إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 41للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرم الله عز وجل على حجاج بيته الحرام ومعتمريه الصيد أثناء إحرامهم، ورغم هذا التحريم فقد جعله في متناول أيديهم؛ امتحاناً منه سبحانه وتعالى لهم، واختباراً لصبرهم عن مناهيه، وجعل هذا الحكم متعلقاً بالحجاج والعمار سواء كان الصيد في الحل أو في الحرم، ويشترك معهم غيرهم في حرمة صيد الحرم.

    1.   

    تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم، وحشرنا في زمرتهم، ورضي عنا كما رضي عنهم. آمين.

    نداء أمس قد احتوى على أربع محرمات، وهذه المحرمات هي: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام. وقد وصفها الرحمن بأنها رجس، ومن عمل الشيطان.

    معنى الأصنام وحكمها

    الأصنام لفظ يطلق ابتداءً على تماثيل تعبد من دون الله، ولما كانت البشرية كلها متورطة في الشرك والجاهلية حرم الله تعالى علينا صنع تلك التماثيل وبيعها وشراءها واقتناءها، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يشتري تمثالاً وإن كان لهر، أو عصفور، فضلاً عن أن يكون غزالاً أو إنساناً. فنحن أولياء الله لا بد أن تكون بيوتنا طاهرة كبيوت ربنا، فلا نسمع فيها صوت عاهرة من النساء، ولا نشاهد فيها صوراً لكافر، ولا نسمع فيها إلا ذكر الله وما والاه.

    وقد تورط إخوان لكم لجهلهم وظلمة نفوسهم فأصبحوا يتخذون هذه الأنصاب، وينصبونها حتى وراء السيارات، فاستعيذوا بالله من الجهل وظلمته.

    معنى الأزلام وحكمها

    الأزلام هي عبارة عن ثلاثة عيدان، أو سهام يكتب على أحدها: أمرني ربي، وعلى الثاني: نهاني ربي، والثالث: لا يكتب عليه شيء، بل يتركونه مهملاً. وقد كانوا يأتون إلى هذا المختص بهذه البدعة الشيطانية ويقدمون له المال، فيدير تلك العيدان في كيسه أو في خريطته ويستخرج عوداً منها، فإن كان مكتوب فيه: أمرني ربي فيقول له: تزوج، فزواجك صالح، وإن كان يريد أن يطلق قال له: طلق، فقد أمرك الله أن تطلق، وإن كان يريد أن يبني قال له: ابنِ ولا تخف، وهكذا، فيقدم على العمل الذي أراد أن يقوم به وأراد أن يعرف قسمة الله له، فإن خرج العود الذي فيه: نهاني ربي ترك، فإن أراد أن يتزوج ترك، وإن أراد أن يبني ترك، وإن أراد أن يسافر قعد.

    ومن العجيب أننا أبطلنا الأزلام وجعلنا أزلاماً أخرى أسوأ منها، ومما ذكرت لكم من ذلك: ما يعرف بخط الرمل، وهذا أكثر ما يكون في ديار المغرب، ومن الجائز أن يكون في المشرق.

    ومن ذلك: قرعة الأنبياء، وهي تباع وتشترى.

    ومن ذلك: المسبحة، فقد كانوا يقبضون الحبات، فإن جاءت أزواجاً قال له: امض في أمرك؛ فأنت رابح، وإن كانت وتراً قعد.

    ومن ذلك: الشوافات، وهذه موجودة في المشرق أكثر، وتسمى بالجزانات في الديار المغربية، وهذه تدعي علم الغيب، وتقول: افعل ولا تفعل مقابل دريهمات، ويأتي إليها الفحل من الرجال. وقال أحد الأبناء تسمى: قارئة الفنجان، وهذه متنبئة صغيرة، فهي تقرأ الغيب في الفنجان، ويأتيها الرجال والنساء ليكتشفوا أسرار الله التي أخفاها، ولو تتصورون جريمة من يريد أن يطلع على الغيب، وقد ضربنا لها مثلاً غير ما مرة، فإذا كان أخوك .. أبوك .. صديقك .. أميرك يخفي شيئاً عن أعين الناس لأهميته فلا يليق بك ولا يحسن بك ولا يصلح لك أن تأتي وتكشف عما يستره، فافهموا هذا. فلو علمت أن أخاك أو إنساناً آخر يستر شيئاً لما في معرفته من الأذى والضرر فلا تأتي أنت وتكشفه، وإلا لكان موقفك أسوأ موقف، ولو صفعك لما كان ظالماً لك. والله عز وجل يخفي الغيب لينتظم سير الحياة ولا تتعطل وتمشي إلى نهايتها، وأنت تريد أن تطلع على ذلك، وهذا لا يجوز أدباً وعقلاً وشرعاً، فلهذا الذي يدعي علم الغيب كافر وعدو الله وطاغوت، والله يقول: إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس:20]، أي: ما الغيب إلا لله.

    معنى الميسر وحكمه

    الميسر مأخوذ من اليسر والسهولة، وكل لعب قمار يطلق عليه ميسر. وهذا القرآن حمال الوجوه، فهو لم يذكر الكيرم والديمينو وغيرها، وإلا لما حفظ هذا القرآن، ولذلك أطلق الميسر على لفظ القمار، سواءً كان بالكعاب أو بالرماح أو بالعصي أو بالتراب أو بالحجارة أو بالآلات، فكل قمارٍ فهو ميسر. وكلمة الديمينو هذه موجودة في المغرب، وهنا يسمونها الدومنة، تحريف فقط، وقد جاءني إلى المنزل شاب وقال: نسيت البارحة أخرى، وهي الشائعة عندنا البلوت، أي: البلاء ولوط، قال: وهذا أبشع ما يكون. فكل ما يجلس عليه اثنان وثلاثة يلعبون سواء لحصول فائدة أو لا فهو قمار وحرام، والذين أفتوا بجوازه مقهورون أذلاء، وإلا فالعالم لا يفتي بجواز هذا بحجة أنه ليس بقمار، وإنما لمجرد التسلية والترويح عن النفس.

    والله عز وجل لما علل للتحريم، لم يعلله بالمال؛ لأنه لا قيمة للمال، وإنما قال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة:91]. لأن العداوة والبغضاء بين المسلمين حرام، فالمسلمون جماعة واحدة وحزب واحد والله، ومن عمل على تمزيقهم وتشتيتهم وتفرقتهم فعليه لعائن الله، فإنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا براية لا إله إلا الله ويمشون في العالم إلا إذا كانوا على قلب رجل واحد، فأيما شيء يثير العداوة أو البغضاء أو الفرقة أو الانقسام أو التحيز فهو حرام من أشد المحرمات، ونحن ليس عندنا وعي وبصيرة، والله يقول: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ [المائدة:91] يا أمة الإسلام! الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]. ومعنى هذا: لا مذهبية ولا حزبية ولا قبلية والله العظيم، وإلا فلسنا مسلمين، فأنت مسلم، ولا تقل: عربي ولا عجمي، ولا أبيض ولا أسود، ولا مالكي ولا حنبلي، ولا شافعي ولا حنفي، ولا زيدي ولا غير ذلك، بل قل: أنا مسلم، آمنت بالله ورسوله، فعلموني ما يحب ربي حتى أفعله، وعلموني ما يكره ربي حتى أكرهه وأتركه، وهذا هو الطريق إلى باب دار السلام. وكل ما من شأنه أن يمزق وحدة المسلمين أو يفرق كلمتهم أو يباعد بين ديارهم أو يوجد عداوة وحزازة في نفوسهم فحرام. افهموا هذه، فهي غالية والله. ومن طلب البرهنة والأدلة الساطعة سطوع الشمس على ذلك فالقرون الذهبية الثلاثة كانوا أمة واحدة، وقد نشروا الإسلام وبلغوا به أقصى الشرق والغرب، وطأطأ العالم لهم رأسه، وارتفعت راية التوحيد في كل مكان، وعرف العدو الثالوث سر وحدتهم وبقائهم، ألا وهو الكتاب والحكمة، فجاء فعمل جهده حتى أبعدهم عن القرآن وعن السنة، وأوجد لهم فقهاً وأئمة، وهذا حنفي وهذا كذا، ثم مزقهم دويلات، ثم جثم على صدورهم، ولم يتركهم إلا كما هم عليه الآن، فالدماء تسيل الآن في الديار الجزائرية، وما وُجد مسلمون يجمعون كلمتهم، أو ينهون خلافهم وصراعهم، وغداً يحدث في البلد الفلاني مثل هذا، ولا يوجد من يجمعهم، وقد حدث في الصومال وحدث في الأفغان؛ لأنهم مزقوهم وشتتوهم وفرقوهم، بعد أن أبعدوهم عن القرآن الكريم.

    وحجة من أفتى بجواز الكيرم والبلوت وأنهما ليس فيهما شيء: لأنه ليس فيها فلوس، وهذه فتوى باطلة؛ لأن الله لم يذكر المال في تعليل التحريم، وإنما قال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]. وأعظم من هذا وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91]. وهذا قد تحقق، فالصلاة تقام وهم يلعبون على الطاولة إلى أن تنتهي ويخرج وقتها، ولا لشيء إلا للتسلية فقط، ونضيع الوقت، والدقيقة منه لا يمكن أن نشتريها بمليار، ونحن خلقنا لذكر الله، لا للهو واللعب، ويكذب من يقول: إننا خلقنا لنلهو ونلعب، فنحن خلقنا فقط لنذكر الله بقلوبنا وألسنتنا ضمن تلك العبادات التي نقوم بها. هذه علة حياتنا وسر وجودنا. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فلا تسمحوا الآن بالكيرم في بيوتكم، ولا تسمحوا لأولادكم أن يلعبوا به جماعات عند أبوابكم. ولا إله إلا الله! نريد أن نرى أطفالكم يتجمعون في بيوت الله من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويشهدون الصلاتين، ويتعلمون الكتاب والحكمة، ويعودون راغبين في النوم، وينامون من صلاة العشاء، ثم يشهدون صلاة الصبح، وبعد صلاة الصبح يذهبون إلى المدارس، وإلى بعد الظهر وهم في طلب العلم، ولا تقولوا: تريد أن ترهقهم، دعهم يتنفسون، فهم من صلاة العصر وهم يسرحون ويقولون الباطل وينطقون بالسوء، ويلعبون الألاعيب الباطلة إلى أن يناموا، ولم يستفيدوا من المدرسة شيئاً. فافهموا هذا. فنحن مستدرجون درجة بعد أخرى في الهبوط.

    ثم قال تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]. فلنقل: انتهينا ربنا! وأي ما مؤمن تتلى عليه الآية ويفهمها ولا ينتهي فقد عصى الله رب العالمين، وأعلن عن حربه لله بعدم مبالاته، فكأنه يقول لله بعد أن قال له: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] لا ننتهي وافعل ما تشاء. هذا لسان الحال. ويبقى على اللعب والباطل بدلاً من أن يجلس يذكر الله مائة مرة، ويقرأ آية من كتاب الله، أو يومي ويشير إلى مؤمن يعلمه آية وحديثاً ويجلس يلهو ويلعب. وهذا هو صنيع الجهل والعياذ بالله وظلمته. ذكرتكم بهذا فاذكروه.

    1.   

    ابتلاء الله تعالى عباده المؤمنين المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده

    هذا هو [ النداء التاسع والثلاثون: في ابتلاء الله تعالى عباده المؤمنين ] فالله يبتلينا ليظهر طيبنا أو يظهر خبثنا إن كنا أخباثاً، فلا بد من الابتلاء والامتحان، وهنا يبتلي الله عباده [ المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده ] وهيا بنا نتغنى بالنداء تلذذاً وتبركاً، وطمعاً في أن نحفظه، ثم نعلم ونعمل وندعى عظماء.

