إسلام ويب

خطر المعاصيللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن عواقب الذنوب والمعاصي وخيمة في الدنيا والآخرة، فهي تحرم البركة وتطفئ نور القلب، وتقتل الغيرة، وتستنزل غضب الله جل وعلا وعذابه؛ ولقد ذكر الله تعالى لنا ما حلَّ بالأمم السابقة من العذاب والنكال والخسف والحرق والإغراق بسبب ما اقترفوه من الآثام والمعاصي، وقد ذكره عبرة لنا؛ حتى لا يحلَّ بنا ما حلَّ بهم.

    1.   

    عواقب المعاصي

    الحمد لله رب العالمين، حذَّر من الذنوب والمعاصي، وأرشد إلى الطاعات وعمل الصالحات يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، حذَّر من المعاصي، وحثَّ على التزود من الطاعات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

    أما بعــد:

    أيها الناس: اتقوا عز وجل، وتدبَّروا كتاب الله تجدوا فيه ما حلَّ بالأمم السالفة من العقوبات والنكبات؛ لأنهم ارتكبوا المعاصي، وأسخطوا جبار الأرض والسموات، حين عصوه سراً وعلانيةً، فمنهم من ردَّ رسالة نبيه، ومنهم من قتل الأنبياء، ومنهم من قتل الناس الذين يدعون إلى الله.

    المعاصي سبب هلاك الأمم

    إن المعاصي -يا عباد الله- لها عقوبات عاجلةٍ وآجلة، ولها آثار سيئة على العباد والبلاد، فكم أهلكت من أمة! وكم دمُرت من بلاد! فما في الدنيا والآخرة من شرور وداء وبلاءٍ إلا بسبب الذنوب والمعاصي.

    فمن الذي أخبرنا إلا الله عز وجل، أخبرنا بالكتاب العزيز أنه أخرج الأبوين من الجنة آدم وحواء، أخرجهما من دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور؛ إلى دار الآلام والأحزان والمصائب، لما عصوا الله بذنب واحد، نهاهم عن الشجرة فأكلا.

    وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجُعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وبُدِّل بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان كفراً، وحلَّ عليه غضب الربِّ ومقته؟

    وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق الجبال؟

    وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض؛ كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم، وحروثهم وزروعهم ودوابهم؛ حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟

    وما الذي أرسل على ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟

    وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبات ما لم يجمعه على أمة غيرهم؟

    ولمن يعمل أمثالها وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].

    وما الذي أرسل على قوم شعيب سحائب العذاب كالظلل، فلمَّا صار فوق رءوسهم، أمطر عليهم ناراً تلظى؟

    وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنَّم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟

    وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟

    وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمَّرها تدميراً؟

    وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار؟

    قتَّلوا الرجال، وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية، فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تتبيرا.

    وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي، وخراب الديار، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردةً وخنازير؟

    وأقسم الرب جلَّ جلاله لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167].

    إنها الذنوب والمعاصي يا عباد الله! وكل ذلك ذكره الله لنا في كتابه المبين؛ حتى نحذر ذلك ونبتعد عنه إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

    عباد الله: هذه عقوبات المعاصي، وما تجره على أهلها في العاجلة قبل الآخرة، من غرقٍ وحريق، وريح عقيم مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:42] وصيحة واحدة تجعل العصاة كالهشيم، وخسف مروع يجعل عالي الأرض سافلها، ومطرٌ بالحجارة من السماء، وسحابٌ يمطر ناراً تلظى وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127] وصدق الله حين يقول: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:16-19].

    وجوب أخذ العبرة من السابقين

    عباد الله.. هل من أذنٌ تسمع؟ هل من قلبٍ حاضرٍ يخشع ويتذكر؟

    لقد سمعتم أخبار القوم وما حل بهم من النقم والعقوبات والدمار والهلاك.

    عباد الله: إن سنة الله في خلقه واحدة، وأنتم -يا عباد الله- تسمعون بما يحل في أرجاء العالم من الزلازل والفيضانات، والأعاصير المدمرة التي تجتاح الألوف من السكان، وتهلك المبالغ الطائلة من الأموال، وتدمر الكثير والكثير من المساكن، فكل ذلك -يا عباد الله- من آثار المعاصي والذنوب، وما يحل بالعالم من الأمراض والأوجاع الفتاكة والحوادث المروعة، وما يحدث في العالم من الفوضى، ومن تسليط الظلمة، وكثرة القتل والانقسام إلى شيعٍ وأحزاب، يموج بعضها ببعض، كل ذلك من آثار المعاصي والذنوب، فالحذر الحذر يا عباد الله! الحذر الحذر يا عباد الله من الذنوب والمعاصي! وارجعوا إلى ربكم، وجدَّدوا توبةً نصوحاً قبل أن يحل بكم ما حل بالأمم الذين من قبلكم، واسمعوا إلى قول الله جل وعلا لعلكم تذكرون:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:94-99].

    فاحذروا من مكر الله! فهذا تحذيرٌ لكم أن تسلكوا طريق من سبق من الأمم؛ من الخلاف والعناد والشقاق، وارتكاب المحرمات واجتراح السيئات.

    اللهم اهدنا ولا تضلنا، اللهم اهدنا ولا تضلنا، اللهم وفقنا لسلوك الصراط المستقيم، اللهم وفقنا لسلوك الصراط المستقيم، وثبتنا على الحق يا كريم! اللهم أصلحنا وأصلح لنا، وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين يا رب العالمين.

    وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعـد:

    أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، واحذروا المعاصي والذنوب! فإنها وخيمة وعاقبتها الآلام، وحرمان البركة، إنها تطفئ نور القلب، وتقتل الغيرة، وتورث ما لا يحمد عقباه في الدنيا والآخرة.

    أمة الإسلام: امتدحكم الله بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] هذا امتداح للأمة الإسلامية، ولعن آخرين قبلكم؛ لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال جلَّ وعلا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [ المائدة:78-79].

    مجانبة أهل المعاصي

    كثرة المنكرات وانتشارها

    عباد الله: احذروا من العقوبة، فقد كثر في مجتمعنا تضييع الصلوات وترك الجُمع والجماعات، لقد كثر أكل الحرام؛ من الربا والرشوة، والغش في المعاملات، وأكل أموال الناس بالباطل بأنواع الحيل، وشهادة الزور، والأيمان الفاجرة في الخصومات، ولقد ارتفعت أصوات المعازف والمزامير والأغاني بأنواعها في البيوت وكل مكان، ولقد تبرجت النساء في الأسواق، وزاحمت الرجال؛ كاسيات عاريات مائلات مميلات، ولقد ضاع كثيرٌ من الشباب، ونشأوا على الأخلاق الرذيلة والعادات السيئة، والجهل بأمور دينهم، وصار الكثير يجاري أعداء الإسلام بالعادات والتقاليد الشيطانية، وأصبحوا لا صلة لهم بالقرآن ولا بتعاليمه، ولا بأخلاق سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم، ولا صلة لهم بالمساجد إلا القليل، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم!

    عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إلى الخير، وجنبنا كل شر، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والتبرج والسفور وجميع المنكرات، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794868