إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (126)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يوجه الله عز وجل عباده المؤمنين إلى الإنفاق في سبيله من الأموال التي وهبهم إياها، ومن الرزق الذي استخلفهم فيه، وبين عز وجل أنه يضاعف لمن أنفق في سبيله إلى سبعمائة ضعف، وقد بين سبحانه وتعالى أنه ألزمهم بآداب معينة عند الإنفاق، وهي أنهم إن وجدوا ما ينفقونه فلا ينبغي لهم إتباع ذلك بالمن والأذى، وإن لم يجدوا ما ينفقون فليقولوا قولاً معروفاً، بل إن القول المعروف دون إنفاق خير من الإنفاق المصحوب بالأذى والمن.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.

    ها نحن مع هذه الآيات الثلاث من سورة البقرة:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:261-263].

    المراد بالإنفاق في سبيل الله تعالى

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]، الأموال معروفة، وإنفاقها: إخراجها

    وفي سبيل الله: المراد من سبيل الله هنا: الجهاد، الإنفاق على المجاهدين؛ لإعداد العدة، وللخروج للقتال في سبيل الله، وسبيل الله عام، كل ما يصل بالعبد إلى رضا الله هو سبيله، كل عمل تنفق فيه من أجل أن يعبد الله تعالى وحده فهو سبيل الله، الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل بعبادته وحبه والخوف منه حتى تقرع باب دار السلام، فذلكم سبيل الله.

    هذه الآية وإن قيل: إنها نزلت في عثمان وفي عبد الرحمن فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن هذا الكتاب كتاب هداية ربانية للبشرية جمعاء، وإلى أن تنتهي هذه الحياة.

    مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]، هذا القيد نِعمَ القيد، أما في سبيل الهوى والشهوات والدنيا، أو السلطان والتراب والطين؛ فلا، هؤلاء شأنهم آخر، ما أنفقوا لله.

    معنى قوله تعالى: (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة)

    هؤلاء المؤمنون صدقتهم ونفقتهم التي أنفقوها مثلها في التضاعف والتكثير والزيادة كمثل حبة من بر أو ذرة أو شعير، والغالب أنها البر، حبة في أرض طيبة، ليست سبخة ولا ملحة، تربة صالحة للبذر والزرع والحصاد.

    كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، لما خرج ذاك الفسيل تفرع عنه سبع سنابل، السنبلة الواحدة فيها مائة حبة، سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة:261]، إذاً: الحسنة بسبعمائة، حبة من القمح أنتجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، إذاً: الحسنة هنا بسبعمائة حسنة.

    معنى قوله تعالى: (والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)

    هذا الإنفاق خاص بالجهاد، ومع هذا يقول تعالى: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، فقد تنفق في غير الجهاد ومع طيب النفس والرغبة فيما لدى الله، ولسد حاجة المحتاج، وتنفق ونفسك طيبة، وتريد بالإنفاق رضا الله ووجهه ليحبك، وترزق حبه، فقد يضاعفها لك مثل هذه المضاعفة وأكثر، ولهذا يقول: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذا الأمة: يضاعف الله الحسنة إلى ألف ألف، أي: إلى مليون؛ لأنه فتح باب الإفضال والإنعام: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] من عباده، هذه المضاعفة لا تشك في أنها قامت على أساس زكاة النفس وطيب الروح وسلامة القلب، ومن المال الطيب الحلال، وابتغاء مرضات الله، يضاعف الله لك ما يشاء، درهم من نفس طيبة ومن حلال قد يعدل ألف درهم فيها شبهة.

    وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ [البقرة:261] واسع الفضل والعطاء والجود والكرم، عَلِيمٌ [البقرة:261]: عليم بخلقه وبمن هو أهل للمضاعفة فيضاعف له، فنِعمَ هذا التعقيب: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، ما هو بضيق العطاء، يده سحاء الليل والنهار ينفق ما يشاء.

    مقاصد الجهاد في سبيل الله تعالى وافتقاره إلى بيعة الإمام

    معاشر المستمعين! هنا كلمة لا بد أن نذكرها، وإن شئتم نقلتموها أو قبرتموها كما هي عادة أمتنا لما هبطت: فهذا الإنفاق في الجهاد؛ لأن عثمان رضي الله عنه في غزوة العسرة جهز ألف بعير، وجهز ألف غازٍ بسلاحه وطعامه وأثاثه.

    والآن: أين الجهاد؟

    الجهاد معشر المستمعين والمستمعات: بذل الجهد والطاقة والسعة البشرية، كل ينفق بحسب طاقته وقدرته، ولكن المراد من كلمة الجهاد المعهود المعروف ذي الفضل العظيم والدرجات العالية: هو ما كان من أجل الله تعالى ليعبد في الأرض، أو ليرفع الظلم عن أوليائه وصالحي عباده، هذا الجهاد يفتقر إلى الإمام، إلى إمام للمسلمين، إذ لم يأذن الله عز وجل أبداً أن يجاهد الناس فرادى أو كتلاً هنا وهناك، لا بد من إمام يرجع إليه، لا فوضى في الإسلام، الإسلام مبني على الأنظمة التي من شأنها تحقيق السعادة والكمال، والطهر والصفاء، والعز في الدنيا ودخول دار السلام الجنة في الآخرة، فمال المسلمين ما بايعوا إماماً لهم في هذه الروضة؟ مع المواصلات المتوافرة، أصبح العالم كأنه بلد واحد، هذه الوسائل التي أصبحنا نطير بها في السماء كالملائكة وأصبحت أصواتنا نتلقاها كأننا في يوم القيامة، فلم لا يجتمع المسلمون ويبايعون إماماً لهم وينظم حياتهم، وينتظمون في سلك لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يعبد إلا الله ولا يتابع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    هناك أسباب كثيرة منعت من هذا، أسباب قوية وصعبة، كيف نستطيع معها أن نجتمع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايع إمامنا وننتقل إلى ديارنا نطبق شرع الله وقوانينه المسعدة، المزكية، المطهرة، المعزة، الرافعة؟

    والله العظيم! ما من أمة أقبلت في صدق على الله، وطبقت شرعه وقوانينه إلا أورثها الأرض وأعزها ونصرها، وها هو وعد الذين سمعوه في تلك الروضة: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، لما نزلت هذه الآية كان أحدهم ما يستطيع أن يخرج من بيته ليبول من الخوف، وما إن أقبلوا على الله في صدق، ومشوا وراء رسول الله يحبونه أكبر من حبهم لأنفسهم،فإذا أمر أطاعوه، وإذا نهى أطاعوه، في خمس وعشرين سنة فقط حتى امتد ظل راية التوحيد من المدينة العاصمة إلى ما وراء نهر السند شرقاً، وإلى ديار الأندلس غرباً في ربع قرن لا أقل ولا أكثر، هذا مصداق قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55]، وكلمة: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] أي: طبقوا شرائعه في أنفسهم وأهليهم، وفي كل ظروفهم وأحوالهم؛ لأنها قوانين وضعت وضع السنن التي لا تتبدل، فالطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، إذاً: تطبيق هذا التعاليم الإلهية والله لا يتخلف.

    وعرف العدو هذا فكاد للإسلام وأهله، فمزقوهم، شتتوهم، فرقوهم، المذهب الواحد أصبح مذاهب، وصراط الله الواحد أصبح طرقاً متعددة، والقرآن النور أبعد عن ساحة العمل، أخرج من كل مكان، ووضع على القبور والموتى، فحصل الذي حصل، فمن بعد القرن الثالث والأمة هابطة.

    مقترح بتشكيل لجنة عالمية لرفد الدعوة الإسلامية في العالم

    والآن: عدنا إلى ما أردت أن تسمعوه وتبلغوه، أقول: هل الإمام غير موجود؟ إنه موجود، ولكن الكبر والعصبية والجهل والمرض ما يسمح للمسلمين أن يتعاهدوا عند بيت الله في داخله فيقولوا: يا فلان! أنت إمام المسلمين! نقول: تعالوا إلى الروضة، وهذا الكلام كتبه شيوخكم من خمس وثلاثين سنة، ووزعناه على الملوك والرؤساء، والكتابة موجودة في رسائل معروفة.

    إذاً: كيف يقال: هيا نجاهد الآن؟ نجاهد بدون إمام؟ جهاد باطل، مصيره ومآله الخسران ظاهراً وباطناً، والحمد لله.

    ما هناك حاجة الآن إلى الجهاد بالسيف أبداً، لم؟ كيف نقول: هيا نخرج بسفننا الحربية، بالغواصات، بالبوارج لنرسو أمام دولة كافرة كفرنسا مثلاً؟ لماذا؟ لم نغزوها؟ فرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد، ويذكر فيها الله، ويؤذن فيها باسم الله، وأبوابها مفتوحة، فلم نغزو إذاً؟ لا معنى لذلك أبداً، هل نرسو بسفن حربية في موانئ بريطانيا، لم وفيها يذكر الله ويعبد، وفيها آلاف المساجد، لم إذاً نغزوها، باب الله مفتوح، ما هناك حاجة -والله- للغزو في هذه الظروف أبداً.

    إني أتكلم ­والله- على علم، فأسبانيا فيها المساجد وبيوت الله مفتوحة والناس يعبدون الله فيها، إذاً: كيف نجاهد؟

    والذي أريد أن تفهموه وتعوه وتبلغوه أن الفرصة ذهبية، ويخشى أننا نفقدها في يوم ما من الأيام، هذه الفرصة هي: أن يتكون لنا مجلس علمي، ويشارك فيه كل إقليم وكل دولة من دول العالم الإسلامي بعالم رباني، عالم بالله ومحابه ومساخطه، يخشى الله ويخافه ويرغب في حبه وطاعته، هذا المجلس الذي أسهم فيه كل إقليم بعالم، وقد بلغت دولنا نيفاً وأربعين دولة، المجلس يتكون من خمسة وأربعين عالماً، اجتمعوا في الروضة المحمدية، هذا المجلس فيه سرية أيضاً، ولسنا في حاجة إلى التبجح والإعلانات؛ حتى لا نثير الصليبية ضدنا، أو نخيف اليهودية والمجوسية فتكيد وتمكر كما فعلت من قبل، ثم ننتقي اللجان كل لجنة من ثلاثة أنفار، لجنة إلى أمريكا ودولها من كندا إلى البرازيل، ولجنة إلى أوروبا الغربية، وأخرى إلى الشرقية، ولجنة إلى الصين، وأخرى إلى اليابان، وخامسة إلى أفريقيا، هذا اللجنة تذهب تدرس وضع الجاليات الإسلامية، كم يوجد في هذا البلد من مسلم؟ مليون، أو ثلاثة ملايين، أو مائة ألف؟ يزورون الإقليم بكامله، ويتعرفون إلى المسلمين، ويعودون وقد عادت كل لجنة بخارطة رسمت فيها كم مسجداً، في كم مدينة، بل المدينة الفلانية فيها كذا مسجد، والأخرى فيها كذا، وعدد المسلمين كذا، ويعودون بعد ثلاثة أشهر فيقدمون تلك الخرائط فيعرف ذلك المجلس الأعلى الرباني، يعرف كيف يجاهد الجهاد العملي، وحينئذٍ اللجنة تكون لجنة أخرى تطوف بدول العالم الإسلامي، وتطالب كل مسلم ومسلمة أن يسهم بدولار أو ربعه.

    معاشر المؤمنين والمؤمنات! لا يحل لأحدنا اليوم ألا يسهم في هذا الجهاد، الإقليم الفلاني تعداد أنفاره عشرة ملايين نسمة، إذاً: كل سنة يقدمون لنا عشرة ملايين دولار، الإقليم الفلاني أفراده مليون يقدمون المليون، فيشارك كل مؤمن في هذا الجهاد السري العملي، وإذا بها ميزانية عظيمة، ونحن حددنا دولاراً أو ربع دولار، ولكن إذا لاحت أنوار هذا الجهاد وتجلت فسينفق الناس أموالهم ويخرجون منها، حينئذٍ تكونت الميزانية، فاللجنة تذهب إلى أسبانيا مثلاً وتأتي بالعلماء الربانيين، تنزل في كل مسجد أو ناد أو مركز للدعوة عالماً ربانياً، فتوزع المربين والدعاة الهداة الذين لا ينظرون إلا إلى الله، وتوزع الكتاب الذي يدرس ويلقن ويعلم على غرار كتاب (المسجد وبيت المسلم) أو (منهاج المسلم)؛ حتى لا تبقى فرقة، ننسى كلمة: أنا حنفي، أنا مالكي، أنا حنبلي، أنا إباضي، أنا كذا.. انتهت، عدنا إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأبنائهم وأحفادهم؛ لأن العدو لما مزقنا وذبحنا عرف مصدر قوتنا، إنها الكتلة الواحدة، المذهب الواحد، فمزقنا فأصبحنا شراذم هنا وهناك، ومن ثم ركبوا ظهورنا، وساسونا، وفعلوا فينا الأعاجيب، وأصبحنا مسخرين لهم لضعفنا وعجزنا.

    إذاً: وتبدأ الأنوار تلوح، فالصيني والياباني والأمريكاني والأوربي من المسلمين كشخص واحد، كلمة واحدة هي: المسلم، وينفقون تلك الأموال على تنمية تلك الروح وتزكيتها، والناس إذا عرفوا أنه ينفق عليهم في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تتغير طباعهم وأخلاقهم، ويأخذون في مظهر الإسلام الحق: الصدق، الوفاء، التنزه، الشجاعة، الكرم، تنتهي مظاهر الخبث والشر والفساد، ليس هناك مسلم ما يصلي، ومسلم يشرب الخمر لا وجود له، ولا مسلم يهون ويذل، والله! لتصبحن تلك الأمم تعتنق الإسلام وتفرح به، وينتشر الإسلام بصورة عجيبة.

    فالمناسبة قائمة؛ لأن البيان والهداية آثارها في المواطنين، جارك بريطاني أو أمريكي يمتحنك العام والأعوام فتتجلى له في الطهر والصفاء والكمال والعفة والصدق فيحبك، وإذا أحبك سلك مسلكك وطلب النجاة من ورائك، في ربع قرن خمس وعشرين سنة من الجائز أن يظهر الإسلام ظهوراً كاملاً.

    وعندنا وعد تقدم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى لا يبقى بيت وبر ولا مدر إلا دخله الإسلام، بعز عزيز أو بذل ذليل )، ومن ثم نكون قد أدينا واجب الجهاد.

    طريق تحقيق الإسلام الحق في ديار المسلمين

    وقد نستحي إذا رأينا العالم يزدهر، نستحي نحن في بيوتنا أن تظلم وتصاب بالظلام، فنعود إلى الاستقامة على منهج الله، والطريق عندنا أيضاً أسهل من الأول، الطريق إلينا سهل.

    وقد قررنا هذه الحقيقة وأعدنا القول فيها، وهي أن أهل القرية كأهل الحي، يجتمعون في بيت ربهم من المغرب إلى العشاء، وذلك كل ليلة وطول العام، ولا يتخلف أحد أبداً إلا ذو عذر شرعي يمنعه من الحضور، وندرس كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سنة واحدة كيف تكون حالنا؟ لا خيانة، لا كذب، لا كبر، لا عجب، لا حسد، لا جريمة أبداً، ومن ثم يوضع صندوق من حديد في محراب مسجدنا، ويقال: معاشر المؤمنين والمؤمنات! من زاد على قوته درهم واحد فليضعه في هذا الصندوق، وبعد ستة أشهر يمتلئ، فننتقي لجنة من صالحي الحي أو القرية ونقول: ماذا ترون لتنمية هذا المال؟ قالوا: الساحة تقتضي مزرعة تنتج البر واللحوم والبيض والدجاج؛ فهيا باسم الله، فلا تمضي سنة إلا وقد نما ذلك المال وارتفعت نسبته، ويوزع ذلك الربح على أهله بقدر إيداعاتهم، صاحب الدرهم يأخذ قدره، وصاحب الألف يأخذ قدره.

    ثم الزكاة، يقال: معشر المؤمنين والمؤمنات! هذا أوان الزكاة. فتأتي الزكوات، ومن ثم يتوافر المال أولاً، فلم يبق بينا يا أهل القرية من يسأل ويطلب غير الله، لا يبقى بيننا من يبكي من شدة الجوع، أو من شدة ألم العري؛ لأننا نعيش مجتمعين، وجوهنا إلى بعضها، يعرف بعضها بعضاً، نعيش على الحب والولاء والطهر والسلام.

    هذا هو الطريق لإعادة ديار المسلمين إلى الإسلام، لا بالأحزاب، ولا بالجمعيات ولا بالتكفير ولا بالحروب، والله! ما تنتج هذه ذلك أبداً.

    إنما يقول الخطيب: يا معشر المستمعين من أهل لا إله إلا الله! من الليلة لا يتخلف مؤمن ولا مؤمنة عن هذا المسجد، فإن قيل: يا إمامنا! المسجد ضيق؟ قال: الليلة وسعوه، لا تطلع الشمس إلا وقد زدتم فيه مسافة أخرى، ولو بالخشب والحطب، لسنا بحاجة إلى الرفاهة، ونفرش من الحصر ويجلس المؤمنون والمؤمنات ويجتمعون في بيوت الله، وقلوبهم كلها مع الله والدار الآخرة، ويأخذ المربي ليلة آية وليلة حديثاً، وهم ينمون وترتفع معنوياتهم وهممهم وآمالهم، فتنتهي مظاهر الضعف فينا، الشح والبخل والشره والطمع والتكالب على الدنيا وزخارفها، والتنافس في المطاعم والمشارب والملابس

    كل هذا ينتهي؛ لأننا مقبلون على السماء نريد الملكوت الأعلى، فهل يكلف هذا المسلمين شيئاً؟

    اليهود والنصارى خصومنا أعداؤنا إذا دقت الساعة السادسة مساءً أوقفوا دولاب العمل، وحملوا أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص، السينما، اللهو، الباطل، ولا لوم؛ لأنهم ما عرفوا السماء ولا ما فيها، ولا رغبوا في الرقي إليها، عرفوا الأرض، أخلدوا إليها، وهم لا يعرفون إلا شهواتهم، فسيعملون بجهدهم لتحقيق شهواتهم في الطعام والشراب واللباس والسكن والنكاح، فلهذا إذا دقت الساعة السادسة أقبلوا على الباطل، ونحن الذين نزعم أننا نريد الملكوت الأعلى لنرتقي مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام بأرواحنا اليوم وبأبداننا غداً ما نستطيع أن نجلس في بيوت ربنا؛ لنزيل آلام الحزن والكروب والمخاوف والأحزان، لنطهر أنفسنا ونزكيها لتصبح أهلاً للملكوت الأعلى، كما قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]، هذا النداء للنفس الطاهرة الزكية، فهل تطهر النفوس وتزكو على الباطل؟ على الأغاني والرقص؟ على الكذب والباطل؟ كلا. بل على هذه العبادات المقننة تقنين الكيمياويات، لتعمل عملها في تهذيب الإنسان وتزكيته وتطهيره، فنعرض عنها أو نأتيها بصور لا تنتج الزكاة أبداً، ونحن نأمل أن ندخل الجنة!

    دور الإنفاق في الدعوة العالمية وإصلاح أوضاع العالم الإسلامي

    معاشر المؤمنين! هنا تتجلى حقيقة الإنفاق في سبيل الله، مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، فهل عرفتم الجهاد الآن؟ خارج الديار الإسلامية بم يكون؟ بالبواخر؟ بالهيدروجين؟ لا، يكون بالدعوة، بنظامها، بربانيتها، بأهلها، لجنة عليا يتفرع عنها لجان يطوفون بالعالم شرقاً وغرباً يضعون خرائط للجاليات الإسلامية بالتفصيل، وميزانية سرية يسهم فيها كل مؤمن ومؤمنة، والله! لو تمت وصدقت لرأيتنا نخرج من أموالنا، لا إنفاق عشرة أو مليون، بل يخرج الرجل من ماله كاملاً؛ لما يتحقق به من الهداية الإلهية للبشر، فهذا هو الجهاد في الخارج.

    فلم ما يتكون هذا؟ ما المانع؟ من الذي يقوم بهذا؟ العلماء، والأذكياء، والفطناء، والربانيون

    يقدمونه إلى الحكام والحكام يوافقون ويأمرون.

    والجهاد في الداخل كما قلت لكم: جهاد النفس فقط، أهل القرية كأهل الحي في المدينة، في خطبة الجمعة يقول الإمام: معشر الأبناء والإخوان! من الليلة لا يفارق أحدنا هذا المسجد ليصلي المغرب والعشاء بامرأته وبناته وأولاده، ونتعلم ليلة آية وأخرى حديثاً من الكتاب والسنة، فتنتهي المذاهب ومقتضيات الفرقة والخلاف والنزاع نهائياً، كما انتهت في العالم الذي رفعناه إلى قمته بدعاتنا وكتبنا فاتحدت الكلمة والعقيدة والمنهج، فتتحد أيضاً بلاد المسلمين من باب أولى، بـ(قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم).

    ونصبح أحياء بعد الموت، وتتجلى حقائق الإسلام، تدخل القرية فما تستنكر فيها أحداً ولا صورة ولا صفة، تتعامل معنا في متاجرنا، في معاملنا فلن تسمع كلمة سوء، ولن تشاهد منظراً باطلاً، وإن وقع شيء من الشذوذ فلا قيمة له.

    نعود إلى الآية الكريمة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، هذه للإنفاق في أوروبا وأمريكا والصين واليابان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذىً ...)

    والآن مع الآية التي هي للإنفاق في داخل القرية والمجتمع والحي، قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، لا بد من هذا القيد وإن كان من حديد، فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، ما معنى (سبيل الله)؟ أي: من أجل أن يعبد الله وحده، من أجل أن يتقرب الناس إليه ليعبدوه، فيكرمهم ويعزهم، ويهيئهم للملكوت الأعلى، فيسكنهم دار السلام، هذا سبيل الله.

    الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، اسمع القيد: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262]، ينفق ماله أولاً لا يريد إلا وجه الله، لا أن يسمع فلان أو فلانة، ولا أن يقال: فلان يعطي وفلان يتصدق، ما يريد إلا وجه الله، ثم حين ينفق على المسكين، على المحتاج، على اليتيم، على الأعرج، على المريض، على الذي لا يستطيع أن يعيش لعلة قامت به أو ظروف لزمته، بعد ذلك لا يتبع ما أنفقه مناً، وما المراد من المن؟ المن: أن يذكر له العطاء الذي أعطاه، فهذا المؤمن، هذه الرباني، هذا الحي إذا كسوته بثوب، أو وضعت على رأسه عمامة، أو وضعت له في جيبه درهماً أو عشرة، هذا له عزته وله كرامته، هذا ولي الله، وإنما هو تحت الامتحان، هو ممتحن من سيده ليصبر أو يضجر، لا أقل ولا أكثر، وعما قريب ينجح وتزول المحنة، في هذه الحال إذا أعطيته لا تقل: تذكر كذا يوم كذا؟ هذا كأنما تقتله به، وما يرضى الله أن يهان وليه، أعطيته عطاء تريد به وجه الله لا وجهه هو، إذاً: فلا تمن عليه بما أعطيته، لا تذكره أبداً، ولا تقل للناس: أعطينا فلاناً وأعطينا فلانة، هذا المن حرام، الذي يمن هو الله ليُشكر، أما أنت فتمن لماذا؟ كل ما في الأمر أنك أعطيت من عطاء الله فقط وتريد وجه الله، هل تطلب أكثر مما تعطي، إن كنت تريد أن يرضى الله تعالى عنك ويحبك فلا من ولا أذى.

    والأذى ما هو؟ أن يعطيه ويسبه، يعطيه ويدفعه، يعطيه ويعيره، يقول: أنتم ما تستحون، فهذا الإنفاق باطل باطل باطل، ما يزكي النفس، كالذي يتوضأ ويبول، هل يبقى وضوؤه؟

    الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262] لا يعقبون عليها بمن ولا أذى لمن أعطوه.

    جزاء المنفقين بغير منٍّ أو أذى

    وأخيراً: ما الجزاء؟ قال تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، أجر نفقتهم عند ربهم مدخر، ممكن أن يعجل لهم منها في الدنيا، وكم من منفق يبارك الله في ماله وإنفاقه، هي عنده فيعجل منها ويدخر الباقي لدار السلام، هذه الحور، هذه القصور، هذه الأنهار، هذا العالم أكبر من الأرض عشر المرات تعطاه يا عبد الله في ذلك الملكوت مقابل هذه الصدقات، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:262]، هذا أولاً.

    وثانياً: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]، لا يخافون عدواً، ولا يخافون فقراً، ولا مرضاً، ولا موتاً، ولا يحزنون لما يفقدون أبداً؛ لأن قلوبهم مطمئنة، نفوسهم زكية، لا خوف عليهم في الدنيا هذه ولا في الحياة الثانية البرزخ بين الحياتين ولا يوم القيامة.

    ولا تفهم يا بني أنه يتكلم مع اليهود والنصارى والفساق والفجار والمشركين، لا، بل يتكلم مع المؤمنين، إذا كانت العقيدة فاسدة فلا ينفع العمل، فانتبه! الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، والحقيقة أنه ما ينفق عبد في سبيل الله إلا وهو مؤمن على مستوى أعلى في إيمانه بالله ولقائه، لو كان ينفق في سبيل الوطن والبلاد والعصبية فهذا شيء ثان، لكن فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:262]، لا يلتفت إلى غير الله، والله! إنه لمؤمن، ولن يكون إلا مؤمناً ومرتفعاً في نسبة الإيمان، هؤلاء ينفقون في سبيل الله أموالهم، والله! قد يكون أحدهم في حاجة إلى هذا الطعام ويقدمه لمن هو جائع، في حاجة إلى هذا المال ويقدمه لآخر؛ لأنه يريد وجه الله عز وجل، ولا من ولا أذى، ينفقون ما ينفقون ولا هم لهم إلا أن يرضى الله عنهم ويحبهم فقط، ولهذا ينفقون حتى على فقراء اليهود والنصارى؛ لأنهم يريدون الله لا غيره.

    قال تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ...)

    وأخيراً: الآية الثالثة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، من الذي قرر هذه الحقيقة؟ الله عز وجل. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ [البقرة:263]، جاءك المحتاج فتقول له: يا بني إن كان صغيراً، أو: يا أخي إن كان مساوياً لك، أو: يا أبت إن كان أكبر منك، تقول له: الله عز وجل يرزقك، ما عندنا ما نعطيك، أنا آسف، اسأل الله. هذا هو القول المعروف، قول معروف ما فيه ما يستنكر، ما فيه ما ينكر، ما فيه عيب، ولا شتم، ولا تعيير ولا تقبيح.

    وإخوانكم اليوم تعرفونهم؛ لأن الأخلاق هبطت، وكيف تهبط والقرآن موجود والسنة موجودة؟

    ذلك لأنهم هجروا الكتاب والسنة، ما يجتمعون عليهما طول الحياة، هل بين المسلمين من يجلس مجلساً كهذا أربعين سنة، فكيف يتعلمون؟ كيف تتهذب الأخلاق؟ كيف تزكو النفوس؟ حالنا كالذي يقول: شخص لا يأكل ولا يشرب ويقوى ويسمن! فهل ممكن هذا؟ لا يأكل ولا يشرب ويحيا؟ لا يدرس كتاب الله وسنة رسوله في بيت الرب وهو جالس بين يديه ويصبح ذا أخلاق فاضلة، والله! ما يكون أبداً؛ حتى لو ورثها من أبويه، لكن ما تزكو النفس كما هي في بيت الرب.

    إذاً: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] لمن زلت قدمه أو أساء في الكلام؛ لأن بعض السائلين أيضاً يسبون: يا بخيل! فاغفل أنت وتجاوز، وقل: عفا الله عنك، هذا العفو وهذه المغفرة خير من صدقة ولو كانت مليون ريال، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة:263] والله! أفضل عند الله من صدقة بالملايين يتبعها ويجري وراءها أذى لمن تصدقت عليه، بإهانته أو سبه أو شتمه أو تعييره واحتقاره.

    سبحان الله! هذا كلام من؟ كلام ربنا، هل عرفه المؤمنون والمؤمنات؟ ما عرفوه، من قرون والقرآن العظيم لا يقرأ إلا على الموتى، لو تغمض عينيك ويحيا عدد من علماء القرن الحادي عشر والعاشر والتاسع ويجدونني أتكلم فسيغلقون آذانهم ويهربون، سيقولون: كيف يتكلم بكلام الله هذا الصعلوك؟! من أين له؟ لأنهم وضعوا قاعدة، قالوا: تفسير القرآن العظيم صوابه خطأ، إذا فسرت وأصبت فأنت مخطئ، وخطؤه كفر، وراجعوا حاشية الحطاب على خليل فستجدون هذه الفقرة موجودة.

    فكيف تتهذب أخلاقنا وما جلسنا بين يدي المربين والمهذبين؟ مستحيل، أما قال إبراهيم وإسماعيل: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، الآن المدارس فيها تعليم الكتاب بعض الشيء، ولكن ما هناك من يزكي النفوس ويطهرها بالتربية والتهذيب والإصلاح، فهل سمعتم هذا الكلام؟ اللهم اشهد علينا.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953434