وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العزيز الوهاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
مع الأسف الشديد أن من الصائمين من يتهاون بصلاة الجماعة مع وجوبها عليه، وقد أمر الله عزَّ وجلَّ بالصلاة مع الجماعة في حال القتال والخوف، ففي حال الطمأنينة والأمن أولى وآكد.
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فرخص له صلى الله عليه وسلم، فلما ولى دعاه وقال: {هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب} رواه مسلم.
فلم يُرخـص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة مع أنه رجل أعمى وليس له قائد.
أمة الإسلام! هناك مكبرات للصوت، وإذاعة تنقل الأذان، فلقد عظُمَت الحجة علينا يا أمة الإسلام.
تارك الجماعة تفوته مصالح اجتماعية، منها:
غرس المحبة والألفة.
تعليم الجاهل.
مساعدة المحتاج.
تارك الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما -أي: من الأجر- لأتوهما ولو حبواً}.
ويقول صلى الله عليه وسلم: {ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة؛ فأحرق عليهم بيوتهم بالنار}.
نعم يا أمة الإسلام! وعيد شديد من رسول الله، فيا ليت رسول الله يرى في رمضان تلك الصفوف المتراصة، ثم بعد رمضان تختفي كأن لم تكن أتت إلى المساجد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وبئس القوم من لا يعرفون الله إلا في رمضان.
كذلك يجب على المسلم أن يجتنب الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، سواءٌ كان فيه ما تقول أم لم يكن، ولقد نهى الله عنها ورسوله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدروهم، فقال: {من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يغتابون الناس، ويقعون في أعراضهم}.
كذلك يجب على المسلم أن يجتنب النميمة، وهي نقل الكلام بين الناس بطريق الإفساد، ويكفي فيه وعيداً أن النمام لا يدخل الجنة.
كذلك يجب على المسلم أن يجتنب الغش في جميع معاملاته، فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ نبينا صلى الله عليه وسلم، من فاعل الغش فقال: {من غشنا فليس منا}
والغش خديعة، وخيانة، وضياع للأمانة، وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام، لا يزيد صاحبه إلا بُعداً من الله.
صح عن ابن مسعود ، وعن كثير من العلماء، أن هذه الآية نزلت في الغناء والمزامير.
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، في معرض التحذير من المعازف، وقَرَنَها بالزنا، فيقول صلى الله عليه وسلم: {ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف} رواه البخاري.
فالحِرَ: هو الفرج، والمراد به الزنا.
فمعنى يستحلون: أي يفعلونها فعل المستحل لها بدون مبالاة، وقد وقع هذا في هذا الزمان المظلم، فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف، وهذه الأغاني والأفلام، والتمثيليات كأنها شيء حلال، اعتاض كثير من الناس بالأغاني والمعازف وعن ذكر الله، وعن مهام دينهم، وعن مهام دنياهم، وأصبح الكثير من الناس يستمعون لها أكثر من استماعهم للقرآن والأحاديث، وكلام العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فاحذروا أمة الإسلام، احذروا أيها المسلمون، احذروا نواقض الصوم ونواقصه، وصونوه عن قول الزور، والعمل به، وليكن عليكم وقار وسكينة، وليكن يوم صومكم ويوم فطركم سواء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أمة الإسلام! يقول الإمام الذهبي رحمه الله: تقرر عند المؤمنين أن من ترك صوم رمضان بلا مرض، فهو أشر من الزاني، وأشر من مدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام، ويظنون به الزندقة والانحلال.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أُسس الإسلام، من ترك واحدةً منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان} قال الذهبي: صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر له، وإن صامه}.
فيا أمة الإسلام! أجيبوا داعي الله إن كنتم مؤمنين، وادخلوا دار الصوم راشدين، واحرصوا على شعائر الدين، واحذروا من البدع في الدين، واحذروا أن تكونوا من المستهترين، الذين فسدت قلوبهم، وضلت عقولهم، وساءت أخلاقهم، فأفطروا في رمضان من غير عذر شرعي، وأعرضوا عن الرحمن، وهدموا من الإسلام الأركان، وأحلهم دار البوار جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم:29].
اللهم ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر ، وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل.
اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر المجاهدين لإعلاء كلمتك يا رب العالمين، اللهم انصرهم بنصرك، اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين.
اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، وأرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا اغفر لنا ولوالدِينا ولوالد والدِينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر