أما بعد:
ها نحن مع الوفود الذين يتوافدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الوفد الخامس من تلك الوفود التي كانت في السنة التاسعة وفي أول العاشرة.
قال: [ثم انصرفوا وأعطوا مسيلمة الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم] من الجائزة.
[فلما قدم اليمامة ارتد عدواً لله، وادعى النبوة وتنبأ كذباً، وأخذ يسجع ويقول مضاهياً] بكلامه المسجوع القرآن الكريم [لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين شغاف وحشا] يقول: إن هذا قرآن، ويموه به على العوام. ومعنى (لقد أنعم الله على الحبلى) أي: ذات الحمل، و(أخرج منها نسمة تسعى) يعني: طفلاً يمشي، (من بين شعاف وحشا) يعني: جلد بطنها وأحشائها [ووضع عنهم الصلاة] فلا صلاة على قومه [وأباح لهم الخمر والزنا إلى آخر هرائه العفن] المنتن.
قال: [وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب] خطاب [جاء فيه] في هذا الكتاب النبوي [بسم الله الرحمن الرحيم] وهذه سنته صلى الله عليه وسلم في كتبه ورسائله، أي: بسم الله الرحمن الرحيم أكاتبك أو أخاطبك [من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين] وهذا خطاب نبوي رد به صلى الله عليه وسلم على خطاب بعثه مسيلمة [رداً على كتابه الذي بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد: فإني قد أشركتكم في الأمر، وليس قريش قوماً يعدلون] يعني: أعطيتك نصف ما عندي من الرسالة فأنت رسول وأنا رسول.
قال: [وكان رسولهم إليه صلى الله عليه وسلم هو مالك بن مرة الرهاوي بعث به زرعة ذو يزن إليه صلى الله عليه وسلم، فكتب إليهم صلى الله عليه وسلم كتاباً هذا نصه] فلنستمع إلى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله النبي] صلى الله عليه وسلم [إلى الحارث بن عبد كلال وإلى نعيم بن عبد كلال وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلباً من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلّغ ما أرسلتم به] أي: بلغنا ما أرسلتموه به [وخبر ما قلتم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم أطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم نبيه وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة. وبين لهم صدقة الزرع والإبل والبقر والغنم.
ثم قال: فمن زاد] على هذا القدر [فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه، وظاهر المؤمنين على المشركين] أي: ناصرهم [فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها] أي: لا يصرف عنها بل يبقى على دينه [وعليه الجزية على كل حالم] من الأطفال إذا بلغوا [ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً دينار واف من قيمة المعافر] والمعافر: ثياب يمنية [أو عوضه ثياباً، فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه] أي: ذلك [فإنه عدو لله ورسوله].
هذا هو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمير.
قال: [فما سُمع] أي: ما سمعوا [بوافد قوم كان أبرك ولا أفضل من ضمام بن ثعلبة ] إذ أهله كلهم في يوم واحد دخلوا في الإسلام وتركوا الشرك والكفر، فلم يكن أبرك منه -أي: أكثر بركة- ولا أفضل منه على قومه رضي الله عنه وأرضاه.
ما هو الشكر يا عباد الله؟ الشكر هو شعور في قلبك بأن هذه نعمة لله، ثم حمد الله وثناؤه صباح مساء على تلك النعمة، ثم إن كانت علماً عليك أن تبلغه بعد العمل به، وإن كانت مالاً عليك أن تنفق منه على المحاويج والمساكين، وإن كانت صحة بدنية عليك أن تنفق منها في عون المحتاجين وما إلى ذلك. هذا هو الشكر.
[والصبر عند البلاء] سواء كان مرض أو جوع أو حرب [والرضا بُمرِّ القضاء] أي: بما هو مر لا يطاق كالموت والأمراض.. وما إلى ذلك [والصدق في مواطن اللقاء] مع الأعداء [وترك الشماتة بالأعداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )] هذا هو قول الحبيب صلى الله عليه وسلم للوفد.
إذاً: كان عندهم خمس عشرة خصلة، قالوا: خمس منها أمرتنا بها رسلك، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها؟ قالوا: (أمرتنا أن نؤمن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت) فلم ينقص إلا القضاء والقدر، لكنهم مؤمنون به في كلامهم عندما قالوا: الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء.
قال: وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها؟ فقالوا: (أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلاً).
فقال صلى الله عليه وسلم: وما الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ أي: جعلتوها أخلاقاً لكم تجملتم بها؟
قالوا: (الشكر عند الرخاء) يعني: ليس إذا جاء الرخاء نكفر النعم ونفسق ونفجر ونشتغل بالدنيا.
(والصبر عند البلاء)، فلا جزع ولا بكاء ولا صياح..
(والرضا بمرّ القضاء)، أي: مهما كانت مرارته.
(والصدق في مواطن اللقاء) يعني: في الحرب، فإذا التقينا فلا تعرف منا إلا الصدق.
(وترك الشماتة بالأعداء) فلا نشمت بأعدائنا أبداً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقولته: ( حكماء علماء .. )، وهذه شهادة -والله- لا تعدلها شهادة؛ لأنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرضي الله عنهم وأرضاهم.
قال: [ثم قال: ( وأنا أزيدكم خمساً فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون )] ما هي الخمس التي أضافها إلى ما عندهم قال: [( فلا تجمعوا ما لا تأكلون )] أي: لا تجمعوا ما لا تأكلونه، ومعنى هذا أن يصير المال بين الناس، فلو بطل ادخاره والربط عليه ودفنه أُنفق. هذه واحدة.
ثانياً: [( ولا تبنوا ما لا تسكنون )] فإذا كنت تسكن طابقاً فما الحاجة للعشرين؟ ولا بأس بطابقين واحد في الصيف وواحد في الشتاء، أو طابق لك وطابق للضيوف مثلاً.
[( ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون )] أي: تولون. فلا تتنافسوا وتتسابقوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون وتتركونه [( واتقوا الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون )] هذا من منبع الحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم [وانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا بها].
اللهم اجعلنا من أهلها، اللهم إنا نبذل ما استطعنا أن ننفذ هذه الوصايا العشرين يا رب العالمين.
نكتفي بهذا القدر وإلى ولاية الله عز وجل ..
إنها تتحقق بشيئين: بأن تحب ما يحب الله وتأتيه، وتكره ما يكره الله وتتركه، فإذا وافقت ربك فيما يحب وفيما يكره فأنت -والله- وليه، أما عدو الله فهو من يخالف ربه، إذا أمره الله بشيء تركه، وإذا نهاه عن شيء فعله، هذا هو عدو الله، فلا بد من معرفة المحاب والمكاره، وقد جمعتها في رسالة وستوزع إن شاء الله خلال أسبوع.
قلت: المكروهات ثلاثة:
أولاً: القيل والقال.
ثانياً: كثرة السؤال.
ثالثاً: إضاعة المال.
وهذا بيانها: وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وكره لكم ) أي: الله تبارك وتعالى، ( قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، هذه ثلاث مكروهات كرهها الله تعالى لأوليائه يجب على المرء الطالب لولاية الله أن يكرهها ولا يفعلها، فلا يحدث الناس إلا بما فيه صدق وحق ونافع غير ضار، ويقلل من الأسئلة فلا يكثر منها، سواء كانت أسئلة منافع مادية أو أسئلة علمية فقهية أو غير فقهية، فلا يسأل إلا بقدر الحاجة؛ لما في الإكثار من الضرر للنفس الزكية وهو مطالب بتزكيتها والمحافظة على زكاتها حتى تلقى ربها وهي طاهرة، فيفلح صاحبها بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار.
وكذلك لا يضيع ماله قل أو كثر بالإسراف فيه، ولا بإهماله وعدم حفظه، ولا بعدم إنمائه إن كان مما ينمى فيزيد ويكثر؛ لما في ذلك من الضرر على طالب ولاية الله تعالى.
ألا فاذكر هذا أيها العبد الطالب لولاية الله تعالى الراغب فيها!!
رابعاً: الكفر بعد الإيمان، وهي الردة والعياذ بالله عن الإسلام بعد الدخول فيه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أبغض الخلق إلى الله من آمن ثم كفر )، فاحذر يا طالب ولاية الله من كل اعتقاد باطل، أو قول فاسد، أو عمل سيئ؛ حتى لا تقع فيما يغضب ربك عليك فتحرم ولايته وتعطى عداوته.
خامس المكروهات: الأسواق؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أبغض البلاد إلى الله أسواقها )، وذلك لما يحدث فيها من المخالفات لأوامر الله ورسوله ونواهيهما: كالصخب، والحلف الكاذب، والغش، وخيانة الأمانة، وعدم الصدق في القول والعمل.
فاكره يا طالب ولاية الله ما يكرهه من تطلبه ولايته، تظفر بها وتكمل وتسعد بإذن الله تعالى.
اللهم حقق لنا ولايتك وكرامتك يا أكرم الأكرمين ويا رب العالمين.
الجواب: من نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر فإنه لا يقصر ولا يجمع بل يتم صلاته في أوقاتها.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر