وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين المبارك- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا هذا المأمول يا رب العالمين.
وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، وقبلها نذكر هداية الآيات السابقة.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع لا الزكاة، فإنها حق المؤمنين ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟
من قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، إذاً: يجوز أن نتصدق على اليهودي والمسيحي والمشرك والبوذي إذا كان فقيراً ونحن أغنياء وهو يعيش بيننا، وهل يجوز أن نعطيهم من الزكاة؟ لا، فهذا خاص بصدقة التطوع، أما الصدقة الواجبة كنذر نذرته للفقراء والمساكين فللمؤمنين، والزكاة، وزكاة الفطر، وإنما الصدقة المطلقة، ومن لامك أو عتب عليك وتعنتر، وقال: هذا يهودي فكيف تعطيه؟ فقل له: إن ربي تعالى قال لنا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].
[ ثانياً: ثواب الصدقة عائد على المتصدق لا على المتصدَّق عليه ]، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، فلا تبال إذا أعطيت لغني أو فقير كافر أو مؤمن؛ لأنها عائدة عليك أنت لا عليه هو، وفي هذا تشجيع على الصدقات المطلقة.
[ ثالثاً: وجوب الإخلاص في الصدقة، أي: يجب أن يراد بها وجه الله تعالى لا غيره ]؛ لقوله تعالى: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272]، إياك أن تنفق قليلاً أو كثيراً وأنت تريد فلاناً يراك أو يسمع بك، أو تريد فلاناً يشكرك أو يثني عليك، أو لتروج سلعك وبضائعك كما يفعل الجاهلون، لا يقبل الله صدقة إلا إذا أريد بها وجهه هو تملقاً إليه وتزلفاً، تقرباً إليه وتحبباً، إذ لا إله إلا الله.
[ رابعاً: تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدَّق عليه ]، أجر الصدقة يتفاوت، فكونها على ولي من أولياء الله وعبد من عباد الله الصالحين أفضل منها على صعلوك، هذا الواقع.
فمؤمن رباني عفيف لا يسأل، فتعطيه هذه الصدقة، فأجرها أعظم من أجرها على شخص آخر ليس من أهل الفضل، وكذلك حاجة المتصدَّق عليه، هذا من ثلاثة أيام ما أكل شيئاً، وهذا تغدى اليوم وقال: أعطني، فعلى الذي ما أكل من ثلاثة أيام أفضل، الصدقة مقبولة والأجر عظيم، لكن تتفاوت الأجور بحسب الحاجة، وفقيران كافر ومؤمن تصدقت عليهما، أيها أعظم أجراً؟ الصدقة على المؤمن أعظم، هذا يعبد الله وهذا كافر به.
[ خامساً: فضيلة التعفف ] وما هو التعفف؟ عفّ: كف، تعفف: طلب ذلك؛ لأن الله قال: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا إلحاحاً ولا إحفاء، أحفى في الطلب: أكثر، ألحى: كرر، ألحف: يصبح كاللحاف يدور بك، يأتيك من اليمين ويأتيك من الشمال، تلقاه أمامك، وتلتفت فإذا هو وراءك، كاللحاف يدور بالإنسان: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، ولا إلحاحاً.
[ سادساً: جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن؛ إذ الكل يثيب الله تعالى عليه ما دام قد أريد به وجهه لا وجه سواه ].
وقد علمتم زادكم الله علماً أن هذه فاز بها أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ، تصدق بأربعمائة ريال في النهار، وتصدق بأربعمائة في الليل، وتصدق بأربعمائة أمام الناس، وتصدق بأربعمائة خفية، ولستم أمام فقراء في حاجة إلى أربعمائة من الواحد، بل ريال في النهار، ريال في الليل، ريال أمام الناس، ريال في الخفاء فتفوز بهذا، ومن طلب وجد.
ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، لا يمنعه النهار ولا الليل ولا حضور الناس ولا غيابهم، المهم: أن يتطلب الموقف الصدقة، هذه خلاصة ثلاث آيات شربنا عسلها بالأمس والحمد لله رب العالمين.
ولما هبطنا من علياء السماء بالجهل الذي غمرنا، وصب علينا قروناً حيث حول روح حياتنا إلى الموتى، فلم يحي الموتى ولم نحي نحن، صرفونا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، فلم نسمع في البيت من يقول: قال رسول الله، ولا في السوق ولا في الشارع، وهبطنا فأصبحنا نسرق، يسرق بعضنا بعضاً، بل يغزو بعضنا بعضاً، قبائل تغزو بعضها، والعداوات والحروب في العالم الإسلامي أسوأ من الجاهلية قبل الإسلام.
ومن ثم سلط الله علينا أعداءنا الكفار، فساسونا وشردونا وحكمونا، وفعلوا فينا الأعاجيب، وتركونا أمواتاً غير أحياء، فأصبحت أحوال كثير من المسلمين أيام الاستعمار أحسن منها اليوم، وهذا شأن الميت والمريض.
إذاً: في تلك الظروف كان المسلمون يتعاملون بالربا بدون بنوك، بل في بيوتهم، ونعرف عنهم ونسمع، يتعاملون بالربا في بيوتهم، أو دكاكينهم، فمن ثم انقطعت صلة المودة والتعاون بين المؤمنين، أصبحت كل قبيلة لا ترى إلا نفسها، وكل مواطن لا يرى إلا نفسه، وكل ذي مال لا يرى إلا ماله، فلم يبقَ شيء اسمه قرض حسن أبداً، ولا سلفة حسنة، ولا سلم يأتي صاحبه ويؤديه، فلما وصلنا إلى هذا المستوى جاء الله بالبنوك!
وقد تقولون: كيف جاء الله بالبنوك؟ ستسألون هذا السؤال، وأنا على علم، قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، السيئة تلد سيئة، والعقرب تلد عقرباً أو تلد فأرة؟
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، لما انتشر بين المسلمين السرقة والخيانة، والغش والخداع، والكذب والنفاق انتهت الأمانة ورفعت، ما بقي من يسلف ولا من يقرض ولا من يقضي حاجة أخيه إلا نادراً، والنادر موجود، بقية لا تزول في هذه الأمة، لكن إذا غلب جانب الباطل فهو الذي يسود، وعندنا نص قطعي في هذا، فأم المؤمنين زينب رضي الله عنها لما رأت الرسول صلى الله عليه وسلم منفعلاً وهو يقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ).
فالمجتمعات الإسلامية ثلثاها هابط، والثلث الأخير فيه خير، لكن لا يشفع، لو كان النصف صالحاً فالسفينة لا تغرق، ولو كان ثلث هابط وثلثان مرتفعان فالسفينة ماشية إلى شاطئ السلامة، لكن إذا كان الثلثان في الأرض فهذا الثلث ما يحفظ ولا يقي أبداً.
إذاً: فعوضنا الله بالبنوك، فهششنا إليها، وفرحنا بها، وتنافسنا فيها؛ حتى إن المؤمنين الموحدين الربانيين ينشئون بنوكاً في مدينة الرسول، فلا إله إلا الله! مدينة ما فيها يهودي ولا نصراني، ولا بوذي ولا كافر، أبناؤها ولدوا فيها وتربوا فيها، وصلوا في مسجد رسولهم، ويفتح بنكاً ونأتي نحن مسرعين نساءً ورجالاً أيضاً، وندخر ونتقاضى تلك الفوائد سنوياً، وكأننا ما عرفنا الله ولا رسوله!
أبعد هذا تسألونني عن المسلمين في الشرق والغرب، الوضع واحد؟ ما السبب؟ لأن الإخاء مات، التعاون فني، الحب والولاء انقرضا، كل يعيش لنفسه، وجرب: فهيا نفتح باباً للقرض: لو تقرض مليوناً فلن يرجع إليك ثلثاه قط، وإن شئتم حلفت لكم بالله، لو تقرض إخوانك في القرية أو المدينة مليوناً موزعاً على مائة شخص ففيما أظن أنه لن يرجع إليك ثلثه.
أرى الطريق واضحاً، في أربع وعشرين ساعة ونحن أولياء الله، نؤمن ونحقق إيماننا، ونعيد بيان الطريق؛ إذ والله! ما وجدت طريقاً إلا هو، وإلا فكيف أكرره، فمريض بالصداع ما عنده إلا الإسبرين، فماذا تصنع؟ هل تستحي فتبدل الإسبرين؟
الطريق للعالم الإسلامي في القرى والمدن، إذا أرادوا أن يكملوا ويسعدوا: هو أن أهل القرية يجتمعون بنسائهم وأطفالهم ورجالهم كل ليلة في بيت ربهم، إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة أقبلوا يهرعون، يحملون نساءهم وأطفالهم في شوق إلى بيت ربهم، فيصلون المغرب كما صليناها، ويجلس لهم مربٍ عالم بالكتاب والسنة كجلوسنا هذا، وليلة آية من كتاب الله يتغنون بها حتى يحفظوها، وتفسر لهم وتشرح، ويبين مراد الله منها، فيعلمون ويوطنون النفس على التطبيق والعمل، وليلة أخرى حديثاً وسنة من سنن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم تبين معنى الآية الأولى وتزيد فيه، وتقوي معانيها، فيحفظون الحديث، يفهمون مراد الرسول منه، يعزمون على العمل، ويوماً بعد يوم لا أقول: سنة، بل في أربعين يوماً فقط ما يبقى بينهم من يفكر في الغش والخداع، ولا في السرقة والتلصص والإجرام، وتمضي أيام العام والعامين وينتهي شيء اسمه سرقة، ظلم، اعتداء غش، خداع، كبر، عجب سرف، ترف، تكالب على الشهوات، على الدنيا، كل هذا يمسح حسب سنة الرب تعالى.
ومن ثم يفيض المال، فماذا يصنعون به؟ أصبحوا يكتفون بالأكلة وبالثوب الواحد، أصبحوا يكتفون بالقليل، نفوسهم تعلقت بالله، ما أصبحت لها رغبة في الأرض الهابطة ولا في أهلها، فيتوافر المال، ونصبح نبحث عمن يستقرض، والله! ليصبحن يبحثون عمن يقرضون؟لِم هذا المال أنا في صندوقي يبقى هكذا، من يستقرض لأبنائنا فيغرس أو يزرع، أو يصنع أو يتجر أو يربح، وذاك المؤمن الذي يأخذ تلك الأموال يرضى أن يقتل أن يصلب أن يحرق، ولا يرضى أن يخون.
هذا هو الطريق، وإلا فقولوا ما شئتم، وقولوا: والبنوك والحكومات، فكل هذا -والله- ما يجدي نفعاً، بل كأننا نضحك على الله، نحن مقبلون على الباطل والشر ونقول: يا ربّ لِم هذا؟
والله لا طريق إلى خلاص هذه الأمة إلا من هذا الطريق أن تعلم، فإذا علمت وعرفت ربها أحبته وآثرت ما يحب وخافته، وتركت ما يكرهه؛ لأنها تخافه، ومن ثم فلا كذب، لا خيانة، لا عجب، لا سرف، لا ترف، أمة كأسرة واحدة، وقد تقول: هل لهذا مثال يا شيخ؟
فأقول: نعم، لم تكتحل عين الوجود بأمة أطهر ولا أعدل ولا أرحم ولا أصفى ولا أطهر من تلك الأمة في القرون الثلاثة: الصحابة، وأبناؤهم وأولاد أحفادهم: ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، لم فضلوا وكملوا؟ لأنهم ما صرفوا عن الوحي الإلهي، ما عندهم إلا قال الله وقال رسوله، لا مذهبية ولا عنصرية ولا قبلية، فلما عرف العدو مصدر كمالهم سلبهم القرآن والسنة وأنشأ المذاهب والطرق والخرافات، ومزقهم، ولما ماتوا ركبوا على ظهورهم.
يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما هو هذا الربا؟ هل يأكلونه كما يأكلون اللحم والخبز؟ لا، اللفظ بالأكل يطلق ويراد به التعامل، يشتري به سيارة، يشتري به ثوباً، ومنه ربا النسيئة وربا الفضل فالربا نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل، فهل تعجز أن أن تقول: النسيئة والفضل؟ وإذا غنيت فإنك تغني بعشرين كلمة! وهذا جربناه، يصلي وراء الإمام خمسين سنة ما يحفظ الفاتحة، خمسين سنة يصلي ما يحفظ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ [قريش:1-2]، و تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [المسد:1]، ويسمع أغنية من عاهرة فيأتي بنفس اللحن والصيغة، وإياكم أن تفهموا أن هذا الشيخ الذي يودعكم في آخر أيامه يكذب في مسجد رسول الله، إياك أن تفهم هذا الفهم.
هذه أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت: ( صليت وراء رسول الله فقرأ في صلاة المغرب بـ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] فحفظتها )، ائتني بأذكى الناس اليوم يسمع المرسلات ويعيدها ويحفظها وأعطيك مليار دولار!
وكم من شبيبتنا وشاباتنا يتغنون بأغاني العهر والباطل ويحفظونها بنفس الألحان، ولا يحفظ سورة المرسلات ولا العاديات، ما السر؟
إن أم الفضل تعلق قلبها بربها وبكلامه وأحبت أن يغمرها نوره فأصبحت كلها متهيئة فحفظت، والذي غمره حب الزنا والفجور والباطل ما إن يسمع ذاك الصوت حتى يملأ قلبه ويفيض على لسانه وحواسه.
فربا النسيئة مثاله: أن يكون لي على فلان خمسون ألف ريال، أجلها الموسم إما الحصاد وإما جذاذ التمر، فيأتي الموسم وما يستطيع الأداء، فيقول: أخرني وزد برضا، هذا ربا النسيئة.
وأما ربا البنوك فمن أول ساعة تحسب الزيادة، فإن كنت تريد عشرة آلاف قيل: سجل عليه أحد عشر ألفاً وأعطه العشرة عاجلاً، فأيهما أفضل؟ ربا الجاهلية أفضل.
وإذا تأخر مرة ثانية زادوا نسبة مئوية، هذا الربا وضع بني عمنا اليهود الحذاق؛ لأنهم يعبدون الدينار، ولا تلوموهم، فهم يريدون أن يسودوا العالم ويحكموا البشرية كلها، فكل ما يبذلون ويحتالون ما هو بشيء كبير، يريدون أن يسودوا العالم بأسره لأنهم شعب الله المختار كما يزعمون، يريدون مملكة سليمان الذي ملك الشرق والغرب، يريدون أن يعتزوا ويسودوا؛ فهم -كما يقولون- أبناء الله وأحباؤه، فيبذلون كل ما يستطيعون بذله فيضعون هذه الحيل، واسألوا المؤرخين من صنع البنوك بأنظمتها؟ اليهود، وإن كانت جنسيته بريطانية، فهو يهودي، والله عز وجل ندد بهم في القرآن أنهم يأكلون الربا؛ في سورة النساء في غير ما آية، والمقصود اليهود.
تعطي هذا مائة ريال سعودي وتقول له: أعطني مائة وعشرة، فما يجوز، وهكذا ربا الفضل في الذهب والفضة والطعام والملح وسائر الربويات، الطعام هو التمر والشعير والبر، فهذه الأطعمة ما يجوز التفاضل فيها، تبيع شعيراً صاعاً بصاع وقنطاراً بقنطار، لا بقنطار وزيادة؟ وفي الريالات ألف ريال بألف ريال، لم ألف وزيادة؟ بأي حجة؟
وإذا اختلفت الأجناس فقد قال: بيعوا كيف شئتم، تبيع قنطار تمر بعشرة من قمح حسب حاجتك وظروف الناس، تبيع -مثلاً- قنطار ملح بقنطارين من قمح، بشرط أن يكون في المجلس الواحد يداً بيد، هذا الشرط لا بد منه.
فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم في الزيادة والنقص، لكن لا بد أن يكون في مجلس واحد، هذا ربا الفضل، ولا ربا سوى هذين النوعين: ربا النسيئة وربا الفضل فقط، والحيوان ليس فيه ربا، تبيع بقرة باثنتين لأنهما أقل منها شحماً ولحماً مثلاً.
لكن الذهب والفضة والقمح والشعير والملح والتمر وما قيس عليها مثل ما هو مدخر ومطعوم كالذرة مثلاً أو أي حبوب أخرى يجري فيها الربا.
لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: من قبورهم إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] يقال: فلان به مس جنون، أما تعرفون الصرع؟ وهذا واضح للعرب بالذات، كانوا يشاهدونه، هذه محنة الصرع يصاب بها بسبب الجني يمسه في تيارات دمه فيصرع، هذه حال آكلي الربا إذا لم يتوبوا وماتوا وهم على ذلك.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما لهم يا رب؟ لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275].
ثم قال تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى [البقرة:275] أيها المستمعون والمستمعات! هل جاءتكم موعظة من ربكم؟ أمر ونهي إلهي، فمن تاب الليلة فكل ما أخذه وأكله حلال، يأكل ويتصدق، لأنه تاب، فمن جاءه موعظة وفتوى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، كله، ولا أقول: أرجعه للناس وابحث عنهم، بل يكفيك التوبة.
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275] إلى من أمره؟ إلى الله، إن شاء آخذ وإن شاء عفا، والظاهر أنه يعفو ويغفر، وإنما يبقى الباب مفتوحاً لترتعد النفس وتضطرب، فما يطمئن ويضحك، يجب أن يتوب بالبكاء والدموع والاستغفار وفعل الخيرات.
وَمَنْ عَادَ [البقرة:275] ورجع بعد أن تاب فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، فلهذا لن تجد عبداً عرف الله تعالى وبكى واطرح بين يدي الله وترك الربا ثم يعود، لن يعود، قلما يعود، ومن عاد فباب السجن مفتوح: فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] .
هل هذا الكلام ما يفهمه المسلمون؟ لو قرءوه وتدارسوه أما يفهمونه؟ سيفهمون، لو فهموه فهل سيعملون بالربا؟ والله! لا يفعلون، لكن الجهل والظلمة، فالماشي في الظلام يتخبط وما يسلم أبداً من العثور والهلاك.
فهيا نعود إلى دراسة كتاب الله؟ وقد تقول: هذا موجود في الجامعات والمدارس يا شيخ! وأقول: لا، نريد أن نصدق ربنا في إيماننا به وبلقائه ونعمر بيوته بنسائنا وأطفالنا كل ليلة وطول العمر، والنصارى إذا دقت الساعة السادسة ذهبوا إلى المقاهي إلى المراقص إلى المقاصف إلى دور اللهو إلى العهر، ونحن إلى أين نذهب؟ نذهب لبيوت الرب لتلقي الكتاب والحكمة لتزكية نفوسنا وتهذيب أخلاقنا وسمو آدابنا، والعدو يذهب إلى العهر والباطل والشر والفساد، أنى لهذا العدو أن يعلو فوقنا أو ينال من كرامتنا؟ والله! ما كان، لا تفهموا أن هذه العودة أن نبقى هكذا وهكذا، والله! لنسودن البشرية كلها وبلا شيء، وإنما بالعودة إلى بيوت الرب، فتستقيم العقائد والآداب والأخلاق ونرتفع، وحينئذ إذا قلنا: الله أكبر رددها العالم الإسلامي.
لا شك أن هذا الدرس ممكن أن يصل إلى اليهود والقسس فيحتفلوا ويهتموا، أما نحن فلا، يدخل الكلام من هنا ويخرج من هنا، فذلك غير مهم؛ لأن لهم أملاً أن يعملوا أم لا؟ وهل نحن لا أمل لنا! آيسون؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
هيا نعيد هذه الآية العظيمة أطول الآيتين، يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] .
أولاً: أي بركة في مال تدخل به النار؟ أية بركة هذه؟ مال لا يطيب نفسك ولا يزكي روحك ولا تشعر معه بقلة الحياة فهذا مال مسحوق.
والصدقة ينميها الله كما أخبر رسول الله عز وجل؛ إذا تصدق المتصدق بصدقة وقعت في كف الرحمن عز وجل فيربيها له كما يربي أحدنا مهره ابن فرسه، وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] والختام وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276] كفار: جحود للنعم يجحد الله وشرعه وقوانينه وما دعا إليه وما أمر به ويتنكر له.
وأثيم: مغموس في الآثام من إثم إلى آخر من زلة إلى زلة، خبث وتعفن ونتن، فالله ما يحبه وأنت تحبه؟ هل فيكم من يحب كل كفار أثيم؟ أعوذ بالله! يحبه من هو مثله في الخبث.
أعيد هذا البيان؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] هؤلاء أولياء الله، ما هم أعداءه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر