أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله عز وجل؛ وأطيعوا الله فيما أمركم به، وانتهوا عما ينهاكم عنه، فإنه ما أمر بشيءٍ إلا وفيه مصلحة ومنفعة، ولا نهى عن شيء إلا وفيه مضرة ومفسدة.
عباد الله: يقول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] هذا أمرٌ من الله عز وجل لعبده المؤمن، إذا أراد أن يؤدي الصلاة التي فرض الله عليه، أو أراد أن يؤدي نافلة سنها له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقف بين يدي الله عز وجل طاهراً متطهراً.
فالأكبر: يرتفع بالغسل.
والأصغر: يرتفع بالوضوء.
أما الاستجمار: فهو: قطع الأذى بالحجارة أو بشيءٍ طاهر من الورق والخرق، أو هو غسل القبل والدبر، يعني: تنقيتهما من الغائط والبول، إما بالحجارة أو بالخرق أو بالأوراق النظيفة أو بالماء، أو يجمع بينهما وهو أفضل.
ثم بعد ذلك الوضوء؛ وبعض الناس يجمع بين الاستجمار والوضوء ويقول: أتجدد، ويريد بذلك الوضوء، والتجدد هو: إذا كنت على وضوء ثم أردت أن تجدد وضوءك وأنت على وضوء، وقد ورد في ذلك ترغيب.
هذا هو (الجدود) الذي نسمعه كثيراً من إخواننا، أما الوضوء فهو غسل الأطراف الأربعة والصلاة لا تصح بدونه.
فهذا يسميه العلماء الوضوء الكامل؛ لأنه غسل كل عضو ثلاث مرات، أما الوضوء الواجب فهو أن يغسل كل عضو مرةً واحدة، يفرغ على يديه مرةً واحدة، ويتمضمض ويستنشق مرةً واحدة، ويغسل وجهه مرة واحدة ويديه إلى المرفقين مرة واحدة، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه مرة واحدة، هذا هو الوضوء الواجب أما الثنتين والثلاث فهو سنة، والزيادة على الثلاث بدعة وإسراف، إلا إذا أحتاج إلى إزالة نجس أو غيره حتى لو زاد على سبعٍ أو على خمسٍ فلا بأس.
عباد الله: اشتمل هذا الحديث الذي ذكره الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على الصفة الكاملة لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان رضي الله عنه من حسن تعليمه وتفهيمه؛ ولأنهم تعلموا في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقٌ عليهم أن يبلغوا هذا العلم إلى الناس فهو رضي الله عنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بطريقٍ عملي؛ ليكون أبلغ تفهماً وأتم تصوراً في أذهان الحاضرين، فإنه رضي الله عنه دعا بإناء فيه ماء وصب على يديه منه ثلاث مرات، وذلك قبل إدخالهما في الإناء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الإنسان لا يدري أين تبيت يده إذا نام، فأمرنا صلى الله عليه وسلم إذا انتبهنا من النوم أن نغسل أيدينا ثلاث مرات قبل أن ندخلهما في الإناء، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسمية عند الوضوء يقول: (بسم الله) ومن ترك التسمية عناداً فلا وضوء له، أما إذا تركها ناسياً أو سهواً فلا إثم عليه ووضوؤه صحيح إن شاء الله، ثم بعد ذلك يأخذ ماء ويتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح جميع رأسه مرة واحدة يدبر بيديه ويقبل بهما، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات، هكذا صفة الوضوء الكامل.
عباد الله: لا تفوتنا هذه البشارة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن الله سبحانه وتعالى يخصهم بعلامة فضل وشرفٍ يوم القيامة من بين الأمم حيث ينادون فيأتون على رءوس الخلائق تتلألأ وجوههم وأيدهم وأرجلهم بالنور، وذلك من آثار الوضوء، هذه العبادة العظيمة وهي الوضوء الذي كرره على هذه الأعضاء الشريفة ابتغاء مرضاة الله وطلباً لثوابه، فكان جزاؤهم هذه المحمدة العظيمة الخاصة، ومصداق ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح {إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل}.
عباد الله: احذروا أن تتركوا من أعضاء الوضوء شيئاً، فإنه ورد التحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار} والأعقاب: هي العراقيب في مؤخرة الرِجل، والمراد بذلك أصحابها فإنهم المتوعدون بالويل، وكثيرٌ من الناس لا يبالون بذلك فلو وقفت عند دورة المياه لرأيت العجب العجاب من الكثير من الناس، وكأنهم لم يتربوا في البلاد الإسلامية، وكأنهم لم يطرق أسماعهم قول الله وقول رسوله؛ لابتعادهم عن حِلق الذِّكر، وابتعادهم عن مجالس العلم ويا للأسف الشديد!
عباد الله: المتوعد بالويل أصحاب الأعقاب من الناس؛ لأنهم لا يبالون في ذلك، فإنه يغسل اليدين ولا يصل الماء إلى المرفقين، وبعضهم يغسل الرجل ولا يغسل العراقيب، فليحذروا من هذا الوعيد {ويلٌ للأعقاب من النار}.
هكذا تصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صفة الغسل من الجنابة، للمرأة والرجال، والمرأة كذلك إذا كان رأسها مظفر فلا يجب أن تنقضه، بل يكفيها أن ترويه من الماء وهذا هو الغسل الذي وصفته عائشة رضي الله عنها؛ لأنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد.
وفي رواية ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الغسل تنحى فغسل رجليه) أي: أبعد عن مكان الغسل وغسل رجليه لأنه كان متوضأ قبل الغسل ولم يبقِ إلا رجليه، هكذا الغسل يا عباد الله.
عباد الله! احذروا من الوسواس في الوضوء، احذروا من الإسراف، حذروا أهليكم، علموهم طريقة الوضوء.
وبعض الناس يقول: وهل للوضوء دعاء؟
نقوله له: اتقِ الله يا أخي! الدعاء عبادة، والعبادة لا تنبغي في دورة المياه، فلا تدعو وأنت في دورة المياه، وادعو الله وأنت واقف بين يديه خاشعاً متخشعاً، أما الوضوء فلم يذكر له إلا أن تقول: (بسم الله) عند بداية الوضوء، وتمسك عن الكلام حتى تخرج من دورة المياه، اللهم اجعلنا هداةً مهتدين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، وأسأله بمنه وكرمه أن يرزقنا التفقه في الدين، اللهم ارزقنا التفقه في الدين، واجعلنا على منهج رسول الله سائرين، ولا تجعلنا من المبتدعين، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل واعرفوا ما أوجبه الله عليكم من أحكام دينكم، فإنه لا قوام للآخرة، بل ولا للدنيا إلا بالتمسك بدين الله والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
البعض من الناس لبعدهم عن تعاليم الدين -نسأل الله العفو والعافية- تجده في الأسواق العامة، فإذا حان وقت الصلاة تيمم ودخل إلى المسجد وقال: هذا يكفيني، فمن أين له هذه الفتوى؟! ومن أين له هذا الوحي الشيطاني الذي جرأه على ذلك؟ والله لا تقبل له صلاة حتى يتوضأ، حتى حراج ابن القاسم إذا حان وقت الصلاة، وقال رجال الهيئة الصلاة، ضرب البعض الأرض بيده ومسح بهما وجهه ودخل المسجد، وهو في داخل البلد، والماء موجود ولا عذر له في ذلك، فأخبروا من رأيتم يفعل ذلك أن صلاته باطلة، وأن صلاته مردودة عليه.
فإنه لا يعدل إلى التيمم إلا إذا عدم الماء، وكيف يعدل إلى التيمم وهو في بلاد واسعة الأرجاء والماء موجودٌ ولله الحمد، وكذلك الذين يذهبون إلى الرحلات في البر، تجد الماء معهم كثير، ويعدلون إلى التيمم وهذا لا ينبغي، فلا يعدل إلى التيمم إلا من كان في حاجةٍ ماسة إلى الماء، أو كان الماء لا يكفيه إلا لطعامه وشرابه، أما إذا كان معه (وايت) من الماء ثم يعدل إلى التيمم وإذا انتهى من رحلته فتح الماء وأضاعه في الأرض، فهذا من التهاون في الدين وعدم المبالاة في أمر الله، فاحذروا -يا عباد الله- أن تتهاونوا في أمر الله فتسقطوا من عين الله، تعلموا أحكام دينكم، تفقهوا في دين الله، اقتربوا من حِلق الذكر، اقتربوا من مجالس العلماء، حتى تكونوا على بصيرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذِّكر).
أوجب الله عليكم الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، إذا أردتم القيام إلى الصلاة فمن أراد منكم أن يصلي فليتوضأ كما أمره الله، وصفة ذلك: أن ينوي، ثم يذكر اسم الله، ثم يغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه كله من منابت شعر الرأس إلى الذقن، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح رأسه كله من مقدمه إلى قفاه، ومنه الأذنان، ثم يغسل رجليه ثلاثاً مع الكعبين -انتبهوا إلى هذه العبارة - ومن كان لديه في عضوٌ من أعضاء الوضوء جرح يضره الغسل فلا يغسله، فإن وضع عليه رباطٌ أو غيره فيجب أن يكون بقدر الحاجة لا يتعدى موضع الجرح، ثم يمسح على المحل المربوط عند الوضوء، ولا يحتاج إلى تيمم بعد ذلك.
اللهم ارزقنا التفقه في ديننا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعلنا هداةً مهتدين.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين آجلاً غير عاجل، اللهم يا واحدٌ أحد! يا فرد يا صمد! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له يا سميع الدعاء! حسبنا الله ونعم الوكيل.
اللهم انصر من نصر الإسلام، اللهم انصر من نصر الإسلام، في كل مكان يا رب العالمين! اللهم انصر من نصر الإسلام في كل مكان واجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءً عافية، ويسر أمره حيث ما كان يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم وفقهم إلى الجلساء الصالحين الناصحين الذين يذكِّرونهم إذا نسوا ويعينونهم إذا ذكروا.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا، وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٌ لنا يا رب العالمين.
اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في مستقر رحمتك يا رب العالمين! وأظلنا تحت ظل عرشك، يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اسقنا من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر