السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقد انتهى بنا الدرس إلى الأخلاق المحمدية.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [الأخلاق المحمدية التي فيها أسوة للمؤمنين] أي: الأخلاق النبوية التي فيها قدوة للمؤمنين وللمؤمنات، فهيا نستمع إليها. قال: [قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]] فأقسم الجبار: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:1-4]، شهادة الله تعالى له بأن خلقه عظيم، لا يدانى فيه، ولا يساوى قط.
قال: [وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]] أي: قدوة صالحة فاقتدوا به، والأسوة بالضم والكسر بمعنى واحد، وهما قراءتان سبعيتان، والمعنى: لقد كان لكم والله في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة صالحة فاقتدوا به في الجلوس كيف تجلسون. ومن اقتدى به وتزيَّا بزي آدابه فاز وسعد وكمل ورب الكعبة! وويل للمعرضين والجاهلين.
قال: [فقوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] شهادة من الله له صلى الله عليه وسلم بأنه على أكمل الأخلاق وأتمها وأرفعها وأفضلها، بحيث لا يدانى فيها بحال من الأحوال] أي: لا يقارب فيها.
قال: [وشاهد آخر في قوله صلى الله عليه وسلم: ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )] ومن أدبه ربه كيف يكون؟! ومن أدبه أستاذ أو أدبه أبوه يصبح عظيماً فكيف بالذي يؤدبه الله؟! وستشاهدون آثار هذه الآداب.
قال: [وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( بعثت لأتمم صالح الأخلاق )] أي: بعثني ربي من أجل أن أتمم مكارم الأخلاق، فما نقص منها وهبط ونسي وترك أنا جئت لأكمله: ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
قال: [وفي قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]] لاحظتم من هم الفائزون؟ لقد كان لكم معشر المسلمين في رسول الله أسوة حسنة، من يظفر بها ويفوز؟ قال: لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].
قال: [هذا إعلام من الله تعالى لعباده المؤمنين بما أوجب عليهم من الاقتداء برسولهم الذي كمله خَلْقاً وخلُقاً، وشرفه أصلاً ومحتداً، ورفعه منزلة وقدراً؛ حتى لا تأنف النفوس من اتباعه والاقتداء به في كل ما هو في استطاعتها التحلي به، والتقرب إلى ربها عز وجل باتباعه والاقتداء به فيه.
ومن هنا كان الكمال المحمدي ضربين] أي: نوعين [ضرباً لم تشرع الأسوة فيه] أي: ما أذن الله لنا أن نقتدي به فيه، وليس من حقنا هذا؛ وذلك [لعجز المرء عن كسب مثله، وذلك كشرف الأصل] فكيف نصل إلى ما وصل إليه رسولنا وهو من إبراهيم .. من عدنان . فهو نطفة محفوظة في أصلاب الرجال إلى أمه آمنة وأبيه عبد الله ؟! [وجمال الذات] فذاته جميلة لا يمكن أن تطمع أن تكون مثله بحال من الأحوال [وعلو القدر] فقدره عال، من يساويه؟ ومن يطمع في ذلك؟ [والاصطفاء للرسالة] ومن يطمع أن يكون نبياً رسولاً؟ [وتلقي الوحي الإلهي] ومن يطمع في هذا أيضاً؟
قال: [وضرباً مأموراً بالاقتداء به فيه] الأول لا مطمع فيه، والثاني مأمورون بأن نقتدي به فيه [والمنافسة] أيضاً بيننا [في تحصيل أكبر قدر منه، والمسابقة إليه أيضاً والجد في الطلب للظفر به والحصول عليه، وهو ما سنذكر جملاً صالحة منه سائلين الله تعالى أن يرزقنا التحلي به، والموت والحياة عليه، اللهم آمين!].
وباسم الله كل منا يحاول من الآن أن يتجمل بهذه الحلل الجميلة.
قال: [وكان جل نظره الملاحظة] أي: أكثر نظره الملاحظة، فيلاحظ الشيء كذا ثم يتركه، فلا يواصل النظر إليه [فلا يحملق إذا نظر] والحملقة معروفة [ونظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء] أي: أن أكثر نظره إلى الأرض، وأقل ما ينظر إلى فوق.
وهذا الخلق الأول، فإن شاء الله نتحلى به، ونتجمل من ليلتنا هذه، فنغض الطرف ولا نتبع نظرنا الأشياء، ولا نطاردها بأبصارنا، وأن يكون جل نظرنا الملاحظة فقط، وليس التعمق والنظر في أي شيء كان أيضاً، فلا يحملق أحدنا إذا نظر، ونظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، وهذا طول الحياة، وليس في المدرسة والجامع فقط، بل في الشارع والسوق والطائرة والأرض، فالنظر إلى أسفل أكثر من النظر إلى فوق، لا يحملق أبداً، ولا يتبع النظرة النظرة بل ينظر ثم يغض طرفه.
قال: [ويبدأ من لقيه بالسلام] أي: قبل الكلام، فإذا لقي أحداً قال: السلام عليكم! ومعناه: أنتم آمنون من الخوف أبداً، وبعد ذلك إذا أراد أن يكلمه يتكلم.
قال: [أي: على قدر الحاجة] فيقول: من فضلك كأس ماء؟ يكفي، ولا يقول: من فضلك كأس ماء إن شئت وإن كذا! وليس هذا [فلا زيادة عليها ولا نقصان عنها] وكل كلامه هكذا فهو موزون وبقدر الحاجة؛ حتى لا يقع فيه الزيادة ولا النقص.
قال: [وهذا من الحكمة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )] هيا نحفظ هذا الحديث، وهو والله خير من عشرة آلاف ريال، وأغلبكم يحفظه، لكن فقط من باب فضيلته، فهو خير من الدنيا، فجملة من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم نطبقها على أنفسنا، فنرتفع ونسمو، وهل نسمو بالملايين من الدولارات؟!
وقوله: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) والذي لا يعنيك، أي: لا يكسبك ريالاً ولا حسنة فمن حسن إسلام المرء ذكراً كان أو أنثى تركه ما لا يعنيه، والذي لا يحقق لك درهماً لمعاشك، ولا حسنة لمعادك، ولا يدفع عنك أذى في بدنك أو دينك أو عرضك؛ فتركه من حسن إسلامنا، والذين يتكلمون ويكثرون الكلام، والملائكة يكتبون ويسجلون، والنفوس تنتكس، والأخلاق تتراجع، ولا طائل من ذلك أبداً ولا فائدة.
وكيف نعرف أن إسلامك حسن يا عبد الله! وقد حسن إسلامك يا من أسلمت؟! نعرف ذلك إذا رأيناك تترك ما لا يعنيك، والذي لا يخصك أنت ولا يعنيك تتركه.
وقد قلت لكم: الذي يعنيني أن أقول كلمة أدفع بها أذى عن نفسي، أو عن عرضي أو عن مالي، أو كلمة أقولها تكسبني ريالاً أو درهماً لمعاشي، أو كلمة أقولها من أجل أن توفر لي حسنة من حسناتك، نستفيدها يوم القيامة.
إذاً الذي لا يعنيك لا يعطي لك نفعاً، ولا يدفع عنك ضراً؛ فهذا من حسن إسلامك أن تتركه، ولا تتكلم فيه ولا تدخل فيه، بل ولا تطالع ولا تنظر فيه، ولا تقبل عليه.
فلا تلعب ولا تلهو ولا تسمع الباطل ولا تقرأ في صحيفة ربع ساعة لا تستفيد منها حسنة.
يا معشر الحذاق! الصحيفة ذات عشرين صحفة في طول ذراع تقرأها من أولها إلى آخرها، تقضي فيها على الأقل نصف ساعة! وترجع فارغ اليدين والله لا حسنة ولا درهم، هذا تركك ما لا يعنيك، أم إقدامك على ما لا يعينك؟
كذلك أن تجلس أمام شاشة الفيديو أو التلفاز ربع ساعة .. نصف ساعة وأنت تشاهد الرقص والطلوع والهبوط والتبجح، وأنت ضاحك! أسألك بالله: هل يعنيك ذلك في شيء؟! كم ريالاً تحققه في الليلة؟ كم حسنة تستفيدها؟
فالمسلم الحق هو الذي تخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يفعل هذا، فمن حسن إسلام المرء والذي يدلنا على أن إسلامه حسن تركه ما لا يعنيه.
قال: [ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)] واحدة من اثنتين: من كان حقاً يؤمن بالله رباً وإلهاً، ويؤمن بلقائه والجزاء على عمله في الدنيا؛ فليقل خيراً إذا أراد أن يقول أو ليصمت، أما أن يقول سوءاً أو شراً أو باطلاً فلا.
أقول كما قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي: يوم القيامة ( فليقل خيراً ) أي: إذا قال (أو ليصمت) أما أن تقول سوءاً أو شراً أو باطلاً، فلا، اسكت. فلا غيبة، ولا نميمة، ولا تبجح، ولا أكاذيب، ولا أباطيل أبداً؛ لأننا نتهيأ لأن نخترق السماوات السبع وننزل في الجنة، وهذا يتطلب منا أن نصوم فلا نفطر، وأن نسكت فلا نتكلم أبداً عشرات السنين وكان قليلاً ويسيراً؛ لأنك تريد أن تخترق السماوات السبع وتنزل بالفردوس الأعلى، أما أهل الكفر والإجرام والفساد فهم هابطون إلى أسفل سافلين، فلهبوطهم يتكلمون كما شاءوا، فيساعدهم ذلك على النزول، لأنهم نازلين نازلين، لكن الهبوط شيء والصعود شيء آخر، ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ).
قال: [ويبدأ كلامه ويختمه بأشداقه] هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم قال عنه: ويبدأ كلام صلى الله عليه وسلم ويختمه بأشداقه [من أجل أن يسمع محدثه ويفهمه] يملأ شدقيه بكلامه حتى يفهم عنه ويسمع؛ لأنه مأمور بالبلاغ، لا يقولها بشفتيه فقط، تفهم أحياناً ولا تفهم، فالذي يريد أن يبلغ دعوة الله، أن ينصح لمؤمن، أن يحدثه لصالحه يفتح فاه ويتكلم ببيان ووضوح؛ حتى يبلغ، فكان صلى الله عليه وسلم يبدأ كلامه ويختمه بأشداقه، هذا شدق وهذا شدق، من أجل أن يسمع محدثه ويفهمه.
قال: [ولا يتكلم في غير حاجة] ما كان صلى الله عليه وسلم يتكلم في غير حاجة أبداً، كلامك كدنانيرك، تخرج الدنانير عند الحاجة أو لا، فكلامك كذلك، تتكلم عند الحاجة إلى الكلام.
قال: [وكان طويل السكوت] سكوته صلى الله عليه وسلم أكثر من كلامه.
معشر المستمعين والمستمعات! هذه آداب الحبيب صلى الله عليه وسلم، اغترفوا منها، تجملوا بها، تحسنوا، ما المانع؟
قال: [دائم الفكر، ليست له راحة، دمث الخلق، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه].
قوله: (متواصل الأحزان) كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان. وأنت الآن لو تفكر في إخوانك المسلمين فقط يصيبك الحزن، وكذلك لو فكرت في الفقراء تحزن، في المرضى تحزن، في المفتونين تحزن، في الفسقة والفجرة تحزن، في أهل الذلة تحزن، وهكذا حزنك متواصل.
قوله: (دائم الفكر) أي: بالعقل والقلب، فيفكر في الطريق المنجي، وفي الإسعاد كيف يتم، وفي إنقاذ البشرية كيف يحصل عليه، وكيف يؤدي واجبه، وكيف يقضي عليه، وهذا هو التفكير النافع، ودائم الفكر.
قوله: (يعظم النعمة وإن دقت) وإن قلت، إذا حصلت له نعمة يعظمها ويفرح بها وإن قلت، فحفنة التمر كصاع التمر عنده.
قوله: (لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه) فالنعمة التي تحصل ولو كانت ماء بارداً، فإن كان بارداً شربه، حلواً شربه، مراً أو ساخناً لا يشرب، ولا يذمه.
وقوله: (ليست له راحة) ما عنده راحة أبداً، دائماً في هم، دائماً في حزن، دائماً في تفكير، دائماً في عمل إما صلاة وإما جهاد، إما ذكر وإما عبادة على أنواعها، ما عنده راحة.
وقوله: (دمث الخلق) الخلق الدمث هو الخلق الفاضل اللين النافع غير الضار.
وقوله: (ليس بالجافي) القاسي في كلامه.
قوله: (ولا المهين) المهان، كلام على قدره.
قوله: (يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه) أي: نعمة المال أو نعمة الطعام والشراب.
قال: [سادساً: إذا غضب أعرض وأشاح] إذا غضب أعرض عمن أغضبه أو من كان السبب، وأشاح بوجهه هكذا، فلا يواجهه ويسبه ويشتمه ويحملق عليه، فما دام أغضبه لا يغضب ولا يلتفت إليه. فإذا غضب أعرض عمن أغضبه وقال فيه، وأشاح بوجهه هكذا.
قال: [جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام] فأسنانه كأنها حب الغمام.
وقوله: (جل) أي: أكثر ضحكه التبسم، فيتبسم عن أسنانه كأنها اللؤلؤ صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (عن مثل حب الغمام) حب الغمام اسم للمطر، البرد.
إذاً قوله: (إذا غضب أعرض وأشاح بوجهه) أي: أعرض عن الكلام مع هذا الذي أغضبه، ويصرف وجهه عنه هكذا (وإذا فرح غض طرفه) فلا ينتفش.
(جل) أكثر (ضحكه التبسم) فينفتح فاه وشفتاه وأسنانه لكن بدون ما صوت (ويفتر عن مثل حب الغمام) أي: البرد.
قال: [وذلك ليعقل عنه، ويفهم مراده من كلامه] فلمَ يتكلم ثلاثاً ويستأذن ثلاثاً؟ ليعقل عنه ما يقول، ويفهم مراده من كلامه [نظرًا إلى ما وجب عليه من البلاغ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، فلأداء هذه المهمة إذا تكلم يتكلم ثلاثاً: صل، صل، صل.. امش، امش، امش. حتى لا يعتذر أحد يقول: ما فهمت.
إن شاء الله نحن إذا تكلمنا نتكلم ثلاثاً من الليلة، وإذا سلمنا نسلم ثلاثاً، وإذا استأذنا نستأذن ثلاثاً، وهذه أكثرنا يقوم بها.
قال: [إذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم، وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم، وإذا ذكروا طعامًا أو شرابًا ذكره معهم] وبهذا حبه ملأ قلوبهم. فقد كان يشارك أصحابه في مباح أحاديثهم، أي: الأحاديث الجائزة المباحة، لا أن يقولوا باطلاً ويشاركهم فيه، أو مكروهاً أو محرماً، بل في المباح.
وإذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم، ذكروا سلعة، بضاعة.. كذا، يذكر معهم، وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم، وإذا ذكروا طعاماً أو شراباً ذكره معهم، صلى الله عليه وسلم.
فليس بمتعصب ومتشدد، ولين، ولكن لا يميل إلا إلى جانب الحق.
قال: [تاسعًا: كان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبى بيديه، وإذا جلس للأكل نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى]، تستطيعون هذا، أو تملئون البطون، وهذه الجلسة صاحبها يشبع بقليل، لكن إذا كان منفتحاً يبتلع.
صلوا عليه وسلموا تسليماً.
قال: [وإنما إذا أعجبه أكل منه، وإن لم يعجبه تركه] وسكت، إذا أعجبه أكل، ما أعجبه تركه، ما قال: بارد، ولا ساخن، أو قاسي.. كما تعرفون.
إن شاء الله نتخلق بهذه الأخلاق، والله! الذي لا إله غيره من اكتسبها الليلة وعزم على تطبيقها لخير من الدنيا وما فيها، وبهذا يصبح حبيباً لرسول الله محباً.
قال: [هذه الآداب مجملة] أي: هذه الآداب العشرة مجملة [وكلها يمكن الاقتداء به فيها، وهو غاية الطلب، وبغية أولى الأرب].
إن لذوي الأخلاق الفاضلة منزلة عالية] أي: أن لأصحاب الأخلاق الفاضلة منزلة عالية عند الله، وإن قل صيامك وإن قلت صدقتك، وإن قل جهادك، وإن قل.. فإذا كانت أخلاقك فاضلة كانت منزلتك عالية.
قال: [ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقًا )] وهذا الحديث يجب أن يحفظ: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً ).
أيها المؤمنون! نتفاوت في رتب الإيمان، فهذا يملك قنطاراً وهذا عشرة، لكن أفضل إيماننا الأخلاق، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، فمن كان أحسن منا أخلاقاً كان إيمانه والله أكثر من إيماننا؛ إذ ما وصل إلى ذلك إلا بمراقبة الله والدار الآخرة.
قال: [ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إن من أحبكم إلي وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً )] بكم نشتري هذه المنزلة؟ اسمع: ( من أحبكم إلي ) يا من يريدون أن يحبهم رسول الله وهم يحبونه ( وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) وهذا الحديث يجعلنا نبحث كيف نتخلق بالأخلاق الفاضلة، وكيف نهذب أنفسنا، وكيف يرانا الناس ونحن على أحسن الأخلاق وأكملها، حتى نظفر بحبه صلى الله عليه وسلم والنزول إلى جنبه في دار السلام.
قال: [وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر] لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [البقرة:177].. لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].. ما البر يا رسول الله؟! [فقال: ( حسن الخلق )] فالبر حقيقته حسن الخلق، ومن كان أحسننا خلقاً كان أبرنا، فأهل البر هم أهل الأخلاق الحسنة.
قال: [وسئل عن أي الأعمال أفضل فقال: ( حسن الخلق ). ومن هنا كان اكتساب الأخلاق الفاضلة خيراً من اكتساب الذهب والفضة، والأموال الطائلة].
فمن هذا الذي سمعنا وهو كيف تكون أقرب الناس من رسول الله، وأقرب منه مجلساً يوم القيامة؛ إذا أنت كنت أحسن الناس أخلاقاً.
قال: [والطريق إلى ذلك] أي: الطريق إلى أن نكتسب الأخلاق الفاضلة ما هو؟ [هو الائتساء بالنبي الحبيب صلى الله عليه وسلم] الاقتداء به، عرفتم الليلة كيف يجلس للأكل، فاجلسوا من الآن، فإذا جاءكم العشاء اجلسوا هذه الجلسة، وتعود عليها يومين ثلاثة وتصبح تجلسها، وعرفتم كيف كان ينظر ولا يحملق، وعرفتم أنه كان لا يقول الكلمة إلا لحاجة، فنقول كذلك، وإذا كان هناك حاجة تكلمنا وإلا نسكت.
كذلك أحزانه غالبة عليه، فكيف نفرح والبلاء بكل بلاد المؤمنين في الشرق والغرب، وهذا مجلب الحزن، وهكذا نأتسي به فنظفر بهذا الكمال، بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم.
قال: [إذ هو المثل الأعلى في باب الأخلاق] لا يساويه كما قدمنا أحد [ولذا كان إيرادنا للأخلاق المحمدية في آخر هذا الكتاب من باب حمل المسلم على اكتساب تلك الأخلاق المحمدية الفاضلة، ودفعًا له على التجمل والتحلي بها، ليكمل بها ويفضل ويشرف عليها، بعد أن عرف صاحبها، وعرف كمالاته الذاتية والروحية، وقوي إيمانه به نبياً ورسولاً، تجب طاعته ومتابعته وتعظيمه ومحبته وتوقيره]. فهو الذي تجب محبته، وهو الذي تجب طاعته، وهو الذي يجب الاقتداء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [وهذه نماذج من تلك الأخلاق فلننظر إليها، ولنوطِّن النّفس على اكتسابها والتخلق الصادق بها] إن شاء الله في الحصة المقبلة، وصلى الله على نبينا محمد.
معاشر الإخوان! بعث أحد الصالحين من الرياض، مريض يقول لكم: ادعوا لي في هذه الحلقة ليشفيني الله، ومعنا مرضى في بيوتنا وفي أسواقنا ومساجدنا ومعنا، فهيا نسأل الله تعالى الشفاء، وكم سألنا وأعطانا، وكم دعوناه واستجاب لنا.
اللهم! يا ولي المؤمنين، ويا متولي الصالحين، ويا أرحم الراحمين، ويا رب العالمين، هذه أكفنا قد رفعناها إليك، سائلين ضارعين، فاكشف ضر هذا المريض الذي طلب منا أن ندعوك، اللهم! اكشف ضره واشفه، واشف كل مؤمن ومؤمنة في مشافينا وفي بيوتنا، ومعنا يا رب العالمين، فإنه لا يشفي إلا أنت، ولا شفاء إلا شفاءك يا رب العالمين.
اللهم! اشف مرضانا يا رب العالمين، وزك أنفسنا، وطهر قلوبنا، واختم لنا بخاتمة السعادة يا رب العالمين، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر