وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله القرآن العظيم، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، والحمد لله فقد فزنا بهذا المطلوب.
والآيتان المباركتان اللتان ندرسهما إن شاء الله في هذه الليلة المباركة هما قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:215-216].
عمرو بن الجموح سأل، فقال: يا رسول الله! ماذا أنفق من مالي وعلى من أنفقه؟ فأجاب الله عز وجل بقوله: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:215] يا رسولنا والمبلغ عنا يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215] من المال وعلى من ينفقونه؟ أو يسأل: ماذا ينفق من ماله، فامتن الله عز وجل فبين له ما ينفقه وعلى من ينفقه.
هذا عمرو بن الجموح ما عرف ماذا ينفق وأين ينفق فجاء يسأل امتثالاً لأمر الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43] أي: القرآن إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم وجب عليه أن يسأل حتى يعلم، وإلا فلا تتحقق له ولاية الله.
وقد عرفتم سر ذلك وحكمته، فالله يوالي المؤمنين المتقين، لو سئلت من قبل يهودي، نصراني، بوذي: من أولياء الله؟ فالجواب: المؤمنون المتقون، فمن لم يكن مؤمناً وإن اتقى فلا ولاية له، ومن كان مؤمناً غير متقٍ لمساخط الله فما هو بالولي؛ وذلك لقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].
وسر هذا: أن المؤمن المتقي تزكو نفسه وتطهر وتطيب؛ لأنه استعمل أدوات التزكية والتطهير والتطييب، فسنة الله فيها أنها تطيب وتطهر، فالذي يغسل ثيابه بالماء والصابون تطهر أو لا؟ إذاً: الذي يستعمل أدوات وضعها الله تعالى لتطييب النفس وتزكيتها والله! لتطيبن نفسه وتزكو ولا تتخلف، فإذا زكت نفس العبد وطابت وطهرت أحبه الله ووالاه، فإن أهملها ولم يعمل على تزكيتها وتطهيرها خبثت فكانت كأرواح الشياطين والكافرين، وهل يحبهم الله؟ بل هو عدوهم وهم أعداؤه.
فالعلم، وما العلم؟ أن تعرف ما يحب ربك وما يكره، وتعرف كيف تستعمل ذلك المحبوب وتقدمه له، وتعرف كيف تبتعد عن ذلك المكروه وتتجنبه، هذه هي، فإن عجزت عن الجلوس بين يدي العلماء ومزاحمتهم ليل نهار، فقبل أن تتوضأ اسأل كيف تتوضأ، تريد أن تتصدق بصدقة فاسأل عالماً: عندي صدقة فكيف أتصدق؟ تريد أن تنام فاسأل كيف تنام وعلى أي جنب تنام، ماذا تقول عند النوم، ماذا تقول إذا استيقظت؟ تعلم واعمل وامش، أردت أن تأكل فاسأل: كيف نأكل أكلاً يحبه الله؟ فيبين لك العالم كيف تأكل وما لا تأكل، فإن علمتَ فاعمل، ولا تزال تسأل وتعلم وتعمل حتى تصبح عالماً.
أما أن يعيش المرء الثلاثين والأربعين والخمسين من السنين وتسأله عما يكره الله فما يعرف، وتسأله عما يحب الله فيقول: ما أدري، إذاً: فكيف تعبده؟ إذ عبادته بأن تحب ما يحب وتكره ما يكره.
والمال يكون صامتاً وناطقاً ليس دائماً ديناراً ودرهماً، قد يكون فولاً وشعيراً أو تمراً، قد يكون شاة ولبنها، والشاهد: إن المال ما يتمول؛ وعبر عنه بالخير لأنه خير، والإنسان بفطرته بغريزته يحب الخير، واقرءوا لذلك: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وَإِنَّهُ [العاديات:8]، أي: الإنسان الآدمي لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8].
وَالْيَتَامَى [البقرة:215]: من فقدوا الآباء، وفاقد الأم لا يقال فيه: يتيم، وإنما يقال اليتيم لمن فقد أباه، لم؟ لأن الأب هو المنفق عليه، والذي تكفل بعيشه، وأما الأم فلا، وفي الحيوانات اليتيم منها فاقد الأم، هذا الجدي يتيم أمه ماتت، اطلب له مرضعة ترضعه، لكن أباه لا قيمة له؛ لأن الآباء في الحيوان لا تنفق على أبنائها، لكن في البشر اليتيم عندنا: من فقد والده، فإن ماتت أمه لا نقول فيه: يتيم، اليتيم من فقد أباه.
وَالْمَسَاكِينِ [البقرة:215] جمع مسكين، وهم الفقراء، لكن بعض أهل العلم يقول: المسكين من أذلته الحاجة ومسكنته وألصقته بالأرض؛ لأن المسكنة بمعنى الذل والانكسار، وهذا الذي فقد المال يذل وينكسر، فلهذا سمي بالمسكين.
وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215] هو الذي يأتي إلى القرية ماراً من بلد إلى بلد، من قرية إلى أخرى، فلما ينزل في القرية لا يعرف فيها أحداً، فمن يطعمه من يؤويه من يسقيه؟ المؤمنون، وهو عابر سبيل ما نعرفه، ابن الطريق، لا نعرف له أماً ولا أباً ولا جداً، هذا ابن السبيل، كأن الطريق هي التي أوجدته وهو ابنها لا يعرف ابن من، وفي الزمن الأول ما كانت فنادق ولا مطاعم ولا نزل، فحين يدخل الغريب في القرية وإن كان غنياً كيف يأكل، كيف يشرب، أين ينام، لا بد أن يقوم بهذا المسلمون، هذا ابن السبيل.
إذاً: فبين تعالى ما ينفق وفيمن ينفق، جواباً لـعمرو بن الجموح السائل الذي سأل رسول الله ليسأل الله تعالى، والله عز وجل أجاب السائل: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215] خمسة.
يقول: لقد بين تعالى طرق النفقة وسبلها، أي: بين لنا على من ننفق، فالأبوان ثم الأقرب فالأقرب واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهل ذكر شراء الطبول والمزامير والصور الخشبية والستائر على الجدران؟ لأنهم كانوا يسترون جدرانهم بالحرير والأقمشة، ما ذكر هذا.
إذاً: فهذه النفقة باطلة ما أذن الله فيها، لو أرادها لكان يجيب عنها، فأجاب عما أجاب وما سكت عنه لا ينفق فيه أبداً.
إذاً: من الليلة ما بقي من يشتري تلفازاً ولا الفيديو ولا أشرطة غناء، ومن يفعل ذلك فقد أنفق في غير ما أذن الله، فهو عاصٍ خارج عن طاعة الله، أما بين لنا كيف ننفق أو لا؟ فإن أضفنا أشياء ما أذن فيها أسأنا وأخطأنا الطريق، لاسيما ونحن بصراء عارفون علماء، لسنا جهلة يا معشر المستمعين والمستمعات، نقول: حين تشتري هذا التلفاز وأنت عامل أو فلاح أو تاجر أو مزارع، أسألك بالله: ما هو الذي يرجع إليك من هذا التلفاز؟ يرتفع دخلك اليومي؟ لا، تأمن من الأمراض والعلل والأسقام؟ لا، تكتسب شرفاً وسمواً بين أهلك والقرية؟ الجواب: لا، ما الذي تستفيده؟
الفائدة معدومة -والله- انعداماً كاملاً، اللهم إلا مسئول حاكم سياسي مضطر إلى أن يطلع على أحداث العالم فهذا شأنه إذا نوى بذلك الحفاظ على أمة الإسلام ودولتها وبلادها وخيرها ودينها، يثاب ولا يأثم، لكن إذا ظهرت عاهرة تغني ضغط عليه وأسكته أو أغمض عينيه، فلا يسمع ولا يشاهد إلا ما يعود عليه بخير في مهمته التي هو لها، أما بقية النساء والرجال في العالم الإسلامي فوالله! ليخسرون أولاً الوقت، وهو أغلى شيء، فالذي يضيع الساعة والساعتين وهو يشاهد ويسمع ما لا يعود عليه بخير والله! لقد أنفق وقتاً الدقيقة منه لو يجتمع أهل الكرة الأرضية على أن يعطوكها ما استطاعوا، فالوقت أغلى من الذهب.
ثانياً: لما تأخذ في المشاهدة سوف تتأثر نفسياً، وتتأثر بماذا؟ بالسوء والباطل لا محالة، فاكتسبت -إذاً- سيئات وما أنت في حاجة إليها.
ثالثاً: لا يحل لمؤمن أن يوجد صور عاهرات في بيته، لو كانت صورة على ورقة فهي محرمة، فكيف بصورة واقعية؟
رابعاً: إن أنت كنت عصامياً كما يدعون، فبناتك وأولادك ونساؤك ما عندهم هذه القدرة على أن يتحفظوا أبداً، ما يستطيعون، يصبح الأولاد يعملون نفس الأعمال التي يشاهدونها، تلك الحركات يعملونها، ووالله! لقد فعلوا، فربيت أسرتك على باطل وشر، وأنت المسئول عنها، فهل يصح بعد هذا أن ننفق أموالنا في شراء هذه الأباطيل؟
أما آثارها السيئة فهي تظهر وكل يوم تتجلى الحقائق، نصبح نقلد الكافرين في مشيتهم وحركاتهم وأصواتهم وحتى نطقهم وكلامهم.
فرحم الله هذا التابعي المؤمن القائل: لقد بين الله تعالى وجوه النفقة وحددها، فلم يذكر طبلاً ولا مزماراً ولا صورة من خشب ولا غيرها، ولا ستائر للجدران، فمن أوتي مالاً فلينفق حيث بين الله تعالى له الإنفاق.
قد يقول قائل: لم هذا الشيخ دائماً معني بموضوع التلفاز والفيديو والأغاني؟
الجواب: لأنه ما أمامنا معصية مشاهدة إلا هذه، لو انتهت فلن نتكلم فيها، فكيف أرضى وأنا لا أرضى لنفسي ولا لأسرتي أن يوجد في بيوتهم هذا، ونرضى به للمؤمنين والمؤمنات؟!
فهذه الآية الكريمة بينت لنا ماذا ننفق وعلى من ننفق، فلنطع الله عز وجل، فإن كان لنا مال نحتاج إلى إنفاقه فلننفق أولاً على أنفسنا وأبنائنا وبناتنا وأزواجنا، ثم ننتقل إلى آبائنا وأمهاتنا ثم الأقرب فالأقرب فالأقرب، ثم الفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل، هذا العلم تلقيناه عن الله عز وجل، فالحمد لله، والبشرية الكافرة ما عرفت هذا ولا سمعت به.
أولاً: لا بد من العدة والعتاد والطاقة بمعناها، وهذا فرض فرضه الله علينا نحن أولياءه وحاملي رسالته، ومن العدة والعتاد أن يكون أمرنا واحداً، لا خلاف بيننا ولا اختلاف، راية واحدة وإمام واحدة، فريضة الله، عرف العدو هذا فمزق دولتنا إلى نيف وأربعين دولة، فتركنا مختلفين متنازعين، وجعل الراية رايات، فهل نستطيع أن نقوم بهذا الواجب ونحن مفترقون متشتتون منقسمون على أنفسنا، من يقول: نستطيع؟ والله! ما نستطيع، ويدلنا على ذلك بوضوح: أن اليهود غزونا واستعمروا ديارنا وبنو دولتهم فيها، هل استطاع العالم الإسلامي أن يطرد اليهود من فلسطين؟ ما يستطيع؛ لأنه متفرق مختلف، ما هو بأمة واحدة ولا دولة واحدة أبداً، عشرات الدول، فأول عدة ينبغي أن تكون هي توحيد كلمة المسلمين، هل توحيد كلمتهم من الصعوبة بمكان؟ لا والله، متى آمنوا إيماناً حقيقياً أصبحوا أمة واحدة، والعدو عرف هذا ففتت وبدد طاقات الإيمان من قلوب المسلمين، فأصبحوا مؤمنين صورياً، لا حقيقة، إلا من رحم الله، إذ لو آمنوا إيماناً حقاً لأنفقوا كل شيء، فلم يبقوا يحافظون على التراب والطين والقبيلة والوطن والمال والنفس، لكن ما آمنا الإيمان الحقيقي.
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول.
من قال هذا؟ أولئك العرب الأقدمون، قالوا: كتب القتل والقتال علينا، نموت ونميت، نَقتُل ونقتَل.
(وعلى الغانيات جر الذيول) من هن الغانيات؟ الغانيات: النساء المؤمنات، ماذا كتب عليهن؟ جر الثياب الطويلة، ما تجعل ثوبها إلى فخذيها كالمتحررات أو إلى نصف ساقيها أو كعبيها، ثوبها يمشي وراءها الشبر والشبرين والذراع، وقد سألت مؤمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نجاسته، فقال: لا شيء عليك، لأنك تجرينه على الأرض، فالطاهرة تطهر النجس.
فمتى يعود نساؤنا على هذه الصورة؟ حين نؤمن وندخل في الإسلام بجد وصدق، وحينئذٍ فجأة وإذا بالمؤمنات مقصورات في الخيام كالحور العين، يربين البنين والبنات ويعبدن الرحمن، ويسعدن الأزواج في تلك البيوت، ومعنى هذا: أنه ما هناك وظيفة للبنت، هذه الوظيفة فتحت فاها فأصبحت كالأفعى، أشقت الرجال، وحطمت معانيهم وكراماتهم.
الآن المرأة موظفة تأخذ كذا ألفاً، والفحل غير موظف فتزدريه، فتسخر منه! وما شعرنا، ما أحسسنا، ما فهمنا أبداً، كالمسحورين تماماً.
لِم تخرج المؤمنة موظفة؟ هل هي في حاجة إلى ما تطعم نفسها به؟ الفحل هو المسئول عنها، الأب هو المسئول، الأخ هو المسئول، نساؤنا يعشن في ظل فحولنا، لا أنها هي التي تقوم بالعمل، ثم لو كانت تقوم بحلب الشاة أو البقرة، أو جمع كذا في بستانها الخاص بها فلا بأس، أما أن تتوظف مع الرجال وتصبح رجلاً في كل شيء فوالله! لهو المسئول تماماً؛ لأن الكفار.. المشركين .. اليهود.. النصارى لا دين ولا مروءة ولا رجولة ولا فحولة فيهم، حيوانات، فإذا انسلخ نساؤهم وخرجن كاسيات عاريات وتزاحمن على الوظيفة لأجل الدينار والدرهم فلا غرابة، ولا عجب، أما أهل الإيمان فهم هداة البشرية
من يهدي الإنسانية سواهم؟ فحين يقلدون الآخرين ويصبحون مثلهم وأسوأ حالاً منهم كيف سيؤدون هذه الأمانة؟
قد يقولون: إذا لم تترقوا، إذا لم تنتقلوا من حال إلى حال وبقيتم متخلفين سوف تداسون بالنعال، والله! إن هذا كله هراء، لا وزن له في الواقع أبداً، بل العكس، والله لو أسلمنا في أربع وعشرين ساعة فكانت كلمتنا واحدة، ونساؤنا في بيوتنا وفحولنا يأخذون ويعطون لارتج العالم واهتزت أركانه، ولا ينفع هيدروجين ولا ذرة ولا صاروخ.
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
تغنى بهذا الشعر المسلم العربي.
ولما أحب الله القتال والقتل في سبيله أحبوا ما أحب الله، وخرجوا إلى القتال فرحين مسرورين، بل كان أحدهم يطرب عند المعركة ويهلل ويكبر، والله عز وجل أخبر بواقع عباده، إذ هو غارز غرائزهم، وخالق طباعهم، طبعنا هو هذا، نكره القتل والقتال، لكن ما إن كتبه الله وفرضه على أوليائه حتى تغير الطبع وأصبح المحبوب مكروهاً والمكروه محبوباً، فهو يخبر بهذا تمهيداً لهم، لينتقلوا من حال إلى أخرى
أعلمهم بأنه كتب عليهم القتال وهو كره لهم بالفطرة يكرهونه، الدخول في المعارك وإراقة الدماء وكسر الجماجم والسقوط في الميادين، هذا مكروه للإنسان بطبعه، لكن إذا كان الله قد أحبه فإنه يحبه أولياؤه.
رب أمر تتقيه جر أمراً ترتضيه.
(رب أمر تتقيه) كالقتال (جر أمراً ترتضيه) وتحبه
وكم من أمر تتقيه وتخافه جر إليك أمراً ترتضيه وتحبه.
خفي المحبوب منه وبدا المكروه فيه.
فسر الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] ببيتين من الشعر، فنحن نكره القتال وهو خير لنا، نحب الجبن والقعود في البيت وهو شر لنا، وهو كذلك.
ومما يؤثر عنهم ونحفظه: أنهم لما ترقوا وتحضروا أدخلوا في المستشفيات الأغاني، قالوا: مما يساعد المرضى على النقاهة والترويح على أنفسهم أن تجعلوا لهم مغنيات! وهذا المطلب طلبه أحد كتابنا في جريدة المدينة أو البلاد منذ حوالي خمس وعشرين سنة، وطالب الحكومة بأن تدخل الأغاني للتسلية على المرضى! تحت عنوان: الموسيقى لا الدواء، كتب هذا ورددنا عليه وأدبناه، والحمد لله، وما وقع الذي طلب، قلنا له: على مهلك، فنحن ما عندنا أكثر من أربعين سنة تنفسنا فيها الصعداء وشممنا رائحة الخير في ديارنا هذه، فلم تستعجل البلاء؟ على الأقل بعد مائة وخمسين سنة، أراد أن يستعجلها، وذكرنا له الأندلس ديار الإسلام، جنة العالم الإسلامي، ديار العلم والعلماء والأبرار والأتقياء والكمال والعزة والسيادة، اهتزت لها أوروبا من شرقها ومن غربها، فلما آثروا الزخارف والأباطيل والملاهي والملاعب سلط الله عليهم النصارى، هي سنته، فاجتاحهم الغرب وفعل فيهم ما لا يحصى، رموهم بالمئات في البحر، مزقوهم.. صلبوهم.. شردوهم.. شتتوهم، حولوا المساجد إلى كنائس، أما في هذا عبرة أبداً؟!
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ معنى الآية الكريمة ] أي: الآية الأولى، وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215].
قال: [ سأل عمرو بن الجموح -وكان ذا مال- رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق وعلى من ينفق؟ فنزلت الآية جواباً لسؤاله، فبينت أن ما ينفق هو المال وسائر الخيرات، وأن الأحق بالإنفاق عليهم هم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين، وأبناء السبيل، وأعلمهم تعالى أن ما يفعله العبد من خير يعلمه الله تعالى ويجزيه به، فرغب بذلك في فعل الخير مطلقاً ]، ليس المال فقط: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215]، صلاة .. صيام.. جهاد.. رباط كله خير.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية:
أولاً: سؤال من لا يعلم حتى يعلم، وهذا طريق العلم ]كما علمنا، سؤال من لا يعلم من يعلم، وهو واجب، وهذا هو الطريق للوصول إلى العلم، سؤالك عما لا تعلم أهل العلم وجوابهم لك هو العلم، انظر هداية هذه الآية.
سؤال من لا يعلم حتى يعلم، يواصل السؤال وما ينقطع إلى أن يعلم، [ وهذا طريق العلم، ولهذا قالوا: السؤال نصف العلم.
كما أن (الله أعلم) نصف العلم أيضاً، فالسؤال نصف العلم، إذا سأل علم أو لا؟ فالسؤال نصف، وقولك: (الله أعلم) نصف العلم، إذا سئلت عما لا تعلم وقلت: الله أعلم فهذا نصف العلم، فانحصر العلم في السؤال وفي التفويض إلى الله، أي: الله أعلم.
[ ثانياً: أفضلية الإنفاق على المذكورين في الآية إن كان المنفق غنياً وهم فقراء محتاجون ]، من هداية هذه الآية بيان أفضلية الإنفاق على المذكورين في الآية: الأبوان، والأقرباء واليتامى والمساكين وابن السبيل، إذا كان المنفق غنياً وهم فقراء محتاجون إليه.
[ ثالثاً: الترغيب في فعل الخير والوعد من الله تعالى بالجزاء الأوفى عليه ]، تضمنت هذه الآية هداية، وهي الترغيب في فعل الخير: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، أي ترغيب أعظم من هذا؟ فمن استطاع أن يفعل خيراً فليفعل ولو إزالة شوكة من الطريق، فإن الله به عليم، ولازمه: أنه يثيب عليه ويجزي به.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ معنى الآية الكريمة:
يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال المشركين والكافرين، وهو يعلم أنه مكروه لهم بطبعهم لما فيه من الآلام والأتعاب وإضاعة المال والنفس، وأخبرهم أن ما يكرهونه قد يكون خيراً لهم، وإن ما يحبونه قد يكون شراً لهم، ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما فيه من عزتهم ونصرتهم ونصرة دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الآخرة، كما أن ترك الجهاد محبوب لهم، وهو شر لهم؛ لأنه يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم، وانتهاك حرمات دينهم، مع سوء الجزاء في الدار الآخرة.
وهذا الذي أخبرهم تعالى به من حبهم لأشياء وهي شر لهم، وكراهيتهم لأشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم الله به قبل خلقه، والله يعلم وهم لا يعلمون، فيجب التسليم لله تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه خير لا شر فيه ].
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية:
أولاً: وجوب الجهاد على أمة الإسلام ما بقيت فتنة في الأرض وشرك فيها ]، الجهاد فريضة الله على العالم الإسلامي ما بقي كافر ومشرك، ولا يسقط هذا الفرض أبداً حتى لا يبقى في الأرض من يعبد غير الله، ودليل ذلك قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]، والآن كيف حال المسلمين؟ والله! إنهم لآثمون وغارقون في هذه المعصية حتى يوحدوا إمامهم وصفوفهم ويقاتلوا أعداء الله ليهدوهم ويصلحوهم ويجعلوهم من أهل الكمال والخير.
ويوم القيامة نسأل عن الذين يدخلون النار؟ هؤلاء كفار فأين كنتم أنتم؟ لِم ما دعوتموهم؟ لِم ما بينتم لهم؟ ونحار في الجواب ونعجز.
[ ثانياً: جهل الإنسان بالعواقب يجعله يحب المكروه ويكره المحبوب ] هذا هو السر، لو يعرف العاقبة وما يكون بعد فسيحب ما يُحب ويكره ما يُكره، لكن للجهل يحب المكروه ويكره المحبوب، لو علم ما يأتي بإزاء هذا العمل ما كان يحب إلا ما أحب الله، ولا يكره إلا ما يكره الله.
[ ثالثاً: أوامر الله كلها خير، ونواهيه كلها شر، فلذا يجب فعل أوامره واجتناب نواهيه ]، بالله الذي لا إله غيره! إن أوامر الله لكلها خير، وإن نواهيه لكلها شر، ومن فعل المحبوب فاز بالخير، ومن ترك المكروه لله فاز بالنجاة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر