لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:205-206] لم يقل: أستغفر الله، ولا: أتوب إليه، ولا يندم أبداً، بل يبقى مصمماً، إذاً: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ [البقرة:206-207] يبيعها، باع نفسه لله، يذبح يصلب يقتل يخرج من ماله من بيته من أهله لوجه الله: ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207]، همه وطلبه أن يرضى الله عنه، هذه أسمى غاية وأعلى هدف.
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207] معناه: أن الله لا يضيعه، هل ضيع صهيباً الرومي؟ خرج من مكة ليس معه إلا ثيابه عليه، وترك أمواله كلها في الخزانة أو صندوق ودلهم عليه فأخذوه، فما ضيعه الله عز وجل.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ شرح الكلمات:
يُعْجِبُكَ [البقرة:204]: يروق لك وتستحسنه ]، أعجبني كلامه: راق لي ومشى في جسمي واستحليته واستعذبته.
[ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204]: إذا تحدث في أمور الدنيا ]، أما أمور الآخرة فليس لها بأهل ولا يعرف عنها شيئاً؛ لأنه لا يؤمن بما فيها، أما الدنيا فإذا تكلم عن التجارة والصناعة يبدع.
[ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] قوي الخصومة شديدها لذلاقة لسانه ] وانطلاقه، خريج كلية السحر أو كلية الأدب، كلية إبليس، كلية القانون.
[ تَوَلَّى [البقرة:205]: رجع وانصرف، أو كانت له ولاية ]، والقرآن حمال الوجوه، هذه كلمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: (القرآن حمال الوجوه)، الآية تحمل وجهين وثلاثة وكلها حق ومراد الله عز وجل؛ لأنه موجز، ولو كانت تفسر الكلمة بما تحمله لأصبح القرآن لا يحفظ أبداً ولا تحمله إلا الإبل أو السفن؛ فلهذا فيه إجمال عجب، وأهل البصيرة والمعرفة والنور يستخرجون من الآية أنواراً،كـعلي بن أبي طالب ، فلهذا قال: (القرآن حمال الوجوه).
فانظر إلى قوله تعالى: تَوَلَّى [البقرة:205]، فهو صالح لمعنى: رجع من عندكم، أو تولى ولاية وأصبح يدير بلداً أو قرية أو جماعة.
[ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205]: الحرث: الزرع مطلقاً ]، النخل يزرع وكل الفواكه والخضار زرع، [ والنسل: الحيوان.
أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206]: أخذته الحمية والأنفة بذنوبه، فهو لا يتقي الله.
يَشْرِي نَفْسَهُ [البقرة:207]: يبيع نفسه لله تعالى بالجهاد في سبيله بنفسه وماله ]؛ إذ هاجر من مكة إلى المدينة ليجاهد مع رسول الله والمؤمنين.
[ معنى الآيات ]، فهيا مع معنى الآيات نتدبرها مرة ثانية.
قال: [ يخبر تعالى رسوله والمؤمنين ]، فيقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ [البقرة:204] يا رسولنا، ويعجبكم أيها المؤمنون من أتباعه صلى الله عليه وسلم إن كنتم على منهجه، [ يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن حال المنافقين والمؤمنين الصادقين ] في شخصية الأخنس وشخصية صهيب، وهو صالح لكل المنافقين ولكل المؤمنين، [ فقال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن الناس منافق يحسن القول إذا قال يعجبك قوله لما عليه من طلاوة ورونق، وذلك إذا تكلم في أمور الحياة الدنيا، بخلاف أمور الآخرة فإنه يجهلها وليس له دافع ليقول فيها؛ لأنه كافر ]، ينافق بالإسلام يظهره ويبطن الكفر.
[ وعندما يحدث يشهد الله أنه يعتقد ما يقول ]، يقول: أشهد الله أني أحبك يا رسول الله وأني مؤمن من المؤمنين، وهذا النوع موجود أمثاله بالملايين.
قال: [ وعندما يحدث يشهد الله أنه يعتقد ما يقول، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم: يعلم الله أني مؤمن وأني أحبك، ويشهد الله أني كذا وكذا، وإذا قام من مجلسك يا رسولنا وانصرف عنك سعى في الأرض، أي: مشى فيها بالفساد ليهلك الحرث والنسل بارتكاب عظائم الجرائم، فيمنع المطر وتيبس المحاصيل الزراعية وتمحل الأرض وتموت البهائم وينقطع النسل، وعمله هذا مبغوض لله تعالى، فلا يحبه ولا يحب فاعله ]. ما معنى هذا الكلام؟
هذه المعاصي والذنوب إذا عمت وانتشرت ورضيها أهلها يعاقبهم الله عز وجل بالقحط والجدب وقلة المطر، فلا محاصيل زراعية، والبهائم تموت نقمة من الله عز وجل، فإذا أخذ الناس يعصون الله ويفجرون ويخرجون عن طاعته وطاعة رسوله يوماً بعد يوم فإنهم يستوجبون نقمة الله، وبذلك يكونون هم الذين أهلكوا الحرث والنسل، هم الذين أفسدوا الوضع بذنوبهم وآثامهم.
