إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (135)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله عز وجل لعباده عند التبايع فيما بينهم بنوع من أنواع بيوع الأجل أن يكتبوا بينهم عقداً وأن يشهدوا شاهدي عدل على هذا العقد، وإذا كانوا في سفر ولم يجدوا كاتباً لهذا العقد فلهم عند ذلك أن يقدموا رهناً مقابل تأجيل الثمن، يستلمه بائع العين المتفق عليها، فإذا انعدمت الكتابة والرهن وتبايع المتبايعان بالثقة وطيب النفس، فيجب على من عليه حق أن يؤديه ولا يجحد منه شيئاً؛ لأن المؤمنين الأتقياء، مؤدون للآمانات حافظون للعهود والمواثيق.

    1.   

    قراءة في تفسير آية الدين من كتاب أيسر التفاسير

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق رجاءنا فيك، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    البلاغة القرآنية المتجلية في آية الدين

    سبق أن درسنا آية الدين، وهي آية طويلة من أكبر آي القرآن، ولا بأس أن أسمعكم تلاوتها، ثم نراجع ما علمناه فيها، فهل ما زلنا على علم، أو تحولنا إلى جهل بالنسيان وعدم البصيرة؟

    إليكم تلاوة هذه الآية المباركة، ثم نراجع ما دلت عليه وما كنا قد علمناه.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].

    آية عجب، والقرآن كله عجب! إذ قال إخواننا من جن نصيبين: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1] إي والله! وقد قلت لكم: لو يجتمع علماء الاقتصاد والسياسة وعلم النفس وعلم الأحياء على أن يضعوا آية كهذه فوالله! ما استطاعوا، ولن يقدروا، هذه آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، فما لهم لا يؤمنون بالله منزلها؟ ولا بالرسول الذي أنزلت عليه، وهم عاجزون عن محاكاتها، فضلاً عن الإتيان بمثلها؟! ما لهم لا يؤمنون؟

    نحن الذين صرفناهم، أيام كنا أطهاراً أصفياء أوفياء أعزاء عدولاً كانوا يدخلون في دين الله أفواجاً وجماعات باختيارهم وطيب نفوسهم، فلما هبطنا من علياء كرامتنا وسادونا وأصبحنا نمثل العجز والضعف -بل والخبث والشر والفساد- فكيف يقبلون على الإسلام ويطلبون كتابه ويعملون به؟!

    إلا أننا نقول لهم: أنتم الذين هبطتم بنا، أنتم الذين مزقتم صفوفنا، وشتتم جماعاتنا، ومزقتم راية وحدتنا، وسلطتم علينا الشياطين منكم ومن غيركم؛ فهبطنا فأصبحنا سواسية، فأنتم المحرومون من دار السلام ونعيم الإسلام بما فيه من العدل والمودة والإخاء والعلو والكمال.

    فهم الذين فعلوا بنا هذا، فليذوقوا الحرمان الأبدي لا يشمون رائحة رحمة الله، ولا تنالهم في الحياة ولا في الممات، فهل فهم السامعون والسامعات هذه؟ هذا هو الواقع.

    وبعد: فماذا نصنع؟! ما الطريق؟

    الجواب: أن نراجع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كيف سموا؟ كيف علوا؟ كيف ارتفعوا؟ كيف سادوا؟ هل بعلم التقنية؟ أم بعلم الذرة والهيدورجين؟ أم بعلم الفلسفة؟ لقد سموا بعلم الكتاب والحكمة، بعلم الكتاب القرآن العظيم والحكمة المحمدية.

    يسمعون فيعون ويوقنون ويعملون؛ فترسخ تلك الفهوم والمعارف في نفوسهم، وتتجلى ظاهرة في سلوكهم، في أسماعهم، في أبصارهم، في منطقهم، في كل حياتهم، فسموا وارتفعوا وارتفعوا؛ وحسدهم العدو فقالوا: والله! لننزلن بكم، فأوجدوا المذاهب والطوائف والطرق، وها نحن هابطون.

    فحرمنا نحن، ولكنهم حرموا أكثر منا، نحن بيننا من يدخل دار السلام بإيمانه، وهم لا يشمون رائحة الجنة، وبيننا من هو سعيد بإيمانه وطهارة نفسه، وسمو آدابه وإن كان فقيراً وإن كان مريضاً، وهم لا يوجد بينهم من هو سعيد في نفسه قط، دمار كامل! هذا جزاؤهم، فمن يبلغهم؟

    هداية الآية

    والآن نعود إلى تلكم الآية العظيمة، إذ لها خلاصة تحت عنوان: هداية هذه الآية الكريمة.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم وحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآية:

    من هداية الآية:

    أولاً: وجوب كتابة الديون سواء كانت بيعاً أو شراء أو سلفاً وقرضاً، هذا ما قرره ابن جرير الطبري ] في تفسيره، [ ورد القول بالإرشاد والندب ]، والقول الصحيح: أن من المعاملات ما يجب كتابته، ومنها ما يسن ويستحب فقط، فليست على الإطلاق، فكتابة الدور والمصانع والبساتين لا بد عند بيعها من كتابتها وجوباً، لكن كتابة بيع بقرة أو بعير ديناً يستحب أن يكتب، فإن أمن وقال: ما نحتاج، أنا أثق فيك فقد فاته الأجر ولكن لا إثم عليه.

    فما كان من الأموال ذا أثر وتأثير على المجتمع بعد صاحبه فهذا يتعين الكتابة فيه ما دام ديناً، وما كان لا أثر له من الأمور التي ما هي ذات قيمة كبيرة، فلو لم يكتبوا فإن شاء الله لا إثم عليهم؛ لأن الله تعالى قال في السلم الذي عرفنا أولاً -ومثله القروض-: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] العام والعامين والعشرة فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، لم يا رب نكتب؟ رحمة بكم، إبقاء على مودتكم، حفاظاً على اتحاد كلمتكم، لأنكم حاملوا راية الحق وراية العدل في العالم، فوجود فرقة وخلاف يسبب العداوة وينتج البغضاء، ويومها تفشلون فما تستطيعون أن تهدوا البشرية وتقودوها.

    الربا باب قطع العلائق بين المؤمنين

    وقد حرم علينا الربا أم لا؟ وتوعدنا بالنار أم لا؟ وبإعلان الحرب علينا، لم؟ ما السر؟ (95%) ما عرفوا سر هذا التحريم وهذا التهديد.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] لأن مجتمعكم طاهر نقي صاف، يعيش على المودة والإخاء: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )، فكل ما من شأنه أن يفرق الكلمة، أن يذهب الإخاء ويبعد المودة حرام؛ لأننا حملة رسالة النور إلى البشرية.

    فالربا: وهو أن أسلفك ألفاً على أن تردها بعد ستة أشهر ألفاً ومائة، أو بعد سنة ألفاً ومائتين، هذا هو الربا، فقد يقول أحدنا: ما دمنا نجد من يقرضنا إلى أجل وآجال مع زيادة ولو بسيطة؛ إذاً: لم أستلف من فلان وأستقرض من فلان؟ لا حاجة إلى أن أذل نفسي!

    التربية المسجدية وسيلة إعادة لحمة التعاون بين المسلمين

    إذاً: لكي ترتبط قلوب المؤمنين ارتباطاً سليماً صحيحاً يجب أن يسلف بعضنا بعضاً، وأن يقرض بعضنا بعضاً، وأن نتعاون بأنواع المضاربات، أهل القرية في مسجدهم الجامع الذي يجتمعون فيه كل يوم خمس مرات، يجتمعون فيه بين المغرب والعشاء كل ليلة، بنسائهم وأطفالهم، أغنياؤهم كفقرائهم، علماؤهم كجهالهم، مسئولوهم كغيرهم، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، يتلقون الكتاب والحكمة، يتعلمون الكتاب والحكمة؛ لأنهم لا يعرجون إلى السماء إلا بطهارة أنفسهم وزكاتها، وسلم ذلك هو أن يعرفوا محاب الله ومساخطه معرفة يقينية، يقدرون معها على فعل كل محبوب لله، وعلى اجتناب وترك كل مبغوض لله، هذا سلم الرقي إلى الملكوت الأعلى حيث الجنة ذات النعيم المقيم.

    هل أهل الحي يجتمعون كل ليلة؟! يا شيخ! هذه خيالات، كيف نترك أعمالنا من صلاة المغرب؟! هذا هو السؤال؟

    الجواب: إن الذين اقتدينا بهم، وسرنا في ركابهم، وأصبحنا نعتز حتى بلباسهم والمشي وراءهم إذا دقت الساعة السادسة مساء وقف دولاب العمل، وتطيب أولئك اليهود والنصارى، ولبسوا أحسن ملابسهم، وأخذوا أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص والعبث واللهو إلى نصف الليل، ولم أنتم لا تذهبون إلى بيت ربكم لتتعلموا الكتاب والحكمة، حتى تقووا وتقدروا على تزكية أنفسكم وتطهيرها، لتتأهلوا للعروج إلى الملكوت الأعلى، والنزول في تلك المكانة؟

    من جهة نقلدهم ونمشي وراءهم ونجلهم في أعمالهم ونقتدي بهم، وفي هذه القضية لا! يبقى الدكان مفتوحاً بعد صلاة المغرب إلى العشاء إلى نصف الليل، وا حسرتاه! متى نفيق؟ متى نصحو؟ ما عرفنا متى!

    قد تقول: يا شيخ! ما هذه المبالغات؟ تلطف يا شيخ! أقسم بالله الذي لا إله غيره على أن كل ما نشكوه من عجز وضعف، بل وخبث وشر وفساد علته واحدة: الجهل بربنا ومحابه ومكارهه، يستحيل أن تزكو نفس مؤمن أو مؤمنة بغير استعمال أدوات التزكية والتطهير، وعلى النحو الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف إذاً لا نتعلم؟

    فنقول: أهل القرية كأهل الحي، إذا أذن المغرب فلن تجد رجلاً في شارع ولا في دكان، ولا طفلاً، أين هم؟ في بيت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، يفعلون ماذا؟ يتعلمون الكتاب والحكمة ليزكوا أنفسهم، ويطهروها، فيقبلهم المولى في جواره في دار السلام.

    أما قال تعالى في منته على عباده: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]؟

    مقترح الصندوق المسجدي الخيري

    فأهل القرية أو الحي إذا طابوا وطهروا لا يبقى كذب ولا غش ولا خداع ولا حسد ولا شرك ولا نفاق ولا رياء ولا إسراف ولا بذخ، إي والله! سنة الله لا تتبدل، عرفوا، صدقوا الله فسموا.

    أهل هذا الحي في المحراب يضعون صندوقاً من حديد، يقول الإمام وأعضاء لجنة المسجد ولجنة الحي: معشر المستمعين والمستمعات! هذا الصندوق قد أقمناه في محرابنا، من زاد عن قوته درهم فليضعه في هذا الصندوق، اشتغلوا وقوموا بواجباتكم، وتسلموا أرباحكم ورواتبكم، وأنفقوا حسب ما يريده الله لكم في غير إسراف ولا بذخ ولا شهوات، ومن زاد عن قوته درهم فليضعه في صندوق مسجد الحي أو القرية، ثم من أراد أن يربح فسوف يستعمل هذا المال في سبل الربح وطرق النجاح وله فوائده، ومن أراد أن يودعه ليستفيد إخوانه ولتطيب نفسه حيث المال ينتفع به إخوانه فليفعل!

    إذاً: أهل القرية إذا كانت بلادهم زراعية يكونون لجنة لإنشاء مزرعة تنتج ما هو خارق للعادة، وإن كانت الأرض غير زراعية فإنهم ينشئون مصنعاً لإنتاج أي مادة، ومن تلك الفوائد والأرباح ينفقون على فقراء الحي ومحتاجيهم ومساكينهم، ومن ثم تتحقق كرامة المؤمن التي أرادها الله له: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، أصبحوا أتقياء تمام التقى، وفي نفس الوقت إذا جئت إلى أخيك وقلت: أي أبي! إن كان أكبر منك سناً، أي بني! إن كان أصغر منك سناً، أي أخي! إن كان يساويك، ثم قلت: أنا في حاجة إلى مبلغ كذا، وسأرده إن شاء الله يوم كذا، في تاريخ كذا؛ فوالله! ليفرحن بذلك أخوك، وينشرح صدره، يقول: الحمد لله، ويضع ذلك المال في يدك، وأنت أيها المؤمن الطاهر النقي سوف تعمل ما تعمل، وإذا كان الوقت ودقت ساعته فلتأتين بذلك المال بنفسك وتقدمه، وإن أصابك ما أصابك وضاع فسوف تأتي وأنت تبكي بين يدي أخيك وتطلب منه أن يتفضل بالمسامحة وعدم المؤاخذة إلى أن يتأتى لك تسديد هذا المبلغ.

    توثيق الديون وأثره في منع الربا وإشاعة التعاون بين المسلمين

    إذاً: الربا فيه منع القرض، وهذا تخطيط اليهود، فحين أشاعوا الربا بين المسلمين والكافرين أفسدوا أخلاقهم وآدابهم وأرواحهم، ما بقي وفاء ولا التزام بعهد ولا بمبدأ، أصبح الطابع العام هو النكث وعدم الوفاء، فلما هبطوا كان لا بد من الربا، فأحرقونا أحرقهم الله عز وجل.

    من هنا هذه تعاليم الله عز وجل؛ للحفاظ على المودة والإخاء والتعاون والطهر والصفاء، فماذا فعل بنا؟

    أوجب كتابة الديون سواء كانت بيعاً أو شراء أو قرضاً وسلفاً، لا بد؛ أخذاً بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] يحفظها العامي، لم نكتب؟ حتى ما يقع نزاع وخلاف وينتشر الحقد والحسد والبغض بينكم وأنتم جسم واحد.

    وجوب رعاية النعم بشكرها

    قال: [ ثانيا: رعاية النعمة بشكرها ]، هذه الآية فيها هذا المعنى، في قوله تعالى: وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282]، تعال يا فلان اكتب بيني وبين أخي سنداً، أقرضته ألفاً، فتقول: أنا مشغول ما أستطيع، اطلبوا غيري، حرام عليك! اشكر نعمة الله، كما علمك الله الكتابة اكتب، ففيه معنى شكر النعمة، فكما علمك الله اكتب لعباده المؤمنين وقد احتاجوا إليك.

    وهكذا كل من أنعم الله عليه بنعمة يجب أن يشكرها على نحو تتطلبه تلك النعمة، فالماء البارد تصبه من هذا الجدار بين يديك وتشربه وما تقول: الحمد لله؟! يا كافر النعمة وجاحدها! نعلك فقط جميل وصالح عليك، تدخل رجليك وما تقول: الحمد لله؟! كل نعمة تتطلب شكرها للمنعم بكلمة: الحمد لله.

    فهنا ألاحظ كلمة في هذه الآية الطويلة أفادتنا أن المنعم ينبغي أن يشكر على ما أنعم، وأن المنعم عليه يجب أن يشكر المنعم ولو بكلمة (الحمد لله)، فهذا علمه الله الكتاب وأصبح كاتباً في القرية أو الحي، فجيء إليه فقيل له: اكتب، فيقول: أنا مشغول! اطلبوا غيري. أيجوز هذا؟ أين شكر النعم؟

    حكم النيابة في إملاء الدين وحكم الإشهاد على الكتابة

    [ ثالثاً: جواز نيابة الإملاء؛ لعجز عنه وعدم قدرة عليه ]، ما معنى هذا؟

    جواز الإملاء عن شخص، تملي على الكاتب وهو يكتب؛ لماذا؟ لأنه ضعيف أو صغير ما يستطيع، طفل صغير ما يحسن، فالذي يحسن يقوم مقامه ويملي، فيقول: لفلان علي كذا وكذا وكذا، وأشهدت فلاناً وفلاناً.

    [ رابعاً: وجوب العدل والإنصاف في كل شيء، لا سيما في كتابة الديون المستحقة المؤجلة ]، العدل والإنصاف في كل شيء، حتى في الأكل والكلام! ولكن بخاصة في كتابة الديون، عليك ألف فتقول: ألف إلا مائة؟! عليك ألفان فتقول: إلا كذا؟! يجب أن تعدل أيها الكاتب، لا بد من العدل الذي هو ضد الحيف والجور والانحراف، العدل هذا شأن المؤمنين؛ حتى لا ينتشر بينهم مرض الحسد والغل والغش والخداع، فتهبط رايتهم وتتمزق حياتهم، هذه رعاية المولى عز وجل.

    [ خامساً: وجوب الإشهاد على الكتابة لتأكدها به، وعدم نسيان قدر الدين وأجله ]، الإشهاد لا بد منه، كونك أمليت على الكاتب وكتب فالإشهاد لا بد منه، الإشهاد أقله اثنان، هذا في الأموال، أما في الزنا فأربعة شهود، سبحان الله العظيم!

    قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282]، مؤمنان يشهدان بأن ما في هذه الورقة أو هذا الصك أو هذا الكتاب هو حق، حتى لا يحاول المؤمن أو يخطر بباله أن يجحد أو ينكر هذا المال.

    عدد الشهود في الديون المالية

    [ سادساً: شهود المال لا يقلون عن رجلين عدلين من الأحرار المسلمين لا غير، والمرأتان المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد ]، والذي يقول: هذا ما ينبغي، هذا تخلف وهذا كذا؛ كفر، مسخ ولم يبق له دين ولا إسلام؛ لأنه عقب على الله العليم الحكيم خالق الإنس والجن وطابع الطبائع، والله يقول: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] فقال هو: لم؟ امرأة كافية، لم لا نسوي بين النساء والرجال؟! فمن يقول هذا الكلام كفر وخرج من الإسلام ولا حظ له فيه، وإن أراد أن يرجع فليتب إلى الله وليستغفره وليبك بين يديه.

    والذين يطالبون بالمساواة هل هؤلاء أسلموا قلوبهم لله؟ ما عرفوه حتى يسلموا قلوبهم، ضُلَّال كغيرهم من اليهود والنصارى، أيخلق الله ويربي وينمي ويرزق ويخلق الجو والأرض كاملاً لهذا الإنسان وتقول بعد ذلك: يا رب! نحن أعلم منك؟! هذا كفر بشع، وهو أقبح كفر، يستحي العاقل أن يقف هذا الموقف.

    ما تتناوله الكتابة من أنواع الديون

    [ سابعاً: الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك، ولو كان الدين صغيراً تافهاً ]، وقد بينا أنه إذا كان صغيراً فالكتابة مندوب إليها، لكن إذا كان ذا أثر فالكتابة واجبة في كل الديون.

    [ ثامناً: الرخصة في عدم كتابة التجارة الحاضرة ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282]، فصاحب الدكان يبيع في البقالة، هل كلما باع كيلو سكر يكتبه ويشهد عليه؟ لا، هذا فيه مشقة، لكن بيع العقارات والأشياء ذات القيمة إذا كان لأجل فلتدون وتكتب حفاظاً على أموال المسلمين، وعلى وحدتهم وولائهم لبعضهم وحبهم، أما التجارة المدارة، فكل يوم تأخذ من الدكان كذا أشياء ولا تكتبها ولا تشهد عليها وتعود إليه وتسدد ثمنها: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282].

    حكم الإشهاد وحكم الإضرار بالكاتب والشهيد

    [ تاسعاً: وجوب الإشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال ] وشأن.

    [ عاشراً: حرمة الإضرار بالكاتب والشهيد ]، لا تضر بكاتب يكتب لك، ولا بشهيد يشهد لك، كأن تقول: يا فلان! عندنا قرية في جدة، تعال لتشهد معنا هناك، كيف يترك أهله ويمشي إلى جدة ليشهد؟! أما أضررت به؟ أو تأتي في يوم مطر والجو بارد وتقول: تعال إلى المحكمة! اتركه ليوم آخر، المهم أن أخاك إذا شهد لك فلا تتعبه ولا ترهقه بهذه الشهادة، انظر إلى ظرفه وحاله وخذ منه ذلك.

    أو كاتب تقول له: تعال لتكتب عندنا وتذهب به مائة وخمسين كيلو! لم هذا الإتعاب؟ انظر إلى كاتب في تلك القرية، أما أن تكلف كاتباً ليمشي هذه المسافة فقد أضررت به.

    المهم: ( لا ضرر ولا ضرار )، لا يحل لمؤمن أن يؤذي مؤمناً، حرام على المؤمن أن يؤذي أخاه، أن يرهقه، أن يتعبه، أن يذله، أن يزعجه، أن يغضبه، لم هذا؟ لأنهم جسم واحد، كل ما من شأنه أن يؤذيهم فيفرق جمعهم ويمزق قلوبهم حرام لا يجوز.

    أثر تقوى الله تعالى ووسيلة اكتسابها

    [ وأخيراً: تقوى الله تعالى تسبب العلم وتكسب المعرفة بإذن الله تعالى ]، أما قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]؟

    وهناك معاشر المستمعين ما ينبغي أن نعيده: هل في الإمكان لإنسان عربي أو أعجمي ذكر أو أنثى أن يتقي الله وهو لا يعلم ما يتقي الله فيه؟ مستحيل! فنجد أنفسنا مضطرين ملجئين إلجاء صادقاً إلى أن نتعلم الكتاب والحكمة، أي: نعرف ما يحب الله وما يكره الله، إذ تقوانا له بهذا، بفعل ما يحب وبترك ما يكره، أليس كذلك؟ فإذا كنا ما نعرف ما يحب فكيف نتقيه؟! أو نعرف ما يحب ولكن لا نعرف ما يكره، فسنأتي المكروه ونفعله، إذاً: ما اتقيناه، لا بد من معرفة ما يحب الله تعالى من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات معرفة حيقية؛ حتى نتمكن من فعل ذلك المحبوب لله تقرباً إليه أو اتقاء لغضبه وعذابه، ولا بد من معرفة ما يكره الله ويغضب الله من قول فاسد، عقيدة فاسدة، قول باطل، عمل غير صالح، صفة مذمومة عند الله، حتى نتجنب ونبتعد عن كل ما يغضب الله تعالى علينا.

    وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]، اذكر السر، فبمجرد أن تعزم يا عبد الله على أن تتقي الله لتصبح من أوليائه؛ في نفس الوقت تبدأ تسأل وتتنقل من بيت إلى بيت، ومن مسجد إلى مسجد، تسأل أهل العلم عن محابه ومساخطه، فإن اتقيت الله علمك الله، إذا عزمت على أن تتقيه وجدت نفسك مضطراً إلى أن تقرع أبواب العلماء وتسألهم واحداً بعد آخر عن محابه ما هي؛ لتعرفها، وعن مكارهه ما هي؛ لتتركها.

    فهل عرفتم هذا الوعد الإلهي: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]؟ لا تشك، هذه هي الآية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ...)

    ومعنا الليلة آيتان جليلتان، فاسمعوا الآيتين، فهذه علوم ومعارف، أين تتعلم؟ في الجامعات؟ في كليات السياسة؟ في كلية الحقوق؟ هل تصل البشرية إلى هذه العلوم والمعارف بدون وحي الله؟

    قال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283].

    يا معاشر المؤمنين! إن كنتم على سفر؛ لأن المسافر قد لا يوجد معه قلم ولا قرطاس، قد لا يوجد من رفاقه من يحسن الكتابة، أما في الحضر فقد عرفنا وجوب الكتابة لديوننا ذات القيمة، ولبيعنا وشرائنا، لكن إن كنا على سفر فماذا نصنع؟

    أفتانا ربنا تعالى، قال: وإن كنتم يا معشر المؤمنين على سفر متمكنين منه فتركتم البلاد وراءكم، وتوغلتم في الفضاء والصحراء؛ إذ لو كانت البلاد قريبة وما نحن على سفر فإنا نرجع، لكن إذا كنا على سفر فماذا نصنع؟

    قال: وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا [البقرة:283] الرفقة ثلاثة نفر أو خمسة ما يوجد فيهم أحياناً كاتب يعرف الكتابة، أو وجدنا كاتباً فقال: ما عندنا قلم ولا قرطاس، فماذا نصنع؟

    قال: العوض عن الكتابة التي تحفظ الديون ولا تضيع هو الرهان المقبوضة، والرهان: جمع رهن، تقول: من فضلك أعطني خمسة آلاف ريال وأنا وأنت في طريقنا إلى الشام، فيقول: نريد أن نتوثق من كونك ستردها علي، فتخرج من حقيبتك صك منزلك، أو بستانك، تقول: اجعل هذا عندك، فإذا ما سددت فبع ما في هذا الصك وخذ حقك أو دينك. قال تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] ما هو بالوهم، أو بعد شهر، تكون مقبوضة.

    ويجوز فيها الكفالة، يقول آخر: أنا ضامنه، وهو مليء وعنده أموال.

    فهذا التعليم الإلهي، أوجب الكتابة وإن كنا على سفر، فإن ما وجدنا من يكتب فماذا نصنع يا رب؟! علمنا، قال: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] ارهنه، ضع عنده ما يرد عليه ماله الذي أسلفكه وأقرضك إياه، إن كان بستاناً يأخذ من غلته حتى يستوفي دينه، إذا كان عمارة يأخذ أجرة السكن حتى يستوفي دينه.

    معنى قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه)

    ثم قال الرحمن الرحيم: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة:283] لا إله إلا الله! أعظم برحمة الله تعالى الرحمن! لا عسر ولا مشقة، فإن أمن بعضكم بعضاً، وثق بعضكم ببعض، والمؤمنون أتقياء أولياء لله لا خيانة بينهم، فلا حاجة إلى الرهن.

    فإن أمن بعضكم بعضاً فليعط الذي أعطي أمانته وليتق الله ربه، فالديون كالسلم والقرض والبيوع توثق بالكتابة، وإن كنا في سفر وما وجدنا من يكتب، أو ما عندنا قلم فرهان، وإن كانت القلوب طيبة والنفوس متراضية وأمن بعضكم بعضاً فلا حاجة إلى الرهن.

    معنى قوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)

    ثم قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ [البقرة:283] يا من شهد في قضية من قضايا الدماء أو الأعراض أو الأموال! انتبه أن تجحد شهادتك وأن تكتمها، أو تزورها وتلبسها ثوباً غير ثوبها، شهادة الزور وشهادة الباطل والكذب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم صلى الله عليه وسلم وهو يعلم الكتاب والحكمة، كان جالساً بين أصحابه، بل كان متكئاً يستريح من عناء الحياة، ثم أراد أن يعلمهم طريق السؤال والجواب، وهذا أمكن وأكثر استقراراً للمعرفة، أسلوب السؤال والجواب، ثم جاء الغرب يركض وقال: هذا أسلوب راق، هذا سبقكم محمد صلى الله عليه وسلم إليه، ما هو بجديد، قال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ) نبئنا؛ لم يقول: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ لأن الكبائر مدمرات، هي القاضية على المجتمع، ممزقة للوحدة، قاضية على طهارة الأرواح، هابطة بالأمة إلى الحضيض في الدنيا وإلى الجحيم في الآخرة.

    1.   

    عظيم جرم الشرك بالله تعالى

    ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله ) إي والله! لا أكبر من الشرك بالله، لم؟ لأن الشرك بالله معناه أنك سويته بالمخلوقات، وأصبحت تعطيه وتعطيهم بالسوية، لأنك تجاهلت ربوبيته للخلق كلهم، تجاهلت سر الوجود بكامله، وهو أن يعبد ويشكر، وأتيت بمخلوق مربوب وسويته به، وأصبحت تخافه وترتعد بين يديه، وتخر ساجداً له، وهذا لا ينبغي لمخلوق، هذا للخالق العظيم.

    فالشرك بالله اعتداء على حق الله، سلب حق الله وإعطاؤه للمخلوقات الهابطة، فكيف يقر هذا العقل؟ فأقبح أنواع الظلم وأسوؤها الشرك في عبادة الله، واقرءوا لذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، بل قال تعالى عن عيسى ابن مريم وهو يخطب في بني إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

    ووقعت أمتنا في الشرك، يحلفون بكل شيء، بالقهوة وبالشاي، بالوقت وبالحليب، برأس أمه وبحياته، كل شيء إله! والله واحد فقط، وفي الحديث: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ( فقد كفر ) من قال هذا؟ هل محمد بن عبد الوهاب ؟ لا والله! قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا في سنن الترمذي : ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، والمسلمون ما يعرفون معنى (أشرك)، ومعناه: عظم هذا المحلوف به بتعظيم اليمين فجعله مساوياً لله، لأن الحلف بالشيء تعظيم له، لولا التعظيم فكيف ستحلف به؟ فطرة الإنسان تقتضي هذا، فأشركت في عظمة الله مخلوقاً من مخلوقاته.

    فالشرك ما هو؟ هو قولك: يا ألله! يا رسول الله! يا رب! يا سيدي عبد القادر! فكم إلهاً تدعو؟ أو يا ألله! يا رسول الله! هل رسول الله إله مع الله تدعوه؟ هل يمد يده إليك لينقذك؟ أما اكتفيت بالله؟!

    هذا هو الشرك، تجد المؤمنة والمؤمن يقولان: يا رب! يا سيدي فلان! يا كذا، كأنها ما عرفت لا إله إلا الله، مع أنه لا يدخل إنسان الإسلام حتى يعرف لا إله إلا الله، من أول مرة يقول: لا معبود إلا الله، هذا علمي ويقيني، فينقضها حتى في الذبح، هذا الخروف لسيدي عبد القادر، يشتري قطيعاً من الغنم، ولأن السنة حافلة يقول: هذا الكبش لسيدي فلان، حتى يحفظ، أو ما تلده هذه النعجة لسيدي فلان! ويجعلونه لغير الله.

    فلا تلمنا لأننا ما عرفنا، إي والله ما عرفوا، مضت دهور وقرون لا يجتمعون على كتاب الله ولا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954499