إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (101)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن استتب الأمر للمؤمنين في المدينة وأمنوا على أنفسهم من أذى الكفار كتب الله عليهم القتال في سبيله سبحانه، فأرسل النبي سرية بقيادة عبد الله بن جحش للاطلاع على أحوال المشركين، فرأى المسلمون عيراً لقريش وكان النبي لم يأمرهم بقتال؛ لأنهم كانوا في شهر من الأشهر الحرم، فقدر الله عز وجل أن يحصل بين الطرفين قتال، فأنكر كفار قريش ذلك من النبي والمؤمنين، فأنزل الله عز وجل عذره للمؤمنين مبيناً أن ما يفعله الكفار من كفر وصد للمؤمنين وإيذاء لهم أشد من إراقة الدماء في الأشهر الحرم، وأنزل سبحانه بشارته لأفراد السرية المؤمنة وبيان معذرته لهم وتجاوزه عنهم فعلتهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    والآيات التي ندرسها بإذن الله هي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:217-218]، هاتان آيتان من كتاب الله عز وجل من سورة البقرة.

    سبب نزول الآية الكريمة

    الآية الأولى لها سبب نزلت به، ومعرفة أسباب النزول تعين على فهم المقصود، يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:217] من المسئول؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألونك يا رسولنا، من السائلون؟ الله أعلم، وهؤلاء السائلون منهم المنافقون، منهم اليهود، منهم ضعفة الإيمان؛ لأن حادثة وقعت بلبلت أفكارهم، ما هذه الحادثة؟

    لما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المدينة وقبل وقعة بدر حين أصبح قادراً على الجهاد بعد نزول آية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]، فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ينفذ مراد الله، فانتخب سرية من سرايا الإسلام على رأسها عبد الله بن جحش رضي الله عنه، هذا أخو أم المؤمنين زينب بنت جحش ، ومعه بعض أفراد، وقال باسم الله، ابحثوا عن قوافل قريش وتتبعوا تحركاتها، وتعرفوا أحوالها، فذهبوا إلى بطن نخلة، أو بطن وادي نخل بين الطائف ومكة، فعثروا على عير، والعير: القافلة من إبل وغيرها تحمل بضائع، وعلى رأسها عمرو بن الحضرمي ، فاشتبكوا معه، فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين وأخذوا القافلة، وجاءوا بها إلى المدينة، متى كانت الوقعة؟ كانت آخر يوم من جمادى الثانية، وآخر يوم من جمادى ليس من الشهر الحرام، وأول ليلة هي ليلة رجب، وهو من الشهر الحرم، بل هو أعظم الأشهر الحرم، ما إن سمعت قريش بالحادثة حتى اختنقت وأخذت تصيح: انظروا إلى محمد يستبيح القتال في الشهر الحرام، أين الدين الذين يدعو إليه، وأين الإسلام كما يقول، كيف يستبيح القتال في الأشهر الحرم؟ وجاء الخبر إلى المدينة، وأوقف الرسول الأسرى، ما تصرف فيهم، والغنيمة كذلك، وأخذ المنافقون واليهود والمرضى في هيجان؛ لأن هذه أول سرية في الإسلام، وكثرت التساؤلات، وأبواق المجرمين والمنافقين لا تهدأ، فنزلت هذه الآية فيصلاً: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217]، أي: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام؟ فـ(قتال) بدل، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217] أي: عن القتال فيه.

    معنى قوله تعالى: (قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)

    قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] إثم كبير، لكن عبد الله رئيس السرية ما قاتل في رجب، قاتل في آخر يوم من جمادى، وأنتم تشنعون وتقولون وهو في آخر يوم من جمادى وما هو في رجب، ثم قد نسلم بأنه: قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217]

    ولكن وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217]، تتبجحون في قضية تافهة، وما تم القتال في الشهر الحرام، لكن نحن نعم نعترف بأن القتال في هذا الشهر الحرام حرام، لكن أنتم الآن خفتم من هذا الإثم، وهو إثم عظيم، ولكن تعالوا ندلكم على ذنوبكم:

    أولاً: صد عن سبيل الله، وصرف للناس عن الإسلام بالقتال وبالدعاية وبكل وسيلة، هذا الصد هل هو حلال؟ أي إثم أعظم من هذا؟

    وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة:217] أي: بالله، والشرك به، هل هذا أيضاً شيء قليل؟

    وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:217] أي: والصد عن المسجد الحرام ومنع المسلمين من دخوله، أهذا أيضاً لا بأس؟ هو أعظم ذنب.

    وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ [البقرة:217] أي: من المسجد الحرام بطرد المؤمنين حتى هاجروا، هذا أكبر عند الله من كون القتال وقع خطأ في آخر يوم.

    وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217]، فتنة المؤمنين حتى يخرجوا من دينهم بالضرب والإحراق بالنار أكبر، هل عرفتم الآن المعنى؟

    اسمع الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] فأسكتهم.

    معنى قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ...)

    ثم قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] لن يفرغوا أبداً من قتالكم ولن ينتهوا حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ [البقرة:217] حسبما يرون وما يزعمون، وهذا كشف عن نيات الكفار، وما يدور في خلدهم، وما هم عليه إلى اليوم.

    وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] لعلة ماذا؟ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وهذه الجملة تبشرنا بخير، أنهم لا يستطيعون، فقوله تعالى: إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] معناه: لا يستطيعون، لكن تصوراتهم ..فهومهم.. أعمالهم.. تدبيرهم كله على أن لا يبقى إسلام وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].

    معنى قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ...)

    ثم قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ [البقرة:217]، وفي قراءة سبعية: (ومن يرتدّ) بدون فك، مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [البقرة:217] أي: الإسلام فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217] أي: لم يتب ولم يرجع؛ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، حتى لا يفكر مؤمن في أن يرتد، لا لدنيا ولا لغيرها؛ لأنه هبوط لا حد له، فانتبهوا.

    وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]، أما إن ارتد وتاب ومات على الإسلام فقد نجا، لكن فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].

    حكم العمل الصالح قبل الردة إذا تاب المرتد

    هنا مسألة فقهية: هل العبد إذا ارتد عن الإسلام ولم يمضِ عليه زمان طويل أو قصير حتى تاب، هل أعماله الصالحة التي عملها من الحج والعمرة والصالحات والجهاد تعود له أو يحرمها ويستأنف العمل من جديد؟

    أعيد القضية: فلان ارتد بعدما عاش عشرين سنة في الإسلام، أصبحت البرنيطة على رأسه والصليب في عنقه، قضى فترة من الزمان تطول أو تقصر ثم تراجع، وندم وعاد إلى الإسلام، هل أعماله الصالحة التي عملها أيام إسلامه تمسح وتنسخ وتحبط بكفره أو لا؟

    الجمهور وأكثرية الأئمة على أن أعماله الصالحة لا تعود إليه، إلا الشافعي فإنه يقول: تعود إليه.

    الجمهور احتجوا بقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، والشافعي رحمه الله قال: هذا اللفظ عام، نقيده بقوله: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].

    ونتيجة هذا أن هذا الذي كان قد حج واعتمر وارتد ثم عاد هل يجب عليه الحج مرة ثانية أو يعتبر حجه الأول عملاً صالحاً له؟ الجمهور يرون أن عليه أن يعيد الحج؛ لأن الشرك محبط للعمل مبطل، ما بقي له شيء.

    ورأي الجمهور أصوب، لقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وبالإجماع أن الشرك مبطل للأعمال محبط لها.

    يبقى إذا عاد إلى الإسلام، هل أعماله الأولى ترد له ويثاب عليها وقد محاها بكفره؟ الصواب: أنها لا تعود، يستأنف العمل من جديد، فيحج، ويعتمر.

    حكم استتابة المرتد

    وسؤال ثان في هذه القضية: هل المرتد يقتل فوراً أو يستتاب؟ هل من ارتد يستتاب ثلاثة أيام أو على الفور يساق إلى المشنقة؟

    الجواب: يستتاب ثلاثة أيام، ففي الهيئة، أو في مركز الشرطة يعرضون عليه التوبة: تتوب أو لا؟ أتوا بالماء فقالوا: توضأ وصلّ. فقال: ما أنا بمصل، لن أزكي، وهكذا إلى اليوم الثالث، يقولون: ستتوضأ وتصلي أو لا؟ فإذا بقي على المغرب قدر ما يتوضأ ويصلي يقال له: صل. فإن قال: لا ضرب رأسه، ومات كافراً إلى جهنم، ارتد ومات كافراً، فإن هو رجع وقال: أتوب إلى الله وصلى ردوه إلى أهله.

    حكم قتل المرأة المرتدة

    وهنا سؤال آخر: هل المرأة تقتل بالردة أو لا؟

    الجمهور على أنها لا تقتل بالردة، تسجن وتعزر حتى تتوب، لِم؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله ما قتل النساء ولا الأطفال، وحرم قتل النساء والأطفال في الحرب، لا يحل لمؤمن أن يقتل امرأة إلا إذا حملت السلاح ودخلت المعركة، فهذه مقاتلة، والأطفال كذلك.

    قالوا: إذاً: وهنا المرأة لِم تقتل؟ ما دام الرسول قد عفا عن قتلها وهي كافرة إذاً: يعفى عنها الآن وهي كافرة، لكن لا بد من تعزير، إن كانت متزوجة يفسخ نكاحها على الفور، فهي حرام لا تحل له.

    حكم استتابة المرتد بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم

    وهل هناك من يقتل إذا ارتد دون استتابة؟

    مالك يقول: نعم، الذي يسب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل على الفور، لا تقبل له توبة ولا يستتاب.

    ما دليلك يا مالك ؟ قال: إن امرأة في المدينة لها خادم منافق يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أمامها، فجاءت بالليل بحديدة وهو نائم، فاعتمدت عليه وقتلته، وذهبت إلى الرسول تخبره، فلم ينكر عليها فعلها، أقرها على ما فعلته؛ لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يطاق، قد يسبون الله، نسبوا إليه العجز والولد، والله عز وجل شأنه عظيم، فيعفى عنهم إن تابوا، لكن سب الرسول معناه: خداع وغش وضرب الإسلام.

    والجمهور يقولون: يستتاب كغيره فإن تاب وإلا قتل. والأمر واسع، وكله خير.

    حبوط أعمال الميت على الردة وخلوده في النار

    فهذا دل عليه قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ [البقرة:217] البعداء حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217] أي: بطلت فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، أهل جهنم، خالدون فيها لا يموتون ولا يخرجون، ملايين السنين، حياة غير قابلة للفناء، وهل للحياة غير القابلة للفناء صور أو لا؟

    هذه الشمس كم سنة لها، هل طال عمرها أو لا؟ أهل النار يدخلون في النار ما يموتون، ولا تنتهي، فيها صنوف العذاب وألوان الشقاء وحياة لا تسأل عن مرارتها، ولا موت ولا خروج، أين يخرجون، أجسامهم غير قابلة للموت، فما يموتون.

    وأهل الجنة فوق أيضاً في عالم كامل، عالمنا هذا ليس قطرة من بحر، أهلها دائماً أحياء لا يموتون ولا يمرضون، هكذا خلقهم الله على صورة غير قابلة للفناء والتحلل والتبخر.

    وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، هذه الآية خير لكم من عشرين ألف ريال، أما الذين حفظوها وفهموها فوالله! لخير لهم من مائة ألف ريال، فمائة ألف ريال ممكن أن توقعك في البلاء والشقاء، ما تستفيد، في أكثر ما أن تأكل وتلبس؟ ثوب واحد وقرص عيشك لك طول حياتك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ...)

    الآية الثانية قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ [البقرة:218] السامون الأعلون يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ [البقرة:218] لهم رَحِيمٌ [البقرة:218] بهم.

    هذه نزلت أيضاً في عبد الله بن جحش صهر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ هو الذي قاد السرية أو لا؟ هو الذي قتل عمرو بن الحضرمي، وأصبح هو أيضاً الآن خائفاً مع أصحابه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما بت في القضية، ما زال الأسرى على ما هم عليه والغنيمة كذلك حتى يجيء حكم الله، فكان في كرب مع أصحابه ينتظرون حكم الله فيهم، بل وحتى جيرانهم والناس كلهم، فقال تعالى مخبراً مؤكداً الخبر: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:218]، عبد الله بن جحش أما آمن ؟ ورفقته أما آمنوا من قبل؟ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] أما هاجروا من مكة إلى المدينة؟ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:218] لا في سبيل الدنيا ولا المال، أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218]، ورجاء الرحمة: انتظارها برغبة مع حسن الظن بأنها واقعة، ترقب للخير وانتظاره مع الظن للغالب، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، إذاً: غفر لهم ورحمهم فباتوا في هدوء وعاشوا سعداء.

    هكذا يعامل الله أولياءه من عباده المؤمنين، هذه الآية نزلت في عبد الله بن جحش تساوي الدنيا بما فيها، من هو أو أنا حتى ينزل القرآن فيه ويطمئنه ربه ويبشره بالمغفرة والرحمة؟ فالحمد لله.

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:218] ويبقى هذا إلى يوم القيامة: كل من آمن أولاً ثم هاجر من بلاد الشرك والكفر، ثم جاهد مع المجاهدين في سبيل الله، فالكل يرجون رحمة الله، والله غفور رحيم، يغفر لهم ويرحمهم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    الآن تسمعون شرح الآيتين من الكتاب.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    حرمة دين الله وشرعه مقدمة على حرمة الزمان والمكان

    [معنى الآيتين:

    لما أخبر تعالى أنه كتب على المؤمنين القتال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة يتعرف على أحوال الكفار ]؛ لأن الكفار -كما سمعتم- أعطوا جائزة مائة بعير لمن يأتيهم برأس محمد، ما إن خرجوا حتى عرفوا أن الحالة تغيرت، فلا بد -إذاً- من تخطيط عمل وحركات، فأراد الحبيب صلى الله عليه وسلم أن يتعرف على أحوالهم، فبعث سرية بقيادة عبد الله بن جحش رضي الله عنه.

    قال: [ فشاء الله تعالى أن يلقى عبد الله ورجاله عيراً لقريش، فقاتلوهم، فقتلوا منهم رجلاً يدعى عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين، وأخذوا العير، وقفلوا راجعين إلى المدينة، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وهي أول ليلة من رجب، فثارت ثائرة قريش، وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه! وردد صوتها اليهود والمنافقون بالمدينة ]، كما تعرفون المغرضين وأهل الأهواء والأطماع، استجابوا.

    وهل بقي القتال في الشهر الحرام محرماً إلى اليوم أو نسخ؟

    الجواب: نسخ بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ [التوبة:5]، فالشهر الحرام بقيت حرمته وجلاله وقدسيته، لكن إذا قاتلنا المشركون فالله تعالى يقول: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:194]، وإذا اضطررنا إلى قتالهم نقاتلهم في الشهر الحرام، إذ قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف في آخر شوال وأول العقدة، في غزوة حنين وثقيف.

    ثم لا تنسوا: أن الذي حرم هذه الأشهر هو الله، وقرر هذا، وألقاه في قلوب العرب في الجاهلية قروناً ليفسح لهم المجال لأن يتنقلوا في الجزيرة تجاراً وعمالاً ويتراحموا، عهود ربانية، والله! ما تستطيعها الأمم المتحدة، إذا دخل الشهر الحرام وقف السلاح فلا إغارات، لا غزو، لا سطو أبداً.

    فعل هذا من خلق القلوب وهو يقلبها، والعلة: أن يعيشوا في هذه الأشهر حتى يتمكنوا من حياتهم، قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، لتقوم حياتهم على هذه الأشهر الآمنة التي لا قلق فيها ولا خوف.

    جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97]، (قياماً للناس) يعني: حياتهم تقوم على هذه الأشهر، يبيعون ويسافرون، ويعودون، كما قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5].

    إذاً: فلهذا تعجبت قريش بالفعل: كيف يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام وهو رسول الله؟ ووجدوا فرصة للتشنيع والتهويل، واسمع ما قالوا.

    قال: [ وأخذوا العير وقفلوا راجعين، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الثانية، وهي أول ليلة من رجب، فثارت ثائرة قريش وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه، وردد صوتها اليهود بالمدينة والمنافقون بالمدينة؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف العير والأسيرين ولم يقضِ فيهما بشيء حتى ينزل حكم الله، وتعرض عبد الله بن جحش ورفاقه لنقد ولوم عظيمين من أكثر الناس ] يلومونهم: لِم تقاتلون في الشهر الحرام؟

    قال: [ وما زال الأمر كذلك ] اللوم والعتاب والصياح والضجيج [ حتى أنزل الله تعالى هاتين الآيتين: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] أي: أي عن القتال فيه، أجبهم يا رسولنا وقل لهم: القتال فيه وزر كبير، بيد أن الصد عن دين الله والكفر به تعالى، وكذا الصد عن المسجد الحرام، وكذا إخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى ].

    هناك مثل عامي يقول: يحرم الإبرة ويستبيح الجمل! يقول: أخذ الإبرة حرام، كيف تسرق إبرة مؤمن؟ والجمل لا بأس به؛ لأنه ربما يحتاج إليه! فهم يحرمون القتال في الشهر الحرام ويفعلون كل الأباطيل والشرور، من القتل والتهجير والكفر وما إلى ذلك.

    قال: [ أجبهم يا رسولنا، وقل لهم: القتال فيه وزر كبير ]، أي: إثم كبير، [ بيد أن الصد عن دين الله، والكفر به تعالى، وكذا الصد عن المسجد الحرام وإخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى، كما أن شرك المشركين في الحرم وفتنة المؤمنين فيه لإرجاعهم عن دينهم الحق إلى الكفر بشتى أنواع التعذيب أعظم من القتل في الشهر الحرام، مضافاً إلى كل ذلك عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا.

    ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب ] يصب عليهم، يحذرهم [ أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً؛ فإن أعماله الصالحة كلها تبطل، ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبداً ].

    فلا ينبغي للمؤمن إذا عذب يسيراً أن يلبس برنيطة على الفور ويقول: أنا مسيحي، بل يصبر، لكن إذا كان العذاب شديداً بحيث يغمسونه في الماء أو يكوونه بالنار في تلك الحالة يعطيهم ما طلبوا منه، إذ كان عمار ووالده وأمه سمية يعذبون بالغمس في الماء، يجرونهم على الأرض الحارة، فيأتي عمار الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له: أعطهم، هم يطالبون فيقولون: امدح آلهتنا وسب الرسول ودينه، أو نبقى نعذبك، ونزل في ذلك قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل:106]، أي: على الكفر وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فلا حرج.

    قال: [ مضافاً إلى كل ذلك عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا، إذ قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].

    ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً فإن أعماله الصالحة كلها تبطل ]، سواء كانت جهاداً أو حجاً أو صلاة أو صياماً، [ ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبداً. هذا ما تضمنته الآية الأولى ] ما هي الآية الأولى؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، هذه هي الآية الأولى.

    بشارة الله عز وجل لعبد الله بن جحش ومن معه وتجاوزه عنهم قتالهم في الشهر الحرام

    [ أما الآية الثانية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] فقد نزلت في عبد الله بن جحش ]، من عبد الله بن جحش هذا؟ هذا صهر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا أخو زينب ، أما تعرفون عن زينب شيئاً؟

    لو جمعت نساء العالم اليوم والجامعيات على الخصوص فلا يصلحن حذاء لـزينب ، هذه زينب تولى الله تعالى عقد نكاحها لرسول صلى الله عليه وسلم في السماء، وكانت تفاخر نساء الرسول: ما منكن واحدة إلا وتولى عقد نكاحها أبوها أو أخوها، وأنا تولى الله تعالى عقد نكاحي.

    ما سبب هذا الفضل والشرف، كيف فازت به؟ من أجل اطراحها بين يدي الله ورسوله، لما نزل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]؛ لأن زينب بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، زينب لما جاءت مهاجرة مع أخيها عبد الله أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزوجها مولاه زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه، فخطبها والرسول يستحيي، والله! لو جمعت حياء الأمة كلها ما بلغ حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يخاطب الشخص في وجهه هكذا من حيائه، فلما خطبها لـزيد فهمت أنه خطبها له هو لتصبح أم المؤمنين، وبعد ساعات أو ليل أو نهار قال لها النساء: ما لك! أنت مخطوبة لـزيد العبد؟! لن يكون هذا أبداً، فشرفنا قبل كل شيء! وأخوها عبد الله وقف إلى جنبها: كيف بشريفة قرشية تتزوج عبداً من العبيد مملوكاً، لن يكون هذا أبداً.

    ولكن الله أراد أن يكون هذا ليهدم به بناء بنته الأيدي الكافرة، وهو أن من تبنى ولداً يصبح كولده، لا ينكح ابنته، إذاً: وزيد كان متبنىً للنبي صلى الله عليه وسلم، اشترته خديجة ووهبته للرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول أعتقه وتبناه أيضاً، فكان يعرف بـزيد بن محمد، فأراد الله أن يبطل هذا التبني من أساسه، إذاً: فماذا صنع الجبار وهو ذو التدبير الحكيم؟ أمر رسوله أن يخطب زينب لمولاه، ففهمت أنها خطبت للرسول ففرحت وقرت عيناها، وبعد يوم أو ساعات تبين لها أنها مخطوبة لـزيد ، فقالت: لن يكون هذا، كيف يسمع الأشراف والدنيا أن فلانة تزوجها مولى؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية التي سنتلوها، ولو تليت في بلاد فيها محال تبيع الخمر فوالله! ما يبقى واحد يبيع الخمر، فيكيف بالذين على سطوحهم الدشوش، ويبيتون مع عواهر العالم ومجرميه يتفرجون، لو يحضرون ويفهمون فوالله! ما بات ذلك في بيوتهم.

    اسمع، يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:36] وحكما أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، والله ما إن نزلت الآية وتليت في البيوت وعلى ألسنة النساء والرجال حتى اطرحت زينب بين يدي رسول الله: زوجني كما أمرك الله يا رسول الله، وتنازل عبد الله البطل قائد أول سرية في الإسلام، ورضي بقضاء الله، وتزوجت زينب المولى زيد بن حارثة ، وتمضي الأيام وزينب نفسها ما هي بمرتاحة لهذا الزوج، مرغمة مكرهة، فكان زيد يشاهد هذا منها، يرى كأنه يؤذيها، فيشكو إلى رسول الله مولاه: يا رسول الله! هذه آذيتها نريد أن نفارقها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اصبر، كما قال تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37] امسك يا زيد عليك زوجك، لِم لم يقل: (زوجتك)؟ الفصيح أن (الزوج) للذكر والأنثى، والعامة تقول: زوج للرجل للفصل بين الرجل والمرأة، وإلا فالزوج واحد، كلاهما زوج، أنت كنت فرداً فزوجناك فأصبحت زوجاً، والمرأة أصبحت زوجاً، لكن إذا خفت اللبس والاختلاط فقل: (الزوجة) بالهاء، ولا تقل: هذه زوجي، لأنهم ما يفهمون هذا.

    قال تعالى عن نبيه وهو يخاطب زيداً : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]، وتخفي يا رسول الله ما في نفسك ما الله سيظهره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خائف أن يطلقها زيد ويتزوجها هو ويقول الناس: انظروا إلى محمد يتزوج امرأة ابنه، من يطيق هذا؟ مع حيائه وكماله، فكان يخفي هذا، والله يعاتبه، فماذا قال له؟ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37].

    فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] من زوجه إياها؟ الله، فكانت تفاخر فتقول: ما منكن يا نساء إلا وتولى عقد نكاحها وليها، وتولى عقد نكاحي ربي! وما إن نزلت الآية حتى أقام الرسول صلى الله عليه وسلم الاحتفال بالوليمة والناس يدخلون يأكلون، لا عقد في الأرض ولا شهود، تولى الله زواجها.

    أما زيد فقد خلد الله ذكره في الأرض والسماء، ولم يظفر بهذا أي واحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم، أعطوني مؤمناً ذكر الله اسمه في القرآن سوى رسول الله وزيد.

    فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] لِم؟ لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا [الأحزاب:37]، فالذي كنت تبنيته إذا طلق امرأته لك أن تتزوجها، ما هو بابنك حقيقة، بدعة جاهلية أبطلها الله، لكن من تحمل حملها الثقيل؟ رسول الله وزينب وزيد ، رضي الله عن صحابة رسول الله، وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه.

    قال: [أما الآية الثانية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] فقد نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه، طمأنهم الله تعالى على أنهم غير آثمين لقتالهم في الشهر الحرام، كما شن عليهم الناس بذلك، وأنهم يرجون رحمة الله ] أي: الجنة [ وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم؛ وذلك لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم في سبيل الله، وقال تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218] ].

    هداية الآيات

    هل لهاتين الآيتين من هداية وأنوار نقتبسها لنعيش عليها أياماً؟ وهل القرآن نور؟ والله! إنه لنور، أما قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]؟ هل يستطيع إنسان أن يمشي في حياته بغير القرآن ويستقيم؟ والله ما كان، أقسم بالله على أنه لا بد أن يتخبط في الذنوب، في الآثام، في الجهالات، يمشي في الظلام، وإن شككتم فافتحوا أعينكم على العالم الإسلامي، فمنذ كم قرناً وهو يتخبط، من يوم أن أعرضوا عن كتاب الله وحولوه إلى الموتى والقبور وهم يتخبطون، إذاً: للآيتين هداية.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيتين:

    من هداية الآيتين:

    [ حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ]، يجب أن نحترم الشهر الحرام ومكة إلى يوم القيامة.

    [ ثانياً: نسخ القتال في الشهر الحرام ]، القتال في الشهر الحرام نسخ، فيجوز، إذا احتاج المسلمون إلى القتال فيه يقاتلون، ومع هذا فإذا أرادوا أن يغزوا فقال قائدهم: نترك هذا الشهر حتى يدخل الشهر الآخر فلا بأس، لكن إذا فوجئوا فلا ينتظرون.

    قال: [ نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف في شوال وأول القعدة، وهما في الأشهر الحرم ].

    قاتل ثقيف وهوازن في الأشهر الحرم، ومعنى هذا أن القتال في الشهر الحرام جائز للمسلمين، لكن يبقى الشهر الحرام معظماً، لا يعصى فيه الجبار، يتقرب فيه إلى الله بالطاعات؛ لأنه أفضل الشهور وأعظمها.

    [ ثالثاً: الكشف عن نفسية الكافرين، وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن الإسلام ويخرجونهم منه ]، والآن هل فرغوا من هذه أو ما زالوا؟ الجواب: ما زالوا.

    [ رابعاً: الردة ]، وهي هيئة الارتداد، كان ماشياً مع الإسلام فرجع إلى الوراء، كان في طريقه إلى الله، إلى الجنة فانتكس ورجع إلى الوراء إلى جنهم، [ الردة محبطة للعمل ]، ناسخة له مبطلة، فما ينفع، [ فإن تاب المرتد يستأنف العمل ]كما علمتم، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954477