وإن قلت: الكفار قد لا يمنعهم الله المطر؟ فالجواب: كم مرة منعهم، ففي سنة من السنين أجدبت فرنسا جدباً لا نظير له، والله! اضطروا إلى أن يقولوا للمسلمين: استسقوا لنا ليسقينا الله، واجتمع المسلمون وصلوا في مساجدهم وسقاهم الله.
فإقبال الناس على المعاصي متحدين غير مبالين بما أحل الله ولا بما حرم، ويواصلون ذلك يجعلهم يتعرضون لنقمة إلهية، ويصبحون هم الذين أفسدوا في الأرض ودمروها، ولهذا قلنا: الشرك والمعاصي بهما يتم الفساد في البلاد والعباد.
قال: [ كما أخبر تعالى أن هذا المنافق إذا أُمر بمعروف أو نهي عن منكر فقيل له: اتق الله لا تفعل كذا، اتق الله اترك كذا؛ تأخذه الأنفة والحمية بسبب ذنوبه التي هو متلبس بها، فلا يتقي الله ولا يتوب إليه، فيكفيه جزاء على نفاقه وشره وفساده جهنم يمتهدها فراشاً له يجلس عليها لا يبرح منها أبداً، ولبئس المهاد جهنم ]، والمهاد: الفراش والمهد للطفل، فجهنم مهاد له يجلس عليها.
[ كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق ] هذا صهيب ، وهذه أمثلة فقط، فالأخنس انتهى وصهيب في الملكوت الأعلى، ولكن القرآن الكريم كتاب هداية، فلنحذر أن نسلك سبيل الأخنس أو نتخلى عن سبيل صهيب ، لنتبع سلوك صهيب ونبغض سلوك الأخنس بن شريق ، ولهذا فالقرآن يبقى ما بقيت الحياة ثم يرفعه الله لأن المهمة انتهت؛ إذ لا هداية بدون هذا الكتاب.
قال: [ كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق فيقول: من الناس رجل مؤمن صادق الإيمان باع نفسه وماله لله تعالى طلباً لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلام ]، وهل بلغكم أن رائداً ارتادها؟
لقد ارتادها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجول في ساحاتها ووطئت أرضها قدماه الشريفتان، وشاهد أنوارها وقصورها وحورها حتى امرأة عمر أيضاً، لما قص الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر أنه رأى حوراء فقال: لمن هذه؟ قالوا: هذه لـعمر ، قال: فغضضت بصري وانصرفت، خفت من غيرتك يا عمر ، قال: أعليك أغار يا رسول الله؟
إذاً: عمر كان غيوراً، لا يسمح لرجل أن ينظر إلى امرأته، والذين هبطوا يقدمونها: تفضل هذه المدام صافحها، وهبطوا حتى أصبح زوجها يجلس وهي ترقص في الحفل، فأين غيرة عمر ؟ ذهبت.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أول رائد للسماوات، أما هؤلاء الرواد فكالذباب حول السماء هذه، فأنى لهم أن يخترقوا سماء واحدة والمسافة سمكها مسافة خمسمائة عام وأنت طائر.
حتى كذبة صعود القمر انتهت وانفضحت، والله! ما وضعوا أقدامهم على القمر ولا وصلوا إليه، فالذي كانوا يزعمون صعوده كذبهم قبل أن يموت.
قال: [ كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق في إيمانه فيقول: من الناس رجل مؤمن صادق الإيمان باع نفسه وماله لله تعالى طلباً لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلام ]، هل بلغكم أن الله تعالى يدعو إلى الجنة؟
في سورة يونس يقول تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] أن: هلموا عباد الله إلى الجنة، ما وكل بذلك ملكاً، هو بنفسه يدعو إلى دار السلام، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25] إلى صراط يصل به إلى الجنة، هو يدعو إلى الجنة فكيف نصل؟ لا بد من طريق، ما هذا الطريق؟ والله! إنه الإسلام، الطريق الموصل إلى الجنة والله! إنه للإسلام، ولا طريق آخر.
وما دامت القضية عنده أنه يهدي من يشاء فكيف نصنع؟
لقد شرحنا هذا وبيناه، فالذي يشاء الله هدايته هو ذاك الذي يطلب الهداية ويبحث عنها ويرحل من أجلها ويترك طعامه للحصول عليها، هذا الراغب هذا الطالب هو الذي يشاء الله هدايته، أما المتكبر المستنكف الضاحك المستهزئ الساخر بالإيمان والمؤمنين فهذا الذي لا يشاء الله هدايته.
لأنك قد تقول: إذاً: ما دامت المشيئة له فما هناك حيلة، لنترك الموضوع له! فلا تفهم هذا الفهم، فقد علمنا أنه من قرع بابه أدخله ومن استنكف وأعرض طرده، من طلب الهداية اهتدى ومن أعرض عنها فلن يهتدي، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25]، أي: الصراط الذي يصل إلى الجنة، فهو تعالى يدعو إلى الجنة، وطريقها هو الإسلام، فمن شرح صدره له وانفتح قلبه ولبى وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ مشى في الطريق، ومن أعرض أو لوى رأسه واستكبر لا يهديه الله.
قال: [ فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207] رحيم بهم، قيل: إن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه الآيات الثلاث هو الأخنس بن شريق ، وإن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الآية الرابعة هو صهيب بن سنان الرومي أبو يحيى ]، هذا قول، قد لا يكون الأخنس بن شريق بالضبط ولا صهيباً بالضبط؛ لأن الله ما أخبر عنهما، قال: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:207] رجل في الأول والثاني، فلهذا قلت: (قيل) بصيغة التضعيف، ما فيها الجزم.
قال: [ قيل: إن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه الآيات الثلاث هو الأخنس بن شريق ، وإن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الآية الرابعة هو صهيب بن سنان الرومي أبو يحيى ؛ إذ المشركون لما علموا به أنه سيهاجر إلى المدينة ليلحق بالرسول وأصحابه قالوا: لن تذهب بنفسك ومالك لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلن نسمح لك بالهجرة إلا إذا أعطيتنا مالك كله، فأعطاهم كل ما يملك وهاجر، فلما وصل المدينة ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( ربح البيع أبا يحيى أبا يحيى
أما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي [البقرة:207] بمعنى: يبيع، شرى بمعنى: باع واشترى كذلك، يصح هذا وذاك، إلا أن شراه في البيع واشتراه في الشراء في الغالب، قال له: ( ربح البيع أبا يحيى
وقد كانت كنية علي بن أبي طالب (أبو تراب)، كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو الحسن ، وإنما كناه بذلك لقصة لطيفة ظريفة؛ حيث طلب النبي صلى الله عليه وسلم صهره علياً زوج فاطمة لأمر ما، فقال: أي فاطمة ! أين علي ، أين بعلك؟ قالت: خرج، قد يكون في المسجد، ما هناك إلا المسجد، فـعلي لهمه اضطجع ونام في المسجد لا فراش وطاء، فعلاه التراب، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( قم أبا تراب
فلابد من كلمة (الحمد لله) حارة تخرج من القلب على هذا الإنعام العجب كأننا في الجنة، انظر إلى هذه الكواكب فوق رءوسنا، وهذه الفرش التي تحتنا، هذه المراكب أمامنا نطير بها في السماء، كيف نحمد الله وكيف نشكره إن لم نظل طول يومنا على قول: الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله؟
وأكثر من (95%) لا يذكرون النعمة ولا يعرفها أحدهم ولا يقول: الحمد لله، أكل شرب لبس ركب هبط نكح ولا يقول: الحمد لله، أموات وهم لا يشعرون، ما علة هذا؟ الجهل.
وقد فاتتني كلمة في درس الصباح؛ حيث كان موضوع الدرس الجهاد: أسباب الجهاد وأركان الجهاد، فقلنا: على المسلمين أن يعدوا العتاد الحربي للجهاد، سواء كانوا دولة واحدة أو متفرقين، هذه فريضة الله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، لكن لا بد أن يكون إعداد العدة والرجال والتدريب من أجل الله ليعبد الله وحده، لا من أجل المال والتراب والطين أبداً، فقط من أجل أن يعبد الله، فأولياؤه يحفظون حتى يعبدوا الله أحراراً، ويدخل الآخرون في رحمة الله تعالى.
ثم قلت: لم ما يجتمع المسلمون في هذه الروضة؟ لو جاء الحكام واجتمعوا في روضة الرسول وبايعوا إمامهم وقالوا: أنت إمام المسلمين، وأخذوا الدستور في أيديهم وأخذوا يطبقونه، ونحن مستعدون أن نضع لهم الدستور في أربعين يوماً، ما يحتاجون إلى فلسفة ولا فكر هراء، وتصبح أمة الإسلام أمة واحدة.
فقيل: هذا بعيد كالمستحيل، وقد طالبنا به وكتبنا رسالة وبعثناها للملوك والرؤساء منذ ثلاثين سنة فكأنما وزعت على المقابر، وبقي شيء: وهو أن هذا الاجتماع لن يتم -والله- ولن يكون إلا إذا أسلم شعوبهم ومحكوموهم قلوبهم لله تعالى.
لن يأتي الحكام ويبايعون إماماً في روضة الرسول عاصمة الإسلام الأولى إلا إذا أسلم شعوبهم قلوبهم ووجوههم لله تعالى، فحينئذ يجدون أنفسهم متهيئين، أما والأمم والشعوب هابطة تعبد الهوى والشهوة لاصقة بالأرض تعبد الضلالة والخرافة، ومن يتكلم في الإسلام يبغض ويكره، فأنى لهم ؟ من سيدفعهم لهذا الاجتماع؟ مستحيل.
وهل في الإمكان أن يطهر المسلمون ويصفوا في مدة سنة؟ عدنا إلى بيت القصيد، والله لو آمنوا حق الإيمان واجتمعوا في بيوت ربهم بنسائهم وأطفالهم كل ليلة فقط من المغرب إلى العشاء يدرسون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في أربعة أشهر لمحيت الفوارق، لا وطنية ولا حمية ولا حزبية ولا مذهبية، ولأصبحوا كلمة واحدة بيتاً واحداً، وطهرت بلادهم وصفت وزالت تلك المخاوف، لا فقر لا خبث لا خوف لا هم لا كرب لا حزن؛ لأن الله نفى عن أوليائه ذلك: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، ولتغيرت الحياة، ولله ما هي إلا أيام بعد أن يبايعوا إمام المسلمين وتصبح البلاد الإسلامية كلها ولايات تابعة، ويصبح القانون واحداً، والأمة قلبها واحد لا مذهبية ولا عنصرية ولا طائفية، بل مسلم عنده قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
والفرص مواتية إلى أبعد حد، أصبح العالم كالبلد الواحد، قبل ثلاثمائة سنة يستحيل هذا، أما الآن ففي يوم واحد نطير في السماء، وكتاب واحد يطبع بملايين النسخ على قدر المسلمين ويوضع في كل مسجد.
لقد هممت أن أقولها والآن جاءت الفرصة، يستحيل أن يجتمع حكام المسلمين على الحق والهدى والنور وشعوبهم هابطة لاصقة بالأرض، فإذا قامت الشعوب وقالت: الله ربنا، واستقامت وأخذت بمنهج الله عز وجل ورسوله ففي أربعين يوماً فقط يصبح المسلمون أمرهم واحد وعلى كلمة واحدة.
قال: [ والآيات وإن نزلت في شأن الأخنس وصهيب فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فـالأخنس مثل سوء لكل من يتصف بصفاته، وصهيب مثل خير وكمال لكل من يتصف بصفاته ]، اللهم اجعلنا من جماعة صهيب .
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
[ أولاً: التحذير من الاغترار بفصاحة وبيان الرجل إذا لم يكن من أهل الإيمان والإخلاص ]، أما إذا كان مؤمناً صادقاً مخلصاً وأوتي فصاحة وبلاغة فهذا خير كثير، لكن الفاسق والكافر والمنافق لا تغتر بفصاحته وبيانه.
[ ثانياً: شر الناس من يفسد في الأرض بارتكاب الجرائم مما يسبب فساداً وهلاكاً للناس والمواشي ] أيضاً.
[ ثالثاً: قول الرجل: يعلم الله، يشهد الله يعتبر يميناً، فليحذر المؤمن أن يقول ذلك وهو يعلم من نفسه أنه كاذب ]، قلت لكم: هذه احذرها، لا تقل: يعلم الله كذا أو يشهد الله إلا إذا كنت صادقاً؛ لأنها يمين.
[ رابعاً: إذا قيل للمؤمن: اتق الله، يجب عليه ألا يغضب أو يكره من أمره بالتقوى، بل عليه أن يعترف بذنبه ويستغفر الله تعالى ويقلع عن المعصية فوراً ]؛ لأنه حي قادر على هذا.
[ خامساً: الترغيب في الجهاد بالنفس والمال، وجواز أن يخرج المسلم من كل ماله في سبيل الله تعالى، ولا يعد ذلك إسرافاً ولا تبذيراً؛ إذ الإسراف والتبذير في الإنفاق في المعاصي والذنوب ]، فـصهيب خرج من كل ماله يريد الله والدار الآخرة، هل قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أسرفت وبذرت، ما كان من حقك أن تفعل هكذا، اصبر يا صهيب ولا تعط مالك للكفار؟ ماذا قال؟ قال: ( ربح البيع أبا يحيى أبا يحيى
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر