إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 24للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المسلم مأمور بطاعة الله عز وجل واجتناب ما يقربه إلى غضبه وسخطه، وهو في هذا الطريق عرضة للفتنة من أعدائه؛ شياطين الجن والإنس، الذين يزينون له المعصية ويبغضون إليه الطاعة، ويرجون له الانزلاق في مهاوي الردى، فعلى المسلم بذل الأسباب التي تقيه خطر هؤلاء الأعداء، بالاعتصام بالله والاستعانة به على عدو الشياطين، وكذا أخذ الحذر من عدو الإنس وعدم الاغترار به، ويدخل في ذلك أعداء المسلم من أهل الحرب والقتال الذين يلزمه الإعداد لهم، والصبر على مجالدتهم.

    1.   

    وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، فإذا أردنا أن نرتفع ونعود إلى مقاماتنا السامية قبل هبوطنا ينبغي لكل مؤمن ومؤمنة أيضاً أن يقرأ هذه النداءات أو يستمع إليها، فإنه يحصل على العلم الكافي، فيصبح ذا علم بربه وبمحابه ومكارهه، وكيف يتقرب إليه ويتوسل؛ ليرضى عنه ويحبه، وينزله في جواره يوم نهاية حياته.

    وهذه النداءات قد حوت كل ما عبد الله أو أمة الله هو في حاجة إليه، وها نحن مع [ النداء الثالث والعشرون ] وفحواه أو عنوانه أو ما يحتويه [ في وجوب أخذ الحذر من العدو، والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال ]

    واليوم المسلم هابط، لا شأن له بهذا، لكن لما كان هذا النور الإلهي ينزل ويتلقاه المؤمنون كان هذا هو التوجيه الرباني، وبمقتضاه خاضوا معارك في الشرق والغرب، وانتصروا على الشرك والكفر والله العظيم. لكن لا يأس ولا قنوط: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]. وما يدريك فقد يأتي يوم ما وإذا أمة الإسلام من الشرق والغرب أمرها واحد، وخليفتها واحد، وقاعدتها التي ترتكز عليها واحدة، وهي أن ننشر الهدى في العالمين.

    [ الآية (71) من سورة النساء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا [النساء:71] ]. وهذا النداء قصير، ولو درست في الكليات الحربية سبعين سنة فلن تأتي بما يتفوق على هذا النداء.

    [ الشرح ] الآن مع شرح هذا النداء الكريم، هذا نداء الله لأوليائه، وأولياء الله هم المؤمنون، فكل مؤمن تقي هو لله ولي، واقرءوا: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. وقد عرف العدو هذا، ونحن تركنا الحذر المطلوب منا، فإذا بالعدو يحصر الولاية فيمن مات وبني على قبره أو ضريحه قبة أو تابوت من خشب غال، ووضع على التابوت ستائر حريرية وإستبرق، فذلك هو الولي فقط، وما عداه فكلهم أعداء الله، فافجر بنسائهم، وكل أموالهم، ومزق أعراضهم، واحتل عليهم، وافعل بهم ما شئت، فليسوا بأولياء، وأما سيدي فلان صاحب الضريح والقبة فانتبه! فاحلف بالله سبعين مرة ولا تخف، ولكن لا تحلف بسيدي فلان، فإنك تحترق، حتى إن أحدهم لو دخل عاصمة من عواصم العالم من كراتشي إلى اسطنبول، وعندما يلاقي أول مواطن يقول له: يا سيد! أنا غريب الدار جئت إلى هذه البلاد، فدلني على ولي من أوليائها أزره، فوالله ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في اسطنبول ولي حي، وهذا هو الواقع، وادخل دمشق أو القاهرة المعزية وأول من تلقاه اسأله: من فضلك! أنا غريب وجئت أزور ولياً من أولياء هذه البلاد فدلني عليه فلن يأخذك إلا إلى السيد البدوي أو الحسين ، ولا يوجد عندهم ولي حي يمشي؛ لأن الأولياء مبجلون معظمون محترمون؛ لأن الله يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب). فلا أحد يقوى على أذية ولي، ومن هنا فإن أعداء لا إله إلا الله الثالوث الأسود بعد دراسة وعلم قالوا: هيا نحتال عليهم، ونحصر الولاية في الأموات، ونترك الأحياء أعداء؛ ليأكلوا بعضهم بعضاً، وقد صدقوا، فأصبح الرجال يزنون بنساء إخوانهم المؤمنين، والرجل يسرق مال أخيه ويمزق عرضه، ويعتدي عليه ويتكبر عليه، وأصبحت أنواع الباطل كلها في ديار المسلمين، ولو عرفوا أن الأحياء هم أولياء الله فلن يقدر أحد على أن يؤذي ولي الله ولو بنظرة شزرة أو بكلمة نابية، ولكن الأولياء عندهم سيدي فلان وفلان الذين عليهم القباب والأضرحة والسدنة والزيارات، والذين ينذر لهم. فقد هبطنا حتى بلغ في بعض ديارنا أن القاضي الشرعي الذي يطبق شرع الله ويصدر حكمه على فلان يحلف الخصم بسيدي فلان! ففي الحديث: ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ). فإذا كان صاحب الدعوة ليس عنده بينة والذي أنكر عليه اليمين، وقلنا له: يا سيد! لا يجوز أن تحلفه بفلان قال: إنه مستعد أن يحلف بالله سبعين مرة ولا يخاف، لكن إذا قلنا: تمشي إلى ضريح فلان وتحلف يخاف، فأولياء الله هم الذين لا يحل عرضهم ولا مالهم ولا دمهم، وهم الذين يبجلون ويعظمون ويؤثرون على النفس ويقدمون، وقد قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا في البرزخ، وهم الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:63-64]. فهؤلاء هم الذين يناديهم الرحمن جل جلاله، لأنهم أحياء يسمعون، ويعون ويفهمون، ويقدرون على العمل والترك على حد سواء؛ لكمال حياتهم، وهؤلاء هم المؤمنون، فالنداء موجه إليهم، ونحن إن شاء الله منهم.

    وانتبه! فقد سادت فكرة أيضاً راجت، فقد قالوا: من قال: أنا ولي يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة. وراجع الحطاب في حاشيته على خليل، فهل يريدون أن نقول: إننا أعداء، والعياذ بالله؛ إذ ليس هناك واسطة، بل إما ولي وإما عدو، ولا يوجد من ليس ولياً ولا عدواً. وإلى الآن يوجد من يعتقد أن الولي خفي ما يرى أبداً، وأن هؤلاء كلهم أعداء الله، فإذاً: اذبحهم وكل أموالهم، فما داموا ليسوا بأولياء فيكونون أعداء. والقرآن كتاب الهداية حولوه إلى الموتى، وأكثر من سبعمائة سنة والقرآن يقرأ على الموتى لا على الأحياء أبداً.

    وأزيدكم برهاناً لم يجلس أحد يوماً تحت ظل شجرة في قريته، أو ظل جدار من جدران منزله وقال: أي فلان! تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن، فهذا لم يحصل أبداً، لكن إذا مات أبو أحد أو أخوه قالوا: تعال، اقرأ القرآن الليلة عندنا وفاة، فيقرأ القرآن على الموتى، وأما الأحياء فلا.

    وها نحن نصرخ بأعلى الأصوات: ليت الأمة تتحرك، وتصبح هذه النداءات في يد كل مؤمن؛ ليصبح عليماً بصيراً بالسياسة والمال والحرب والسلم والآداب والأخلاق والعقيدة والسلوك، ولا أحد يسمع.

    لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

    ونداءات الرحمن تسعون نداء، احتوت على كل متطلبات الحياة، فاسمع نداءات ربك إليك، ولا تعرض عنها إلا إذا قلت: لا يا رب! أنا لست بمؤمن، فحينئذ لا يقرأ عليك، لا تنادى بها، وإنما ينادى الحي الذي يسمع ويعي.

    وإذا حفظتم الآن النداء فصلوا به النافلة حتى لا تنسوه، فهذه الآية تكفيك في الركعة.

    أولياء الله ومناداة الله لهم

    قال: [ الشرح: تعلم أيها المؤمن! أنه ما نادى الله تعالى عباده المؤمنين إلا ليبين لهم طريق سعادتهم وكمالهم، وعزهم وسيادتهم وقيادتهم؛ لأنهم أولياؤه، وهو وليهم ] وأسلافنا الصحابة وأبناؤهم وأحفادهم طيلة ثلاثة قرون لم تكتحل عين الوجود بأمة أعدل ولا أرحم ولا أعلم ولا أقوى ولا أقدر منهم. وهم لم يحصلوا على هذا بأساطيل موسكو، أو بجامعات أمريكا وأوروبا، وإنما حصلوا عليه من هذا النور الإلهي كلام الله، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له وشرحه وتفسيره. واليوم الرجال هنا خريجو الجامعات، وتجد الحاكم في العالم الإسلامي حوله جهلة ممتازون، وأهل القرآن مطرودون من الساحة، إلا من رحم الله. وأهل القرآن يقرءون على الموتى، وهذا الواقع، فأهل القرآن في غير بلادنا هذه لا وظيفة لهم أبداً، ويعيشون على القراءة على الموتى لا أقل ولا أكثر. وهناك نقابات خاصة في بعض البلاد يتصلون عليها بالتلفون: يا سيد! مات والدي نريد عشرة من الطلبة، فيقول له بالتلفون: من فئة مائة ريال، أو عشرين ريالاً، فإذا كان الميت غنياً طلب من فئة مائة ليرة أو جنيه، وإذا كان فقيراً من فئة عشرين والله العظيم.

    فيعيش الرجل فاسقاً فاجراً ضالاً مشركاً يتخبط، ويريدون أن يدخلوه الجنة بألف ليرة يقرءون عليه، ولن يدخل الجنة، ولن يشم رائحتها ولو قرءوا عليه سبعين مرة القرآن بكامله. فقراءة القرآن على الميت لا تزكي نفسه ولا تطيبها وتطهرها، بل القرآن تقرأه أنت المؤمن الحي، وكل كلمة تعمل عجبها في إضاءة قلبك وإشراقة نورك، وأما أن نضعه عليك فقط فلو وضعنا ألف مصحف فلن يعمل لك شيئاً، وكل ما في الأمر أن العبد إذا قرأ كلام الله يتوسل به، ويقول: رب! اغفر لفلان وارحمه، وأما أن تزكي القراءة نفسه فقد انتهى أمره ومات.

    [ وأن ما يأتي بعد النداء لا يكون إلا أمراً منجياً ومسعداً، أو نهياً مبعداً عن الشقاوة والخسران في الدارين، أو نذارة تخيف وترهب، فتحمل المؤمن على مواصلة فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، ولا غرابة ولا عجب في هذا؛ لأن الولي لا يريد لأوليائه إلا نجاتهم وسعادتهم ] وكلما تسمع الله يقول: يا أيها الذين آمنوا! فأعرها سمعك، فإنك مأمور، فإما أن تعلم، وإما أن تحذر وتبشر [ والمؤمنون المتقون أولياء الله ] ولا يمكن للشخص أن يكون ولياً لله إذا لم يعرف أوامره ونواهيه [ والله وليهم؛ إذ قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257] ] هذا وعد صادق، وهو وعد إخبار، اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]. وهذه الظلمات هي ظلمات الشرك والكفر والفسق والفجور والخبث والتلصص والإجرام وغيرها، والنور واحد، وسبحان الله! فالظلمات متعددة، فهي ألاف من الظلمات، والنور واحد. والنور هو نور الإيمان وما يضيء وما تشرق له الحياة. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، أي: من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ولا يوجد نور أعظم من نور العلم، بدليل أن العالم ما يتقذر ولا يتوسخ بأدران الجرائم والموبقات؛ لأنه ذو نور، بخلاف الذي ليس نور، فقد يجلس على القذر، أو يضع رجله على حية؛ لأنه ليس عنده نور. فهو [ يخرجهم من ظلمات الشرك والكفر والنفاق، وكبائر الذنوب، وفواحش القول والعمل؛ لتبقى أنفسهم زكية طاهرة يرضاها تعالى، ويعطيها مناها ] و( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ). فلا مجال للخبيث عند الله أبداً، وتعالى الله أن يقبل الخبثاء من الناس أو الجن، وإنما يقبل الطيب والطاهر فقط [ وقد أخبر بذلك في قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وبينهم بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] ] وهذه جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً؛ لأنها واقعة في جواب سؤال محذوف، لأن العبد العليم البصير بلغة القرآن إذا سمع من يقول: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] سوف يضطر إلى أن يسأل: من هم؟ وهل أنا منهم، فيسمع الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] [ وبين تحقيق مناهم لهم فقال: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] ] وأما البشرى في الحياة الدنيا فهي بأمرين:

    الأمر الأول: أن يرى رؤيا منامية صادقة غير كاذبة، فيعلم بواسطتها أنه ولي الله، وأنه من أهل رضوان الله، وإن لم يرها هو يراها غيره من الصالحين، ويبشره بها ويبلغه إياها، واقرءوا لذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ( الرؤيا الصالحة يراها أو ترى له ).

    والبشرى الأخرى: عندما يكون أحدنا على سرير الموت، وعما قريب سنجلس عليه، فيا عبد الله! لا تغرك حياتك ولا صحتك، بل لا بد من ساعة وأنت وأنا على سرير الموت، ويقول الطبيب: انتهى أمر أخيكم، فقد برزت علامات الموت وظهرت ولاحت، والبصراء يعرفونها بالطب أو بدون طب، و( إن للموت لسكرات ) كما يقول أبو القاسم صلى الله عليه وسلم. وهنا عندما يكون عبد الله قد انقطع عن العالم الدنيوي، وأقبل على العالم الآخر فثم تنزل وفود الملائكة، مواكب محتفلة بهذه الروح الطاهرة، لتعرج بها إلى رب العزة والجلال، واقرءوا لذلك آيتين في كتاب الله تعالى، الأولى: في فصلت، والثانية: في الأحقاف، ففي فصلت قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا [فصلت:30-32]، أي: ضيافة، مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:32]. فهذه تكون وعبد الله على سرير الموت، فقبل أن يغمض عينيه يبشر بهذه البشرى، وهذا هو ولي الله، ليس سيدي عبد القادر ولا العيدروس ، وإنما هو المؤمن التقي، ومعنى التقي: أنه كالذي يمشي على أرض فيها أشواك وعقارب وحيات، فيرفع رجله ولا يضعها إلا في المكان اللائق، حتى يصل إلى بيته. وهو ذاك الذي لا ينطق بالكلمة حتى يرى أنه مأذون له بها، ولا ينظر نظرة حتى يعلم أن الله سمح له بذلك، ولا يأكل لقمة حتى يستأذن ويعلم أنه أذن له، وهكذا في كل حياته، يتقي كل ما يخبث نفسه من أنواع الشرك والكفر والظلم والشر والخبث والفساد. هذا هو المتقي. وأما الذي يأكل ما أحب ويتكلم بما يشتهي ويجلس حيث أراد ويلبس ما يعجبه فهو لم يتق شيئاً [ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]، أي ] هذه كلمة الله التي لا تتبدل هي [ الحاملة للبشارات. ذلك هو الفوز العظيم [يونس:64] ].

    قال: [والآن هل تدري ] يا عبد الله! ويا أمة الله! [ لم نادى الله تعالى عباده المؤمنين في هذا النداء الثالث والعشرين من نداءاته لهم في كتابه العزيز الحكيم؟ إنه ناداهم ليأمرهم ] فلا تقل: ما نطيق الأمر؛ لأنك لا تستطيع أن تكمل ولا تسمو إلا على الأمر، فاشرح صدرك وألق بسمعك وانهض بما تؤمر به؛ فإنه في صالحك [ بأخذ الحذر من عدوهم ] انتهى الكلام [ وعدو المؤمنين هو كل كافر من الإنس والجن ] والحرب بيننا وبين الجن أعظم من الحرب بيننا وبين بني آدم، فالشيطان وأعوانه ورجاله مزقونا، والكفار قد نسالمهم ويسالموننا، ولكن الشيطان لا يسالم [ وعدوهم هو من يريد هلاكهم وخسرانهم وذلهم وضعفهم وحقارتهم ] والله العظيم [ ولا يكون هذا العدو إلا كافراً ظالماً ].

    1.   

    الأسباب الممكنة لتوقي العدو من الشياطين

    قال: [ والحذر يكون بتوقي المكروه بالأسباب المشروعة الممكنة ] التي يقدر عليها عبد الله.

    أولاً: الاستعاذة بالله السميع العليم

    قال: [ فمن الأسباب المشروعة الممكنة لتوقي عدو الشياطين: الاستعاذة بالله السميع العليم ] هذا العدو الأول، وهو أول من أخرجنا من ديارنا، وتركنا سبايا تائهين في الحياة، فالشيطان هو الذي أخرج أبوينا من دار السلام، وهو إبليس عليه لعائن الله، فاستعذ بالله منه [ إذ قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]. هذا أولاً ] فأيما مؤمن أو مؤمنة يشعر بدافع باطني لأن يقول كلمة سوء، أو ينظر نظرة سوء، أو يتحرك حركة سوء فليذكر أن هذا هو الشيطان، ويرمي قذيفة في وجهه فيطرده طرداً بائناً، ولا يبقي في ساحته مرة، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهذه الكلمة لها مفعولها. ولا بد وأن يكون جهاز الرادار صالحاً، فإذا حومت طائرة العدو شعرت بها أجهزة الرادار وعلمت، فيأخذ أهل البلاد بالحيطة والحذر، واقرءوا لهذه القضية من سورة الأعراف: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]. فهو سميع لقولك، عليم بحالك، قادر على إنقاذك وإنجائك، لو كان لا يسمع ولا يعلم بحالك فلن يسمعك. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]. فقد عرفنا الرادار قبل أن تعرفه أوروبا بألف سنة ومائتين، فتفطنوا لهذا، وهذه الآية نزلت في مكة قبل المدينة والدولة، فقد قال: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]. ثم بين الذين يشعرون بنزغ الشيطان بقوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ [الأعراف:201]، أي: حوم حول قلوبهم، تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]. وهذا الرادار لا يصنع في اليابان، بل يصنع بذكر الله وعبادته. ثم قال تعالى: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]. فإخوان الشيطان يمدونهم في الغي، والغي وسخ، سواء كان قولاً أو عملاً أو اعتقاداً، فهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، أو لا يقصرون أبداً. فمن كأس إلى كأس، ومن سهرة إلى سهرة طول العام، والذي يمده بهذا الإمداد هو الشيطان؛ لأنه ليس متقياً للرحمن.

    ثانياً: عدم الاستجابة لما يزينه الشيطان للعبد وتركه والإعراض عنه

    قال: [ وثانياً: عدم الاستجابة لما يزينه للعبد، وتركه والإعراض عنه ] فتستعيذ أولاً تطرده وتقوم، فيبقى يراسلك بالجهاز الذي في قلبك، كما راسل آدم في الجنة، والأولون احتاروا: كيف دخل بعدما طرد، ولا يحتاج إلى الدخول، فكل واحد عنده جهاز قابل للإرسال والتلقي، هذه فطرة الله، فاتصل به وهو في الصين، والأولون تساءلوا: كيف إبليس وسوس لآدم وقد طرد من الجنة؟ وحكايات بني إسرائيل قالت: دخل في صورة حية؛ لأن الحيات بشعة، وهو ما دخل أبداً، بل راسله؛ لأننا عندنا أجهزة للتلقي والإرسال، فيتصل به وهو في قمة الجبل، أو من وراء الباب، وقد يخرج واحداً منا الآن إلى الباطل. والاستعاذة بالله تطرده، فلو قدم لك كأس من خمر، وأنت غافل، فاذكر الله وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقم واخرج واترك ذلك الذي زينه.

    ثالثاً: لزوم الطهارة ما أمكن ذلك

    قال: [ وثالثاً: لزوم الطهارة ما أمكن ذلك ] فيا عبد الله المقاتل المحارب للعدو! الزم الطهارة ما استطعت، وكن في غالب وقتك متوضئاً؛ لأنه يجد مجالاً مع النجاسة وعدم الطهارة، وهذه المسالك التي يسلكها، فإذا كنت متوضئاً دائماً أغلب أوقاتك فهو بعيد عنك، وهذا عامل قوي، أي: لزوم الطهارة ما أمكن ذلك.

    رابعاً: قراءة القرآن في المنزل

    قال: [ رابعاً: قراءة القرآن في المنزل ] على الأحياء لا على الموتى، لا أن يطلب كل أحد عشرة طلبة يقرءون في بيته على خمسين ريالاً لليلة، فلن يعود هذا في هذه الديار إن شاء الله. وسبب قراءة القرآن في المنزل لأن الشياطين لا تطيقه وخاصة البقرة وآل عمران، ولا يبقى شيطان في بيت قرئت فيه البقرة [ وصلاة النافلة فيه ] أيضاً، فإذا صليت النوافل في بيتك لم تقربه الشياطين ولا تجلس فيه، فهم يريدون أن يأكلوك، وأنت تغيظهم، فبدلاً من أن تطيعهم وتغني إذا بك تصلي، وتصبح عدوهم، فيرحلون؛ ولهذا أرشدنا أبو القاسم فداه أبي وأمي ونفسي والعالم أجمع فقال: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، صلوا في بيوتكم، صلوا في بيوتكم ). والغافلون بيوتهم كالمقبرة، لا صلاة فيها أبداً، فالبقعة التي لا يصلى فيها هي المقبرة.

    إذاً: فالمؤمن يعمر بيته بذكر الله، ومن ذلك تلاوة كتاب الله، والصلاة، وصلاتك النافلة في بيتك أفضل من الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا بالنسبة للذي يسكن في المدينة، بمعنى ألف صلاة وكسر، فهي أفضل، فتكون ألفاً وزيادة، وفي المسجد ألف فقط، فلنحول بيوتنا إلى مساجد، فهي بيوت المؤمنين والمؤمنات، فلتكن مواطن للسجود لرب العالمين، ونحن قد حولناها إلى مجالس للضحك والرقص والأغاني والتمثيليات بالفيديو، وهذه ليست بيوت المؤمنين والله العظيم، بل هذه بيوت الشياطين والكافرين، ولا تقولوا: ضيقت علينا الحياة يا شيخ! فأنتم تريدون أن تطلعوا إلى السماء وليس لكم عمل، وتريدون أن تخترقوا السبع الطباق، وليس لكم طاقة، ولو بقيت مليون سنة تتقوى فوالله لن تخترقها، ولن تستطيع إلا بتركك هذا العفن وهذه الأدران والأوساخ والقاذورات، ونظافة نفسك وتطهيرها وتطيبها، حتى تصبح كأنفس الملائكة في الأرض والسماء، وحينئذ تفتح لك أبواب السماء؛ لطهرك وصفائك، لا لمالك ولا لسلطانك، ولا لعلمك ولا لقدراتك، وقد صدر حكم الله وجهله الجاهلون، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أي: من زكى نفسه، وخاب وخسر من دسى نفسه والله العظيم، والله إذا أصدر حكماً لا يعقب عليه، قال تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]. والقاضي قد يخطئ، فيعقب على حكمه، والله لا يخطئ، فهو خالق كل شيء، وهو خالق الطباع والأنفس والطهارة وغيرها، فلا يخطئ، ولا يعقب، وإذا صدر حكم الله فرغ من الأمر.

    فقد أفلح من زكى نفسه، سواء كان أبيض أو أسود أو أصفر، أو عربياً أو أعجمياً، أو في الأولين أو في الآخرين، أو غنياً أو فقيراً. ومواد التزكية والتطهير ليس الماء والصابون، فالماء والصابون للأبدان والثياب، وأما الروح فتزكو بذكر الله وعباداته.

    خامساً: تطهير المنزل

    قال: [ وخامساً: تطهير المنزل ] الذي نزلته، وكذلك البيت والشقة والغرفة [ من الصور، وخاصة ما يعرض في الآلات كالفيديو والتلفاز من صور العواهر والكفار، وأصوات المزامير المختلفة ] فلا يبقى الليلة في بيت مؤمن سمع بهذا الدرس ولا مؤمنة تلفاز في البيت ولا فيديو ولا صور معلقة أبداً، حتى ولو كان صورة أمه أو أبيه، فقد كنا جاهلين فعلمنا، وكنا غافلين فتنبهنا، فلا تطرد ملائكة الرب من بيتك، فأنت عبده ووليه، فلا تحاد ربك هذه المحادة وأنت عبده فقير إليه، ولا تفرح الشيطان.

    ودعونا الآن نسأل أرباب السياسة والمال والعلم حتى لا يقولوا: إن الشيخ رجعي من جماعة قديمة، فأقول: عندما يوجد تلفاز أو فيديو في بيتك وتشاهد أنت وأمك وبناتك وزوجتك راقصة تغني وترقص وتلوح، أو كافر يمثل، أو تشاهدون التمثيليات والضجيج والمزامير، فكم تكسب في الليلة من دولار من أجل معاشك؟

    ثانياً: أنت تريد أن يصبح عرضك مصوناً محترماً مبجلاً، وتلك الصور الخليعة والرقص والضحك في بيتك لا ترفع مستواك إلى مستوى أرباب الحصانة والمناعة والشرف والله، وليس فيها إلا الهبوط.

    ثالثاً: أنت تريد أن تخفف الآلام عن نفسك ونفس أسرتك من هموم الآخرة والدنيا، وهذا والله ما يزيدك إلا هموماً، وإذا أردت إزالة هذا الهم فقم وتوضأ في ليلتك الباردة واستقبل بيت ربك وقل: الله أكبر! وصل ركعتين ربع ساعة والعينان تسيل دموعها، فإنك تغسل غسلاً، والله ما تقوى أمريكا على غسلك أبداً، وتطهر طهارة كاملة، وتعزف عن أوساخ الدنيا وأوضارها الهابطة، وتجد الراحة والطمأنينة. وأما أن تظن أن الأغاني والرقص ينفسان، فإنهما لا ينفسان إلا دقائق، ثم بعد ذلك يصاب صاحبهما بالهم والكرب والحزن.

    والبعض يقول: ستتعطل مصانع الفيديو والتلفاز، فلتتعطل، فقد مضى آلاف السنين وليس هناك فيديو ولا تلفاز، أو ليغضب التجار [ وبهذا يتقى الشيطان وإخوانه ].

    فنتقي شيطان الجن بخمسة أشياء، نعيدها، وهي:

    الأولى: الاستعاذة.

    الثانية: عدم الاستجابة لوسواسه.

    الثالثة: لزوم الطهارة ما أمكن.

    الرابعة: قراءة القرآن في المنزل وصلاة النوافل.

    الخامسة: تطهير المنزل من الصور، وخاصة صور الفيديو والتلفاز التي تعرض صور العواهر والكفار، وأصوات المزامير أيضاً المختلفة.

    وبهذا نكون قد استجبنا لربنا عندما قال لنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:71] لبيك اللهم لبيك! خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]. والعدو عدوان، ظاهر وباطن، فالشيطان هو العدو الباطن، والظاهر: اليهود والمجوس والنصارى، فخذوا حذركم. وقد عرفنا كيف نأخذ حذرنا من الشيطان، وإذا كان عندك فيديو فعد الليلة إلى البيت وأخرجوا عنك هذا الوسخ، وصل ركعتين شكراً لله تعالى، ودع الملائكة تعمر البيت.

    وأقسم بالله لو كان هذا الذي نندد به يفيد المؤمنين في صحتهم .. في عقولهم .. في أموالهم .. في أعراضهم .. في منازلهم عند الله فوالله لتأولت حتى النصوص، ولحملتكم عليها، ولكن يقيناً أنه خسارة كاملة بلا نتيجة إلا الدمار، ويعلم الله أننا عندما نجد لمؤمن رخصة فإننا لا نحمله على عزيمة أبداً منذ كذا سنة، لضعف المؤمنين، لكن هذا ما فيه أبداً شيء اسمه فائدة، وإنما فيه الخسارة الكاملة، فيتعلم الأبناء كيف يقبلون النساء من الفيديو، فقد انتهى الحياء، وإذا رحل الحياء رحل الإيمان وانتهى.

    1.   

    الأسباب الممكنة لتوقي شر العدو من الإنس

    قال: [ ومن الأسباب الممكنة لتوقي شر العدو من الإنس ] أي: العدو الكافر ما يلي:

    أولاً: عدم حسن الظن بالعدو الكافر دائماً وأبداً

    قال: [ أولاً: عدم حسن الظن به، أي: بالعدو الكافر دائماً وأبداً ] فإذ تعاملت معه وأعطاك وأعطيته ومشيت فلا تحسن به الظن أبداً، وإياك من ذلك! ولا تقل: أنا سيئ الظن فيك، فليس هناك حاجة إلى ذلك، بل ابتسم له، وتعامل معه، ولكن لا تطمئن إليه، بل اعلم أنه لو احتاج إلى دمك لشربه، فهو كافر ميت، فلا عدم إحسان الظن به دائماً وأبداً.

    ثانياً: إعداد العدة الحربية بحسب القدرة على ذلك

    قال: [ ثانياً: إعداد العدة الحربية بحسب القدرة على ذلك؛ لقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ] ولو نبيع حتى حلي نسائنا، ولو أردنا أن نبني مصنعاً لصنع القنابل أو الصواريخ وليس عندنا مال فكل النساء يساهمن بالحلي الذي في أعناقنا وأيديهن؛ لأنهن مأمورات. فخذوا أيها المؤمنون! حذركم.

    ثالثاً: إسناد أمر القيادات الحربية إلى ذوي الكفاءات

    قال [ ثالثاً: إسناد أمر القيادات الحربية إلى ذوي الكفاءات من القدرة البدنية ] أولاً، فالمريض أو من به صداع دائم أو المشلول لا يمكنه أن يقود معركة، بل لا بد أن يكون قوياً في بدنه [ والعلمية الحربية ] فلا بد أن يكون عليماً بالحياة، بمعنى: أنه قرأ هذه النداءات كلها وحفظها وفهمها، فهذا ليس فوقه عالم، وأن يكون عنده قدرة حربية، ويعرف كيف يحمل السلاح وكيف يستعمله [ والإيمانية الروحية ] فالمؤمن الذي روحه هافتة خافتة مريضة لا ينفع، بل لا بد أن يكون مؤمناً قوي الروح، يحسن التكلان على الله، والاعتصام بجنابه، ولا ينهزم، وذلك كـخالد بن الوليد .

    رابعاً: وجود الخبرة العسكرية

    قال: [ رابعاً: وجود خبرة عسكرية كاملة، وقيادة رشيدة ] وليست سفيهة [ مؤمنة حكيمة عليمة ].

    خامساً: وجوب أخذ الأهبة والاستعداد التام في أيام السلم وأيام الحرب على حد سواء

    قال: [ خامساً: وجوب أخذ الأهبة والاستعداد التام في أيام السلم وأيام الحرب على حد سواء؛ لآية الأنفال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] ] والآن النفاثات والصواريخ موجودة مهيأة، ولا تقل: ليس هناك حرب، فقد أمرنا بأن نعدها، وكل يوم ننظفها ونمسحها كما يقولون، وإن لم يكن هناك حرب [ وهذا يعرف بالسلم المسلح ] ولو يسمع العدو أن لك مليون صاروخاً موجه للدنيا فإنه يبول في فراشه من الخوف، ولو لم تطلق عليه صاروخاً.

    سادساً: وحدة الكلمة والصف

    قال: [ سادساً: وحدة الكلمة ] فتكون كلمتنا واحدة، فلا خلاف أبداً [ ووحدة الصف ] ليس فيه تقديم ولا تأخير [ إذ الفرقة محرمة بقول الله تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] ] ولو كان المسلمون اليوم كلمتهم واحدة فوالله ما تبقى إسرائيل، وسترحل من أول يوم، ولكن كلمة المسلمين- والعرب خاصة- ليست متفقة، بل هذا مشرق وهذا مغرب، والذي أمر بهذا: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] الله عز وجل، وكأن العرب ما قرءوا هذه الآيات، ولا سمعوا بهذا النداء، إلا النادر القليل، والنادر لا حكم له.

    سابعاً: طاعة الله ورسوله

    قال: [ سابعاً: طاعة الله وطاعة رسوله بصورة عامة، وذلك بفعل الأوامر واجتناب المناهي في الحرب والسلم معاً؛ إذ الذنوب موجبة للعقوبة من الله تعالى، وقد تكون ] العقوبة [ هزيمة بالعدو ] يصبها الله علينا [ والعياذ بالله ] ومهما أخذنا من السلاح والعدة والخبرة الحربية ونحن تاركون للصلاة فسقة نلعب بالقمار ونأتي الجرائم فوالله ما يغني عنا هذا شيئاً، بل لا بد أن نكون أولياء الله، أتقياء له.

    ثامناً: الثبات وعدم التقهقر في حال الهجوم وذكر الله بالقلب واللسان

    قال: [ ثامناً: في حال الهجوم ] إذا هجمنا على العدو قال: [ في حال الهجوم يجب القيام بما يلي:

    أولا: الثبات وعدم التقهقر ] وقد ذكرت لكم عن رواية سليمة أيام كانت الدولة العثمانية في بداية أمرها تغزو وتفتح العالم، فقد كانوا يقولون: الجندي المسلم التركي يربط نفسه مع المدفع، فيضرب ويضرب حتى يصل العدو إليه وهو مربوط، ويستشهد على المدفع، ولا يعرف الهزيمة أبداً؛ لأن الله حرم الهزيمة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15]. فلا تعطيه دبرك أبداً، بل مت أمامه، هذه تعاليم الله هذه، فلا نشقى معها.

    [ ثانياً: ذكر الله بالقلب واللسان ] فلا يكون المدفع بيدك وأنت تغني، وتفكر في سلمى وليلى [ وهذا لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:45-46].

    ولنراجع معاني هذه الآية الكريمة في النداء (45) من سورة الأنفال ] إن أحيانا الله [ فإن بيانها واف ومفيد.

    وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه وسلم، وعلى المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952633