    [ الآية (94) من سورة المائدة

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:94] ] والله هو الذي يعذبه، وجنايته أنه صاد، كأن يكون وجد أرنباً تحت شجرة فصاده، فهذا له عذاب أليم موجع، وجماعتنا يستبيحون الخمر والزنا والربا والكذب والخيانة، ويقولون: إنهم مؤمنون، وسيدخلون الجنة، وأنهم لا خوف عليهم ولا حزن ولا كرب ولا هم ولا غشيان عذاب. وتفسير هذه الظاهرة: أنهم لم يعرفوا، ولم يعلموا، ولم يجلسوا في حجور الصالحين يتربون بين أيديهم عشرين سنة، وإنما كما علمتم يدرسون في المدرسة للريالات. أستغفر الله! فـ(99%) منهم يدرسون من أجل الوظيفة، وأما أن يقرأ ليصبح يعرف الله ويبكي بين يديه ويحبه حتى يحبه الله، فهذه والله ما قالها إلا من ندر؛ ولذلك لم نر نتائج هذا العلم، ولو جلسوا في حجور الصالحين أو كان لهم آباء صالحون وأمهات ينقلونهم إلى بيوت الرب التي فيها أولياؤه يتعلمون الكتاب والحكمة لما كانت هذه حالهم.

    والآن مع [ الشرح ] وإن كان المعنى ظاهراً للأبناء والإخوان، ولكن نشرح ليشرح الله صدورنا. اللهم اشرح صدورنا، وطيب وطهر قلوبنا.

    قال الشارح غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ اعلم أيها القارئ الكريم! ] وهذا القارئ هو الذي بيده أو عند رأسه هذا الكتاب، فينبغي أن يقرأ هذا الكتاب كل مؤمن ومؤمنة، فهي نداءات ربك، فسأل عنها، ولو عدت الآن إلى البيت وقالت لك أمك: يا فلان! شخص ناداك بالتلفون يريدك فإنك تجيبه، ويناديك رب الأرض والسماء بعنوان الولاية والإيمان ولا تبالي ناداك أو لم ينادك! ولا تسأل ماذا يريد من ندائه، ولو يشرح الصدر وتطمئن النفس لأغمي علينا من موقفنا هذا، ولهذا يضحكون إذا قلنا: ينبغي أن يقرءوا هذا النداء، وخاصة طلبة العلم، فينبغي أن يوجد عند كل سرير في فنادق العالم الإسلامي، والنزيل قبل أن ينام يقرأ نداءات الرحمن، وينبغي أن يوجد في كل بيت فيها مؤمن ومؤمنة؛ حتى يسمعوا نداءات ربهم، ولا تقولوا بعد ذلك: هم أحرار يجيبون أو لا يجيبون، فهم ليسوا أحراراً، بل هم عبيد الله يجب أن يطيعوه إذا أمر أو نهى.

    ابتلاء الله لحجاج بيته وعماره بتحريم الصيد عليهم

    على هذا القارئ الكريم أن يعلم [ أن لله تعالى إذ يبتلي ] ويختبر [ عباده المؤمنين اختباراً لهم وامتحاناً ليعلم الذين يخافونه بالغيب ] ممن لا يخافونه بالغيب، والغيب حاصل، وما دمنا لا نرى الله فهو غيب، فالغيب ما علمته بقلبك وخفي عن بصرك، والله يعلم ما سنعمل، فهو قد علم كل شيء، ولكن ليظهر ذلك علم ظهور؛ لتقوم الحجة على الإنسان [ كما قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12] ] ألا وهو الجنة، ويخشون بمعنى: يخافون [ فيرفع درجاتهم، ويعلي مقاماتهم، ويظهر في الدنيا كراماتهم ] فهو يبتليهم لهذا الغرض، وقد حرم عليهم الصيد وهم جياع، فكانت الأرنب تمشي بين أرجلهم ولا يمسونها، أو تعرض لهم الغزال تريد أن تنطحهم وهم نائمون فلا يمسونها؛ خوفاً من الله عز وجل، فقد امتحنهم، ووالله لقد نجحوا أعظم نجاح رضوان الله عليهم أجمعين، كما سيأتي.

