إسلام ويب

تفسير سورة الفاتحة - (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • (الرحمن الرحيم) اسمان من أسماء الله تعالى، فهو وحده المتصف بكمال الرحمة، وهو -أيضاً- مالك يوم الدين الذي هو يوم الجزاء، لأن ما في الدنيا من محن أو منح إنما هو من شؤم المعصية، أو بركة الحسنة، وبما أن الله مالك يوم الدين، فهو -إذاً- ملك يوم الدين؛ لأن كل مالك ملك على ما يملكه.

    1.   

    من الأحكام المتعلقة بسورة الفاتحة

    تسمى هذه السورة بسورة الفاتحة؛ لأن الله تعالى افتتح بها كتابه القرآن العظيم، وآياتها سبع آيات.

    وهل البسملة آية؟ نعم آية، ونعم ليست آية، لمَ؟ لأنها نزلت مرتين: مرة ومعها البسملة، ومرة بدونها، فإن عددناها جعلنا: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] إلى آخر السورة آية واحدة، وإن قلنا: ليست آية، وإنما شأنها شأن بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور كلها إلا التوبة؛ لأنها إعلان حرب، حينئذ عددنا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] الآية السابعة، ومن هنا لا خلاف بيننا ولا فرقة، ولا شيء من شأنه أن يوغر صدور بعضنا على بعض.

    وهذه السورة مفتتحة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومعنى هذا: باسم الله أقرأ، ولولا إذنه لي ما مسست كتابه ولا تصفحته فضلاً عن قراءته، فبإذنه نقرؤه، وباسمه نقرأ ونتبرك، ولهذا شرعت البسملة في كل سورة، لما تقول: بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَاقَّةُ [الحاقة:1] معناه: أنك بإذنه قرأت كلامه، ولو لم يأذن لك من أين لك أن تقرأ؟ ثم لا تنسَ ما يحمل اسم الله من اليمن والبركة والخير، فما ذكر على شيء إلا بارك الله فيه، فلهذا نذكر اسم الله عند تناول الطعام والشراب .. متبركين، ومعلنين عن إذن ربنا لنا، إذ لولاه ما قلنا ولا فعلنا، ونحن مملوكون مربوبون، وهو رب العالمين، وما أذن لنا فيه قلناه واعتقدناه وعملناه، وما لم يأذن لا نستطيع أن نقول، ولا نعمل، ولا نعتقد أبداً؛ لأننا عبيد الله.

    حكم قول: آمين بعد الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة

    تلاوة هذه السورة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].

    لمَ ما قلت يا شيخ: آمين؟

    الجواب: هذه السورة عدد آياتها سبع آيات، قال الله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87]، فإذا زدنا آية من عندنا أصبحت السورة ذات ثمان آيات، ويا ويلنا إن فعلنا، فـ (آمين) ليست من القرآن، ولا من هذه السورة أبداً، بل هي جملة دُعائية معناها: اللهم استجب لنا، فإذا قرأنا وسألنا ربنا الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، وأن يبعدنا من صراط المغضوب عليهم والضالين قلنا: يا ربنا استجب، ولهذا إذا قرأ الإمام وقال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] نقول: آمين.

    وفي قولنا: (آمين) جائزة أعظم -والله- من جائزة نوبل سبعين مليون مرة، ولكن من يرغب فيها؟ ومن يطلبها؟ هل تدرون ما هذه الجائزة؟ تعطى صك الغفران، فما تقدم من ذنبك محي وأزيل، وكفر وستر، ولم تطالب بشيء.

    لكن كيف الحصول عليها؟ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، يعني: قولوا: آمين، ولا بأس أن تقول: أمين، لكن الأفصح: آمين، ليتناسب مع وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].

    فقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام ) أي: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، فليس شرطاً أن تنتظره حتى يؤمن وتقول بعده: آمين، وقد سبق لنا أن ذكرنا قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] وقلنا: يجوز أن يستعيذ أولاً ثم يقرأ، ويجوز أن يختم القراءة بالاستعاذة، وقوله: ( إذا أمن الإمام ) معناه: إذا فرغ من التأمين، أما أن تؤمن قبله فلا يجوز، لكن يمكنك إذا قال: آمين أن تقولها معه، لكن المقصود من حديث: ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) أي: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، والإمام يؤمن عندما يفرغ من القراءة ويقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين.

    ثم قال في الحديث: ( فإن الملائكة تؤمن ) سبحان الله! إي نعم، والملائكة موجودون في المسجد، أنسيت أن معنا أكثر من عددنا؟ فمع كل واحد منا ملكان، فعددهم مضاعف.

    قال: ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وهذه هي الجائزة، فنسأل الله تعالى ألا يحرمنا إياها، ونحن نبذل ما استطعنا، وكلما بلغ الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] نقول: آمين، ولا بد أن نصادفها مرة، كليلة القدر، وأحدنا لو صام رمضان عشرين، خمسين سنة وهو يشهد التراويح بإذن الله يحصل عليها، فكذلك نحن إذا بلغ الإمام مبلغ التأمين وقالها نقول: آمين، والملائكة قالت، فإن صادفنا بقضاء وقدر تأمينهم ووافقناه أخذنا صك الغفران.

    وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجهر بآمين قالوا: هذا دعاء يكون في السر، والسر أولى، لكن رد عليهم بما صح من النقل الصحيح: أن الصحابة كانوا يقولونها، وأنه إذا أمن الرسول وأمن المصلون يسمعون للمسجد رجة، وهنا إفراط وتفريط، ونحن جماعة الوسط، عرفتم مذهبكم؟ لا مالكي ولا حنبلي ولا حنفي.

    المالكية والأحناف لا يرفعون أصواتهم، يقولونها سراً، ونحن نقول: الوسط الوسط، لا تقل كما يفعل بعض الإخوان: آمين بالعنترية، لا يجوز هذا، وأحد الأئمة في ديار المغرب يعلم الفتيان سنة الجهر بالتأمين، فكانوا يصيحون صيحة واحدة: آمين، فقال الإمام: والله ما أصلي، وخرج من المحراب.

    أين الخشوع، وأين الخضوع، وأين اللين، وأين السكينة؟ الصواب أن نقول: آمين، لأنها دعاء، أما: آمين بالعنترية فغير وارد، وليس من السنة، لكن لما أهل المسجد كلهم: آمين، نعم تسمع رجة للمسجد.

    1.   

    تابع تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)

    قال ربنا: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:3] سبق أن عرفنا أن رحماننا جل وعز هو رحمان الدنيا والآخرة، وهو رحيمهما، ومن هنا تطمئن النفوس، وتسكن القلوب لرحمة الله عز وجل، فيا عبد الله! لا تبك طول عمرك ولا تترك النوم وتقضي دهرك بالقيام، ولا تترك الطعام والشراب وتواصل الصيام، ولا ولا، اعلم أن ربك رحمان رحيم، فبهذا تهدأ النفوس، وتسكن القلوب.

    إن الرحمن الرحيم صفتان، فالرحمن اسم من أسمائه تعالى، ولهذا لا يجوز لأحد أن يسمي ولده الله أو الرحمن، وهذه تحفظ وحرام أن تنسى، وهذا بلا خلاف، لأن هذا استأثر الله به، فاسم الله لا يعرف إلا لله، والرحمن كذلك.

    والعرب في الجاهلية ما كانوا يعرفون الرحمن في الغالب، فلهذا لما سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو: ( يا رحمان يا رحيم ) قالوا: اسمعوا، ينهانا عن الشرك ويشرك، وينهانا عن أن نذكر آلهتنا ويقول: لا تذكروا إلا الله، لا تدعوا إلا الله، وهو عنده إله ثاني يقال له: الرحمن. فنزلت آيات سورة بني إسرائيل من آخر السورة، وهي قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] هذا في مكة، وجاء في سورة الفرقان: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60].

    وأما عفريت اليمامة وذليلها مسيلمة الكذاب فقد انتحل هذا الاسم وقال: أنا رحمان اليمامة. وقد عرفتم كيف لعنه الله، وكيف هزم، وقتل، ومزق، وإلى جهنم.

    إذاً لا نسمي الرحمن، ولا يحل أبداً بحال من الأحوال.

    وكذلك لا تسمِّ الرحيم، ولا بأس أن تقول: فلان رحيم، فيا رحيم أعطنا ماء، أو ابذل لنا كذا، أما بـ(أل) الدالة على الوصف وعراقته فيه فلا يصح أبداً.

    ولا تسمِّ أيضاً الغفار ولا الغفور ولا الجبار ولا ..، ولكن اسلبها (أل)، فيجوز أن تقول: فلان عظيم، فلان حليم.

    الخلاصة: حرام أن نسمي أحدنا بأسماء ربنا، وإن فعلنا كنا من الملحدين في أسمائه، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا [فصلت:40] الآية.

    ومن ذلك الرب تعالى، هل يجوز أن تقول: الرب فلان؟ يجوز بالإضافة، تقول: من رب الدار؟ بمعنى: من مالك الدار؟ يقال: إبراهيم. من رب هذه السيارة؟ يعني: من مالكها؟ فهذا يجوز، أما أن تقول: الرب فلان، بمعنى: المالك فلان، هذا لا يحل أبداً، ولا عذر لك، لو قيل لك: لمن هذه الدار؟ تقول: الرب لها فلان، لا، تقول: رب الدار بالإضافة .. رب السيارة نعم يجوز.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (مالك يوم الدين)

    اختلاف القراء في قراءة (مالك) في قوله: (مالك يوم الدين)

    قال تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وقرئ في السبع وهي قراءة الجمهور: (ملك يوم الدين)، فلهذا من قرأ (ملك) كمن قرأ (مالك)؛ لأن المالك كالملك، فما دام مالكاً لكل شيء أصبح ملكاً عليه، ومن كان ملكاً أصبح مالكاً.

    أما العلماء فهناك من رجح (ملك) على (مالك)، وهناك من رجح (مالك) على (ملك)، ونحن نقول: كله لله؛ لأن الله تعالى سمى نفسه الملك والمالك لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4].

    الخلاصة: لا نرجح هذا على هذا، لم؟ لأن الله أنزل كتابه على سبعة أحرف، وقرئ (مالك) و(ملك)، فالله ملك، والله مالك، أليس كذلك؟ لما تقول: الله الملك؛ هل تكذب؟ هو الملك، وإذا قلت: مالك كذا، أليس هو المالك الحقيقي؟ وملكنا نحن إضافي فقط، فإن ملكت الدار هل ستدخلها في قبرك معك؟ لا، بل سوف تتركها.

    إذاً اعلموا أن هذه اللفظة قرئت بالوجهين: (مالك) وهي قراءة حفص ، و(ملك) وهي قراءة نافع أهل المدينة، واقرأ بأيهما شئت، فأنت تفهم معنى مالك ومعنى ملك، والله مالك ولكل شيء، والله ملك، وهو ملك العوالم كلها.

    المراد من الدين في قوله تعالى: (مالك يوم الدين)

    قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ما المراد بالدين؟

    الدين يطلق على عدة معان، والله ملك كل ذلك، وأول ما يتبادر أن الدين بمعنى الإسلام، أي: عبادة الله عز وجل، والدينونة والخضوع والذلة له بامتثال أمره واجتناب نهيه.

    ما الإسلام؟ إسلام القلوب والوجوه لله بالإذعان والطاعة له في أمره ونهيه.

    ويطلق الدين -أيضاً- على الجزاء، ومنه قول الشاعر:

    دِنّاهم كما دانوا

    ويوم القيامة هو يوم الدين ويوم الجزاء، فأعمالنا في هذه الدار تسجل لنا أو علينا ونجزى بها في يوم الدين، فهو يوم الجزاء على الكسب الدنيوي، أي: يوم القيامة، فيوم الدين يوم القيامة، يوم الجزاء، يوم البعث والنشور، يوم الحساب.

    لكن من الملك في ذلك اليوم؟ الله. لا فرعون، ولا هامان، ولا قارون، لا بريطانيا، ولا أمريكا، ولا إسرائيل.

    من الملك المتسلط، المطلق التسلط، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، يسعد من يشاء، ويشقي من يشاء؟ الله، إذ كل ما هناك لله عز وجل، وهو المالك للجنة وللنار، وللإنس والجن، يدخل من شاء الجنة، ويدخل من شاء النار، ومعنى هذا: أنك إذا عرفت أنه الملك في ذلك اليوم تحسب لذلك اليوم حسابه اللائق به، بمعنى: التزم الأدب مع الله، التزم طاعته وطاعة رسوله؛ لأن يوم القيامة يومٌ لا يملك غيره فيه شيئاً، بل الله وحده مالك كل شيء.

    إذاً: فتملق إليه من الآن وتزلف، وتغنَّ بذكره وتلاوة كتابه، ومرغ وجهك على التراب، وقم في الليل وأنت تتململ: سبحان ربي العظيم، لأن هناك يوماً لا يملكه سواه، ذاك يوم الجزاء، أما هذا اليوم فليس فيه جزاء، ولكن كما علمتم! الجزاء اليوم هو عبارة عن يُمن العمل الصالح وبركته، وعن شؤم العمل الباطل ونحسه، أما الجزاء فمتأخر. ولو أن كافراً يعذب سبعين مرة في اليوم على كفره هل هذا هو الجزاء؟ عذابه وجزاؤه يوم القيامة أن يعيش بلايين السنين، وهو في عذاب دائم متصل، فإن عذب الكافر بجوع، بمرض، بذُلّ، بكذا، بكذا، هذا هو الجزاء؟! لا؛ لأن هذا ما هو يوم الجزاء، هذا يوم العمل.

    إذاً: ما سبب هذا البلاء؟ سوء سلوكه، انحرافه، ارتكابه كبائر الذنوب والآثام، وناله هذا من بؤس وشؤم ونحس عمله.

    كذلك المؤمنون الصالحون يعيشون مطمئنين، طاهرين، أصفياء في رغد من العيش آمنين، لكن هل هذا جزاؤهم على الصيام والصلاة والجهاد والصبر؟ لا، لا، هذا من يُمن وبركة إيمانهم، وصالح أعمالهم.

    هل فهمتم هذه المسألة؟ حتى لا تقول يوم الدين: هو يوم القيامة، والجزاء -إذاً- لا يوجد اليوم؟ هناك جزاء، فتقطع يد السارق، ويرجم الزاني، ويقتل القاتل، ويسجن المجرم و.. و.. ويمرض، ويكرب، ويموت، كله موجود، لكن هل هذا هو يوم الجزاء الحق؟ دائماً نقول: هذا يوم العمل، اعملوا، أما الجزاء فمستقبل، وذلك في يوم القيامة، في يوم الدين لا اليوم.

    لما يقول القائل: أنا مستقيم طول العام، ودائماً فقير، ومريض، وصداع، ومحتاج، فما سبب هذا؟

    قد نقول: هناك سيئات ما علمتها، وما عرفتها، والرحمن ربك تعالى يريد تطهيرك، وتنقيتك، وتصفيتك، وكان بعض الصالحين يقول: إذا عثرت دابتي -وعثرة الدابة مزعج، يكاد الرجل يسقط بسببها- تذكرت سيئة من سيئاتي، وعلمت أنني أذنبت ذنباً.

    إذاً: فالكسب اليوم لا نجزى به، والجزاء متأخر، ولكن يكون شؤم للمعاصي والذنوب، ويمن للحسنات والسيئات.

    مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إذا كان الله هو الملك يوم الدين وهو المالك، لمن المفزع؟ لمن الملجأ؟ لا إلى أحد إلا الله فقط.

    1.   

    منزلة قراءة الفاتحة

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تبارك وتعالى: إذا قرأ العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي ) فنحن لما نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] حمدنا الله تعالى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] أثنينا عليه، مدح بعد مدح بعد مدح؛ ثلاثة، لم سميت السبع المثاني؟ لأنها تثنى.

    إذاً: أي مجد أعظم من الملك؟ هل هناك مجد، وسمو، وشرف أعظم من الملك؟ الجواب: لا.

    إذاً: الله يقول: حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي.

    ثم قال: ( فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي )، ما وجه بينه وبين عبده؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] العبادة لمن؟ لله. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] العون لمن؟ للعبد.

    ثم قال: ( وإذا قرأ المؤمن: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) هذا لعبدي ولعبدي ما طلب، استجابة هذه أو لا؟ بشرى أو لا؟ أوليست ذات قيمة أن يهديك الصراط المستقيم لتقرع باب دار السلام؟ بله لتطهر وتصفو في هذه الأيام، فمن سلك طريق الله ما انكسر ولا تحطم ولا ولا، والذين يتكسرون ويتحطمون ويتمزقون هم أرباب المعاصي، والشهوات، والذنوب، والآثام اليوم في الدنيا.

    إذاً: ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) معناه: أعطاه طلبه فهداه الصراط المستقيم، فلهذا ينبغي إذا كنا نقرأ أن نذكر هذا، نذكر أننا نحمد الله، وأننا نثني عليه، وأننا نمجده بكلمة مالك يوم الدين، وأننا نقول له: إياك وحدك لا شريك معك إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] ولازمه: أننا لا نعبد سواك بانفراد أو بالمعية، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فلا نطلب عوناً من سواك؛ إذ لا يملك العون إلا أنت، حينئذ يقول لنا ربنا: هذا لكم، ولكم ما سألتم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    شرح الكلمات

    قال المؤلف غفر الله له: [بسم الله الرحمن الرحيم.

    شرح الكلمات:

    التفسير لغة: الشرح والبيان.

    واصطلاحاً: شرح كلام الله ليفهم مراده تعالى منه، فيطاع في أمره ونهيه، ويؤخذ بهدايته وإرشاده، ويعتبر بقصصه ويتعظ بمواعظه].

    ثم قال: [السورة] ما معنى السورة؟ قال: [قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر] إلى المائتين وأربع وثمانين كما في سورة البقرة.

    ثم قال: [وسور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة بالعد، أطولها البقرة، وأقصرها الكوثر].

    ثم قال: [الفاتحة] هذه الكلمة ما معناها؟ قال: [فاتحة كل شيء بدايته]، فبداية القرآن سورة الفاتحة.

    أسماء سورة الفاتحة

    قال المؤلف غفر الله له: [وفاتحة القرآن الكريم هي الحمد لله رب العالمين، ولذا سميت الفاتحة، ولها أسماء كثيرة منها: أم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب، والصلاة].

    سؤال طارئ: لم سميت أم القرآن وأم الكتاب؟

    الجواب: تعرفون أن الأم هي التي تنجب البنين والبنات، تجلس وحولها أولادها وأحفادها، كلهم تفرعوا عنها، فانظر إلى القرآن الكريم كله قد تفرع عن هذه السورة بجميع ما فيها، كما تولدنا نحن أيها الناس من حواء فأصبحنا بليارات، وأمنا واحدة.

    أولاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:2-3] هذه آيات التوحيد؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والقرآن من الفينة إلى الأخرى، من الآية إلى الآيات يأتي لتقرير هذه الأسماء والصفات، وتقرير ربوبية الله لكل شيء.

    ثانياً: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] والدين هو الجزاء ويوم القيامة، وأنت تجد في القرآن الكريم مئات الآيات في هذا الباب، فثلث القرآن يتكلم عن الدار الآخرة، ويدعو إلى الإيمان بها، ويبين ما فيها من نعيم مقيم، ومن شقاء وعذاب دائم، يبين صفاتها، وآثارها، وعلاماتها.

    ثالثاً: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] والقرآن يحتوي جميع أنواع العبادات من: الصلاة، الزكاة، الذكر، الحج، الجهاد، وغيرها.

    رابعاً: القصص، من قصة آدم مع حواء في السماء .. مع إبليس في الأرض إلى قصة عيسى ابن مريم مع بني إسرائيل، والقصص ثلث القرآن، وكله تولد من كلمة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فلهذا سميت أم القرآن، كأن القرآن انحدر منها، وخرج من متنها، كذلك الأم أولادها يشبهونها، ولو كانوا مئات الأولاد والأم واحدة. وبذرة نواة التمر يتفرع عنها النخيل والثمار المختلف الأنواع، فلهذا سميت بأم القرآن، وأم الكتاب.

    وسميت صلاة، لم؟ لأن الله تعالى قال: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي. إذا قال: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:3] أثنى علي عبدي. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] مجدني عبدي ) هذا القسم لمن؟ لله. ( إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ) نصفه لي ونصفه لعبدي. ( إذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ). إذاً نصفان:

    النصف الأول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] هذا كله لله. النصف الثاني: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] هل هذا لله في شيء؟ هذا للعبد كله. عرفنا إذاً ما لله وما للعبد؟

    وما هو المشترك بينهما؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: ( هذا بيني وبين عبدي ) العبادة لي والعون لعبدي، فلهذا سميت الصلاة.

    وهذا اللفظ يعطيها معنىً آخر: أنه لا صلاة بدونها، فأصبحت هي الصلاة؛ لأنها إذا خلت منها لا صلاة: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) .. ( أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج ) الخداج: لما تلد البقرة أو الناقة مولوداً أزرق، منتناً متعفناً، ما اكتمل الخلقة ماذا تقول له؟ هذا خداج، ناقص، ما يقبل، ما يرضى به.

    الفرق بين المكي والمدني

    قال المؤلف غفر الله له: [مكية: المكي من السور ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة].

    وهنا إضافة أخرى وهي أننا نقول: المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، والمعنيان صحيحان.

    إذا قلت: بعض آيات السور نزلت في الطرقات وفي الغزوات لا هي في مكة، ولا في المدينة كيف نعمل إذاً؟

    هل نقول: كلها نزلت في بني كذا؟ كيف نجمع؟ قالوا: ما نزل قبل الهجرة يعتبر مكياً، وما نزل بعد الهجرة يعتبر مدنياً.

    وما المراد من الهجرة؟

    الجواب: خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من داره وبيت آبائه وأجداده، وتركه ما كان له فيها، والتحاقه بالمدينة، فهجر البلاد، وتركها بأمر الله، فسيد المهاجرين وأعظم مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن أول من هاجر في سبيل الله، وسجلت له هجرة؟

    أول من هاجر في ذات الله هو إبراهيم الخليل عليه السلام.

    وهل بقيت الهجرة أو أغلق بابها؟ ما زالت، والمهاجرون يتفاوتون، وأطلقنا على أحدنا سيد المهاجرين المعاصرين، ولو قلنا: سيد المهاجرين نذبح؛ لأن سيد المهاجرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من هذا القيد: المعاصرين، إذا لمحنا أو لمسنا فيه صفات المهاجرين شجعناه.

    وهذه الأيام صدرت فتيا وتنازعها العلماء وهي: هل يجب على الفلسطينيين أن يهجروا فلسطين، ويخرجوا منها أو لا يجوز؟

    الجواب: أيها الأبناء! اسمع العلم حتى لا تضل، أيما مؤمن يوجد في أرض .. في قرية .. في جبل .. في مكان ما .. في دار .. في بلد .. في إقليم .. في غرفة لا يستطيع أن يعبد الله تعالى؛ إذ منعوه، ولا يتمكن من أن يعبد الله فقد وجبت عليه الهجرة، ولا يحل له المقام أبداً في بلد أو أرض لا يعبد الله فيها، وهذه قضية إجماعية، ومن أجلها شرعت الهجرة، ولا يعذر إلا مرأة أو مريض أو شيخ كبار ما يستطيع فهذا أمره إلى الله، قال تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:98-99] أما إنسان قادر أن يهرب، ويبقى في بلد ما يصلي، ولا يذكر الله، ويلزم بالكفر فيكفر لا يحل أبداً.

    والهجرة لا ينقطع -أبداً- أمرها، ولا يغلق بابها حتى تطلع الشمس من المغرب؛ لأن المؤمن يومها مؤمن، والكافر كافر، فقد أغلق باب التوبة، لو جاء كافر يركض: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذوا مالي، أنا صائم، دلوني على بيت ربي فلا يقبل منه شيء واحد، فقد انتهى الأمر. لم؟ لأن الساعة دقت وآذنت، والعمل في الدنيا أو في الآخرة؟ العمل في الدنيا، وفي الآخرة الجزاء، وانفتح باب الآخرة، أعلن عن وصولها، بقي عمل؟ الجواب: لا، المؤمن مؤمن والكافر كافر.

    إذاً: هل الفلسطينيون ممنوعون من الأذان؟ من إقام الصلاة في ديارهم؟ من اجتناب ما حرم الله عليهم؟ من ستر نسائهم؟ من أكل الحلال؟

    الجواب: ما بلغنا إلا أنه مباح؛ من شاء يصلي، ومن شاء يغني كبلاد المسلمين الأخرى، فمن هنا لا تجب عليهم الهجرة أبداً، ولا تجب بحال أبداً، إلا إذا كان إمام المسلمين احتاج إلى المهاجرين، وأعلن على الساكنين القاطنين في كذا أن يزحفوا إلى ديار الإسلام، فخليفة المسلمين إذا أمر يطاع، لم؟ لأنه رأى أن يخرج هؤلاء المؤمنون من هنا حتى يضرب الباقين أو حتى يفعل شيئاً، لكن أين إمام المسلمين؟ هل هناك خليفة؟ هناك دويلات دويلات.

    ومن أراد أن يقف بالتفصيل فعليه برسالة: إعلام الأنام بحكم الهجرة في الإسلام، فهي رسالة -والله- قيمة ومع الأسف أعرضوا عنها، وما قرءوها، ما علموا، ويجب أن توزع في أمريكا، والصين، واليابان، وأوروبا الشرقية والغربية بكاملها وتترجم إلى عدة لغات؛ ليعرف أولئك المؤمنون هل يجوز لهم البقاء في فرنسا وإيطاليا وأمريكا أو لا يجوز؟

    ثم قال: [والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة وتقريرها، والاحتجاج بها، وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة توحيد الله تعالى في عبادته ] أي: بأن يعبد الله بما شرع وحده دون سواه. [وإثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة. والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام] ففيها السياسة المالية والاقتصادية والحربية والسلمية، وكل ما يتعلق بالمجتمع المسلم، والسر معروف، لأنه أيام كانوا في مكة من يقول: لا إله إلا الله بالقوة يضربونه، فكيف يصلون؟ إذاً التشريع بدأ بدخول الرسول والمؤمنين إلى المدينة، فالسور المدنية تحمل التشريع.

    ثم قال: [والآيات جمع آية وهي لغة: العلامة، وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالاتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وآيات القرآن الكريم ست آلاف ومائتا آية وزيادة، وآيات الفاتحة سبع بدون البسملة] وإن قلنا بالبسملة نجعل الآيتين آية واحدة في آخرها.

    هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم دائماً بما ندرس ونقول ونسمع، وصلى الله على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765795231