أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة لا زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء، وقراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! الذي تقدم من السياق هذه الآيات خاتمته، فما هي حصيلة ما درسنا وحفظنا؟ الحصيلة أن الناس ثلاثة أقسام، ثلاث فرق، ثلاث طوائف.
ومعنى (أفلح) فاز، ومعنى فاز: نجا من المرهوب وهو النار، وظفر بالمرغوب المحبوب وهو الجنة.
وهذا القسم هو الذي قال تعالى فيهم: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] اتقوا ماذا؟ اتقوا سخط ربهم وغضبه، وبذلك اتقوا عذابه، واتقوا هذا بأن آمنوا وأنفقوا وعملوا الصالحات.
قال تعالى في بيانهم: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:2-3] وهذا معلوم بالضرورة، فلا ينفع عمل صالح بدون إيمان، فالإيمان أولاً كما سيأتينا في آيتنا: وَبَشِّرِ [البقرة:25] من؟ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:25] فقط؟ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25].
إذاً: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:2-3] وهو يشمل الإيمان بوجود الله عز وجل رباً وإلهاً، ذا صفات عُلا وأسماء حسنى، الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحداً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ويشمل الإيمان بدار السلام، وما فيها من نعيم مقيم.
ويشمل الإيمان بدار البوار وما فيها من صنوف العذاب والبلاء والشقاء.
ويشمل الإيمان بالوحي الإلهي الذي هو كتبه التي أنزلها على رسله.
ويشمل الإيمان بأنبيائه ورسله المبلغين عنه، فكل هذا يدخل تحت قوله: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5]. قولوا: اللهم اجعلنا منهم. إن لله نفحات، ما تدرى لعلها تكون ساعة إجابة.
وصنف هم كفار؛ ولكن ما توغلوا في الكفر بالظلم والشر والفساد والخبث، فهم قابلون للدعوة، ومتهيئون لها؛ إذ ليس هناك موانع ولا حجب. فادعهم وأنذرهم وبشرهم فإنهم قريبون للاستجابة.
ومن أين عرفنا هذا الفريق؟ لأنه لو كان كل الكفار أخبر عنهم بما أخبر ما في حاجة إلى أن ترفع السلاح وتدعو إلى الله، ولقال له: نم يا رسول الله في بيتك. ولكن الآية تعني أن هذا القسم ينقسم إلى قسمين: كفار طبع على قلوبهم فانتهى أمرهم، لم؟ لأنهم ذبحوا، وقتلوا، وفجروا، وأكلوا الحرام، وفعلوا كل باطل، وما هم مستعدين أن يرجعوا إلى الإسلام بعد التوغل في الظلم والشر والفساد. والسر أنها سنة الله، يأكل .. يأكل .. يأكل ويشبع، يشرب .. يشرب .. يشرب ويرتوي، إذاً يظلم .. يظلم .. يظلم ويصبح لا يعرف إلا الظلم، لا يريد غيره، وهذا أمور معتادة، فالذين اعتادوا الحشيشة والأفيون بلغنا أنهم ما استطاعوا أن يتخلصوا منها، والذي شربها يوماً أو يومين فقط في إمكانه أن يرجع.
والشاهد عندنا: أنذر يا رسول الله! وبلغ يا نبي الله! والكفار أمامك صنفان: صنف لا تحزن ولا تكرب إذا ردوا دعوتك ولفظوها ورفضوها؛ لأن الأمر سبق أن ختم على قلوبهم وعلى أسماعهم وأبصارهم، وصنف بلغ وكذلك كان.
ومن هم الذين ماتوا على الكفر؟ إنهم يعدون بالعدد في مكة، والباقي كلهم دخلوا في رحمة الله، أليس كذلك؟ الذين ماتوا في بدر سبعون طاغية هم المقصودون المعنيون، ماتوا على الكفر أو لا؟ والآخرون تابوا وتاب الله عليهم.
معاشر المستمعين والمستمعات! هل أدركتم هذا المعنى؟ ليس صعباً. اسمع الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6].
قد يقول قائل: إذاً ما دام كل كافر هذه حاله فليس هناك حاجة إلى الدعوة، لأنهم لا يؤمنون، والواقع يخالف هذا فإن ملايين البشر قد أنذروا فاستجابوا ودخلوا في رحمة الله.
إذاً: فمعنى هذا أن هذا الصنف من الكفار إن واجهوك بالعناد والمكابرة والإصرار فلا تحزن ولا تخف، لأنه قد سبق أن ختم على قلوبهم. خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7]. أما الصنف الثاني وهم الأكثرية، وإن كانوا كفاراً مشركين فادع وبلغ، فإنهم يستجيبون؛ لعدم وجود مانع كالآخرين.
المنافقون من هم؟ هم الذين يبطنون ويخفون، ويدسون في قلوبهم .. في صدورهم .. في بطونهم الكفر، ويظهرون الإيمان: لا إله إلا الله .. محمد رسول الله، آمنا بالله، يسبقونك إلى المسجد .. إلى النفقة، وكل هذا من أجل الدفاع عن وجودهم، والإبقاء على حياتهم بين المؤمنين، إذ لا يستطيعون أن يعلنوا الكفر فيبادوا، كما قال تعالى عنهم: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:2]، ومعنى جنة: وقاية كجنة المقاتل في الحرب، يلبس ترساً من حديد لأجل حتى الرصاصة أو الرمح أو النبل ما يصيبه.
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:2] فهم يؤمنون في الظاهر، لكن الإيمان لم يدخل قلوبهم؛ لأن لهم إخواناً، لهم وشياطين يقولون لهم: اثبتوا واصبروا، هذه الدعوة لا تدوم، والعالم قد تآمر ضدها، وماذا يحصل بعد؟ خليكم على ما أنتم عليه، إذاً: فهم يشجعونهم. بدليل ما جاء في الآية أن لهم شياطين.
إذاً هؤلاء المنافقون أيضاً نوعان: نوع توغلوا في النفاق فيموتون عليه. ونوع آخر أهش وألين وأقل نفاقاً، وهؤلاء أكثرهم آمنوا. فالذي فهم أن الكفار قسمان يفهم -كذلك- أن المنافقين قسمان، فليس كل منافق يظل منافقاً دائماً، فهناك منافق لطيف، ظريف، سرعان ما يرجع، ومنافق صاحب مبدأ .. مذهب .. رأي، طمع، وهذا يواصل نفاقه.
قال: فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ [البقرة:17] فنظر إلى الكون والجو وما فيه وما عليه، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة:17] أطفأ الله تلك النار، فهم في ظلمات صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:18] هؤلاء الذين قضى الله أن يموتوا على النفاق وماتوا، وعلى رأسهم زعيمهم عبد الله بن أبي ابن سلول الخزرجي مات ودفنه ولده في البقيع، وكفنه رسول الله بثوبه، لأنه ما قال: أنا منافق أو كافر، وقد كان يدخل الروضة والأمة فيها: أشهد أنك رسول الله، واقرءوا: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:1-2].
إذاً: هؤلاء أضاء الله لهم الأرض بالنور الإلهي .. بالقرآن، ولكن لما أصروا على الكفر والنفاق ذهب الله بنورهم فتركهم في ظلمات.
وقد يكون بدأ الإيمان في قلوبهم، ولاحت أنواره ثم انطفأ لما أصروا على البقاء، لأن لهم اتصالات بالخارج: بمكة، بنجد، بالروم، يقولون لهم: اصبروا، لا تدوم هذه الدعوة، إلى متى؟ الدنيا كلها ضدها، فهم بقوا على إصرارهم لا سيما وأن ابن أبي كان يريد أن يملك، وقد اجتمعوا في يوم من الأيام على أن يملكوا عليهم ملكاً، ولكن ما إن جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى ضاعت الفرصة، فاستشاط غيضاً، وشرق بريقه، واضطر -ولا بد- إلى أن يداهن ويدعي الإيمان. فهذا مثل لمن ماتوا على الكفر.
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19] والصيب هو القرآن، تنزل الآيات القرآنية آية تبشر وأخرى تنذر، وآية ترهب وأخرى تحبب، وهذا هو القرآن؛ ترغيب وترهيب فهم في هذه الحال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ [البقرة:19]. فإذا نزلت آيات الترهيب والإنذار والتخويف بالعذاب يجعلون أصابعهم في آذانهم، فلا يطيقونها؛ لأنهم يشعرون أنهم منافقون وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19].
ثم قال تعالى: يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [البقرة:20] إذا ما جاءت آية تندد بالنفاق مشوا، وإذا جاءت آية ليس فيها ذلك أو آيات تأمر وتنهى وقفوا، فهي بحسب حالهم.
وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ [البقرة:20] وختم على قلوبهم، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20] لكن هل فعل؟ ما فعل، بخلاف الكافرين فقد حكم عليهم بالعذاب العظيم، فلهذا أسلم المنافقون بالمئات، وما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمدينة منافق واحد، فأنوار القرآن تلوح من هنا وهناك، وهم يهربون من هنا، وتنكشف حالهم من هناك، فما كان إلا أن دخلوا في رحمة الله، والذين كتب الله شقاوتهم أزلاً أصروا على النفاق حتى ماتوا منافقين.
الآن عرفتم أصناف البشر أو لا؟
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] ليس هناك سبيل للنجاة، ولا طريق للخلاص، وليس هناك حيلة من الخلود في عذاب دائم أبدي إلا هذا: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، فعبادتكم له تحببه فيكم وتحببكم له، وتطيعونه فتعملون بمزكيات أنفسكم، ومطهرات أرواحكم، فإذا زكت النفوس، وطابت الأرواح أصبحت أهلاً للجوار الكريم؛ لمواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
افهموا أيها المستمعون والمستمعات وبلغوا: أن العبادة التي فرضها الله وشرعها وألزم بها عباده، هذه العبادة ليست في صالح الله، وليس هو في حاجة إليها، فقد كان ولم يكن شيء، عرفنا هذا وإلا لا؟
وإنما ثمار العبادة ونتاجها وحصيلتها تعود على العابد. عرفتم هذه أو لا؟
كيف -يا شيخ- تعود على العابد؟
نعم، لما يستقيموا على منهج الله فلا ظلم، ولا فجور، ولا كفر، ولا شر، ولا خبث، ولا فساد، إذاً ما الذي يحل محل هذا؟ يحل الطهر، والصفاء، والأمن، والرخاء، والكمال، هذا في الدنيا، ثم في الآخرة دار السلام. فمن الذي جنى من العبادة: العبد أو المعبود؟ العبد، حتى لا تفهموا أن هذا استرقاق واستعباد وإذلال للبشرية، فلو أراد أن يذلنا ما شرع لنا ديناً، ولكن يسلط علينا ما شاء من البلاء، فيكسر أنوفنا ويذلنا، وحاشاه وهو أرحمن الراحمين، وأعدل العادلين، فقط اعبدوه، بمعنى: طبقوا القانون الذي وضعه لإكمالكم وإسعادكم. وهذا معنى العبادة: اذعنوا وانقادوا وسلموا لله في شرعه وطبقوا، فتكملون وتسعدون.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] من هو؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] فما تبقى حيرة وفتنة وتلوي رأسك: من ربي؟ من أعبد؟ من هو الذي خلقك؟ تقول: لا .. لا، أنا لست بمخلوق، قولها في السوق وانظر بين اليهود .. بين النصارى .. بين الروس، يسخرون منك، يقولون: هذا مجنون، أنت ما أنت مخلوق؟ خالق أنت؟! خلقت نفسك؟! اخلق لنا بعوضة، ولا يستطيع أحد أن يقول: أنا لست بمخلوق إلا مجنون.
إذاً: اعبدوا الله الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم، ما أنتم وحدكم فقط.
لكن لم هذه العبادة يا رب؟ ما العلة؟ ما السبب؟ ما السر؟ قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] أي: رجاء أن تتقوه، أو كي تتقوه، أو من أجل أن تتقوه، نتقي ماذا؟ لا نخاف، تخافون من الجوع أو لا؟ من العطش أو لا؟ من المرض أو لا؟ من الحرب والقتال أو لا؟ من النار والشقاء أو لا؟ كل هذا تخافونه؟ إذاً عبادة الله بها تتقون هذا، فتجعلون بينكم وبين ما يضركم ويحرمكم سعادتكم وكمالكم وطيبوبة حياتكم عبادة الله، لأنها قوانين منظمة أو لا؟ ما هي فوضى.
أسألكم بالله: العبادة مقننة في أوقاتها .. في كمياتها .. في ظروفها أو لا؟ قوانين، فقط ائتها وأنت منكسر ذليل بين يدي رب العالمين الجليل، ولا تأت متعنتراً، أو تعبث بها كقانون الدولة تحتال من هنا وهناك، وإلا هي قوانين، عندنا القانون الأحمر تعرفونه أو لا؟ السيارة إذا أضاءت الإشارة الحمراء احبس أو امش، لا .. لا، قانون، لماذا؟ قال: أعاقب، موجود هذا أو لا؟
إذاً: هذه هي العبادة قوانين إلهية، وليست من وضع البشر حتى يمكنك الاحتيال والرشوة فيها، هذه قانون الله.
وسيأتينا قريباً في الآية نبين أن هذا القانون دقيق في وضعه وتركيبه، والله أدق من الكيمياويات ومركباتها، فلهذا أكثر الناس ما سعدوا ولا فازوا.
إذاً: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، لا لا، أمهاتنا هن اللائي فرشن الأرض، هل يقول هذا مجنون؟! ليست القضية أنه فراش وفير أو حصير، بل مدها وبسطها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فاركب، وامش، ونم، وابنِ، هذا الفرش والبسط أو لا؟
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22] هل هناك من يقول: لا، بنو فلان من العمالقة هم الذين مهدوا الأرض وبسطوها، ممكن؟ تضحك عليه حتى البهائم.
وإذا قال: وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22] من؟ أجدادكم! من رفع السماء وزينها بهذه الكواكب كهذه المصابيح في سقفنا هذا، ولو سقط كوكب احترق الكون، من فعل؟ الله.
ما زلتم ما أيقنتم؟ قال: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22] ماء المطر مُر؟! ملح أجاج أو عذب فرات، فمن غربله؟ من صفاه؟ الآن عندنا تصفية الماء موجودة بالآلات، وهذا ماء المطر قد تكوَّن من الماء المالح من البحار والمستنقعات وو.. كيف أصبح عذباً فراتاً؟ أمهاتنا اللاتي صفينه؟ الله. فما لهم لا يذكرون الله؟ يخافون أن يعبدوه، لأن الشقاوة كتبت عليهم.
قال: فَأَخْرَجَ بِهِ [البقرة:22] أي: بالماء، مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22] لا لا لا، ما هو لنا، لمن؟ للحيوانات! للحيوانات العشب والكلأ والأب، أما البر والسلت والتفاح والعنب و.. و.. فهذه لنا، وقرأنا عن الحيوانات بالأمس عن علة العناية، فالشاة يطاردها الكبش حتى تحمل وتلد؛ ليتوفر لنا اللحم، والصوف، واللبن، والجبن، والحليب، وكل هذا من أجل سواد عيونكم يا بني آدم، آه! أبوا أن يقولوا: الحمد لله؛ لأنهم كفروهم، وحجبوهم عن نور الله.
إذاً: اعبدوه، قالوا: عبدنا، تهيأنا، مستعدون، لكن اسمعوا! هذه العبادة لو تعبدوا معه غيره أفسدتموها، والله لا يقبلها أبداً، فبناءً على هذا: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] أنهم مخلوقون، مربوبون، وصنعتم أكثرهم بأيديكم، وصورتموهم تصاوير أو تماثيل، انتبهوا.
هذه اللطيفة عرفتموها؟ العبادة التي طلبها الله لو تخلط معها شيئاً اسمه شرك أصبحت مضاداً لله بهذا المخلوق، وبطلت العبادة.
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] أما اللات والعزى وسيدي عبد القادر والبيضاوي والبدوي ورسول الله و.. و.. كلهم لا عيسى ولا أمه، لا يستحقون أن يعبدوا مع الله بأدنى عبادة، ولو كانت بنداء وطلب حاجة وسؤال رغيبة، فمن قال: يا رسول الله! فرج ما بي .. أنقذني من فتنتي .. رد علي امرأتي فقد أغضب الجبار جل جلاله، وأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغضب المؤمنين والملائكة، وأشرك بالله، وبطل إيمانه وفسدت عقيدته، ولم ينتفع بعبادته ولو عبد الله مليون سنة إلا إذا تاب؛ لأن الشرك أخبر تعالى عنه بنفسه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] أرأيتم لم هذه الآية جاءت هنا؟ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22] أيها العابدون، بل اعبدوه وحده.
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] لو تسأل مسيحياً: أسألك بالله! هل تعتقد أن عيسى يخلق ويرزق؟ فإن قال: إي نعم. فقل له: كيف؟ أما تقولون: قتلوه أو لا؟ أما صلبوه على خشبة حسب اعتقادهم، كيف يقتلونه وتقول: هذا يخلق ويرزق؟ أنت مجنون إذن.
ومريم البتول .. مريم العذراء إحدى نساء بني إسرائيل، وجدت البشرية قبلها بالملايين وبعدها وماتت، من للخلق إذا مات الرب؟ سخرية وباطل ووزر! ولكن رؤساء الكنائس، ورجال الدين، وأصحاب جمعيات التنصير الذين يعملون الليل والنهار ما أخدعهم .. ماذا أقول فيهم؟ حيوانات أو شياطين، فإذا كانوا لا يفهمون ولا يعقلون ويدعون إلى عبادة الصليب والتخلي عن عبادة الرحمن الرحيم فهؤلاء ماذا نقول فيهم؟ بهائم، وإن كانوا يعلمون، ولكن الكنيسة، ومصادر العيش والاحترام والتبجيل بين الصليبيين هو الذي حملهم على هذا أكثر من مرة.
إذاً: أكلوا دينهم بدنياهم فخيب الله مسعاهم.
إذاً أولاً: الإيمان بالله تعالى.
ثانياً: بوحيه؛ كتابه، وشرعه، وقانونه.
ثالثاً: برسوله الذي نزل عليه كتابه.
رابعاً: بعالم السماء، بالجنة دار النعيم، وبعالم البوار؛ جهنم وبئس المصير.
وهذا السياق كله يقرر هذه.
ها هو الآن مع الكتاب والرسول، قال تعالى لهم -أي: للناس-: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] من عبده؟ محمد صلى الله عليه وسلم. لمَ ما قال: على حبيبنا أو رسولنا؟ ليس لك هذا، ولن ترقى إليه:
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أحب أسمائي
وإذا أضافك الله تعالى إليه، وجعلك عبده نم فالمخاوف أمان، وإذا أصبحت عبداً بتسمية الله وقبوله لك أنك عبد الله فمن يرقى إلى ما وصلت إليه؟ ومن يطمع في أن يكون مثلك؟ فإذا الله عز وجل قال: أنت عبدي، أبشر.
ومن الأمثلة البسيطة: نحن الآن في المدينة، فإذا جاءت تسمية من خادم الحرمين لأحدنا: أنت أحد رجالات القصر تصب الشاي، وتغسل الأواني، فكيف يكون حالك؟ إيه. لعلي واهم!
كلكم حتى النساء، لو يأتي مرسوم: أنتِ في القصر، ترتفع قيمتها أو لا؟ نعم ترتفع. يصبحون يجرون وراءها لتقضي حاجاتهم، فكيف إذاً بملك الملوك ورب الملكوت يختارك أنت من بين بلايين البشر يقول: أنت عبدي؟ فهذا في أعظم مقام قال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] ليرفعه إليه، وليكلمه وجهاً لوجه في الملكوت الأعلى، فلهذا قال الشاعر:
فلا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أحب أسمائي
إذاً: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] الذي هو القرآن على عبدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23] ينتهي الشك والريب، وما نطيل الجدل، فإن كنتم شاكين في أن يكون هذا القرآن كلامنا .. شاكين في أن يكون محمد رسولنا؟ ائتوا بسورة من مثله وتفضلوا، وإذا أتيتم ما بقي من يدعوكم، انتهيتم. هل استطاعوا؟ كم سنة مضت؟ عشر سنوات .. مائة سنة .. ألف سنة .. ألف وأربعمائة سنة.
وهل استطاع عربي فصيح بليغ كفلان وفلان من أرباب الأدب أن يأتي بسورة من مثل القرآن؟
الجواب: لا لا. من ضرب على قلوبهم؟ من صرف وجوههم؟ الله، ومع هذا حتى لو قلنا بعدم الصرف كما يقول بعض العلماء، فلو حاولوا وحاولوا ما استطاعوا، أين لهم البيان، والفصاحة، والبلاغة، والمعاني حتى يأتوا بمثل هذا القرآن؟
وإن قلنا: بسورة من مثلي أي: من أمي مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ما قرأ ولا كتب، ولا عرف الباء ولا الألف، ويأتي بمثل هذا القرآن، نقول: القرآن عجب، هذا حوى علوم الأولين والآخرين، وحوى علوم العوالم العلوية والسفلية، وما فرط الله فيه من شيء، عرفناه أو لم نعرفه، فمن يأتي بمثل هذا الكلام؟
وهذه الآيات التي قرأناها من أول سورة البقرة من يستطيع أن يصنف للبشرية هذا التصنيف، ويضع لها هذه الأمثلة وهذه الأحوال، ويختم عليها بما شاء؟ من يقوى على هذا؟
إذاً: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23] استعينوا بالجن، بالشياطين، بالبشر، بآلهتكم، بما تستطيعون. ما تحديناكم وقلنا لكم: فقط أنتم، ولا تستعينوا بأحد لا من الإنس ولا من الجن، أنتم فقط فعجزتم، لا، قلنا لكم: واستعينوا، أحضروا شهداءكم من كل جنس.
وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] لم لا يقولها إلا الله؟ لأن البشر لا يستطيعون أن يقولوا: لن يقع كذا وكذا في المستقبل. وكثيراً ما نقول: اليابان، الروس، أمريكا تفوقوا في الصناعة، فهل يستطيع مصنع من مصانع الدنيا يقول: أتحدى البشرية لظرف خمسين سنة أن يحدثوا مثل هذه القطعة أو مثل هذه السيارة أو الباخرة أو مثل هذا الدواء، يستطيعون؟! يتحدونه في أسبوع ويكسرون أنفه.
ولكن الله تحداهم منذ ألف وأربعمائة سنة، ولذا قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] والذي لا يملك الغيب لا يقول هذا الكلام، لكن الذي يملك الغيب وقدره، وعرف كل ما فيه إلى يوم القيامة أخبر أنهم لن يفعلوا، فقولوا: آمنا بالله.
والنتيجة: إذا لم تفعلوا معناه عجزتم، إذاً اتقوا النار قبل أن تحرقكم. بم نتقيها يا رب؟ آمنوا تنجوا من النار. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] ليس هناك البنزين، وإنما فقط الأصنام التي عبدتموها وأنتم، كم سنة وهي تحترق؟ ملايين السنين لا تنتهي.
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ [البقرة:24] بالفعل موجودة ومهيئة، لمن؟ للمؤمنين؟ لا، لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24] والله العظيم.
والآن عرفنا أن أكثر أهل النار من النساء، والنساء الطاهرات، الربانيات، الصالحات قليلات جداً، والرجال الصالحون، الطاهرون أكثر من النساء.
إذاً: عرض هذا أو لا؟ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ [البقرة:24] لمن؟ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]. إذاً: آمنوا تسلموا، تنجوا. وإلى هنا انتهت دروسنا السابقة.
عرف التلاميذ والتلميذات عندنا حقيقة الإيمان، إنها الطاقة الدافعة، وهل تندفع طيارة بدون طاقة، بله هل هناك سيارة تندفع وتمشي بدون الطاقة؟ مستحيل، إلا إذا دفعها الرجال، وإلى متى؟ حتى يصلوا إلى القاهرة؟! يدفعون عشرة أمتار ويفشلون.
إذاً: الإيمان الحق هو الطاقة، فمن آمن إيماناً يقينياً أمكنه أن يعمل الصالحات، وهو على ذلك قدير.
وإذا ضعف الإيمان فقط يفشل العمل كما هو مشاهد بأعيننا في العالم البشري، الكافر لا يعمل، والمؤمن قوي الإيمان يعمل ونشاهد أعماله، فإن ضعف إيمانه انكمش وقل عمله، فالإيمان الطاقة النورانية.
فقال تعالى: وَبَشِّرِ [البقرة:25] وهو صالح للرسول، ولكم أيضاً، وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] هل الإيمان وحده ينفع؟ لا ينفع، ولكن إذا وجد لا بد أن يثمر، فأن ترى مؤمناً حقاً يناديه ربه فلا يجيبه هذا مستحيل! مؤمناً حقاً بالله ولقائه والدار الآخرة ويعيش العام والعشرة وهو مصر على الوثنية والباطل؟ والله مستحيل هذا، وليس معقولاً أبداً. فالإيمان يثمر، وينتج العمل الصالح.
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] خبرهم بأخبار تنشرح لها صدورهم، وتتهلل لها وجوههم؛ لأن الخبر السار تظهر آثاره في وجه العبد الذي قيل له من انطلاق الوجه والابتسامة والانشراح، أما الخبر المسيء، المبشر بالعذاب فيعطي اسوداداً في الوجه، وكآبة في اللون.
إلا أنه قد تستهزئ بالشخص فتبشره بالعذاب من باب التهكم به كما يبشر أهل النار: أبشروا بالحميم وعذاب الجحيم. والأصل في لسان العرب أن التبشير يكون بالخبر السار، وإذا أرادوا أن يؤذوا من يستحق الأذية ويهزموه بشروه بالعذاب، تقول: أبشر، السيف على رأسك .. أبشر من الليلة -والله- لا تذوق اللحم ولا الطعام. فهم أرادوا زيادة تعذيبه.
أما هنا: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] بماذا؟ بأي شيء؟ بأن لهم حقاً من حقوقهم بالملكية أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25] جنات جمع جنة، بستان بساتين، وسمي البستان جنة لأن أشجاره تظلل، وتجن، وتغطي من يمشي تحتها ومن يوجد فيها.
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25] أي: تجري من تحت أشجارها الأنهار؛ لأن الجنة ذات أشجار، والأنهار تجري من تحت لتسقي الأشجار، فهي تجري من تحت أشجار الجنة، فحذفت الأشجار لدلالة الجنة عليها.
قال: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا [البقرة:25] تعرفون الرزق؟ الذي يأكله الإنسان من أنواع الطعام والشراب.
قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ [البقرة:25] هذا هو التفاح الذي كان في الدنيا .. هذا هو العنب .. هذا هو الرطب .. هذا هو اللحم المشوي .. هذا لحم الطير، فتبقى في ذاكرتهم تلك الأسماء.
قال تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [البقرة:25] التمر يشبه التمر، والعنب يشبه العنب، ولكن شتان بين الطعم والذوق، والحلاوة واللذة متباينة.
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ [البقرة:25] جمع زوجة أو زوج؟ أزواج جمع زوج؛ لأن الرجل زوج، والمرأة زوج، هذا يزوجها فتكون زوجاً، وهذه تزوجه فيكون زوجاً، إذاً أنتم أيها الفحول زوج، وأزواج، ولما كان هناك لبس أجاز أهل اللغة أن تقول: هذه زوجة فلان بالتاء، تؤنثها حتى لا يقع لبس، إذ لو قلت لهم: هذه زوج فلان، كيف زوج فلان؟ يجوز في المحكمة وعند السؤال أن تقول: زوجه بالهاء.
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة:25] منظفة، والله لا بول، ولا غائط، ولا حيض، ولا نفاس، ولا ولا.. إلا العرق وأطيب من ريح المسك الأذفر، يأكلون الفواكه واللحوم وو.. ولا بول، ولا غائط، ولا ضراط، ولا فساء، ولا ولا.. ولكن جشاء، تعرفون الجشاء والعرق، والجشاء لا تتصور لا ألذ منه وأطيب رائحة، وكذلك العرق، وهذا ليس للنساء فقط، بل للرجال أيضاً، فأهل الجنة إنها دار النعيم.
لا تقل: عجب! لو شاء الله لأرانا رجلاً لا يبول ولا يتغوط، فنحن بما أننا في مرحلة الرحيل نبول ونتغوط ونأكل ونشرب، لأننا لسنا خالدين هنا، بل ماضون، لكن إذا نزلنا بدارنا، واستقر قرارنا فلا بول، ولا غائط، ولا حيض، ولا دم نفاس، ولا ولا، والله العظيم.
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]لا يخرجون منها؟ والله ما خرجوا، لا يموتون؟ والله .. لأنهم لا يمرضون، لا يكبرون، دائماً السن واحدة: ثلاث وثلاثون سنة، هذه السن التي ينتهي فيها الشباب وندخل في الكهولة، أتراب، هيا ندعو ونقول: اللهم عجل لنا بالجنة، أو ما زلنا نريد أياماً. إذا قلتم: ما زلنا نريد نتزود بكذا صيام وصلاة وصدقة فلا بأس.
الخلاصة: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ [البقرة:25] أعطوه، مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] لا تقل: هذه للفحول فقط، فللنساء أزواج، إلا أن كلمة مطهرات تتناول الحيض والنفس، لأن المرأة إذا جاءها الحيض امتنع عنها زوجها، أليس كذلك؟ وإلا فالنساء لهن أزواج مطهرون لا بول، ولا غائط، ولا رعاف، ولا كذا، والنعيم واحد.
هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا دائماً بما نقول وما نسمع، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر