إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (72)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله عز وجل أنه مع تنزيل الآيات الباهرات الدالة على وحدانيته سبحانه إلا أن من الناس من يتخذ مع الله آلهة آخرى من الأصنام والأوثان والرؤساء الذين يحبونهم كحبهم لله تعالى، ثم بين الله حالهم ومآلهم يوم القيامة، يوم أن يعاينوا عذاب ذلك اليوم وفظاعته، يومها يتبرأ المتبوع من التابع، ويتنصل المعبود من العابد، ويتمنى التابعون الضالون أن لو ردوا إلى الدنيا ليتبرءوا من أولئك كما تبرءوا منهم، ولكن لا مصير لهم إلا النار، وهي مستقرهم وبئس القرار.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

    الواجبات الثلاثة على من شهد أن لا إله إلا الله

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس التفسير لكتاب الله العظيم، والآيات التي ندرسها في ليلتنا المباركة هذه إليكم تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167].

    قبل الشروع في تفسيره هذه الآيات المباركات أذكر الصالحين بما علمناه من تفسير الآيات السابقة، فقد قلنا: يجب على من شهد أن لا إله إلا الله ثلاثة أمور:

    أولاً: يجب عليه أن يعبد الله.

    ثانياً: يجب عليه بأنه يفرد العبادة لله واحده.

    ثالثاً: ألا يعترف بعبادة أحد غير الله عز وجل.

    هذه الحقيقة تساوي الدنيا وما عليها، من قال: أنا شهدت على علم أنه لا إله إلا الله، نقول له: إذاً: اعبد الذي شهدت ألا تعبد إلا هو، فإن تفصى أو تنصل أو أعرض فشهادته باطلة، ما اعتقد ولا علم ولا عرف إذ لو علم بالأدلة والبراهين أنه لا إله إلا الله؛ والله ما استطاع ألا يعبد إلا الله، أبداً فما دام أنه ما عبده فشهادته لا تقبل.

    ثانياً: ألا يعبد معه غيره، إذ أعلن للملأ أنه لا معبود إلا الله وعبده، فكيف إذاً يعترف بعبادة غيره فيعبده معه؟ فإن عبد معه غيره دل هذا على أنه ما شهد شهادة الحق، وأنه ما عرف، إذ لو عرف حقاً أنه لا معبود إلا الله وعبده فكيف يعبد معه غيره؟ بأي منطق؟

    فإذا كان يعبد مع الله غيره نقول: ما عرف الله ولا حقق معنى: لا إله إلا الله، كعوام المسلمين بالملايين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، ويعبدون الله، ويدعون الأولياء ويذبحون لهم وينذرون لهم، ويتقربون إليهم كأنهم آلهة.

    إذاً: لو عرفوا ما عرفنا والله ما التفوا إلى غير الله، ولا وقفوا بين معبود يسألونه أو يتضرعون أبداً، لكن ما عرفوا.

    والحقيقة الثالثة: ألا يعترف بعبادة غير الله، من عبد صنماً كمن عبد نبياً، كمن عبد ولياً، كمن عبد اللات والعزى، الكل يقرر أن عبادتهم باطلة ولا يرضاها ولا يقرهم عليها، وبذلك يكون قد أدى الشهادة على علم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فهل استقرت هذه الحقيقة؟ إذاً: بلغوها، من أراد أن يستقر العلم في نفسه فليبلغه.

    البراهين الستة على وحدانية الله تعالى

    وكيف عرفنا أنه لا إله إلا الله وشهدنا هذه الشهادة؟ ما أدلتنا؟ ما براهيننا؟ ما حججنا؟ أم نحن جهال سمعناهم يقولون فقلنا؟

    لما نزل قول الله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] ماذا قال بعض المشركين؟ طالبوا بالدليل، قالوا: ما الدليل؟ ما هي أدلتك يا محمد على أنه لا إله إلا الله؟ وهل أنزل الله أدلة؟ نعم. ستة براهين، ستة أدلة في الآية التي بعدها.

    هيا نستعرض تلك الأدلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164]، فأفحمهم، قطع ألسنتهم، طالبوا بالدليل فقال: إليكم الأدلة، هذه آيات الكون، آيات الله الكونية التي قال لها: كوني فكانت، فهي شاهدة على أنه لا إله إلا الله وأنه أعلم من يعلم، وأنه الخالق الذي لا يعجزه شيء، والحكيم لا يخرج عمله عن حكمة، والقدير، وله كل صفات الكمال، وبهذا استحق أن يعبد وحده دون سواه.

    إذاً: هذه الأدلة الستة نستعرضها كما في الكتاب:

    [ الأول: خلق السماوات والأرض، وهو خلق عظيم لا يتأتى إلا للقادر الذي لا يعجزه شيء ]، فخلق السماوات والأرض وإيجادهما وتكوينهما هل يتم مع عاجز؟ لا يتم إلا لذي قدرة لا يعجزها شيء، وهو الله تعالى، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، فأعظم آية تدل على وجود الله، وعلى ألوهيته، وأنه لا إله إلا هو هي خلقه السماوات السبع والأرضين وما فيهما.

    [ ثانياً: اختلاف الليل والنهار بتعاقبهما، وطول هذا وقصر هذا ]، لو تجتمع البشرية كلها إنسها وجنها على أن يأتوا الآن بالنهار فجأة فوالله ما يستطيعون، لو كنا في النهار، في رابعة النهار، في الضحى، ونريد ليلاً، واجتمعت البشرية كلها بسحرها ودجلها وقواتها أيستطيعون أن يقدموا الليل؟ ما يستطيعون، فدل على عجزهم وعلى قدرة خالقهم. واختلاف الليل والنهار لصالح الخليقة، لو كانت الحياة كلها ليلاً ما استتب أمرها ولا كانت، ولو كانت كلها نهار فكذلك، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ [القصص:71-72]، والآيات القرآنية في هذا الباب لا تسأل عنها، فتقف البشرية والجن مطأطئة رأسها، فمن الخالق؟ من المدبر؟ من يقول: عيسى أو أمه أو اللات أو العزى أو عبد القادر أو البدوي ؟ من يقوى أن يقول غير الله؟

    ولهذا قال الله تعالى عن المشركين: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، يستحون أن يكذبوا، كذبت البلشفية اليهودية الشيوعية خمساً وسبعين سنة وانتهت، كانوا يقولون: لا إله والحياة المادة، فمسخهم الله، أين الشيوعية؟ والحمد لله فقد وقفنا ضدهم حتى ذبحوا، أما كنا نندد بالاشتراكية؟ أين الاشتراكية والاشتراكيون؟ انتهوا ومسخوا.

    [ الثالث من الأدلة: جريان الفلك ]، السفن تجري من أقصى الشرق إلى أقصى العرب تحمل البضائع والرجال والسلاح، هذه السفن من يجريها؟ من وفق البشر لصنعها وهداهم إليه؟ أتعلمون أول سفينة على وجه البحر؟ سفينة نوح، من علمه صنعها؟ فهذه السفن التي تجري في البحر في المحيطات تتنقل لصالح البشرية من خلقها؟ ستقول: الصانع، فنقول: ومن خلق الصانع؟ فاسكت إذاً.

    وهنا مثل وقع عندنا ذكرناه من يوم بدأنا التدريس في المسجد النبوي، هو: أن صقلبياً من شمال أوروبا روسياً أبيض ما ذاق التمر ولا عرفه، جاء عندنا إلى بلاد التمر، فقدمنا له صحفة من الرطب أو من التمور الجزائرية، فقال: من صنع هذا؟ ألكم مصانع؟ قلنا: لا. هذا صنعه الله، قال: إن ربكم عظيم. أيوجد هذه؟ قلنا: نعم. وخرجنا في جولة إلى البستان، فوجد النخل والأقنية والعراجين ورأى الفلاحين، فقال: من هذا؟ قلنا: هذا الفلاح، هو الذي يؤبر النخل ويغرسه، قال: إذاً: خدعتموني، لم تقولون: ربنا، قولوا: الفلاح! قلنا :له يا غبي! يا جاهل! التربة التي غرس فيها الفلاح الفسيلة من أوجدها؟ الفلاح أم أمه؟

    والماء الذي يتفاعل مع التربة حتى تخرج الفسيلة من أوجده، الله أم الفلاح؟ ثم إيجاد هذه الحياة من التراب إلى الماء حتى تنبت الفسيلة، من فعل هذ؟ والفلاح من خلق يديه؟ ومن وهبه عقلاً وسخر له المسحاة والتربة حتى يفعل؟ إنه الله. إذاً: لا إله إلا الله.

    ولهذا فالذين لا عقول لهم ما يهتدون، أما ختم الله الآيات بالعقل: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164]؟ أما الذين لا عقول لهم فتتحكم فيهم أهواؤهم وشهواتهم، أو يقادون بالتقليد الأعمى، هؤلاء يعون ولا يفهمون ولا قيمة لهم.

    قد يقول قائل: مصانع بريطانيا وهولندا هي التي تصنع السفن! فنقول: والأخشاب من صنعها؟ والحديد من أوجده؟ وهؤلاء الكفرة من ساقهم، من قادهم؟ من علمهم؟ من دفعهم؟ من سخر لهم؟ الله. إذاً: نقول من أول مرة: من صنع السفن؟ والجواب: الله، لا تتعب نفسك، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ [البقرة:164].

    [ الرابع: إنزاله تعالى المطر من السماء لحياة الأرض بالنباتات والزروع بعد جدبها وموتها ]، إنزال الماء من السماء، أولاً: من كوَّنه ماء؟ بالسحر؟ ثم من سخر السحب وساقها من هنا إلى هناك؟ ومن أذن لها أن تمطر؟ قد تقولون: الحرارة تعصرها فيسيل منها؟ فنقول: الآن في شهر الأسد تمر بكم سحب ضخمة عظيمة، والسماء كما تعرفون والأرض ملتهبة، وما تمطر، وتذهب إلى أوروبا حيث البرد والثلج وتمطر، أين نظريات البشرية؟

    السحب تأتينا في شهر الأسد، في شهر أغسطس، وتقف أياماً عندنا وترحل ما تمطر ولا قطرة، وتأتي إلى البلاد الجامدة ذات الثلوج فتمطر، فقولوا: آمنا بالله.

    قال: [ الخامسة: تصريف الرياح: حارة وباردة، ملقحة وغير ملقحة، شرقية، غربية ]، على اختلاف أنواعها، هذه الرياح من أوجدها؟ أمهاتنا؟ آباؤنا؟ مصانع في اليابان؟ مستحيل! من سخر الريح؟ من يسحب السحاب كأنه يجره بالسلاسل لينقله من مكان إلى مكان، ومن إقليم إلى إقليم، تدبير من هذا؟ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الروم:48]، من يفعل هذا؟ سيدي عبد القادر ؟ ليس إلا الله، إذاً: لا إله إلا الله وإن سخط العالم.

    [ السادسة: السحاب المسخر بين السماء والأرض، تكوينه أولاً، وسوقه من بلد إلى بلد ليمطر هنا ولا يمطر هناك حسب إرادة العزيز الحكيم ].

    أقول مرة ثانية: لما نزل قول الله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:163] في تقرير هذه العقيدة، أي: لا معبود بحق إلا هو، كل الآلهة باطلة وإن بلغت الملايين؛ لأنها مربوبة، مخلوقة، محدثة، فانية، فكيف تعبد؟! إلا أن الشياطين زينت عبادتها، فلما قال ما قال قالوا: ما الدليل على أنه لا إله إلا الله؟ فساق الله لنا هذه الآية فيهما ستة أدلة.

    اسمعوا القراءة مرة ثانية: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164]، فالذين لا عقول لهم ما يدركون، ولا يفهمون.

    والآن استقر التوحيد فكل عبادة تفرض لغير الله صاحبها مشرك وهو كافر، ومصيره العذاب الذي لا يخرج منه أبداً، فاللهم ارزقنا التوحيد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ...)

    والآن مع هذه الآيات، وهي ذات شأن خطير:

    يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165]، ناس من الناس، ما قال: ومن الجن والإنس؛ لأن الهداية التي يقوم بها الرسول متعلقة بالبشر، وللجن دعاتهم.

    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165]، الأنداد: جمع ند، وهو المثيل والضد، فلان ندك يساويك، يطلب ما تطلب أنت من العظمة والخير، فالأنداد: جمع ند، وهو ما عبد من دون الله، مما اتخذه الجهال والضلال آلهة يعبدونه، هذا إخبار من الله، وهو حق، والله! كما أخبر: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، يحبون تلك الأنداد وتلك المعبودات مع الله كحب الله، هذا بالنسبة إلى المشركين من العرب، كانوا يحبون الله، ويدلك على حبهم أنهم يعظمون حرمة الأشهر الحرم، إذا أهل هلال رجب لا تسمع قعقعة السلاح، إذا دخل الشهر الحرام لا قتال ولا نهب ولا غزو ولا غارة، إذا دخل الحرم وقد قتل أباك لا تنظر إليه، ويعظمون بيته، ويحجونه، إذاً: فهم يحبون الله شيئاً ما، ويحبون اللات والعزى ومناة والآلهة، فيخبر الله عنهم فيقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165].

    معنى قوله تعالى: (والذين آمنوا أشد حباً لله)

    وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، أشد حباً من كل محبوب ومحب لله، فالذي يروح على أنفسنا هو: هل يوجد بيننا مؤمن أو مؤمنة يكره الله؟ لا والله، مستحيل أن يكرهه مؤمن أو مؤمنة، وإذا لم يكرهوه فمعناه أنهم أحبوه، فالحمد لله أننا أشد حباً لله.

    فالمشركون منهم من يحبون الله ويحبون آلهتهم، سواء كانت الآلهة أنبياء أو أولياء أو ملائكة أو أصناماً وأحجاراً، ونحن نحب الله عز وجل، ولكن نتفاوت في هذا الحب، وتتجلى محبة الله في العبد بقدر ما هو مقبل على طاعته، والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا وهو يدعو: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي )، هكذا يدعو بهذا الدعاء: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي

    وأحب إلي من الماء البارد )، الماء البارد تعرفون قيمته أيام لم تكن الثلاجة في هذه البلاد الحارة في الصيف، الماء يكاد يغلي غلياناً، فمن ذا الذي يفضل على الماء البارد شيئاً آخر من الطعام أو الشراب أو كذا؟

    ويقول معلماً صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبه )، وهل الذي يحب الله لا يحب رسوله ولا يحب أولياءه؟ إذ قلنا: الذي يحب الله تعالى يحب كل ما يحب الله، أليس كذلك؟

    ذكر نعم الله تعالى محصل لمحبته في قلب العبد

    وهناك لفتة تستطيعون إدراكها: من أراد أن يشعر بحب الله في قلبه، من أراد منكم -أيها السامعون ويا أيتها المستمعات- أن يشعر شعوراً حقيقياً بأنه يحب الله تعالى فوق كل محبوب؛ فليذكر نعم الله تعالى عليه، يغمض عينيه ويطأطئ رأسه ويذكر إفضال الله وإنعامه عليه، فإنها لحظات وإذا عيناه تذرفان الدموع، وجلده يقشعر، وهو كأنه بين يدي الله.

    اخل بنفسك وإن كنت مع الناس، واذكر ما أنعم الله به عليك وما أكثر تلك النعم، يوم نجاك من حادث السيارة، يوم وهبك، كذا، يوم أعطاك كذا، فوالله! لا تزال تذكر حتى تندفع بالبكاء وتعرف حب الله عز وجل، وويل للغافلين.

    وهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحبه )، أنا عبده ورسوله، وهكذا المؤمنون الصادقون يحبون الله تعالى، ويجبون كل ما يحب الله من معتقد، ومن قول وعمل ومن صفة، ومن ذات من الذوات، إذا علمنا أن الله يحب فلاناً فنحن مدفوعون إلى حبه، ونكره ما يكره الله، إذا علمنا من طريق الوحي أن الله يكره الكلمة الفلانية فيجب أن نكرهها، يكره السلوك الفلاني فيجب أن نكرهه، وتجد هذا مغروساً في نفسك. من منكم يحب المشركين؟ لا أحد، من منكم يحب الخائنين؟ لا أحد، من منكم يحب الظالمين؟ لا أحد، لم؟ لأن الله يكره ذلك، ونحن أولياؤه وعبيده نحب ما يحب، ونكره ما يكره.

    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165] شركاء، يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165]، ولو تسأل عن عوام وجهال المسلمين الذين يتمسحون بالقبور ويعكفون عليها ويحلفون بها، ويسوقون إليها الشاة، وينقلون المريض، فستجدهم يحبون تلك الأضرحة كما يحبون الله، هذا خبر من؟ أليس الله هو القائل؟

    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، قولوا: نحن أشد حباً لله من كل محبوب عندنا، نحن نحب البرتقال والبطاطس والبقلاوة، لكن هذا الحب هل كحب الله؟ لا والله، نحب حب الغريزة، ولكن نسخر ذلك لله، ولولا الله ما أحببنا الطعام ولا الشراب، ولا طعمنا ولا شربنا؛ إذ حياتنا على الله موقوفة.

    معنى قوله تعالى: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب)

    ثم قال تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165]، أي: أشركوا، ظلموا ربهم، أخذوا حقه من العبادة وأعطوه غيره من مخلوقاته، فتقرر لدينا أنه لا ظلم أعظم من الشرك، واقرءوا لذلك قول لقمان الحكيم: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وبينا ذلك باللهجة العامية القريبة، وفهم المؤمنون والمؤمنات، فظلمك لأخيك ليس كظلمك لنبيك، أليس كذلك؟ فظلمك لربك بأخذ حقه وسلبه ونهبه وإعطائه لمخلوقاته تحاده وتضاده بها؟ أي ظلم أعظم من هذا؟! إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

    وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165] لرأوا الفظائع، الخبر هنا لا يذكر، ومن يقوى عليه؟ أي: لرأوا الهول العظيم، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ [البقرة:165]، وهذا متى؟ عند الموت وفي القبر، ويوم القيامة بصورة أوضح، لو رأوا ذلك لعلموا أن القوة لله، وأن الله شديد العذاب.

    وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]، إذا عذب فعذابه شديد ما يطاق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)

    ثم قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ [البقرة:166]، هذه كلها ظروف في وقت واحد، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، الرؤساء، المعبودون، المؤلهون، ما إن يقفوا بين يدي الله ويساقوا إلى جهنم ويدخلوها حتى يتبرءوا ممن عبدوهم البراءة الكاملة، يقولون: ما عرفناهم، وينكرون.

    إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، شاهدوا العذاب بأعينهم، والأسباب انتهت، لم يبق سبب، لا حبل ولا صلة ينجون بها أو يخرجون من عذاب الله؛ لأنهم وقفوا في ساحة فصل القضاء يوم القيامة.

    قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، أي: اتبعوهم، فسيدي عبد القادر والله! ليتبرأن من هذه الآلاف والملايين من الذين ذبحوا له وحلفوا باسمه وعظموه وفعلوا وفعلوا، لا يعترف أبداً بعبادتهم، وما يقوى، ما هناك إلا البراءة الكاملة، وهو رحمه الله تعالى ما أمرهم ولا دعاهم ولا رغبهم ولا رضي بعبادتهم، الشياطين هي التي زينت لهم ذلك بعد موته وحسنته لهم فعبدوه، فعبد القادر كمثال، وقد عبدت فاطمة والحسين ، والبدوي ، وعيدروس .

    قد تقول: كيف عبدوهم؟! والجواب: حلفوا بهم: وحق سيدي عبد القادر ، فهذه عبادة، جعلوه مثل الله وحلفوا به، هذه أقل الأشياء، أما الذي ينذر النذر: يا سيدي فلان! إن ولدت امرأتي في معافاة وولدت كذا فلك علي كذا، أي نذر أعظم من هذا في باب العبادة؟

    أم تقول: لا بد من الركوع والسجود في العبادة؟ فوالله! إنهم ليدخلون الأضرحة راكعين، وفي بلاد يأتون زاحفين وهم يقرءون القرآن، مضت فترة قبل هذه الدعوة الربانية هبطت فيها أمة الإسلام إلى ما تحت الجاهلية.

    وعندنا مثال: ذكر الشيخ رشيد رضا تغمده الله برحمته في تفسير المنار أن سفينة عثمانية على عهد الخلافة العثمانية تقل الحجاج من طرابلس الغرب إلى الإسكندرية، إلى حيفا عبر موانئ الشرق الأوسط، وكانت تقل حجاج المسلمين من طرابلس، الشام، فلسطين، سوريا، ذاهبون إلى الحج أيام كانت السفن قليلة، فقال رحمه الله: وكان الشيخ محمد عبده معهم في السفينة، فاضطربت السفينة وتململت، وإذا بالحجاج: يا سيدي عبد القادر ! يا الله! يا مولاي إدريس ! يا مولاي فلان! يا الله! يا كذا! وكان بينهم عملاق لا ندري أوهابي هو أم لا، قال: فوقف ورفع يديه وقال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك. فشفى صدره، أفي حال الغرق يدعون غير الله! المشركون ما كانوا يفعلون هذا، والله! ما يفعلونه، إذا دقت ساعة الخطر فزعوا إلى الله.

    ويوضح هذا: أن عكرمة بن أبي جهل ، وأبو جهل طاغية المشركين في مكة وذبيح بدر، ترك ولداً مثله في البطولة والشجاعة، وكان رقم واحد بعد موته في بغض الرسول والمسلمين، وسقطت مكة في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثمان، وبعض الطغاة هربوا، وبعضهم سكتوا ينتظرون حكم الرسول، وأكثرهم جلس حول الكعبة، فدخل فقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، هذا محمد رسول الله، فعكرمة هرب مع الذين هربوا إلى الساحل، فوجد سفينة ما ندري في جدة أو في ميناء آخر في ذاك الوقت، فركب، فلما ركب السفينة وأقلعت في البحر إذا بعاصفة تتململ تحتها السفينة، فقال ربان السفينة: يا معشر الركاب! ادعوا الله فإنه لا ينقذكم إلا هو! ففكر عكرمة ، قال: لم أنا هربت من محمد؟! ثم قال: والله! لترجعن بنا، ارجع بالسفينة إلى الشاطئ، ما دام أنه لا بد من التوحيد فلم أهرب أنا؟ لا بد أن آتي محمداً وأصافحه، وبالفعل رجع ودخل في رحمة الله، هذا عكرمة .

    والشاهد من هذا: أن المشركين من العرب قبل الإسلام كانوا في حال الشدة يفزعون إلى الله، لا يعرفون اللات ولا العزى ولا مناة، وإذا كانوا في حال الرخاء يفرفشون: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، أما جماعتنا ففي الرخاء والشدة على سواء، ما هناك فرق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ...)

    قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:166-167]، رجعة إلى الحياة الدنيا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167]، هذا الذي شفوا به صدورهم، لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً [البقرة:167]، أي: رجعة ثانية إلى الحياة الدنيا، فنبرأ من هؤلاء الذين عبدناهم أمس وتبرءوا منا اليوم.

    وختم تعالى هذا بقوله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:167]، أعمالهم التي قاموا بها في الدنيا، الأعمال الشركية الباطلة، أراهم إياها حسرات: جمع حسرة، الهم والغم والكرب الذي يقعد بك ويحسرك.

    وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، والله! ما هم بخارجين منها، ماتوا على الكفر والشرك، من يشفع لهم؟ أما أهل التوحيد فنعم، يوجد من يشفع لهم، وأما أهل الشرك والكفر فلا شفاعة، واسمع عيسى عليه السلام مع بني إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، هذه كلمة عيسى في بني إسرائيل اليهود.

    إذاً: نسمعكم الآيات مرة ثانية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:165-167].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    نقرأ الشرح دون المفردات، قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات:

    لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس -أي: ربهم ومعبودهم- واحد، وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه ]، لما تقرر هذا [ أخبر تعالى أنه مع هذا البيان ومع هذا الوضوح يوجد ناس يتخذون من دون الله آلهة أصناماً ورؤساء يحبونهم كحبهم لله تعالى، أي: يسوون بين حبهم وحب الله تعالى، والمؤمنون أشد منهم حباً لله تعالى.

    كما أخبر تعالى أنه لو يرى المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه، ولعلموا أن القوة لله وأن الله شديد العذاب، إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضلالة من متبوعيهم الجهلة المقلدين، وعاينوا العذاب أمامهم، وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة فيتبرءوا منهم في الدنيا كما تبرءوا هم منهم في الآخرة، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه يريهم أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي، فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فلا يخرجونهم منها أبداً ].

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات ]، سنستخرج من هذه الآيات الأربع هدايتها:

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: وجوب حب الله تعالى وحب كل ما يحب الله عز وجل بحبه تعالى ]، دلت الآيات على وجوب حب الله تعالى وحب كل ما يحب الله من أجل الله.

    [ ثانياً: من الشرك الحب مع الله تعالى ]، نحن لا نحب زيداً ولا عمراً ولا ديناراً ولا منزلاً إلا بحب الله ومن أجل الله، أنت تحب بقرتك لا بأس، ولكن من أجل من؟ من أجل الله؛ لأنك تحلب لبنها وتقتات به لتعبد الله، لا تحبها استقلالاً، أنت تحب الشيخ أو لا؟ لم تحبه؟ من أجل الله، وهكذا، حتى حب الغريزة نصرفه لله، لا نحب إلا لله وبالله.

    [ ثالثاً: يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب، ولم يبق إلا رابطة الإيمان والأخوة فيه ]، هذا الذي يبقى، كل الروابط انحلت، لا قرابة لا صداقة، إلا ما كان في الله.

    [ رابعاً: تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشر والفساد، وليس بنافعهم ذلك ]، فحين يتبرءون هل يرحمون، أو يكون هذا عذراً لهم؟ ما ينفع، بل زيادة في الحسرة لا أقل ولا أكثر.

    قلت لكم: هل المؤمن يكره الله؟ أيوجد مؤمن يكره الله أو يكره ما يحب الله؟ إذاً: هذا معناه أنه يحب الله، وبذلك سعدنا وارتحنا.

    قلنا: لا يوجد في نفوس المؤمنين الصادقين كره لله قط، ومعناه أنهم يحبونه، فالشخص الذي لا تكرهه تحبه، وهل الذي تحبه تكرهه؟ الجواب: لا.

    ثانياً: من أراد أن يحب الله حباً يسيطر على مشاعره فليذكر آلاءه وإنعامه عليه، لا تنس إفضال الله وإنعامه عليك، فتتوق نفسك إلى الله.

    وزد ثالثاً: ذكره تعالى، ذكر الله إذا لازمته يكسبك حب الله أكثر.

    والله تعالى أسأل أن يرزقنا هذا، وأن يجعلنا من أحبائه ومحبيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767950945