ولقد أوجب الله تعالى على عباده أداء هذه العبادة الجليلة، والشعيرة العظيمة في جماعة، ولم يعذر أحداً في التخلف عنها لا في حال السلم ولا في الحرب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبلِّغ عن ربه دين الإسلام، وما مات حتى أكمل الله به الرسالة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلِّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله حق تقاته وتمسكوا بأهداب دينه القويم.
عباد الله! يقول الله جل وعلا: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي تأخذ بيد المسلم المنقاد لله رب العالمين، فتوصله إلى الغاية الحميدة، ويأمن بها من العثرة، ومن الفزع يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
نعم يأمن المسلم بهذه الصلاة حين يخاف الناس، ثم هي للمسلم برهاناً على إيمانه وصدق إسلامه، وفي النهاية تكون له نجاة من النار، وما ذاك -يا عباد الله- إلا لعظم منزلة الصلاة من الدين القويم، ولأن الصلاة عمود الإسلام.
أمة الإسلام! الصلاة هي الصِّلة الوثيقة بين العبد وبين خالقه وموجده، بينه وبين ربِّ العالمين، فإذا قطع العبد تلك الصلة، ونسي الله وترك الصلاة؛ قطع الله عونه ووكله إلى نفسه، ونسيه الله عند ذلك، فيتولاه الشيطان، ويكون من حزبه، فتقذفه المحن، وتتسلط عليه المصائب، وهيهات أن يُفلح عبدٌ تخلَّى عنه رب العالمين، وتولَّاه الشيطان الرجيم، إنه صار بترك الصلاة كافراً -والعياذ الله- برئت منه ذمة الله.
ولقد أمر الله بالمحافظة على الصلاة في كتابه الكريم، فقال جلَّ من قائل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
أجل يا عباد الله! إن الذي يتخلف عن أدائها مع الجماعة بدون عذر شرعي يكون عاصياً لله، ومرتكباً كبيرة من كبائر الذنوب، وسوف يَصْلَى وادٍ في جهنم فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].
ويقول جلَّ وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] فهذه الآية نص في وجوب الصلاة في جماعة، ولو كان المقصود: هو إقامتها -فقط- لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية.
ولقد أوجب الله -سبحانه وتعالى- الصلاة في جماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم؟!
أجل يا عباد الله! لو كان يُسامح أحدٌ في ترك الصلاة في جماعة لكان المُصَّافون للعدو، المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلمَّا لم يقع ذلك؛ عُلِمَ أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحدٍ التخلفَ عنها.
وجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في بيان وجوب الصلاة مع الجماعة، حيث يقول أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة؛ فأحرق عليهم بيوتهم...) الحديث.
أمة الإسلام! عجباً لمن عرف الدليل وحاد عن الجادة! عجباً لمن يسمع: قال الله وقال رسوله، ويقول: أنا آخذ بكلام فلان وفلان وعلان! لو فكر هذا المسكين المعاند من أُمِر أن يتبع؟
هل أُمِرَ أن يتبع ويقتدي بفلان وفلان، أو أُمِرَ أن يقتدي ويتبع من جاء بالهدى والنور، الذي جاء بالشرع الحكيم، والذي يهدي إلى صراط الله المستقيم، الذي قال الله فيه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21]؟
إنه الشرع القويم الذي جاء به محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمة الإسلام! متى ظهر الحق واتضحت أدلته؛ فلا يجوز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان وفلان؛ لأن الله عز وجل يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
أجل -يا عباد الله- إن مكبرات الصوت -أي: الميكرفونات- حجة عليكم؛ إنها ليست تسمع فحسب! بل هي تهزُّ البيوت، ولكن -مع الأسف الشديد والحزن المرير- أكثر المجاورين لبيوت الله لا يحضرون الصلاة مع الجماعة في المساجد، إنها المصيبة العظمى، إنه الخطأ الكبير؛ الذي يشعر أن الكثير من المسلمين تخلوا عن دينهم، إنه الخطر الجسيم الذي يشعر أن الكثير من المسلمين ابتعدوا عن أهم موقف يقف فيه العبد بين يدي رب العالمين، إنه الإعلان -من كثير من المسلمين- بترك عمود الإسلام علانية، وبدون خوف من الواحد القهار، كيف وبعض المتخلفين عن الصلاة يستترون حتى تُقضى تلك الفريضة؟ يختفون في محلاتهم، أو يغلقونها ويقفون أمامها أمثال الشياطين، وبدون خوف من الله الذي يعلم السر وأخفى.
لقد أخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من الصحابة الأجلاء، حيث قال رضي الله عنه: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق عُلِمَ نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة]].
وقال: [[إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المساجد الذي يؤذن فيه]].
عباد الله! إن الواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر العظيم، والمبادرة إليه، والتواصي به.
اللهم وفقنا لما فيه رضاك وإصلاح أمر ديننا ودنيانا، اللهم أعذنا من مشابهة الكفار والمنافقين إنك جواد كريم وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
اللهم انفعنا بالقرآن العظيم وما صرّفت فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله عَزَّ وَجَلّ.
أمة الإسلام! اعلموا أن شأن الصلاة عظيم، وقد بلغ من عناية الإسلام بالأمر بالصلاة بأن تقام في الحضر والسفر، في السلم والحرب، ولم يرخص في تركها للمريض، فقال صلى الله عليه وسلم للمريض: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) هذا في حق المريض، ومع الأسف الشديد! فبعض المرضى يدخل أحدهم في المستشفى ويخرج ولم يصلِّ فرضاً واحداً، يقول: أجمعها جميعاً، وهل تدري يا مسكين! هل تخرج معافى أم تخرج جنازة؟ ثم تبقى عليك هذه الفرائض دينٌ عليك تحاسب بها؛ لأنها حقٌ من حقوق الله.
يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن العبد إذا صلَّى فأحسن الصلاة صعدت ولها نور، وإذا انتهت إلى أبواب السماء فتحت أبواب السماء لها، وتشفع لصاحبها، وتقول: حفظك الله كما حفظتني، وإذا أساء في صلاته فلم يتم ركوعها ولا سجودها ولا حدودها صعدت ولها ظلمة، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، فإذا انتهت إلى أبواب السماء غلقت دونها، ثم لفت كما يُلف الثوب الخلق، فيضرب بها وجه صاحبها} أو كما قال.
الصلاة الصلاة يا أمة الإسلام! لا يشغلنَّكم عنها، أو يحملكم على التهاون بأدائها في وقتها أي شاغل؛ من وظيفة أو رئاسة، أو ندوة أو بيع أو شراء، أو حرفة أو لهو أو غير ذلك؛ فإن في ترك فريضة رب العالمين غبناً يا له من غبن! ويا له من خسارة!
مروا أبناءكم بالصلاة وحثوهم عليها وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم إذا تركوها وهم أبناء عشر سنين؛ هكذا حثكم الناصح الأمين.
وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وهو القائل: {من صلّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمَّر أعداء الدين، الذين يُفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين وأبناء المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم من أتى ليعلِّم أولاد المسلمين الخير فزده أجراً ومثوبة يا رب العالمين! ومن جاء ليعلم أولاد المسلمين الشر فأخرس لسانه واشدد على قلبه وأهلكه عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين!
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهم اجعل ما أنزلته لنا معونة على طاعتك، ومتاعاً إلى حين، اللهم اجعل ما أنزلته علينا من الغيث معونة لنا على طاعتك ومتاعاً إلى حين، واجعله يا رب العالمين يا قادر يا كريم، اجعله سُقيا رحمة ولا سقيا عذاب، ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اجعله معونة على طاعتك ولا تجعله استدراجاً إلى معاصيك يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر