إسلام ويب

الصبرللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جرت سنة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم، وهذا الابتلاء يقوى بقوة الإيمان، ويضعف بضعف الإيمان، يبتليهم ابتلاء تمحيص وتهذيب، وفي ذلك أسرار وحكم بالغة، لما فيه من تميز لأهل الإيمان من أهل النفاق، وجعل الله للصبر عاقبة لا يعلم مداها إلا من صدق الله في صبره على البلاء.

    1.   

    الصبر على الابتلاء

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ولي المتقين وناصر المؤمنين، أحمده تعالى وأشكره على ما أولانا من النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أشدُّ الناس بلاءً

    فيا عباد الله: لقد جرت سنة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم ابتلاءً يقوى بقوة الإيمان، ويضعف بضعف الإيمان. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {أشدُّ الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء} يبتلي الله المؤمنين ابتلاءً ليس ابتلاء إهانة أو تعذيب، فحاشى حكمة الله وعدله، ولكنه ابتلاء تمحيص وتهذيب قال تعالى: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141] وذلكم الابتلاء لأسرار وحكم بالغة: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7].. وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35] والفتنة هنا بمعنى: الامتحان والاختبار اللذين يظهران حقيقة من يدعي الإيمان على وجه الحق والصدق؛ ومن يدعيه تقيةً ونفاقاً ليحصل على ما لأهله في صف المسلمين من حرمة وتقدير، يقول الله جلَّ وعلا: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3].

    والله جلت قدرته وتعالت أسماؤه يعلِّم عباده أن الإيمان ليس مجرد دعوى أو أمنية فحسب، ولكنه حقاً ذو تكاليف وأمانة، ذو عبء وجهاد، ذو صبر وتحمل، لا يحملها إلا من في قلوبهم تجرد لها وإخلاص، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، ويتركوا هذه الدعوى حتى لا يتعرضوا للفتنة، بل يثبتوا لها، ويخرجوا منها صافية عناصرهم، خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب فتفصل بينه وبين العناصر العالقة به.

    أيها المسلمون: مما تقدم يعلم: أن عبء الإيمان كبير وأن تكاليفه شاقة إلا على القلوب المؤمنة بالله إيماناً راسخاً، والمتقبِّلة لتكاليفه بطواعية ورغبة فيما عنده، وما وعد الله به المؤمنين من نصر وعز في الدنيا وثواب مضاعف في الآخرة كما قال جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] متى تتنزل عليهم؟ تتنزل عليهم عند حالة الاحتضار وعند نزول ملك الموت قال تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:30-34] والخلاصة:وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].

    ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره} نعم أيها المسلمون! عبء الإيمان شاق وكبير، ولكنه سهل ويسير على من يسره الله عليه، سهل على النفوس التي تعرف أن عبء الإيمان كبير، وأن جزاءه ومثوبته أكبر وأجلُّ عند الله، الذي يجزي على الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف.

    فيا أخي المؤمن! إنك وأمثالك من المؤمنين في هذه الحياة معرضون لألوانٍ من الابتلاء والاختبار بخير أو بشر، بخير كالمال والصحة والولاية؛ ليرى هل تؤدي حق الله فيها بما أوجب عليك وأتمنك عليه؟ وهل قصرت النفس حال الصحة والابتلاء على المأمورات، وأمسكت بعنانها عن ارتكاب المنكرات؟ وهل أديت حق الله فيما استخلفت عليه من مصالح المسلمين؟ هل أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر؟ حتى تكون من أهل التمكين في الأرض الذين قال الله فيهم: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41].

    أيها المؤمنون بالله حقاً! اعلموا أن الله عز وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير، بعض الناس يقول: لو كان الله يحبني لأعطاني مثلما أعطى بعض الناس من الملايين، والصحة والعقارات، لا يا أخي! إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فاظفر بالدين وتمسك بالدين، حتى تحشر مع المتقين.

    عاقبة الصبر على الابتلاء

    أيها المؤمنون حقاً! الذين لا يزلزل إيمانهم ملايين ولا عقارات ولا غيرها من أعراض الدنيا الفانية! اعلموا أن الله عز وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير، يبتليهم بالمرض، وتسليط الأعداء، وليس ذلك إهانة أو تعذيباً ولكنه لتقوية الإيمان.

    نعم يا أمة الإسلام! لتقوية الإيمان الحق، ولعظم مثوبة الصبر على البلاء، كما حصل لنبي الله أيوب عليه السلام.

    أيها المؤمنون: امتثلوا بالمؤمنين واجعلوا المؤمنين لكم قدوة، هذا أيوب عليه السلام حصل له من الابتلاء بالمرض الذي بلغ به إلى أن تخلى عنه جميع الأقارب حتى وضعوه بعيداً عنهم.

    وكما حصل لأبينا إبراهيم من تسلّط قومه عليه وإلقائهم إياه في النار، فهل لما ألقوه، قال: لنذهب إلى الأمم المتحدة ، أو نذهب إلى أمريكا ، أو الاتحاد السوفيتي لنستنجد بهم؟ لا. ولكن قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] لا تكوني حرباً عالمية طاحنة، كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وذلك لأن الله لا يضيع عباده المؤمنين، ولقد خلقهم في هذه الدنيا ليبتليهم، فمن صبر فله العاقبة الحسنى، ومن تضجر واستعان بغير الله فسيكله إليهم ويكله إلى ضعف وهوان.

    وما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأذى والمضايقة، والتآمر ضده، والمؤامرة التي فضحها القرآن وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فماذا كان عاقبة الابتلاء؟!

    أيها المسلمون: فأيوب كشف الله عنه ضره، وآتاه أهله ومثلهم معهم رحمة من الله وذكرى لأولي الألباب، من هم أولو الألباب: هم أهل العقول السليمة، الذين يعلمون أن الله يبتلي بالشر والخير فتنة.

    يقول جلت قدرته للنار التي أنشئت لإحراق إبراهيم: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] ثم جعله أمة يقتدى به، وجعل له لسان صدق في الآخرين، ومحمد الذي أفلت من مؤامرة المشركين الدنيئة، وخرج من مكة مختفياً مطارداً ويعود بعد ذلك ويطل عليها من أعلى طريق فيها فاتحاً، يطل على الدنيا وعلى الأمة جميعها، متوجهاً إلى رب واحد، وقبلة واحدة، وقيادة واحدة، ويصبح هو إمامها بما بلغها الله إلى يوم القيامة، بل هو فرطها على الحوض وشفيع لها عند الله فهو فاتح باب الجنة.

    فاتقوا الله أيها المسلمون! اتقوه تقوى المؤمن الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: {عجباً للمؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم الذي جاء من عند الله، واصبروا على ما قد تبتلون به، وما كلفتم به من الله، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وأدوا حق الله فيما أعطاكم وفيما ولاكم، ولا يطغينكم عز ورخاء، أو صحة وثراء، ولا تطغينكم الأحداث والشدائد والمضايقات، فما هي إلا برهة قليلة ثم يأتي فرج الله ونصره ومثوبته، فما حصل للأنبياء وأتباعهم ممن ابتلوا وأوذوا في الله وستكون العقبى لأتباعهم كما كانت من قبل.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2] إلا من يا ربنا إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك وجودك يا رب العالمين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    يبعث كل عبد على ما مات عليه

    الحمد لله على التوفيق والسداد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، والنهج القويم السديد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله واعملوا صالحاً تجزون به في دار الجزاء، جاء في الحديث عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) اللهم توفنا على الإيمان، اللهم توفنا مؤمنين، اللهم توفنا مؤمنين متمسكين بسنة نبيك محمد، اللهم صلِّ على محمد.

    عباد الله: ذلك الحديث يحفز الهمم على حب العمل، وملازمة السنن والإخلاص لله في القول والفعل؛ ليموت العبد على خير حال، وليكون قرير العين في المآل.

    أمة الإسلام: يا له من حديث عظيم جليل!

    خير الهدى رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، الزموا جماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله وقال: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلىَّ علي مرة صلىَّ الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسول الله أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، ،اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ارفعنا بالإسلام، اللهم ارفع مكانتنا بالإسلام، اللهم أعد لنا هيبتنا بالإسلام يا رب العالمين، اللهم انصر عبادك الموحدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

    اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمرنا وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765796875