أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم، آمين.
هذا هو النداء [ السادس والخمسون] إذ سبقه خمسة وخمسون نداءً، ونداءات الرحمن هي تسعون نداءً، وقد اشتملت على كل ما يتعلق بحياة المؤمن عقيد وآداباً وأخلاقاً، وعبادات وبيان الحلال والحرام، وعلى أحوال الحرب السلم والمعاهدات، فكل ما يتعلق بحياة المسلمين احتوته هذه النداءات؛ فهي نداءات الرحمن لأهل الإيمان.
وقد ناداهم ربهم إما ليأمرهم بفعل ما يكملهم ويرشدهم، أو لينهاهم عما من شأنه أن يخسرهم ويشقيهم، أو يناديهم من أجل أن يعلمهم ما يسمون به ويعلون، أو يناديهم من أجل أن يبشرهم بما يزيد في طاقة إيمانهم وصالح أعمالهم، أو يناديهم ليحررهم مما هو ضرر بهم، مفسد لحياتهم، مخيب لعملهم. وهذا شأن الولي مع أوليائه. والله ولي المؤمنين.
وها نحن مع هذا النداء الكريم، وهو نداء اشتمل على آيتين اثنتين من كتاب الله عز وجل، وهو نداء عظيم وجليل، ولسنا بأهل لأن نستوعبه، ولكن نطلب منه ما شاء الله أن يهب لنا ويعطينا منه، ونعترف بتقصيرنا وعجزنا، فمستوانا لا يصل إلى هذا، ولكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، ولا نيأس ولا نقنط أبداً، فربنا واسع الفضل عظيم.
وهذا النداء هو [ في الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والجهاد ولزوم الإسلام والاعتصام به ] وهيا نتغنى بهذا النداء ساعة؛ تلذذاً بكلمات الله، ونحاول أن نحفظها؛ لتصبح نوراً في قلوبنا.
قال: [ الآيتان (77 ، 78) من سورة الحج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:77-78] ] وكلام الله لذيذ طيب، ينشرح له الصدر، وتتوق له الأرواح الطيبة الطاهرة، وهو لا يوازى بأغنية من أغاني العواهر والمجرمين، والبعد بينهما بعد ما بين السماء عن الأرض، وبعد الحق عن الباطل، وبعد الخير عن الشر. والمفروض على المسلمين أن يتغنوا بكلام ربهم في بيوتهم، لا أن يسمعوا أصوات العواهر من المغنيات؛ لأن البيت الطاهر الذي يتلى فيه كتاب الله لا ينبغي أن يلوث، أو أن يلطخ بأصوات من لا يحل سماع صوتها، ولكن لغفلة المؤمنين طردوا الملائكة من بيوتهم، وفتحوها للشياطين، وهذا لا يليق هذا بالمؤمنين.
وإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ). وقد قال هذا وهو يشير إلى صورة منسوجة بالخيوط، ولا ملامح لها ولا تجاعيد، ولا غير ذلك.
ويقول: ( أزيلي عني قرامك يا
فلنستبدل بأصوات المغنين والمغنيات كلمات الله نتلوها، وليجتمع أهل البيت اجتماعنا هذا، ويتعلمون ليلة آية وأخرى حديثاً، فيتعلمون الهدى والعلم والمعرفة، فلا يزالون يسمون ويرتقون، لا أحسب أن تمضي عليهم سنة إلا وهم حقاً أولياء الله، إذا سألوه أعطاهم، وإذا استنصروه نصرهم، وإذا استعاذوه أعاذهم؛ لأنهم أولياؤه، ولن يضيعهم.
والذي أصاب المسلمين أنهم نسوا ذكر الله، فأنساهم أنفسهم.
وهذا النداء الكريم شمل آيتين، وسوف تمر بكم معارف وعلوم لن تحصلوا عليها في دنيا البشر، ولا في كلام الحكماء ولا في غير ذلك، وهما آيتان فقط من ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، وفي نداء واحد من تسعين نداء، فأصغِ يا بني! واسمع وتأمل ما يقال.
[ الشرح ] يقول الشارح بعد بسم الله: [ إنه بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلاثة ] وأقسام العقيدة الثلاثة هي [ التوحيد، والنبوة، والبعث الآخر والجزاء فيه ] فعقيدة المسلمين تشتمل على هذه الثلاثة الأقسام، وهي:
أولاً: التوحيد بأن لا إله إلا الله، فلا يعبد في الملكوت إلا الله.
ثانياً: وعقيدة النبوة، وتقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فنثبت عقيدة التوحيد والنبوة المحمدية.
ثالثاً: ثم عقيدة البعث والجزاء، وهو الإيمان باليوم الآخر. وهذه السورة قررت هذه العقيدة بأقسامها الثلاثة.
بعد هذا التقرير الإلهي [ نادى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين، بعنوان الإيمان ] أي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:77] [ الدال على كمال الحياة الروحية ] فالمؤمنون أحياء والكافرون أموات، فلا نقتدِ بهم، ولا نأتسِ بسلوكهم، ولا نحاول أن نكون مثلهم؛ لأنهم أموات، ونحن أحياء. وهذه هي العلة. فالمؤمن حي، والحي يسمع النداء، ويعي ويفهم ممن يناديه ما من أجله يناديه، والكافر ميت، كما قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]. والمؤمنون اليوم لم تكمل حياتهم؛ لأن إيمانهم لم يكمل، بل ضعف، فقد احتال عليهم الكافرون أهل الثالوث فزعزعوا إيمانهم وأضعفوه، وأصبح ضئيلاً عند أكثر المؤمنين. فالله ناداهم بعنوان الإيمان الدال على كمال الحياة الروحية [ وقوة الإرادة العملية ] لأن المؤمنين أحياء.
وهو إذا ناداهم ليأمرهم يعلم أنهم يقدرون على العمل، وإذا ناداهم لينهاهم فهو يعلم أنهم قادرون على أن يتركوا ما نهاهم عنه، ولو كان أعز عزيز عندهم أو أحب ما يحبون، وقد تركوا آباءهم وأمهاتهم، وأبنائهم وبناتهم، وديارهم وأموالهم، وخرجوا من مكة يريدون رضا الله وحبه، وإذا آمن العبد هان عليه أن يقدم نفسه لرضا الله عز وجل.
قال: [ ناداهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:77]، أي: يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً، لا رب غيره، ولا إله سواه، وآمنتم بمحمد نبيه ورسوله، وآمنتم بلقائه ] أي: لقاء الله [ وما أعد لأوليائه ] من نعيم مقيم [ وما لديه لأعدائه ] من العذاب الأليم. وقد ناداهم ليقول لهم: [ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] ] فاعلموا أنه ناداكم ليأمركم بأن تركعوا وتسجدوا له؛ لأن الركوع والسجود سلم عكسي يرقى بنا إلى الملكوت الأعلى، كما قال تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]. وهنا قال: [ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، أي: لربكم وحده، فأطيعوه فيما يأمركم به، وفيما ينهاكم عنه، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77]. وهو كل ما انتدبهم ربهم إليه ورغبهم فيه من أنواع البر وضروب العبادات؛ ليتأهبوا بذلك للفلاح ] فقد قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]. وتستعدوا بذلك للفلاح، والفلاح ليس ربح شاة أو بعير أو قصر أو منزل أو وظيفة، وإنما هو الفلاح [ الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار ] وقد عرفنا هذا وعلمناه الله، فقد قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]. فاعملوا أيها الشغالون! وواصلوا العمل، ولا تطالبوا بالأجر هنا، بل أجركم عند نهاية العمل. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]. فالله يعلمنا هنا معنى الفلاح. وهذا الفلاح هو [ الدال عليه ] قوله تعالى: [ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] ] ولعل هذه ليست لعل الترجية، بل هذه لعل الإعدادية، أي: ليعدنا بذلك للفلاح.
ولا يحل أبداً أن يركع مؤمن لغير الله، ولا أن يسجد لغير الله، ومع الأسف توجد بدع في بلد زرناه، فهم يأتون إلى ضريح السيد يزحفون زحفاً، ولا يقفون، ويسجدون على الضريح، فيضعون وجوههم على التراب؛ تعظيماً للسيد، وأما أهل القرآن أتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم فلا ركوع ولا سجود عندهم إلا لله.
وأنبه أيضاً: أن لاعبي الكراتيه هؤلاء رأيتهم بعيني في غير ديارنا هذه يركعون - وهذه تحية- لرؤساء اللعبة أو المسئولين عنها، ويفعل هذا الفلبينيون واليابانيون، ومع الأسف يقر أهل الإيمان هذا، ويفرحون به إلا من شاء الله. وهذا لا يجوز. فإذا أردتم أن تجلوهم وتُكْبِرُوهم فقولوا: جزاكم الله خيراً، فقد أكرمتمونا، وأما أن تركعوا تقليداً لأهل الشرك والكفر وأنتم من أهل القرآن فهذه معرة كبيرة، وخزي لا يسكت عنه. وهذه اللعبة يسمونها الكراتيه، فانتبهوا.
ونحن عندنا رياضة، فإذا احتجنا إلى الرياضة الحقة فعندنا الصلاة، ووالله لو أن أحدنا يحسن الوقوف بين يدي الله ويطيله وهو يتلو كتابه، وإذا ركع مد ظهره واعتدل في ركوعه، وأخذ يسبح الله عشر دقائق أو عشرين دقيقة ويقول: سبحان ربي العظيم، ثم يرفع ويعتدل ويطيل، ثم يسجد، ويركع أربع ركعات فهي خير له من لعبة الكراتيه كلها. ولكنهم صرفونا عن هذا المنهج، واستبدلوه لنا بهذه الأباطيل والتراهات. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أذيبوا طعامكم بالصلاة وذكر الله ). وكيفية إذابة الطعام بالصلاة أي: بالركوع وإدامته، والسجود وذكر الله، فإذا أكل أحدنا فلا ينام مباشرة، بل على الأقل يصلي أربع ركعات قبل النوم؛ حتى يذوب طعامه في بطنه. وقد قال أحد الأبناء: من الليلة نبدأ، ونحن بدأنا من زمان يا بني! ولكن هذا هو المؤمن، فإذا عرفنا نلزم [ كان هذا ما دلت عليه الآية الأولى ] من هذا النداء.
اعلموا أن الجهاد له ثلاثة مواطن: أولاً: جهاد الكفار والمشركين والمنافقين، والثاني: جهاد الشيطان - عليه لعائن الرحمن- والثالث: جهاد النفس. فإذا تعطل أو توقف جهاد الكفار لظروف وأحوال لم ينته الجهاد، بل يبقى جهاد أعظم، وهو جهاد الشيطان، وجهاد أعظم منه، وهو جهاد النفس، وليس عندنا فراغ حتى نغني، بل الجهاد دائم. فإذا لم يمكننا أن نجاهد الكفار لما أصابنا من خلل أو ضعف أو تفرق فجهاد النفس ملازم لنا، ولا ينفك حتى الموت، وجهاد الشيطان كذلك.
وهنا لطيفة تروى عن إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهو في سياقات الموت وابنه إلى جنبه، فقد كان يقول: آه! آه! بعد .. بعد، فاستغرب ولده هذا الكلام، فلما أفاق سأله ماذا يعني بكلمة: آه! بعد .. بعد، فقال: إن العدو واقف أمامي، ممسك بلحيته يقول: آه! فتنا يا أحمد ! ولم نستطع أن نظفر بك ونحصل عليك، فقد فتنا، فأقول: لا، بعد، فما دامت الروح في الجسم فلا اطمئن إلى أننا نجحنا. رحمه الله. هذا هو جهاد الشيطان، فهو لا يتخلى عنك أبداً إلا إذا فاضت روحك.
وبالمناسبة: السامعون كثر اليوم، وعلهم يبلغون عنا المسئولين.
وبالأمس كنا مع النداء الخامس والخمسين، وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]. وقد قاتل المؤمنون، واتسعت رقعة بلادهم حتى انتهوا إلى أقصى الغرب والشرق، ثم وقفنا بسبب كيد أعدائنا، بعد أن مزقونا وشتتونا، فهيا نعيد الجهاد، ونرسو بسفننا على سواحل أوروبا، وعلى سواحل اليابان، وعلى سواحل أمريكا، ولا تقولوا: لا، فقد فتح الله لكم الدنيا، فالآن الجماعات الإسلامية في أمريكا .. في كندا .. في أوروبا بكاملها شرقها وغربها .. في اليابان .. في الصين، فالأبواب مفتوحة، وليس هناك حاجة إلى أن نركب البواخر ونرسو على شواطئهم، فليس هناك حاجة إلى هذا أبداً والله.
هذا نداء الأمس، وهو قوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة:123]. وليس هناك حاجة الآن أبداً إلى قتالهم، فقد فتحوا لنا الباب، وقد قدمنا أنهم إذا سمحوا لنا بالدخول أننا لا نقاتلهم. هذا هو الواجب. وبلادهم الآن مفتوحة، ففرنسا فيها ألف مسجد، وأحلف لكم على هذا، ويمكن أن تكون بريطانيا فيها أكثر، وألمانيا ذات المخ الممتاز لا تسأل عن الجمعيات والمساجد فيها. وبعد هذا نسأل الله فقط أن يلهم المسئولين أن يكونوا لجنة أو منظمة على شكل رابطة العالم الإسلامي، فتمد يدها، وتبدأ بسم الله ونحن وراؤها. وأول شيء تفعله هو أن تزور العالم الإسلامي بلداً بلداً، وتطالب المؤمنين بأن يؤدوا ضريبة الجهاد، وفي ظرف أربعين يوماً تتكون هذه الميزانية الضخمة التي لا تملكها حتى أمريكا، ويمكنهم بعد ذلك أن يبعثوا لجاناً لكل إقليم في العالم، ويقدرون الجمعيات وأفرادهم وأعمالهم، ويقدمون الكتاب والمربي والنفقة للمسجد أو المركز، وتمشي أمة الإسلام، فلا يبقى مذهبية ولا عنترية ولا خلاف، بل قال الله وقال رسوله، فيظهر الزكاء والطهر والصفا، ويصبح الأوروبيون يعجبون من هؤلاء الأفراد عندما لا يرون فيهم خيانة ولا خمراً، ولا سرقة ولا تلصصاً، ولا غير ذلك، فيتساءلون عن سبب ذلك، فيعلمون أن النور قد غشا قلوبهم، فيتساءلون عن مكان وجود هذا النور، فيقال لهم: تعالوا عندنا، ومع ضعفنا وهبوطنا والله ليدخلون في دين الله أفواجاً. وقد بلغكم وقررنا ألف مرة: أن القوات التي غزت وجاءت لإنقاذنا أسلم منهم أربعة آلاف أمريكي، فقد وجدوا من يدعوهم، ومن يسلك بهم سبل الهدى والرشاد. وهذه النتيجة لو أننا أقبلنا. وعلى كل حال: اللهم اشهد، فقد بلغنا. وقد كتبت في الجريدة عدة مرات، ولا يوجد كاتب يعلق أبداً؛ لأن الوقت الذي يأذن الله فيه لم يأت بعد.
أولاً: النفس الأمارة بالسوء، وهذا نبي الله يوسف يقول: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53]. وقد قال بعض العلماء - ولعله شيخ الإسلام ابن القيم -: إن هذا القول لـزليخة ، ولا والله ما كان لـزليخة أن تقول هذا وهي مشركة، بل هذه قالها يوسف الصديق، فهو الذي قال: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53]. فهذا لا تقوله الصعلوكة، وهذا ليس معقولاً أبداً.
ثانياً: النفس اللوامة، كما قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، أي: أقسم بها. فالنفس لما تجاهدها جهاداً متواصلاً تنتقل من الأمر بالسوء إلى فعله مع اللوم عنه. فالنفس تأمر بالسوء وبالزنا وبالفجور وبالقبح وبالكذب وبالخيانة، فإذا جاهدها صاحبها وأخذ يعمل فإنها تنتقل إلى أن تصبح لوامة، بمعنى: أنه يفعل الجريمة وبعدها يندم ويستغفر ويتحسر. هذه المرحلة الثانية. أما إذا لم يجاهدها فتبقى أمارة حتى الموت، لكن إذا تفطن وأخذ يجاهدها فتنتقل إلى مرحلة ثانية، وتصبح إذا فعلت الجريمة تندم وتلومه على فعلها، ويلوم نفسه كما تعرفون.
ثالثاً: ثم يواصل الجهاد حتى تصبح المطمئنة، كما قال تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27]. وهناك الآن نفوس مطمئنة في الحلقة، مرتاحة وسعيدة، ولا تريد أن ينتهي الدرس، وهناك القلقة اللوامة، التي ليست مستريحة.
والمؤمن ذو النفس الطيبة الطاهرة إذا جلس مجلساً وذكر فيه باطل فإنه والله لا يطيق، بل يحزن، وتتألم نفسه؛ لأنها مطمئنة. هذه مراحل النفس.
أولاً: الطهارة الكاملة برفع الحدث بالوضوء إن كان أصغر، وبالغسل إن كان أكبر، وطهارة البدن والثوب والمكان الذي يصلي فيه العبد من ] سائر [ النجاسات كالبول والعذرة والدم.
ثانياً: أن تؤدى في أوقاتها المعلومة، فلا تقدم ولا تؤخر إلا لعلة سفر أو مرض.
ثالثاً: أن تؤدى في جماعة المؤمنين، لا انفرادياً، إلا في ضرورة قصوى.
رابعاً: الإتيان بأركانها، وهي قراءة الفاتحة في كل ركعة، والطمأنينة في الركوع والرفع منه، وفي السجود والجلوس، مع اعتدال الأعضاء في ذلك كله.
خامساً: مراعاة سننها وآدابها، حتى تصبح قادرة على إنتاج الطهر والصفا للروح ] أي: توليد الطاقة [ هذا معنى: إقام الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، ويعتصموا بالله، بمعنى: يتمسكوا بدينه الإسلام وما حواه من الشرائع والأحكام، وآداب وأخلاق؛ إذ هو سبحانه وتعالى مولاهم، والمولى يجب أن يُحب ويُعظم ويُطاع، فهو حينئذ نعم المولى لهم، ونعم النصير؛ لأنهم أحبوه وعظموه وأطاعوه ].
وأخيراً: - على كل حال- لما يكون هذا النداء في أيديكم إن شاء الله وفي بيوتكم فستتمكنون من القراءة بشكل أوسع من القراءة في الدرس.
قال: [ تنبيه: القارئ لهذا النداء ولما سبقه من آيات إذا كان متطهراً إذا قال: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] خر ساجداً مسبحاً ] لله سبحانه وتعالى.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر