إسلام ويب

حياة عمر بن الخطابللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الناظر في حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وفي سيرته الراشدة وحياته الطيبة منذ إسلامه واعتناقه هذا الدين بصدق واعتزاز وما كان له من دور كبير في امتناع المسلمين وقوة شوكتهم، وجعلهم يظهرون بعض شعائرهم؛ يرى العجب العجاب، ولقد تحول عمر رضي الله عنه من أعدى أعداء الإسلام إلى ذاك البطل الذي يذود عن حماه، ويحارب من أجله.

    لقد اتصف عمر بن الخطاب بسمات عظيمة، منها الشدة في دين الله مع تواضع جم، وحينما تولى الخلافة كان مثالاً للخليفة العادل المهتم بأمور رعيته، ولقد استمر عطاؤه وخيره وتضحيته إلى استشهاده على يد أبي لؤلؤة المجوسي لعنه الله.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.

    عباد الله: إن المسلم الحقيقي إذا تصفح سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، بادرت عيناه باهمال الدموع والترحم عليهم؛ لأنهم بذلوا جهدهم لله وبالله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم رسم لهم منهج الفضائل والمعروف، والصدق والعفة، والكرم والإحسان، والقناعة وعلو الهمة، والنزاهة والشجاعة، والتقى والتواضع، فصاروا رضي الله عنهم أسبق الناس إليها، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

    أمة الإسلام: لقد سمعتم في خطبة الجمعة الماضية شيئاً يسيراً عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لو وزن إيمانه بإيمان هذه الأمة لرجح بها، وهو أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن بجواره في حجرة عائشة رضي الله عنهما.

    وتولى بعده الخلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أداركم ما عمر يا عباد الله! هو الذي كان قبل أن يسلم أعدى الأعداء للإسلام وأهل الإسلام، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام أن ينصر الله الإسلام بأحد العمرين: عمرو بن هشام أبو جهل أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسبقت السعادة ولله الحمد والمنة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وباء أبو جهل بالخيبة والخسران واللعنة ومأواه النار.

    ففي يوم من الأيام خرج عمر بن الخطاب متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، قال: أين تذهب يا بن الخطاب ، فقال: أريد أن أقتل محمداً.

    قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة إذا قتلت محمداً؟

    فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه.

    فقال: أفلا أدلك على ما هو أعجب من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أختك وختنك -أي: زوج أختك- قد تركا دينك الذي أنت عليه.

    فمشى عمر ذامراً، حتى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له: خباب بن الأرت رضي الله عنه، فسمع خباب حس عمر فتوارى، فدخل على أخته وزوجها، فقال لهما: ما هذه الهيمنة التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرءون سورة طه، يقرءوهم إياها خباب.

    فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا، قال: فلعلكم قد صبوتما؟ فقال له زوج أخته: أرأيت يا عمر! إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على زوج أخته فوطأه وطأً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها بيده -أي: لطمها- فقالت وهي غضبى: يا عمر! إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فعندما رأى عمر رضي الله عنه الدم في وجه أخته، رق لها، وبدأت الرحمة في قلبه، فقال لأخته: أعطوني الكتاب الذي عندكم، فأقرأه وكان عمر يكتب، فقالت أخته: إنك رجسٌ ولا يمسه إلا المطهرون، فاغتسل وتوضأ، قال: فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ من قوله تعالى من سورة طه: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طـه:1-8].

    فقرأها عمر إلى قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طـه:14] وعندما قرأ عمر هذا القرآن، الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وكان عمر في أول جاهليته وهو متلبس بأنجاسه وأدران شركه، فعندما قرأ عمر هذا القرآن بدأت الروح الإيمانية تدب في جسم عمر ، وكم يقرأ القرآن! وكم يتلى القرآن! وكم يسمع القرآن! قلوب كثير من المسلمين غافلة، وعن هديه متباعدة، فهذا عمر جاهلي مشرك لا يعرف الإسلام عندما سمع تلك الآيات القرآنية التي أنزلها رب العزة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنزلها شفاءً لما في الصدور، قرأها عمر بدأت الروح الإيمانية تدب في جسم عمر ، وبدأت غيوم الجاهلية تنقشع عن قلب عمر.

    فقال: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر ، خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر! فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس، فإنه قال: (اللهم أعز الإسلام بـعمر بن الخطاب أو بـعمرو بن هشام) أي: أبو جهل ، وسبقت السعادة لـعمر بن الخطاب.

    إعلان عمر لإسلامه

    قالوا له: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر متوشحاً بسيفه حتى أتى الدار، قال: وعلى باب الدار حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة رضي الله عنهما وأناس من الصحابة، فلما رأى حمزة وجل القوم، أي: خوفهم من عمر ، قال حمزة: نعم فهذا عمر فإن يرد الله بـعمر خيراً يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن يرد الله غير ذلك يكن قتله علينا هيناً.

    قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل الدار يوحى إليه، فقال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف وقال: {أما أنت بمنته يا عمر! حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بغيرك؟} فقال عمر: [[يا رسول الله! جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله]] قال: فكبر رسول الله، ونحن نكبر ثم نكبر: الله أكبر! الله أكبر! خرج مقاتلاً لرسول الله، ثم لم يمضِ هنيهة من الوقت، إلا وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

    أثر إسلام عمر على المسلمين

    فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف أهل البيت أن عمر قد أسلم، ولما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان رجلاً ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر رضي الله عنه، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى وصل إلى الكعبة وصلى وراء المقام]] وصلى معه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قال: يا رسول الله! ألسنا على حق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال: لنخرج.

    فخرج عمر رضي الله عنه، وجعل يعلن إسلامه بكل مجلس كان يعلن به الكفر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب]] وقال ابن مسعود أيضا: [[إن إسلام عمر كان فتحاً، وهجرته كانت نصراً، وإمارته كانت رحمة]].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088987563

    عدد مرات الحفظ

    780395740