إسلام ويب

أهوال يوم المحشرللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى وصف يوم القيامة وما فيه من أهوال في كتابه الكريم وبما أوحى به إلى نبيه مما ذكره في حديثه الشريف، وإن أحوال الناس في ذلك اليوم العصيب تختلف؛ فمنهم المؤمن الناجي بعمله، ومنهم الكافر الهالك بعمله، ومنهم المنافق المكردس في جهنم بنفاقه وكذبه ودجله.
    الحمد لله رب العالمين، الذي أوضح سبل هدايته، وحرض أولياءه لطاعته وعبادته، فساروا على نهجٍ قويم، وواصلوا السير في طريقهم إلى رضوان الله، وخالفهم آخرون فاتبعوا أهواءهم وجاءهم الأجل المحتوم، وهم مفرطون، فصدق الله رب العالمين: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.

    عباد الله! ما هذه الغفلة؟ وما هذا الإعراض؟ والبعض من الناس صار يعكف على آلات اللهو استماعاً ونظراً، والبعض من الناس ذهبت عنه الغيرة، وصار يرتكب المحرمات من الزنا واللواط أذهب عمره فيها، وانفد أمواله فيها، وصارت حياته حياة الأنعام، والبعض من الناس أذهب عمره في القيل والقال والغيبة والبهتان، والبعض من الناس أنهك حياته وأمواله في المخدرات والمسكرات وبعضهم باع محارمه بشيء من المخدرات والمسكرات، باع عرضه، حتى إن بعضهم ركب أمه ومنى بها لما فقد شعوره بشرب المسكرات.

    نعم. يا عباد الله! زيادة على ذلك ما ظهرت في الأزمنة المتأخرة من نساء كاسياتٍ عارياتٍ مفتوناتٍ فاتنات، كل هذا ظهر دون خوفٍ من الله جل وعلا، ومن جبار الأرض والسماوات، وما ذاك يا عباد الله إلا أن الإيمان قد نقص عند الكثير من الناس، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، فأين الإيمان ممن تجرءوا على محارم الله ومعاصيه؟! أما علم أولئك أنهم سوف يهجم عليهم الموت، وسوف ينقلون إلى حفرٍ ضيقات، وإن من مات فسوف يرى في قبره ما قدم، إن كان من أهل الجنة فقبره روضة من رياض الجنة، وإن كان من أهل النار، فقبره حفرة من حفر النار.

    يا عباد الله! ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أن نعيم القبر وعذابه حقٌ ثابتٌ لا مرية فيه ولا شك، ولا ينكر ذلك إلا ملحدٌ معاند، ثم لا يعلم مدة المكث في هذه القبور إلا الله عز وجل، فإذا تمت هذه المدة المقدرة لهذا العالم أمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ في الصور، قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68] يقومون من قبورهم لرب العالمين، تصوروا ذلك القيام يا عباد الله! حفاةً عراةً غرلاً فرادى كما خلقوا أول مرة، ليس معهم شيء سوى أعمالهم من حسناتٍ وسيئات.

    عباد الله! إن أمر القيامة عظيم، وشأنها جسيم، وموعدها قريب.

    أجل أيها العاصي ما الذي جرأك على أن تعصي الله، وأنت سوف توقف بين يديه يوم القيامة؟!

    أهوال يوم القيامة

    أيها الغافل! تذكر يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة؟! إنه يومٌ يقرع القلوب هولاً، يومٌ يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، وتكون الجبال فيه كالعهن المنفوش، وتدنو الشمس فيه من رءوس الخلائق، ويشتد الحر ويعظم الهول، ويوم القيامة تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48] يوم القيامة تبرز الخلائق لله الواحد القهار، والملائكة محيطة بهم صفاً صفا، إنه يومٌ عظيم، يتناسى فيه الحبيب حبيبه، وتنقطع الأسباب، ويتبرأ الأنساب، ويفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم القيامة يوم يشيب فيه الولدان لشدة هوله، يوم القيامة يومٌ تضع الحوامل فيه حملها، يومٌ تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت، يوم القيامة ما أطوله حيث يقدر بخمسين ألف سنة، هل نسيت ذلك اليوم أيها العاصي حتى تجرأت على محارم الله كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:21-23] إنه يومٌ عظيم، يجاء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرونها، إنها جهنم لها تغيظ وزفير، إذا كنت تعرف جهنم فما الذي أقدمك على معاصي الجبار؟! في ذلك اليوم العظيم يحاسب الله جل وعلا الخلائق ويجزي كلاً بعمله يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيدا [آل عمران:30] في ذلك اليوم يعطى كل إنسان نتيجته وبينهم تفاوت في ذلك الموقف العظيم؛ منهم المسرور الفرح، ومنهم المظلوم الترح، أما المؤمنون فتبيض وجوههم، وتثقل موازينهم بالحسنات، ويردون حوض نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

    حال أهل الجنة

    نعم. يا عباد الله! أما المؤمنون فتبيض وجوههم، وتثقل موازينهم بالحسنات، ويردون حوض نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم؛ الحوض الذي هو أشد بياضاً من اللبن, وأحلى من العسل، من شرب منه شربةً لا يظمأ بعدها أبداً، ويمرون على الصراط الذي وقف الأنبياء بجانبيه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم واقف على طرف الصراط ويقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم.

    أمة الإسلام! أين الاتعاظ؟! أين التذكار لذلك اليوم العظيم؟! يوم القيامة الذي قال الله فيه للمؤمنين المطيعين: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73] يتلقاهم خزنتها ويسلمون عليهم ويهنئونهم بسلامة الوصول إلى دار النعيم، هنيئاً لنا إن كنا منهم، ثم هنيئاً لنا إن كنا منهم، ويسلمون عليهم ويهنئونهم بالسلامة من عذاب الجحيم، يهنئونهم بما في الجنة من الخلود الأبدي فيما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من نعيم القلوب والأرواح والأبدان، وتمام ذلك أن يحل عليهم الرب جل جلاله رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً، ويقال لهم: {إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً } ولهم نعيمٌ أعلى وأجل من ذلك وهو التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع خطابه، والابتهاج برضاه، عند ذلك يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74].

    حال أهل النار

    أمة الإسلام! يا من تريدون النجاة من النار، يا من تريدون أن تزحزحوا عن النار وتدخلوا الجنة، الله الله جدوا في المسابقة إلى طاعة الله، وإن طريقها يسير على من يسره الله عليه، هو الإيمان الصادق، والعمل الصالح، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي، والتوبة النصوح في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، والإنابة إلى الله تعالى في كل وقتٍ وحين، وكثرة ذكره ودعائه واستغفاره حتى تنجو من النار، وما أدراك ما النار؟ هي مأوى الكفار والمجرمين والمشركين والعصاة، ومأوى الملحدين فإنهم يخرجون من قبورهم قلقين فزعين مرعوبين خائفين يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31] فيحاسبهم الله على ما أسلفوا من الجرائم، ويجزيهم بين الخلائق، وعلى رءوس الخلائق، فتسود وجوههم، وتخف موازينهم من الحسنات، ويعطون كتب أعمالهم بشمائلهم، ويساقون إلى جهنم حفاةً عراةً قال الله تعالى في حقهم: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:70-71].

    ويقول الله لهم أيضاً بعدما يسألونه بعد حين طويل: اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] ففي ذلك الحين يأخذون في الزفير والشهيق، وييئسون من كل خير ومن كل فرجٍ وراحة، ويستيقنون الخلود الدائم، والعذاب الأبدي المستمر.

    عباد الله! ما أشد شقاهم! وما أعظم عناهم! ينوع عليهم العذاب، تارةً يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب الأليم، وتارة بالزمهرير الذي بلغ من برده أنه يهرى اللحوم، ويكسر العظام، وتارة يعذبون بالعطش والجوع المفزع، ثم يسقون ويطعمون بالغسلين والزقوم والضريع، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع.

    فالحذر الحذر عباد الله! أنتم في وقت الإمهال، أنتم في هذه الدنيا في دار المزرعة والعمل فاعملوا صالحاً، اللهم وفقنا وأيقظنا من رقداتنا، اللهم ارزقنا الاستعداد لما أمامنا، اللهم نبهنا من غفلاتنا، اللهم نجنا من النار، وأدخلنا الجنة يا عزيز يا غفار!

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088990527

    عدد مرات الحفظ

    780418209