إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (86)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل ثم استيقظ في وسطه لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية، وكأن الصيام هنا يبتدئ من النوم لا من طلوع الفجر، فأتى ناس من الصحابة نساءهم في الليل فشق ذلك عليهم، فأنزل الله عز وجل بيان وقت الصيام من النهار، وأذن لهم بالأكل والشرب وإتيان النساء طالما وأن الفجر لم يطلع، ثم امتن سبحانه عليهم بما بين لهم من الأحكام وما شرع لهم من الشرائع التي توصلهم إلى تقواه سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا ذاك، أنت ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة من سورة البقرة:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187].

    اختصاص الله تعالى بالتشريع

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ [البقرة:187] من الذي أحل لنا؟ الله، إذ لا يحل ولا يحرم إلا هو، لم؟ لأنه هو المالك لكل شيء، فما أذن فيه فهو كذلك، وما منعه وحظره ولم يأذن فيه فممنوع، أليست هذه حالكم؟ مالك الدار إن أذن لأحد نزل وإن لم يأذن لم ينزل، هذا أولاً.

    وثانياً: أليس الله عليماً حكيماً؟ فالعليم يعرف المنافع والمضار، فلا يأذن إلا بما فيه منفعة، ولا يمنع إلا ما فيه مضرة، والحكيم يضع كل شيء في موضعه، إذاً: لا يحل ولا يحرم إلا الله، ومن أخذ يحلل ويحرم بدون إذن الله فقد تربب وادعى الربوبية.

    وهنا لطيفة كررناها عمراً طويلاً، وقلنا للحكام المسلمين: أيها الحاكم! طبق شرع الله في جماعتك في أمتك، أنت عبد الله، كلفك الله وأناط بك هذا، فطبقه كما أراد هو، فإن شقي الشعب أو سعد فلا لوم عليك، إن أصابهم بلاء وجوع فقل: ربكم هو الذي فعل وتبرأ ذمتك، إن أصابهم خير وطهارة وكمال فقل: هذا فضل الله عليكم، فإن أبيت هذا فاخلق إقليماً من الأقاليم من البلاستيك أو من الطين وانفخ فيهم الأرواح، واجلس على سرير ملكك، وإذا نازعك أحد في حكمك فاقتله، فهل يستطيع أحد أن يخلق أمة حتى يحكم فيها بما يريد؟ الجواب: لا.

    إذاً: أما تستحي يا عبد الله أن تبعد الله عز وجل عن حكمه وتحكم أنت بما تشتهي؟ يا ويحك، يا ويلك! إلا أن يتوب الله عليك.

    فإذا أراد الإنسان أن يحكم بهواه على المؤمنين أهل الكتاب والسنة فليصنع ما شاء من البلاستيك مليون نسمة أو مليونين وينفخ فيها الروح وليتربع على سرير ملكه يأمر وينهى: افعلوا، لا تفعلوا، ولا يلومه أحد، لأنه يقول: خلقي، صنعي وصنعتي، فمن يلومه؟

    أما أن يخلق الله ويرزق الله ويدبر الله وينزل كتابه ويبعث رسوله ويكل الأمر إليك لتطبقه فتعرض عن الله وعن كتابه وشرعه، وتطبق على المؤمنين شرائع الهوى والأباطيل فهذا عار ومذمة، ولو فقه هذا واحد فإنه سيدعي الجنون ويهرب، ما يقبل أبداً أن يبقى على كرسي الحكم، لكن من بلغهم؟

    الأدب القرآني في الكناية عن الجماع

    والشاهد عندنا قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ [البقرة:187] من المحلل؟ الله، ماذا أحل لنا؟ قال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، الرفث: الجماع، لم ما قال: الجماع أو الوطء أو النكاح؟ لأن هذا كتاب مقدس، هذا تقرؤه الفتاة وتتلقى عن أبيها، ويتلقاه الشاب عن أبيه، بل عن أمه، فكل عبارة من شأنها أن تثير الغريزة أو تحدث فكرة في الجنس لا يستعملها، آمنا بالله!

    ومعنى هذا: تربوا يا عباد الله وطهروا ألسنتكم وأقلامكم، فلا تتكلموا بما يسيء، بما يضر، تأدبوا بآداب ربكم، وارتقوا إلى مستويات نبيكم، هذا هو المطلوب منا، وقد يقال: يا شيخ! من علمنا هذا، ما وجد من يعلمنا، ونحن مشغولون بالملاهي والمقاهي والملاعب والطعام والشراب! إذاً: فلا نلومن إلا أنفسنا، ولا حجة لنا عند الله أن نقول: ما تعلمنا، فلم ما تعلمتم؟ كان سلفكم يرحل الرجل من المدينة إلى حمص من أجل حديث واحد يتعلمه، وأنتم التعليم في بيوتكم وتعرضون عنه، فأي عذر لهذه الأمة؟

    قال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]، أي: إذا كان الغد هو يوم صيام فتلك الليلة قبله هي ليلة الصيام، الرَّفَثُ [البقرة:187]، أي: الجماع ومخالطة نسائكم.

    معنى قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)

    ثم قال تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، من هن هؤلاء؟ الزوجات، والضمير يختلف، فـ(هن) غير (أنتم).

    ودعاة المساواة بين الرجل والمرأة يقولون: اتركوا كلمة (هن) هذه، فالكل (هم)! فيا للسخرية والاستهزاء والهبوط، أين تهبط البشرية؟ هذا شأن من جهلوا الله وما عرفوه، شأن من كفروا بالله وأنكروه، شأن من أعرضوا عن ذكر الله وكتابه وتجاهلوه، فهم في حيرتهم يتخبطون.

    إن الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، شر الخليقة، من شر الخليقة؟ الكفار، من قضى بهذا؟ خالقهم، ولو حللنا ذلك تحليلاً علمياً فوالله! لوجدناهم شراً من القردة والخنازير، ولكن ما دمنا هبطنا وجاريناهم ومشينا وراءهم فما يتبين لنا هذا، لو كنا في سمائنا وكمالاتنا ننظر إليهم كالقردة والخنازير لا وزن لهم ولا قيمة، لكن هبطنا فتساوينا، بل تفوقوا علينا، فماذا نقول؟

    هُنَّ [البقرة:187]، أي: الزوجات لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] كيف لباس؟ العامة من عجائز القرية يقلن: فلانة تستر زوجها وهو يسترها، واللباس هل يستر أو يفضح؟ فزوجتك تسترك، وأنت تسترها، حتى لا تتعرض للفضيحة أنت ولا هي، إذاً: فهي لباس وهو لباس، سبحان الله!

    معنى قوله تعالى: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ...) وبيان سبب نزول الآية

    وقوله بعد: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، لهذه الجملة سبب نزلت به، حيث كانوا إذا نام أحدهم بعد المغرب ثم استيقظ لا يأكل ولا يشرب حتى اليوم الآتي ويفطر مع غروب الشمس، فمن أراد أن يأكل، يشرب، يجامع أهله فقبل أن ينام، إذا نام واستيقظ فهو صائم لا أكل ولا شرب ولا جماع، ومشى الحال هكذا لسنة أو سنتين، أو لأيام وليال، فـعمر رضي الله عنه استيقظ وأتى أهله رضي الله عنه، فشعر بأنها زلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة، فأجاب الله تعالى عمر والمؤمنين: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187]، فتلوثونها بأدران المخالفة والمعصية، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، بشراك يا ابن الخطاب بشراك، الحمد الله، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، لا مؤاخذة، ولا قضاء ولا إثم، منة الله على ذاك النور الأرضي عمر .

    و عمر يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه )، ما يقدر وما يستطيع الشيطان أن يمشي مع عمر في شارع واحد، فيحترق، ويقول فيه: ( لو كان في أمتي محدثون -أي: من تحدثهم الملائكة- لكان منهم عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، هذا هو عمر ، هذا هو ابن الخطاب .

    ويوجد من الغافلين والجهال المضلين من يسبونه، وضبط واحد منهم يبصق على قبره! فما هذا العمى، ما هذا الجهل، ما هذا الضلال؟! تعالوا اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ما عندنا إلا أن نقول: كتب الله خلقاً للجنة وخلقاً للنار.

    إذاً: عرفتم سبب نزول الآية، وتأمل قوله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187]، وإن كان الذي فعل واحداً فقط، لكن القرآن في سماء الآداب والكمال، ما يقول: علم أنك، فتسأل: من هذا؟ فقال: (أنكم) أنتم أيها المؤمنون، إذ الواحد منكم جزء منكم والكل واحد، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، أمرنا واحد.

    معنى قوله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم)

    وقوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، أي: أذنا لكم، إذا أذن المغرب وأكلت أو أشربت أو صليت العشاء فائت زوجتك، نم حتى تشبع نوماً وقم وائتها وكل واشرب حتى الفجر، والحمد لله، هذه فضيلة عمر .

    فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، فالآن بعد الذي حدث وبعد العفو الذي تم باشروهن، ما معنى باشروهن؟ من أراد أن يجامع زوجته فليجامع، وإن نام واستيقظ ولا حرج، لم هذه المباشرة، لم هذا الجماع يا حكيم يا عليم؟

    قال تعالى: وَابْتَغُوا [البقرة:187]، اطلبوا ماذا؟ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، ما هو بجماع شهوة فقط، اطلبوا البنين والبنات، إذا كتب الله لكم ذلك في كتاب القضاء والقدر في اللوح المحفوظ فسوف يكون الولد والبنت، فانظر كيف رفع مستوانا إلى الكمال، ما هي بقضية بهائم فقط، باشر انكح.. اطلب الولد حتى يعبد الله عز وجل، ما هو لمجرد الشهوة.

    معنى قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

    قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، كان أحد الأصحاب قد فهم من الآية أنها خيوط، فوضع تحت رأسه عند وسادته خيطين أبيض وأسود، وما عندهم كهرباء، فكان ينظر: فإذا وجد الخيط أسود قال: ما زال الليل، وإذا وجد الخيط الأبيض قال: طلع الفجر، فذكر ذلك للحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال: ( إنك لعريض القفا )، قفاك عريض، لم؟ تجعل المشرق والمغرب كله تحت رأسك؟! تجعل الأفق بكامله تحت رأسك وأنت نائم! هذه اللطيفة المحمدية، فليس المراد من الخيوط هذه خيط يلوح هكذا أبيض فتظن الفجر، وخيط يأتي بعده أسود.

    وهذا عرفناه وعشناه وجربناه قبل وجود هذه الكهرباء الظالمة التي أفسدت حياتنا، وقد تقول: يا شيخ! لا تقل هذا. فأقول: والله ما استعملناها في منافعنا، لو استعملناها في النافع لكانت نعمة، الآن أقل ما يكون أن أولادنا يعلبون طول الليل وهم يجرون ويصيحون، وينامون بعد الفجر إلى الظهر أو إلى العصر، بل حتى النساء تغيرن فجعلن النهار ليلاً والليل نهاراً؛ بسبب ماذا؟ أيام كان الفانوس والزيت أو جريد النخل ما كان هذا، الآن يسهرون فلا يصلون الصبح ولا يشهدونها، ولا يذكرون الله، ولولا هذه الكهرباء فمن أين يأتي التلفاز والفيديو؟ هي محنة الكهرباء.

    المهم أننا سفهاء، لا رشد لنا، فلهذا ما ننتفع بما فيه نفعنا، ونحول المنافع إلى مضار؛ وذلك لهبوطنا، ما نحن سادة البشرية وقادتها.

    إذاً: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، إلى متى؟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]، نكون في المسجد في القرية، وفجأة يضاء المسجد من النوافذ وما هناك كهرباء ولا فوانيس، فنقول: طلع الفجر، ونأخذ في صلاة النافلة، وفجأة يأتي الظلام كما كان خيطاً أسود، بعدها بدقائق ينبلج الصبح، هذا الذي أراده الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، الخيط الأول كذنب السرحان، حيث يطلع بياض في الأفق عشر دقائق أو خمس دقائق ثم ينسخ ويأتي ظلام الخيط الأسود، بعدها ينبلج الفجر.

    حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، وسمي الفجر فجراً لانفجار الضوء وانتشاره، فاشرب مع الخيط الأسود وكُلْ حتى ينبلج الفجر الخيط الأبيض.

    وقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، هذا الأمر للإباحة، منة الله، ولو أن شخصاً قال: يجب أن نأكل، فربي قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187]، فسيبقى يراقب الفجر حتى يأكل، ولكن هذا للإباحة، فإذا لم ترد أن تأكل فلا تأكل ولا تشرب، فقد كان ذلك ممنوعاً فأذن لهم فيه.

    معنى قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل)

    قال: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]

    أتموا الصيام من الفجر الذي هو انتشار الضوء في الأفق إلى الليل، والليل يبتدئ بغروب الشمس، سقطت عين الشمس بالأفق فدخل الليل.

    إذاً: وأتموا الصيام إلى الليل، ما هو الصيام؟

    هو الإمساك والامتناع عن شهوتي البطن والفرج، وهل للبطن شهوة؟ أي نعم، يشتهي الطعام والحلويات أو لا؟ يشتهي الماء والعصير أو لا؟ والفرج له شهوة.

    معنى قوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)

    إذاً: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، أي: الزوجات وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، هذا إعلام لنا بمشروعية الاعتكاف، وهو ملازمة المسجد للعبادة، ويشترط للعكوف أن يكون المسجد مسجداً جامعاً، أي: تصلى فيه الجمعة، حتى لا يخرج منه ليصلي الجمعة، والعكوف أقله يوم وليلة، كونك تجلس نصف النهار أو الليل وتقول: اعتكفت ليس هو العكوف الشرعي، هو عكوف لغوي، العكوف في المسجد: ملازمة المسجد لا تخرج إلا للبول أو الوضوء، أو تأتي بطعام من السوق أو شراب بدون أن تتكلم ولا تجادل، إذا لم يكن لك من يأتيك بطعامك وشرابك، وتنام في المسجد، وإن احتلمت فاخرج على الفور اغتسل وارجع، لا تبق محتلماً.

    إذاً: هذا الاعتكاف فيه فضل عظيم لا يقادر قدره، حسبك أن عبد الله عكف في بيت ربه يذكره، وهو قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والركوع والسجود أربعاً وعشرين ساعة، فإذا جاءك النوم فنم ولا حرج، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم عشر ليالٍ، والاعتكاف سنة في العشر الأواخر من رمضان.

    يقول تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ما معنى: ولا تباشروهن؟

    المباشرة: أن تمس البشرة البشرة، فنحن بشر لأن بشرتنا ما عليها ريش ولا وبر، فـ(باشر زوجته): اختلطت بشرته ببشرتها، كناية عن الجماع والوطء.

    وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، لا الناهية، حرام عليكم، وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فمن غلبته شهوته فذهب إلى بيته وواقع امرأته بطل اعتكافه وفسد، ويجب قضاؤه حتماً؛ لأنه دخل في عبادة وتركها بدون مقتضٍ ولا موجب، أثم وعليه أن يقضيها، إذ المعتكف قد تغلبه نفسه ويمشي إلى البيت مثلاً ليأتي بطعام أو شراب فينهزم، فإذا انهزم بطل اعتكافه وعليه قضاؤه، وهذا كلام الله: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] والحال أنكم عاكفون في المساجد.

    ويقضي في شوال أو في أي وقت، إذا التزم بعشرة أيام فإنه يقضيها في شوال، وإذا التزم بيوم وليلة فقط يقضي يوماً وليلة.

    معنى قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها)

    ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:187]، تلك الأحكام التي بيناها من قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187] إلى هذه الجملة: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] هذه كلها حدود الله، فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] ولا تعتدوها، ابتعدوا عنها، وقوله: فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] أعظم من: تعتدوها؛ لأن النهي عن قربانها من بعيد.

    معنى قوله تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)

    ثم يقول تعالى: كَذَلِكَ [البقرة:187] كهذا البيان والتبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [البقرة:187] التي تحمل شرائعه وأحكامه، وآداب وأخلاق الكمال البشري، يبينها للناس أبيضهم وأسودهم من عرب وعجم، ولكن من هم؟ الذين يؤمنون بهذا الكتاب، ويقرءونه ويفهمون ما فيه من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلة: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] كل هذا من أجل التقوى، إذاً: للتقوى شأن عظيم.

    والذين ما حضروا هذه الحلقة ليقم أحدهم ويبين لنا سر التقوى وسنعطيه ألف ريال، ولكن لا يعرفون، وقد يقال: يا شيخ! ماذا تريد؟

    فأقول: نريد أهل المدينة المنورة يأتون بيوت الله يتعلمون العلم، في ساعة ونصف فقط بين المغرب والعشاء، ينبغي أن يمتلأ المسجد بنا نحن ونسائنا وأطفالنا، كل ليلة نتلقى الكتاب والحكمة، وتمضي الأيام والأعوام وأحدهم ما يجلس جلسة كهذه أبداً، فكيف يتعلم، من أين له أن يتعلم، أيوحى إلينا؟ إنما العلم بالتعلم كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.

    فالتقوى هي امتثال الأمر واجتناب النهي، أن تطيع الله ورسوله وأولي الأمر في الأمر والنهي، هذه هي التقوى، فكيف علت وأصبحت هكذا؟

    الجواب: لأن المتقي طيب النفس زكي الروح، روحه كأرواح الملائكة في السماء، هذا الذي يقبله الله ويرضى عنه ويدنيه، وولاية الله التي يطلبها العقلاء متوقفة على التقوى، من هم أولياء الله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، أولياء الله من ألف سنة عند العرب والعجم سيدي عبد القادر ، سيدي عيدروس وفلان وفلان، ولا يعرفون ولياً بين الناس، تدخل إلى القاهرة وإلى الإسكندرية أو دمشق أو بغداد أو الرياض، وتقول لشخص: من فضلك أنا جئت من بلاد بعيدة، نريد ولياً من أولياء هذه البلاد أزوره، فوالله! ما يأخذك إلا إلى ضريح، ولا يعرف أن هناك ولياً لله!

    فمن فعل بنا هذا؟ الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، كيف فعلوا بنا هذا؟ لأننا بالولاية نحفظ، فولي الله انتبه أن تقول فيه كلمة سوء: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فأصبح الرجل إذا فجر ما يمر بقبر الولي أو بضريحه، بل يأتي من شارع آخر خائفاً من الولي، فحصروا خوفنا في القبور، وسلطوا بعضنا على بعض: الزنا، السرقة، الكذب، القتل، الضرب، الدمار بيننا؛ لأننا أعداء الله ما نحن أولياء الله، لو علمونا أننا أولياء فما يستطيع الإنسان أن يؤذي ولي الله أبداً والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فانظر كيف توصلوا إلى أن أبحنا الزنا والربا واللواط والجرائم، فالمؤمن أخوه يقتله يسبه يشتمه، ويزني بامرأته، فكيف يتم هذا؟ لأننا لسنا أولياء الله، ما علمونا أننا أولياء الله، من فعل هذا؟ العدو، هل عرفنا عداوته؟ كلا أبداً، بل هم أصحابنا! إذاً: ماذا نقول؟

    أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، الولاية تتحقق بخطوتين: آمن حق الإيمان واتق الرحمن فأنت ولي الله، وإن لم تؤمن أو لم تتق فأنت ولي الشيطان.

    فلهذا أمرنا بهذه الحدود وهذه الآداب في الصيام والاعتكاف ثم قال: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] فيصبحوا أولياء الله عز وجل، فاللهم اجعلنا من المتقين.

    1.   

    ذكر بعض أحكام سنة السحور

    من سنن الصيام: السحور، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )، الفرق بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى أكلة السحر، هم لا يتسحرون؛ لأنهم بهائم، أما نحن فمرابطون مجاهدون صناع، نأكل قبل الفجر بخمس دقائق ونمشي للعمل لننتج، فالسحور هو الغداء المبارك، لو كنا أهل علم فلن نتسحر وننام، بل نتسحر وإذا أذن المؤذن صل واحمل مسحاتك أو آلتك إلى عملك، ولن تفكر في الطعام لأنك شبعان.

    ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى تأخير هذه السنة فيقول: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور )، ما هذه الرحمة المحمدية؟ يدعونا إلى أنه بمجرد أن تغيب الشمس نأكل، رحمة بنا أو لا؟ لو قال: أخروا حتى تصلوا العشاء أو المغرب ففي ذلك أجر لكان ذلك ضرراً بنا، لكن قال: ( عجلوا الفطر وأخروا السحور ) إلى قبيل الفجر بدقائق، فهذا الشارع حكيم أو لا؟ إنه أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    شرح الكلمات

    والآن تسمعون شرح هذه الآيات مرة ثانية.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ شرح الكلمات:

    لَيْلَةَ الصِّيَامِ [البقرة:187]: الليلة التي يصبح العبد بعدها صائماً.

    الرفث: الجماع.

    لِبَاسٌ لَكُمْ [البقرة:187]: كناية عن اختلاط بعضكم ببعض؛ كاختلاط الثوب بالبدن.

    تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187]: بتعريضها للعقاب، ونقصان حظها من الثواب بالجماع ليلة الصيام قبل أن يحل الله تعالى ذلك.

    بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]: جامعوهن، أباح لهم ذلك ليلاً لا نهاراً.

    وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]: أي: اطلبوا بالجماع الولد إن كان قد كتب لكم في قضاء الله وقدره، ولا يكن الجماع لمجرد الشهوة ]، هذه تربية ربانية.

    [ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ [البقرة:187]: الفجر الكاذب، وهو بياض يلوح في الأفق كذنب السرحان ]، أي: كذنب الذئب.

    [ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]: سواد يأتي بعد البياض الأول فينسخه تماماً.

    الْفَجْرِ [البقرة:187]: انتشار الضوء أفقياً، ينسخ سواد الخيط الأسود ويعم الضياء الأفق كله.

    عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]: منقطعون إلى العبادة في المسجد تقرباً إلى الله تعالى.

    حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:187]: جمع حد، وهو ما شرع الله تعالى من الطاعات فعلاً أو تركاً.

    كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ [البقرة:187]: أي كما بين أحكام الصيام يبين أحكام سائر العبادات من أفعال وتروك ليهيئهم للتقوى التي هي السبب المورث للجنة ].

    التقوى سبب مورث للجنة، كما قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، قالها إبراهيم عليه السلام، إذاً: الجنة تورث، وسبب إرثها التقوى.

    معنى الآية

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآية الكريمة:

    كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة الآتية؛ كأن الصيام يبتدئ من النوم لا من طلوع الفجر، ثم إن ناساً أتوا نساءهم وأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة تبيح لهم الأكل والشرب والجماع طوال الليل إلى طلوع الفجر، فقال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] أي: الاختلاط بهن؛ إذ لا غنى للرجل عن امرأته، ولا للمرأة عن زوجها.

    هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]: يسترها وتستره؛ كالثوب يستر الجسم، وأعلمهم أنه تعالى علم منهم ما فعلوه من إتيان نسائهم ليلاً بعد النوم قبل أن ينزل حكم الله فيه بالإباحة أو المنع، فكان ذلك منهم خيانة لأنفسهم، فقال تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة:187] فاحمدوه.

    وأعلن لهم عن الإباحة بقوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187]، يريد: من الولد؛ لأن الجماع لا يكون لمجرد قضاء الشهوة، بل للإنجاب والولد ]، وغداً سينعقد مؤتمر يمنع الولادة، فلعنة الله عليهم.

    قال: [ وحدد لهم الظرف الذي يصومون فيه، وهو النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فقال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وحرم على المعتكفين في المساجد مباشرة نسائهم، فلا يحل للرجل وهو معتكف أن يخرج من المسجد ويغشى امرأته، وإن فعل أثم وفسد اعتكافه ووجب عليه قضاؤه، قال تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأخبرهم أن ما بينه لهم من الواجبات والمحرمات هي حدوده تعالى فلا يحل القرب منها ولا تعديها، فقال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187]، ثم قال: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]، فامتن تعالى على المسلمين بهذه النعمة، وهي بيان الشرائع والأحكام والحدود بما يوحيه إلى رسوله من الكتاب والسنة؛ ليعد بذلك المؤمنين للتقوى، إذ لا يمكن أن تكون تقوى ما لم تكن شرائع تتبع وحدود تحترم، وقد فعل فله الحمد وله المنة ].

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954029