وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالحنيفية السمحة ملة إبراهيم الخليل, الذي اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم, صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى من سار على نهجهم القويم وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل, وأقيموا وجوهكم للدين حنيفاً متمسكين بالفطرة التي فطر الناس عليها, وهي الطهارة الباطنة, والطهارة الظاهرة.
فأما الطهارة الباطنة فهي: تطهير القلب من الإجرام وإخلاص العبادة لله وحده والقيام بالأعمال الصالحات.
وأما طهارة الظاهر: فمنها ما حث عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (عشر من الفطرة: الأولى: قص الشارب, والثانية: إعفاء اللحية, والثالثة: السواك, والرابعة: الاستنشاق بالماء, والخامسة: قص الأظافر، والسادسة: غسل البراجم, والسابعة: نتف الإبط, والثامنة: حلق العانة, والتاسعة: انتقاض بالماء -يعني: الاستنجاء-، قال الراوي: ونَسِيْتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضمة).
في الحديث بيان لكمال الشريعة الإسلامية, واهتمامها بما يعود على المسلم من المصالح الكبيرة في الدين والدنيا والآخرة؛ فهذه الأشياء العشرة كلها طهارة وتنظيف يقضي بها العقل السليم, ويحث عليها, فمنها:
أما في حالة الصغر فلا تظهر اللحية ولله في ذلك حكمة, فلما كانت اللحية من المكملات للرجولة، الفارقة بين الرجال والنساء، جاء الشرع والقدر والفطرة لوجودها وإبقائها, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها وتوفيرها, وقال عليه من الله أفضل الصلاة والسلام: {خالفوا المشركين وفروا اللحاء وحفوا الشوارب} فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام قد هدوا إلى الفطرة, فكانوا يوفرون لحاهم, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وأصحابه الكرام؛ فإنهم على النور المبين والصراط المستقيم، وليس بقاء اللحية من الأمور العادية كما يظنه البعض من الناس, وإنما بقاء اللحية من الأمور التعبدية الواجبة، حتى يقوم دليل على خلاف ذلك، قال تعالى: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] ما هي الفتنة؟ الفتنة في الدين هي: رد الحق, ورد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم, وقد يرد المرء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيذيب قلبه فيهلك والعياذ بالله!
والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحية, وأمر بمخالفة المشركين, فإذاً هو فرض وليس كما يظنه ويحتج به بعض الجهال, أن من المشركين الآن من يعفي اللحية, فإننا نترك اللحية, ونترك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها من أجل أن بعض المشركين يعفيها, وهذا فهم خاطئ؛ لأن المشرك هو الذي يتشبه بنا ولسنا نحن المتشبهين به.
وكذلك الإنسان إذا دخل بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته كان أول ما يبدأ به: السواك.
فيا عباد الله! إن بقاء الأظفار تشبهاً بالمخنفسين, وتشبهاً بأعداء الدين, ومخالفة للفطرة.
أما إذا قال المخنفسون وأهل الموضات الإبليسية, وأهل التفنن الشيطانية: نترك الآباط ونترك الشعور ونترك الأظفار, فنقول: لا سمعاً ولا طاعة؛ لأننا نرد كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ونحن نعمل على نتف الآباط أو حلقها أو إزالتها بشيء ليس فيه ضرر على الإنسان.
اللهم اهدنا ووفقنا للتمسك بشرعك القويم يا رب العالمين: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أهل القرآن, اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين.
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل, لقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يقول: (إن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والهدي: هو الطريق والشريعة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادات, والمعاملات, والأفكار الظاهرة والباطنة, فتمسكوا -يا أيها المسلمون- بهدي نبيكم فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة.
إن التمسك بهديه يورث الوجه نضرة, والقلب سروراً, والصدر انشراحاً, والبصيرة نوراً, إن الحياة الطيبة ونعيم القلب والروح لا يحصلان إلا بالإيمان والعمل الصالح, قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
عباد الله: إن الله يأمركم أن تصلوا على رسوله فقال قولاً كريماً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَن صلى علي واحدة صلىَّ الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الدين, اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر, اللهم اشدد عليهم وطأتك, وارفع عنهم يدك, ومزقهم كل ممزق, اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين, اللهم ولِّ على المسلمين الأخيار في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أنقذهم من تيارات الانجراف والهلاك يا رب العالمين، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك, اللهم أقر بهم أعين الأباء.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا يا رب العالمين, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً, هنيئاً مريئاً, سحاً غدقاً, نافعاً غير ضار، اللهم احيي بلدك الميت, اللهم انشر رحمتك على البلاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً, لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والبلاء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر