إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (73)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن غضب الله عز وجل لا يقوم له شيء، وعذابه جل وعلا لا يتصور أحد من خلقه تحمله فضلاً عن اللبث فيه، والمشركون حين يرون غضب الله ويعاينون ما أعده لأهل الشرك من العذاب، ثم بعد ذلك تأتي متبوعاتهم ومعبوداتهم لتتبرأ من شركهم، وتتنصل عن عبادتهم، فعندها يسقط في أيديهم، وتأكل الحسرة قلوبهم ألا يستطيعوا الرجوع إلى الدنيا والتبرؤ من هذه المعبودات، وإخلاص العبادة لله الواحد القهار.

    1.   

    تابع تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ...) وما بعدها

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، فنحن نرجو من الله تعالى أن يحقق لنا ما وعدنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله كما في صحيح مسلم : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع قول ربنا جل ذكره من سورة البقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167]، وقانا الله وإياكم عذابها.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهان السامعين والسامعات أن عقيدة المؤمن تقوم على مبدأ الإيمان بالله عز وجل وبلقائه، وأركانها الستة هي ضمن هذا المبدأ؛ لأن الله كثيراً ما يقول لنا: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]؛ لأن هذه العقيدة بمثابة الروح، إذا حلت في القلب واستشرت آثارها في الجسم حيي عبد الله وأصبح يعي ما يقال له ويفهم، وأصبح قادراً على أن ينهض بالتكاليف فعلاً أو تركاً؛ وذلك لكمال حياته.

    فالإيمان بالله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه، بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يضر وينفع، هذا الإيمان يضاف إليه الإيمان بالبعث الآخر، وهو لقاء الله والوقوف بين يديه للسؤال والاستنطاق ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم أو بعذاب أليم، فهذه الآيات الكريمة -وهي ثلاث آيات- تقرر مبدأ البعث الآخر. ‏

    اتخاذ المشركين الأنداد لله تعالى في عبادته

    فقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] ناس وما أكثرهم؛ إذ المشركون أكثر من الموحدين في كل الأعصر وفي كل الأزمان، وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] والعياذ بالله تعالى مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165].

    والأنداد: جمع ند، والند: الضد والمثل، والمراد من الأنداد من عبدوا من دون الله، فمن الناس من عبدوا الملائكة، وقالوا: إنهم بنات الله، قبيلة بكامل رجالها ونسائها من العرب عبدوا الملائكة.

    ومن الناس من يعبد الأنبياء، وجيراننا النصارى يعبدون عيسى، ومن الناس من يعبد الأولياء وصالح عباد الله، وهذا حدث في جاهلية المسلمين، إذ عبدوا الأولياء عبادة حقيقية؛ رفعوا أكفهم إليهم، سألوهم، تضرعوا بين يديهم، ساقوا لهم قطعان البقر والغنم، حلفوا بهم، نذروا لهم النذور، عكفوا حول قبورهم، رفعوا إليهم مرضاهم، وهي عبادة لا ينكرها إلا ذو جهل، وعلة هذا هي الجهل، ما وجدنا من يعلمنا، ما وجد بيننا من يعرف الحق وأهله ويعمل به فنقتدي به؛ إذ هي قرون أصابت المسلمين بظلمة لا نظير لها.

    ومن الناس من يعبد أصناماً وتماثيل لا تعبد لذاتها، ولكنها تمثل ملائكة أو تمثل أنبياء أو تمثل صالحين فيعبدونها، وها هو ذا عز وجل يخبر بما يعملون، وهل هناك من يعلم علم الله؟

    جمع بعض المشركين بين محبة الله تعالى ومحبة آلهتهم

    فالله يقول وقوله الحق: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] وبالفعل يحبونهم كحب الله تعالى، إلا أن هذا قد يكون خاصاً ببعض الناس، إذ من العرب -وخاصة القرشيين ومن إليهم- من كانوا يحبون الله، يدلك على حبهم لله أنهم يكرمون الضيف، وأنهم يحجون بيت الله، وأنهم يحرمون ما حرم الله من الأشهر الحرم.. إلى غير ذلك من الصفات الدالة على أنهم يحبون الله، ولكنه حب مع حب آلهتهم، فبطل لذلك حبهم؛ لأن الله عز وجل لا يقبل عملاً أشرك فيه غيره، إما أن يكون العمل كله لله، وإلا فلا يقبله الله، فهم يحبون الله ويحبون الآلهة التي يعبدونها من أجل أن تقربهم إلى الله، ما كان العرب في الجاهلية يعبدون الآلهة لذاتها، يعبدونها متقربين بها إلى الله رب إسماعيل وإبراهيم، وشاهد هذا من كتاب الله عز وجل؛ إذ قال تعالى من سورة الزمر: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ردوا على الرسول صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليهم عبادتهم، قالوا: نحن ما نعبدهم استقلالاً لذاتهم، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله قربى وزلفى.

    ويشهد لهذا بوضوح أن هؤلاء المشركين ممن نزل فيهم هذا القرآن كانوا إذا كانت شدة وأزمة قوية يفزعون فيها إلى الله، وخاصة إذا ركبوا البحر واضطربت السفينة للعاصفة التي أثرت فيها يدعون الله وحده ولا ينادون معه سواه، وجاء هذا في عدة آيات: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [النحل:65-55].

    وهنا حادثة كررناها للعظة والعبرة، وهي أن عكرمة بن أبي جهل ، وأبو جهل هو عمرو بن هشام المخزومي القرشي ، كان أحد طغاة الشرك وعتاتهم في مكة، وكان أشد خصم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذبح في بدر، له ولد يقال له: عكرمة رضي الله عنه، هذا الشاب كان نسخة من أبيه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقي على عدائه، وشن الحروب مع قومه في الأحزاب وما إلى ذلك، ولما فتح الله تعالى على رسوله والمؤمنين مكة ودخلوها باثني عشر ألف مقاتل وانهزم المشركون بفضل الله كان عكرمة ممن فر وهرب، وما أطاق أن يعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الكثيرون فجلسوا ينتظرون حكم الرسول فيهم، وقد خلدت تلك الكلمة لما اجتمعوا حول البيت، حول الكعبة، وطأطئوا رءوسهم أذلاء صاغرين، ودخل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم والسيف بيده أو الرمح، فقال لهم: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ).

    ونعود إلى عكرمة فما أطاق أن ينظر إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الحنق والتغيظ والبغض، وأخذ ساحل البحر لا أدري هل جدة أو قبلها من الساحل، وإذا بسفينة تكاد تقلع، فركب، إلى أين؟ إلى الحبشة أو إلى فارس أو إلى بلاد أخرى، ومشت السفينة في البحر وجاءت موجة عاتية من تلك الموجات البحرية، فاضطربت السفينة يميناً وشمالاً، وخافوا الغرق، فنادى ربان السفينة أو ملاحها: معشر الركاب! سلوا الله عز وجل وحدوه، فإنه لا ينقذكم إلا هو! فعجب عكرمة وقال: الذي هربت منه وجدته هنا؟! لا بد من توحيد الله؟ إذاً: والله! لترجعن بنا يا ملاح إلى ساحل البحر وأذهب إلى محمد وأصافحه، وبالفعل مالت السفينة إلى الساحل ونزل عكرمة وأتى مكة بعد يومين أو كذا، واعتنق الإسلام، وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن عن حبه كأشد ما يكون حباً له.

    شدة محبة المؤمن لله تعالى فوق محبة المشرك لمعبوده

    وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، والذين آمنوا بصدق وحق بالله ولقائه ورسوله محمد وكتابه، وقضاء الله وقدره، هؤلاء أشد حباً لله.

    وأولئك المشركون يحبون آلهتهم التي تقربهم -في زعمهم- من الله وترضي الله تعالى عنهم، ويحبون الله، لكن حبهم للآلهة أشد، والمؤمنون أشداً حباً لله، فلا يحبون معه غيره أحداً، وإنما يحبون به.

    وهنا تأمل أيها السامع وأيتها السامعة: أحب -يا عبد الله- بالله، ولا تحب مع الله، باستثناء ما هو غريزة البشر كحبنا الطعام والشراب والراحة ورقيق اللباس، هذا الحب نحن أهل الحق نحبه أيضاً لله؛ نأكل من أجل الله، نشرب من أجل الله، ننام من أجل الله، وهكذا نعطي نمنع من أجل الله، إذا أعطينا فمن أجل الله، وإذا منعنا فمن أجل الله، ما وجه العطاء والمنع لله؟ إن تصدقت بزائد عن حاجتي وأهلي تصدقت به لله من أجل الله، وإذا منعت فلأن ورائي أطفالاً أو نساء أو كذا، فمن أجل الله، بل قلنا: نبني ونهدم من أجل الله، نسافر يوم نسافر ونقعد يوم نقعد لله، إذ حياة المؤمنين بحق وقف على الله عز وجل، واقرءوا لذلك آية الأنعام فهي واضحة الدلالة، يقول تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، قوله: محياي ومماتي لله، أي: حياتي وموتي.

    إذاً: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] من حب عابد الآلهة لله، ومن حب عابد الآلهة لآلهته، عباد الآلهة يحبونها حباً عظيماً، ولكن حب المؤمنين لله -والله- أشد من حبهم لآلهتهم، ولهذا ورد الحب في الله والبغض في الله، إيمان المؤمنين قائم على هذا المبدأ وعلى هذا الأساس، إن أحببنا زيداً أو عمراً أحببناه لله، وإن كرهنا فلاناً أو فلاناً فمن أجل الله، إن أكلنا أو شربنا، إن ركبنا أو نزلنا، كل حياتنا دائرة في فلك واحد ألا وهو رضا الله وطلب مرضاته.

    الشرك بالله تعالى أعظم الظلم

    ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165]، أي: أشركوا بالله عز وجل غيره، إذ الظلم أنواع، لكن إذا أطلق في القرآن فالمراد به الشرك، إذ هو أعظم الظلم، كيف كان الشرك أعظم الظلم؟

    إليك البيان: يخلقك ويرزقك ويحفظك ويخلق كل شيء حولك من أجلك، ويربيك، وينشئك، ثم تلتفت إلى غيره وتغمض عينيك فلا تنظر إليه، فتمدح غيره وتشكر غيره، وتثني على غيره، وتطيع غيره، وتتقرب إلى سواه، وهو كأن لم يكن ذاك الذي لولاه ما كنت، فأي ظلم أعظم من هذا؟ يخلقك يرزقك يربيك يكلؤك، يخلق كل شيء من أجلك، ثم لا تلتفت إليه وتتقرب إلى سواه؟ فهل عرفتم أن الشرك أعظم أنواع الظلم؟

    و لقمان الحكيم هذا من المؤمنين على عهد بني إسرائيل أيام داود عليه السلام، وهو نوبي من النوبة، كان له ولد يحبه كأنه الوحيد، فأجلسه بين يديه يوماً يعظه، وقد نقل تعالى إلينا تلك القصة بكاملها بالحرف الواحد، إذ قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ [لقمان:13]، أي: اذكر يا رسولنا للمسلمين، اذكر لقومك المصرين على الشرك والمعاندين فيه، بل والمحاربين من أجله، اذكر لهم ما يلي علهم يفيقون، علهم يرجعون: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، هل فهمتم أن الشرك ظلم كبير أو لا؟ لما ضربت لكم مثلاً وقلت: يخلقك ويرزقك ويكلؤك ويحفظك طول حياتك، ويخلق كل شيء من أجلك وتلتفت إلى غيره تدعوه أو تتملقه وتتقرب إليه، أي ظلم أعظم من هذا؟! أنت مخلوق لله أو لا؟ يجب عقلاً ومنطقاً وسياسة وقانوناً أن تكون جميع تصرفاتك له، فشاتك صوفها لمن؟ لجارك أو لك؟ لبنها، حملها، حياتها كلها لك أيها المالك، فكيف يملكنا الله ملكاً حقيقياً -لأنه خالقنا ورازقنا- ونلتفت إلى غيره نعبده؟ أي فظاعة أعظم من هذه؟

    مع العلم أن الذين نعبدهم لا يملكون شيئاً، عبادتنا لهم هراء وباطلة، لو نعبد حجراً أو ملكاً أو إنسياً أو جنياً ألف سنة فلا يستطيع أن يعطينا ما لم يعطنا الله، ولا يدفع عنا ما لم يدفعه الله، فلم -إذاً- هذه العبادة؟!

    إن الشيطان هو الذي زين عبادة غير الله ليهلك العابدون معه، هذا هو السر.

    فظاعة عذاب الظلمة يوم القيامة

    ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] أشركوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165] لرأوا أمراً فظيعاً لا يقادر قدره ولا يمكن للعبارة أن توضحه أو تدل عليه، فوق ما يطاق، فالجواب محذوف؛ لأنه أمر عظيم.

    وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، ما بقي من له قوة يحدث بها شيئاً أو يتصرف بها في شيء

    والخليقة كلها واقفة حفاة عراة إنسها وجنها.

    تبرؤ المتبوعين من عبادة متبعيهم وتعظيمهم لهم

    وجاء تفصيل هذا: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، والتبرؤ معروف: أنا بريء من قولك، بريء من سلوكك، بريء من عملك هذا، ليس لي فيه دخل.

    تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، من هم الذين اتُّبعوا؟ الذين عبدوا من دون الله، كعيسى عليه السلام والعزير، والعذراء مريم، وسيدي عبد القادر والبدوي والعيدروس، وفاطمة والحسين، ملايين عبدوهم من دون الله، فيتبرءون منهم: ما أمرناكم، ما رضينا بعبادتكم، ما كلفناكم، نفي كامل، وهل يستطيع معبود أن يقول: نعم يا رب عبدوني؟ لا يقوى على هذا.

    إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا [البقرة:166]، أي: المتبوعون، تبرءوا ممن عبدوهم من دون الله أو قدسوهم أو بجلوهم أو عظموهم، أو اتبعوهم في الباطل، كالرؤساء والزعماء وما إلى ذلك، هؤلاء المتبعون هل يستطيعون أن يدافعوا عن متبوعيهم؟ هل يقولون: ما اتبعونا إلا حباً في الله فقط، إلا طلباً لمرضاتك يا رب، هؤلاء كانوا جهلة، اعف عنهم وسامحهم؟ والله !ما يقولون كلمة من هذا، ولا عيسى يقول هذا.

    إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166] اتبعوهم.

    انقطاع العلائق بين الأتباع والمتبوعين بعد معاينة العذاب

    وَرَأَوُا الْعَذَابَ [البقرة:166]، وشاهدوا العذاب، جهنم جيء بها تجر بالسلاسل، شاهدوا ما علموه من الغيب، ما حدثوا عنه في الدنيا شاهدوه عياناً.

    وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] لا مصاهرة، لا نسب، لا صداقة، لا وطنية، لا أخوة أبداً، كل الأسباب تمزقت، لم يبق إلا سبب الإيمان هو الذي ما تمزق: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، المفروض أن الشيخ يشفع لمريديه، والمعبود يشفع لمن عبدوه، والعظيم الذي اتبعوه في الباطل ففجر وقتل وسفك الدماء يشفع لهم، ولكن لا شفاعة، فهل فهمتم معنى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]؟ كل واحد موكول إلى عمله، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.

    تمني الأتباع الرجعة إلى الدنيا للبراءة من المتبوعين

    وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:167] صاحوا: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167]، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:167] العوام الذين لا بصيرة لهم، عبدوا الشيخ، وجروا وراءه، عبدوا الحكام والسلاطين، وقالوا بقولهم وسلكوا مسالكهم، قالوا: لو أن لنا كرة، أي: رجعة إلى الحياة الدنيا، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167] في الحياة الدنيا كما تبرءوا منا الآن، لا نقبل من يقول لنا ولا من يزين ولا من يحسن ولا من يعد ولا من يتسلط علينا أو يدعي القوة علينا أبداً. لكن هذا التمني هل ينفع؟ ما ينفع، بل يزدادون به ألماً وحسرة، إذ هذه كلمات المتحسر المتأسف المتحطم، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:167] أي: رجعة إلى الحياة الدنيا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] اليوم، ولا نسمع لقولهم ولا نجري وراءهم، ولا نقبل أحاديثهم ولا أمانيهم.

    زيادة حسرة الكافرين وخلودهم في النار

    قال تعالى: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، أعمالهم التي هي المدائح والقصائد والأناشيد والذبائح، ويقضون ليلة كاملة في مدح الشيخ، أعمالهم يريهم الله إياها حسرات تمزق قلوبهم.

    والخاتم الأخير: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]؛ لأنهم ماتوا مشركين، والمشركون آيسون من الخروج من النار ودخول الجنة، اللهم إلا الموحدين الذين ماتوا على التوحيد، عبدوا الله وحده، ولكن قارفوا ذنوباً وارتكبوا سيئات وما تابوا منها وماتوا عليها، فدخلوا النار لتطهيرهم؛ لأنهم يحترقون فيها ويمتحشون حتى يكونوا كالفحم، ثم يعودون إلى الجنة بتوحيدهم؛ لأن الله قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، أما أهل الكفر والشرك فأعمالهم الصالحة قد يخفف بها عنهم العذاب، فينزلون في دركات أخف، أما أن يخرجوا من عالم الشقاء وينتقلوا إلى عالم السعادة فوالله ما كان، هم آيسون، فلهذا من مات من أقارب المرء على الشرك والكفر فليبك عليه، لا رجاء أبداً في نجاته من النار.

    كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167] الحسرات: جمع حسرة، وهي الألم القاتل الشديد الذي يقعد بصاحبه ولا يستطيع أن يتحرك، على حد: يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4] من الحسرة.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    شرح الكلمات

    إذاً: معاشر المستمعين! زيادة في البيان والتوضيح نقرأ الكلمات مفسرة بهذا التفسير وازدادوا بها علماً.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ شرح الكلمات:

    أنداداً: جمع ند، وهو المثل والنظير، والمراد بالأنداد هنا الشركاء ]، سواء كانوا ملائكة أو أنبياء أو أولياء أو حيوانات أو نباتات أو جمادات، [ يعبدونها بحبها والتقرب إليها بأنواع العبادات كالدعاء والنذر لها والحلف بها ]، هذه من أنواع العبادات.

    وقولهم: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] ما معنى التبرؤ يا عبد الله؟

    قال: [ التبرؤ: التنصل من الشيء والتباعد عنه لكرهه ]، تبرأ منه: تنصل وابتعد لأنه يكرهه.

    وقوله: الَّذِينَ اتُّبَعُوا [البقرة:166]، من المراد بهم؟ قال: [ المعبودون والرؤساء المضلون ]، وهل يوجد اليوم مضل؟ نعم. جميع رؤساء الروافض والله! لمضلون لأتباعهم، يعرفون الحق ويضلون، ومن أهل السنة والجماعة مضلون من أجل أن يركبوا رءوس الناس ويأكلوا طعامهم، يزخرفون لهم الباطل ويحسنون لهم البدع من أجل أن يتبعوهم، موجود هذا البلاء.

    قا: [ الذين اتَبعوا: هم المشركون والمقلدون لرؤسائهم في الضلال ].

    قال تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، ما معنى الأسباب هذه؟

    قال: [ الأسباب: جمع سبب، وهي لغة: الحبل ]، السبب: الحبل الذي تربط به بين شيئين، [ ثم استعمل في كل ما يربط بين شيئين، وفي كل ما يتوصل به إلى مقصد أو غرض خاص ]، فما سبب مجيئك إلى المسجد؟ لا بد من حبل ربطك به، كلمة أو إيمان أو دعوة أخيك.

    وقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة:167]، ما معنى الكرة؟

    قال: [ الكرة الرجعة والعودة إلى الحياة الدنيا.

    الحسرات: جمع حسرة، وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه فيقعد به عن الحركة والعمل ]، شدة الحزن والألم تقعد بالإنسان فما يستطيع حتى المشي، وهذا واقع، إذا كرب عبد وأصيب بحزن يلصق بالأرض.

    تلك مفردات قد تكون خفية على أكثر المؤمنين، فتفسر لهم كلمة كلمة.

    معنى الآيات

    أما الشرح الموجز فإليكموه كما هو في هذا التفسير.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات.

    لما تقرر في الآيتين السابقتين ]، وهي قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، هذه آية، وجاء الآية الأخرى فيها ستة أدلة على أنه لا إله إلا الله؛ إذ قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] ]، أما الذين لا عقول لهم فكيف يفهمون؟ مجانين.

    بعد هذا قال: [ لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس -أي: ربهم ومعبودهم- واحد وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه ]، والله! ما هو إلا واحد، لو تجتمع الخليقة كلها على أن توجد ثانياً فوالله! ما أوجدته.

    قال: [ أخبر ] بعد التقرير للألوهية، بعد تقرير الوحدانية لله، [ أخبر تعالى أنه مع هذا البيان وهذا الوضوح يوجد ناس ]، أي: مع هذه الأدلة الستة التي لا تبقي أبداً في النفس شكاً في أنه لا إله إلا الله، ومع هذا وجد ناس [ يتخذون من دون الله أصناماً ورؤساء يحبونهم كحب الله تعالى، أي: يسوون بين حبهم وحب الله تعالى ].

    وبينت لكم هذا، فالمشركون في مكة وفي غيرها يجمعون بين حب الله وحب ألهتهم، والنصارى الآن كذلك، واليهود، والحب إذا شاركه حب آخر بطل، رد على صاحبه، فنحن نحب الله ونحب في الله، إن أحببنا طعاماً أحببناه من أجل الله، أحببنا زيداً أو عمراً أحببناه من أجل الله، ما هناك حب خارج عن دائرة حب الله، وإلا فنحن مشركون إذاً.

    قال: [ والمؤمنون ] بحق وصدق [ أشد منهم حباً لله ]، هم يحبون الله، لكن حباً ضعيفاً؛ لأن نصفه أعطاه لغير الله، توزع هذا الحب، ما أصبح حباً حقيقياً، أما المؤمنون الكمل في إيمانهم الصادقون فهم أشد حباً لله تعالى.

    قال: [ كما أخبر تعالى أنه لو يرى المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة ]، لو يرى المشركون الذين أشركوا في الدنيا مع الله غيره، [ عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله، وأن الله شديد العذاب ]، يدلك على هذا [ إذ تبرأ المتَّبعون وهم الرؤساء الظلمة ودعاة الشرك والضلالة من متبعيهم الجهلة المقلدين، وعاينوا العذاب أمامهم، وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أيضاً أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي ].

    والآن لا تقل: كيف يريهم الله أعمالهم؟ يري القاتل يقتل، والفاجر يفجر، والسارق يسرق، ولا تقل: كيف يمكن هذا؟ فالآن بعد شاشة التلفاز بقي شيء؟ تعرض أعمالهم هكذا، حتى يتمزقوا من الكرب والهم والحسرة، يريهم أعمالهم كما هي، وفي سورة الزلزلة: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، من الذي يريهم أعمالهم؟ هو الله، الأولون يفسرون الآية بنتائج أعمالهم وثمراتها، لكن الواقع أن الأعمال ترى، والآن الواقع شاهد، يعرضون عليك معركة فتشاهد الدماء تسيل والرءوس تتقطع، والقتال دائراً، وينقلون صورة لفاجر تراها كما هي.

    [ وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أيضاً أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم، ويدخلون بها النار فلا يخرجونهم منها أبداً ]

    فقولوا: الحمد لله على أننا من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات ]، كل آية تحمل هداية أو لا؟ أما قال تعالى: هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]؟ كل آية تحمل هداية، كما أن كل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لا توجد آية من الستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية لا تقرر أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن يسألني: كيف يا شيخ؛ فسأبين له كيف:

    فقوله تعالى: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، هذا كلام أم لا؟ من تكلم به؟ أتقول: أبي.. أمي.. جدي.. شيخ القبيلة الفلانية؟ لن تجد من تكلم به سوى الله تعالى.

    إذاً: هذا الكلام هل يوجد بدون متكلم؟ أيستقر في عقولكم وجود كلام بدون متكلم؟ مستحيل، فمن المتكلم إذاً؟ الله، إذاً: الله موجود، وهذا القرآن كلامه كله علم وحكمة، ومظاهر الكون كلها تدل على علم الله وحكمته ورحمته.

    إذاً: الله عز وجل أخبرنا أنه لا إله إلا هو، وشهد بذلك شهادة، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18] أيضاً وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] كذلك، فالآية وحدها تدل على وجود الله.

    والآية الواحدة تدل على أن محمداً رسول الله، لو لم يكن رسول الله فكيف يوحي الله إليه هذه الآية، هل أوحى الله إلينا نحن؟ منذ أن كنا وكانت البشرية إذا لم يوح إلى نبي فهل يوحي إلى غيره؟

    إذاً: فكل آية هي علامة على أنه لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فهذه الآيات الأربع فيها أربع هدايات، يا من يريد أن يهتدي إلى حب الله، يا من يريد أن يهتدي إلى رضوان الله، يا من يريد أن يهتدي إلى العلم والمعرفة بالله! إليك هذه الهداية من أربع آيات:

    [ أولاً: وجوب حب الله ]، الذي لا يحب الله والله! ما هو بمؤمن.. والله! ما هو بمؤمن .. والله! ما هو بمؤمن، حب الله لا بد منه، وأشد من حبك لأمك وأبيك، بل ونفسك التي بين جنبيك والناس أجمعين، اذكر ما أنعم به عليك، اذكر إفضاله، اذكر إحسانه، لولاه هل تكلمت أنا؟ لولاه هل جلستم أنتم؟ فصاحب هذا الإنعام، هذا الإفضال، هذا الإحسان، هذه القدرة، هذا الجلال، هذا الجمال، هذا الكمال، كيف لا يحب؟! والضائعون أحبوا الأمريكاني لاعب الكرة ماردونا والعياذ بالله.

    فطرتك يا آدمي تحب كل ذي فضل وإحسان وكرم، تسمع أن فلان شجاع فتحبه لشجاعته، فلان كريم تحبه لكرمه، فلان جميل الوجه والطلعة فتحبه، والله خالق الجمال، خالق الكمال، واهب الكائنات، كل ذلك فضله وإحسانه، فكيف لا تحبه؟ أما أخبر تعالى عنكم بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165].

    قال: [ وجوب حب الله وحب كل ما يُحب الله عز وجل ]، هذه أخرى، كل ما بلغنا أن الله يحبه حتى المشية نحبها، حتى اللحظة والنظرة إذا بلغنا أن الله يحبها أحببناها، فإذا أخبر الله أنه يحب عبده فلاناً فإنا نحبه، وعلى أتم الاستعداد، متى علمنا أن الله يحب كذا أحببناه، ويجب، وإلا فقدنا الإيمان الصحيح.

    [ ثانياً: من الشرك الحب مع الله ]، هل هناك فرق بين الحب مع الله والحب لله؟ نعم. هل نحن نحب مع الله؟ لا، نحب بالله، أحب الله تعالى (سبحان الله وبحمده) فأحببناها، أحب الله صفوف الجهاد فأحببناها، أحب صفوف الصلاة فأحببناها، أحب الله محمداً فأحببناه، أحب الزهراء فأحببناها، نحب بحب الله، لا استقلالاً.

    قال: [ من الشرك الحب مع الله، ومن التوحيد الحب بحب الله عز وجل.

    ثالثاً: يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب، ولم تبق إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه ]، كل الأسباب والروابط انحلت إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه، أي: في الإيمان، هذه لا تنحل فحافظوا عليها.

    [ رابعاً: تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشرك والفساد، وليس بنافعهم ذلك شيئاً ]، تبرءوا ولكن ما ينفع التبرؤ، التبرؤ ينفع الآن، لا نقلد أعمى ولا نجري وراء جاهل، ولا نطيع حاكماً ولا محكوماً في معصية الله عز وجل.

    قال: [ تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم ].

    هم تبرءوا لأنهم ما يستطيعون أن يقولوا: هؤلاء عبدونا، يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]، ما قالوا: أجابنا فلان ولم يجبنا فلان، فوضوا الأمر إلى الله عز وجل، أما المتبوعون فكل ما في الأمر أنهم يتحسرون ويتمزقون: آهٍ لو رجعنا إلى الدنيا لتبرأنا منهم.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718756

    عدد مرات الحفظ

    768427351