إسلام ويب

تفسير سورة الفاتحة - (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ابتدأت الفاتحة في ثاني آياتها بالحمدلة؛ تربية وتعليماً لنا بأن نقولها في شئوننا كلها، وكان من مظاهر التعليم -أيضاً- في سورة الفاتحة أن نتوجه بالعبادة -بمفومها الشامل لكل طاعة- لله وحده، وإذا صعب علينا أمر لا نستعين إلا بالله وحده، لأنه إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده.
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! تذكيراً للناسين، وتعليماً لغير العالمين نعيد القول فنقول: هذه السورة لم ينزل الله تعالى في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، وبهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينزل الله مثل هذه السورة في كتبه التي أنزلها على رسله وأنبيائه.

    وهذه السورة سبع آيات، وهي المذكورة في قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. ‏

    نزول سورة الفاتحة مرتين

    أما (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد نزلت مع سورة الفاتحة مرة، فهي آية من تلك السورة الكريمة، ونزلت مرة بدونها، فمن قرأها على أنها آية فهو ذاك، ومن لم يقرأها على أنها ليست بآية فهو ذاك، أي: حق وصواب. ولكن الأولى أن لا نخلي قراءة الفاتحة من (بسم الله الرحمن الرحيم) ففي بداية صلاتنا في الركعة الأولى نقدم الاستعاذة، فنقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وفي الركعات التي بعد ذلك، في الثانية والثالثة والرابعة نكتفي بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).

    وإن كنا أئمة نصلي بالمؤمنين فلا نجهر بها، بل نقولها سراً، ونجهر بكلمة (الحمد لله رب العالمين) كما تسمعون أئمة المسجد النبوي، إذ أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الصحيح قال: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء أبي بكر ووراء عمر، فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) فحُمِل هذا على أنهم كانوا لا يجهرون بها، بل يسرونها ثم يجهرون بالفاتحة، وهذا هو المذهب الرشيد والطريق السديد، وهذا الجامع لأمة الإسلام حتى لا تختلف.

    الأمر بقراءة سورة الفاتحة

    عرفنا فيما سبق أننا مأمورون أن نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7] فما معنى مأمورين؟

    أخرج ابن جرير إمام المفسرين في كتابه أن هذا معناه: قولوا: الحمد لله رب العالمين، قولوا: الرحمن الرحيم، فهي مما أمرنا الله تعالى تربية لنا وتهذيباً، وتعليماً لنا وهداية أن قال لنا: (قولوا).

    تأملوا! ما هي بداية السورة؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، من علمنا هذا؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:3-4]، تأمل تجد أننا مأمورون بأن نقول هذا، قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:2-6]، فهذا تعليم من الله لنا، ولسنا نحن الذين اخترعنا وابتكرنا، وحمدنا الله وأثنينا عليه ومجدناه، بل هو الذي علمنا كيف نحمده، وبمَ نثني عليه ونمجده ونتضرع إليه، ونعاهده بأن لا نعبد إلا إياه ولا نستعين إلا به، وأن نسأله أن يديم هدايتنا على الصراط المستقيم، هل فهمتم هذه؟ كأنما قائلٌ يقول لنا: قولوا. ماذا نقول؟ قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].

    سورة الفاتحة قسمت على قسمين

    لقد علمنا سبحانه وتعالى كيف ندعوه ونتوسل إليه حتى يستجيب لنا، ويدل لهذا الحديث القدسي الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ) قسم لله وقسم لعبده، وقسم مشترك بينهما، فلنعرف هذا، فهو خير من الدنيا وما فيها.

    ما هو القسم الأول الذي لله وحده؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، هذا لمن؟ لله، حمدناه وأثنينا عليه، ومجدناه بأنه الملك يوم القيامة.

    ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي )، كيف؟ العبادة لمن؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ له، والاستعانة لمن؟ للعبد حتى يقوى على العبادة، هذا بيننا وبين الله.

    اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:3-7]، هذا لمن؟ للعبد.

    إذاً قوله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي. بالحمد، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي ). أما قلت له: أنت الملك الحاكم يوم الدين، هذا تمجيد أو لا؟ تمجيد.

    ( وإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] )، ماذا يقول الله؟ ( قال: هذا بيني وبين عبدي )، بيننا نصفين: لنا العبادة، وله العون عليها.

    ( وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )، الله أكبر! أي نعمة أعظم من هذه النعمة! وإذا عندكم نعم أعظم دلوني عليها؟!

    ومع هذا تجدنا معرضين إعراضاً كاملاً، نبحث عن الملاهي والملاعب والمساخط والملاعن، كأننا لسنا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فلا إله إلا الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087807033

    عدد مرات الحفظ

    774106646