    قال: [ وها هو ذا سبحانه وتعالى ينادي عباده المؤمنين ليخبرهم بأنه سيبتليهم بشيء من الصيد ] فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ [المائدة:94]. وهذا إخبار [ والصيد هو ] كل [ ما يصاد ] فيسمى صيداً [ من حمار الوحش إلى الغزال وما دون ذلك كالطير والأرانب] فهذا كله صيد [ أطلق المصدر وأريد به اسم المفعول، وهو المصيد ] فالصيد مصدر [ إذ الفعل صاد يصيد صيداً، كباع يبيع بيعاً ] فأطلق المصدر وأريد به اسم المفعول، مثل البيع اسم والمبيع اسم مفعول [ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:94]. يا من آمنتم بالله ولقائه وكتابه ورسوله، لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ [المائدة:94]، أي: ليختبرنكم الله ربكم ووليكم، بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ [المائدة:94]، أي: مما يصاد كالظباء والأرانب وغيرهما، وقد فعل ذلك بالمؤمنين أيام عمرة الحديبية ] سنة ستٍ من الهجرة النبوية [ فكانت الوحوش والطيور تغشاهم في رحالهم بصورة لم ير مثلها قط ] وهم ألف وأربعمائة شخص، وإذا بالأرانب والغزلان والطير يأتي عليهم ويقع فوقهم، وهم والله في حاجة إلى اللحم، وهذا امتحان عظيم. وأنتم قد امتحنتم بتطهير بيوتكم فلم تصبروا، وما زالت الدشوش مكانها، تتحدون الله والرسول وإمام المسلمين، ولا تزالون تستخدمونها، فهؤلاء أموات، والغافلون يجيبون ليس في الدش هذا شيء، فنحن مسلمون. وهذا هو جوابهم. وهل إذا رأيت رجلاً يعلو رجلاً أمامك في بيتك تبقى لك حياة أو روح؟ وهل إذا رأيت عاهرة يفعلوا فيها الفاحشة وأنت تنظر وتنظر أمك وامرأتك إليها تبقى لك كرامة أو وجود؟ سبحان الله! وهذا ليس في أمريكا، ولا في أوروبا، وإنما في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ذاك الذي يغضب من وجود صورة في الكتان، أو في خرقة من قماش، وأعوذ بالله من هذا المسخ. فهذا يتحداه لأنه ميت. ودعونا من البكاء، وهيا بنا نواصل هذا النداء.

    قال: [ فنهاهم الله تبارك وتعالى عن صيده وقتله وهم محرمون بالعمرة قبل التحلل منها.

    وقوله تعالى: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [المائدة:94]، أي: لكثرته وكثرة ما يغشاهم في رحالهم، فصغاره كبيضه، وفراخه تناله أيديهم، لو أرادوا أن يأخذوه، وكباره تناله رماحهم ] ونبالهم [ لو أرادوا صيده. ثم ذكر تعالى الحكمة من هذا الابتلاء العجيب، فقال عز وجل: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة:94] ] ممن لا يخافه [ وفعلاً قد خافوا ربهم، وما صادوا لا بأيديهم ولا برماحهم؛ فأصبحوا بذلك أهلاً للقيام بمهام الأمور وعظائمها؛ لأنهم عما قريب سيصبحون هداة البشرية وقادتها وقضاتها، فسيسوسون بالعقل والرشد، ويحكمون بالشرع، ويعاملون بالعرف ] ففازوا، ووالله لم تر الدنيا أفضل من الصحابة والتابعين.

    احتيال بني إسرائيل على الصيد يوم السبت

    قال: [ ولم يكونوا كبني إسرائيل ابتلاهم ربهم بتحريم الصيد - أي: صيد السمك يوم السبت- فكان الصيد يأتيهم، أي: يظهر لهم شرعاً ظاهراً بارزاً؛ إغراءً لهم وفتنة يوم سبتهم، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163] ] وكأن لا حوت في البحر [ فاحتالوا على الصيد، ووضعوا الشباك ليلة السبت أو يوم الجمعة، فتمتلئ بالحيتان يوم السبت، فيأخذونها ملأى يوم الأحد فيأكلونها ] ونحن عندنا أشياء من هذه الحيل، واسألوا أرباب البنوك، فعندهم مبادئ هامة في الاحتيال على أكل الربا. ونحن لا نريد البنوك هذه، وإنما نريد أن أهل القرية في قريتهم مع سمو أرواحهم وتفتح عقولهم وما آتاهم الله من كمال لم يعرفه سواهم يفتحون صندوقاً حديدياً في مسجدهم أو في بيت إمامهم أو شيخ القرية، ويقول خطيبهم ومربيهم: أيها الأبناء! أيها الإخوان! أيتها المؤمنات! من زاد عن قوته ريال فليضعه في هذا الصندوق الآمن المأمون، ووالله لن يمضي ستة أشهر أو عام إلا والصندوق قد امتلأ، فينمونه، فإن كانوا أصحاب أرضٍ زراعية أنشئوا مزرعة تنبت الحبوب، وينتجون العسل والزبدة واللبن، ويبيعون ويصدرون، والمال ينمو، وإذا أراد أحدهم أن يستلف استلف؛ لأن المؤمن إذا قال: أقرضني ألفاً أو عشرة إلى كذا فلا بد وأن يأتي بها في الموعد المحدد، والله معه. وإذا أراد أن يسافر أعطيناه ورقة إلى القرية الفلانية أو إلى المدينة الفلانية؛ ليستلم منها، وحينئذ يكون الرخاء والطمأنينة، وتتوفر الأموال ويعزف عن الدنيا، ولا إله إلا الله! وأصحاب الربا وأهله واليهود وشياطينهم يحزنون ويكربون ويتمزقون، ويأكلون التراب من الألم وهم ينظرون إلى الديار الإسلامية، فبنوك الرحمن خير من بنوك اليهود، ولكنهم حرمونا ومزقونا وشتتونا حتى نسينا أنفسنا، وظننا أنه لا بد من البنوك، وأنه لا حياة بدون البنوك، ويضحكون علينا، والذين يعلمونهم في أوروبا وأمريكا وروسيا ويقولون لهم هكذا، ويقيسون هذا على بلادهم، ونحن مسلمون، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]. و( المسلم أخو المسلم )، و( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ). يعيش أحدنا سبعين سنة لا يسرق سرقة، ولا يزني زنية، ولا يكذب كذبة. ولكن لا أحد يعي أو يفهم، فقد صدقنا أنه لا يمكن حياة بدون بنوك، وإلا لوضعنا في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدينة بنكاً، وهذا البنك صندوق مالي طاهر نقي، ينمو ويزيد وينفع الله به أهل القرية أو الحي، وتتجلى فيه الربانية الصادقة، وهو أن يكون مؤمناً مسلماً. فافهموا هذا يا أبناء الإسلام! ولهذا أفسدوا عقائدنا وقلوبنا، وأخلاقنا وآدابنا، وآمالنا وأرواحنا منذ ألف سنة تقريباً، حتى هبطنا نهائياً، وأصبحوا يملون علينا كل شيء، ونحن نستحسن هذا منهم، ولا بأس.

    قال: [ فمسخهم الله عز وجل ] حقيقة [ قردة وخنازير ] أي: هذه الفرقة التي أصرت على الباطل بعد أن صاح الموحدون وأهل الإيمان والآمرون بالمعروف: إن هذا منكر، فأبوا أن يسمعوهم، فأصبحوا والمدينة كلها على ساحل البحر الأبيض قردة وخنازير، وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث رسوله إلى بني قريظة يناداهم: يا إخوان القردة والخنازير! فتمزقت قلوبهم؛ لأنهم لأول مرة يسمعون هذا، فقد كانوا جاحدين هذا، ففضحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال: [ كما جاء ذلك في سورة الأعراف في قوله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ [الأعراف:163]... إلخ ] الآيات [ أما المؤمنون الصادقون ] في إيمانهم [ من تلك الزمرة المباركة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد امتحنوا ونجحوا وفازوا، وجاء أناس غلب عليهم الجهل فأحلوا محارم الله بالحيل، كالربا بأنواع من الحيل ].

    العذاب الأليم لمن اعتدى على محارم الله عز وجل

    قال: [ وقوله تعالى في ختام النداء: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:94]، أي: من اعتدى بعد هذا النهي عن قتل الصيد حال الإحرام فله عذاب أليم، أي: موجع، وقد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، أو فيهما معاً، بحسب حال المعتدي في اعتدائه وقد يعفو الرحمن ويغفر، وهو العفو الرحيم ] وهذا الحكم بالنسبة إلى المحرم إلى الآن، فلا يجوز للمحرم أن يصيد أبداً.

    حكم الصيد في الحرم

    قال: [ هذا ولنعلم أن الصيد في الحرم محرم على المحرم وغيره، وهو المحل ] ولكن خارج الحرم حرام على المحرم فقط بحج أو عمرة [ والحرم حرمان: حرم مكة المكرمة، وحرم المدينة النبوية ] هذه التي نحن فيها، والحمد لله. فهذه المدينة النبوية منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتسمى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم. واليوم يقولون: المدينة المنورة، ويجحدون النبي، وهذه لعبة، فقل: المدينة النبوية؛ لأنها مدينة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تجحدها منه، فهي مدينته [ أما حرم مكة فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبراهيم قد حرم مكة، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يخلى خلاها -أي: عشبها- ولا ينفر صيدها، ولا يصاد ) ] فلو وجدت غزالة جاثمة تحت شجرة وأنت تريد أن تستظل فإياك أن تبعدها وتجلس مكانها، فهذا حرام عليك إذا كانت جالسة في الظل [ وحدود الحرم المكي قد حددها إبراهيم عليه السلام مع جبريل عليه السلام ] فقد كان جبريل المهندس وإبراهيم معه يشتغل [ وأما حدود حرم المدينة فقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( المدينة حرام من عائر إلى ثور ) ] وثور جبيل وراء أحد مستدير، أو أرض وراء الجبل، فأحد من الحرم بكامله، وثور رابض وراءه. وقوله: ( وعائر) العير في اللغة العربية: الحمار، فجبل عير كأنه حمار أسود رابض هناك [ فلا يصاد صيده، ولا يختلى خلاه كالحرم المكي سواءً بسواء.

    ما يجوز قتله في الحل والحرم

    قال: [ كما ينبغي أن نعلم أن خمساً من الحيوانات أذن في قتلهن في الحل والحرم، و] يجوز قتلها [ للمحرم والمحل ] على حدٍ سواء [ وهي التي جاءت في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ( خمس فواسق ) ] جمع فاسقة [ ( يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع ) ] أي: فيه بياض وسواد، وهذا يأكل النجاسات والجيف، وليس مطلق غراب، فالغربان فيها الشريفة وفيها الوضيعة، والأبقع هذا هو الذي فيه بياض، هذا الذي يقتل [ ( والفأرة، والكلب العقور ) ] الذي يأكل [ ( والحدأة ) ] التي تأكل اللحم. فهذه اقتلوها في الحل والحرم؛ لأنها تؤذي، وسواء كنتم محلين أو محرمين [ وما قيس عليها ] والذين قاسوا عليها هم الصحابة والأئمة [ من كل ما يؤذي ] كالعقرب فإنه يقتل، والثعبان يقتل، وكل ما يؤذي حقاً مقيس على هذه [ كالأسد والنمر والذئب والفهد ] فهذه كلها تنهش وتأكل [ إذ على هذا فقهاء الإسلام رحمهم الله تعالى ] فقد قاسوا على هذه على الخمس الفواسق.

    الحكمة من الابتلاء وفائدة الصبر عليه

    قال: [ وأخيراً أيها القارئ الكريم! والمستمع المستفيد! اذكرا ما علمتما من أن الله تعالى يبتلي عباده المؤمنين بالفعل والترك، وبالخير والغير؛ تربية لهم، وإعداداً لتحمل أعباء الشريعة وتكاليف الدين؛ ليفوزوا بولايته ومحبته ورضاه ورضوانه ] وأنت قد تبتلى بالحمى أو بألم ضرس أو بالجوع أو بغير ذلك؛ امتحاناً لك؛ ليظهر كمالك، فافرح بالابتلاء يا عبد الله! ولا تنزعج [ فاذكرا هذا واصبرا على الابتلاء، وقد يكون جوعاً، وقد يكون خوفاً، وقد يكون صحة، وقد يكون مرضاً، وقد يكون ولاية، وقد يكون إهانة. فلنصبر على كل ابتلاء بالرضا به، والتسليم لله فيه، ولا نفارق ذكر الله بعبادته، وبحمده وشكره، فهذا سبيل الفائزين، جعلنا الله منهم، وحشرنا في زمرتهم. آمين.

    وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765798854