على أن تلك الخيرية للسلف قد تتعدى إلى أجيالنا المعاصرة إذا هي أحسنت التعامل مع كتاب ربها. وسارت على المنهج الذي ساره السلف الصالح.
أما بعـد:
فيا أيها الإخوة في الله! ويا أيتها الأخوات في الله! حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمومنا وهمومنا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين!
أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إنه القرآن الذي قال الله عنه: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].أيها الشباب! نبدأ أولاً بالشباب حثاً على تعلم القرآن، وكيف أحوال الشباب مع القرآن خاصة في هذه الأزمنة المظلمة، أزمنة الفتن والشهوات والمغريات، فوالله الذي لا إله غيره إننا بحاجة ماسة إلى الرجوع إلى كتاب الله عز وجل.
إن الأمة إذا أعرضت عن القرآن فلا تسأل عن أحوالها بأي واد تهلك، يقول عمر بن الخطاب: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] وعلى أي شيء تأسس الإسلام؟ على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يا شباب الإسلام! إن البعض من الشباب يسوء فهمه ويتردى حفظه، لماذا؟ لأنه إما أن يعتني بالقرآن لجائزة وعد بها أو هدية أو غيرها، ولا شك أن هذا يشحذ الهمم، ولكنه يضر في النية.
أيها الشباب! إذا حفظ الشاب القرآن لأجل الجائزة، أو الهدية؛ فإن هذا يؤثر على نيته -نسأل الله العفو والعافية- فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم وغيره عن قارئ القرآن الذي قرأ القرآن وتعلمه ليقال: إنه قارئ، أو يقال: إنه عالم، ما هو جزاؤه يوم العرض الأكبر على جبار الأرض والسماوات؟ ما هو جزاؤه يوم أن تبلى السرائر؟ ما هو جزاؤه يوم أن يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور؟
فيا شباب الإسلام! الله.. الله أحسنوا النية، وأخلصوا العمل لله، لماذا قرأت القرآن؟ لماذا طلبت العلم لتتحصل على هذا القرآن؟ اجعل مقصودك الأعظم هو أن تتميز بكتاب الله عز وجل الذي قال الله عنه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9].
اقرأ القرآن وأخلص نيتك لله الواحد القهار ليرفعك الله بها درجات عالية، خير وأفضل من جوائز الدنيا وما فيها.. أتدري ما هي هذه الجائزة؟ يقول الرب جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] أين تلك الدرجات؟ إنها درجات الجنة، نسأل الله من فضله الجنة.
أيها الشاب! اقرأ القرآن وأخلص العمل والنية لله وحده لا شريك له؛ لتحصل على هذه الخيرية التي أخبر بها أفضل الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه}.
أيها الشاب! اقرأ القرآن، وأخلص نيتك لله عز وجل حتى يرفعك الله بهذا الكتاب كما قال صلى الله عليه وسلم: {إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين}.
اقرأ هذا القرآن ليكون لك شفيعاً يوم القيامة: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]يكون لك شفيعاً بين يدي الله كما وعدك المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم أن قال في الحديث الصحيح: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة}.
كم من قارئ للقرآن، وهو يتعدى حدود الله، يقول الرب جل وعلا: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] كم من قارئ يقرأ القرآن وهو يتعدى حدود الله عز وجل، يقول الرب جل وعلا في القرآن: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]كم من قارئ يقرأ القرآن وهو يتعدى حدود الله، ويرتكب جريمة اللواط والعياذ بالله، وربنا جل وعلا لما بين عقوبة قوم لوط قال جل وعلا: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] أي: الذين يتجرءون على هذه الفاحشة ويعملون هذه الفاحشة -فاحشة قوم لوط- نسأل الله العفو والعافية!
كم من قارئ يقرأ القرآن وهو يبارز الله بالمحاربة بأكل الربا والتعامل بالربا، يقول الرب جل وعلا: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].
كم من قارئ للقرآن وهو يتمتع بسماع الأغاني والمزامير وربنا جل وعلا يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [لقمان:6] يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[والله الذي لا إله غيره إنه الغناء]] يعني لهو الحديث.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان عن الغناء: " هو بريد الزنا" الغناء بريد الزنا، الغناء رقية الشيطان، الغناء ينبت في القلب النفاق -نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة- فكم قارئ للقرآن وهو يتعدى حدود الله نسأل الله العفو والعافية.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ألا نبحث عن العلاج؟ ألا نبحث عن العلاج يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونحن نتحدث دائماً ونقول: لماذا لا نجد تلك اللذة التي وجدها سلفنا الصالح؟ لماذا نسمع عن السلف الصالح وعن أحوالهم مع القرآن، فلماذا لانبحث عن العلاج حتى نكون مثل هؤلاء؟
فإلى الله المشتكى، إلى الله المشتكى، إلى الله المشتكى! يقول صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع}.
ويقول عبد الله بن الشخير رضي الله عنه: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء}.
وفي صحيح مسلم {أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم:36] وقول عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] فرفع يديه صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأ هذه الآيات وقال: اللهم أمتي أمتي.. وبكى صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فاسأله ما يبكيه، فأتاه جبريل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك} الله أكبر! هذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[لا تهذوا القرآن هَذَّ الشعر, ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا بها القلوب]] الله أكبر! كرر الآية أخي في الله، مرة، مرتين، ثلاث مرات حتى تدخل في سويداء القلب، فإذا دخلت في سويداء القلب وخشع القلب ولان واقشعر الجلد ودمعت العينان؛ فأبشر بفضل الله جل جلاله نسأل الله من فضله.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله -لا إله إلا الله- وعين باتت تحرس في سبيل الله} وفي رواية: {عين غضت عن محارم الله}.
كان خاشعاً رضي الله عنه، ويوصف بأنه رجل أسيف، أي من كثرة البكاء رضي الله عنه.
كان إذا وقف في المحراب يصلي لا يكاد يفهم ما يقول من كثرة البكاء رضي الله عنه وأرضاه، من هذا؟ إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومع ذلك هو من المبشرين بالجنة.
نسأل الله أن يرزقنا قلباً خاشعاً. اللهم ارزقنا قلباً خاشعاً يا رب العالمين!
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومع ذلك كان من أكثر الناس خشوعاً، وكان من أرق الناس قلباً، وكان يدعو ربه، ويقول: [[اللهم إني قاسٍ فليني]] وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء رضي الله عنه وأرضاه، كان يقرأ في صلاة الفجر، قرأ مرة في صلاة الفجر رضي الله عنه وأرضاه سورة يوسف فلما وصل إلى قوله تعالى: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] لما وصل هذه الآية خنقته العبرة وأخذ يبكي بكاء شديداً، وما استطاع أن يقرأ شيئاً بعد ذلك، وكان عمر يمر بالآية من ورده فتخنقه العبرة فيبكي حتى يسقط على الأرض.
وفي مرة من المرات سمع قارئاً يقرأ قول الله جل وعلا: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ [الطور:7-8] فجعل يبكي رضي الله عنه حتى جعل الناس يعودونه شهراً كاملاً من جراء هذه الآية، إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هذه أحوالهم مع القرآن حتى وهو في آخر حياته، بعدما طعن وهو في النزع وقد أوشك على الموت يقول لابنه عبد الله وقد وضع رأسه على فخذه: ضع خدي على الأرض -لا إله إلا الله، الله أكبر- فقال: يا أبتي! وهل فخذي والأرض إلا سواء، فقال: ضع رأسي على الأرض، كما أمرتك، فوضعه فمسح خديه بالتراب، ثم قال: [[ويل لأم عمر إن لم يغفر الله لـعمر.. ثم قال رضي الله عنه وأرضاه: إذا قبضت فأسرعوا بي إلى حفرتي فإنما هو خير تقدموني إليه، أو شر تضعونه عن رقابكم]] هذا عمر يقول هذا، وهو من المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه.
هذه هي أحوال سلفنا مع القرآن يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وما الذي جعلهم في هذه الحال إلا فعل القرآن في قلوبهم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!
عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} ويقول رضي الله عنه: [[لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم]] لا إله إلا الله، لو طهرت قلوبكم! من يخاطب في زمانه؟!
يخاطب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أجل كيف بزماننا الذي امتلأت القلوب فيه من حب المسلسلات والأفلام والبلوت، وغيرها من الملهيات وأثرت عليها عوامل الدنيا والمغريات إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، اللهم أشفِ مرض قلوبنا، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: [[لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم]] إنه القرآن يا أمة القرآن!
عرفوا عظمة القرآن فقاموا بكلام الله جل وعلا حق قيام، ولذلك مدحهم الله جل وعلا في القرآن، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: {نعم الرجل
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، إذا دخلت حلاوة القرآن في قلب المؤمن وعرف القرآن واهتدى بهدي القرآن واستنار بنور القرآن؛ عَرَّفه الحق من الباطل؛ وعَرّفه الحلال من الحرام؛ ودله على عبادة الله عز وجل؛ وقاده إلى كل خير. إنه القرآن.
هذا علي رضي الله عنه وأرضاه يصفه ضرار الكناني لما طلب معاوية رضي الله عنه من ضرار الكناني أن يصف علياً فقال: [[يستوحش من الدنيا -الله أكبر لماذا؟ لأن القرآن حل في قلوبهم- يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ الذليل -أي: تململ الملدوغ الذي لدغته العقرب- ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا! ثم يقول للدينا: إلي تغررت، إلي تشوقت، هيهات، هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثاً -لماذا بتتها ثلاثاً يا علي رضي الله عنك وأرضاك؟ فيخبرك: يا من اغتر بالدنيا فيقول- عمرك قصير، ومجلسك حقير، آه آه من قلة الزاد! وبعد السفر! ووحشة الطريق!]].
هكذا يقول علي رضي الله عنه وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الخلفاء الراشدين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، أجل كيف أحوالنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! لا إله إلا الله! يقول: آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، كيف أحوالنا أهل التفريط والإضاعة.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين! ما أجمل أحوال السلف رضي الله عنهم وأرضاهم.
فيا عباد الله تذكروا دائماً أحوال السلف الصالح، لعل الهمم أن تعلو، فتقتدون بهم، وتحذون حذوهم في أخلاقهم وعباداتهم ومعاملاتهم، قال بعضهم رحمه الله:
من يرد ملك الجنان فليدع عنه التواني |
وليقم في ظلمة الليل إلى نور القران |
وليصل صوماً بصوم إن هذا العيش فاني |
إنما العيش جوار الله في دار الأمان |
الله أكبر! هذا حال الصالحين على سرير الموت: دموع وأحزان، أسف وندم، بكاء وتأنيب وإساف، كانوا على ما هم عليه من علم وعمل وزهد وورع كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] ومع ذلك بكوا عند فراق الدنيا، لا بكاء الحزن عليها -إي وربي- لا بكاء الحزن عليها ولكن بكاء توديع الأعمال الصالحة، توديع الصلاة والصيام، توديع الزكاة والحج، وتوديع قراءة القرآن، وتوديع الدعاء والاستغفار.
الله أكبر! إي والله، كيف يكون حاله يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فبالله عليكم خذوا بنصيحة هذا الرجل، نسأل الله أن يغفر لنا وله، اللهم اغفر لنا وله، اللهم اغفر لنا وله ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
أخي في الله! يقول رحمه الله: [[أيها الناس! ألا تبكون على أنفسكم باقي حياتكم، من كان الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنسيه، وهو مع هذا منتظر الفزع الأكبر كيف يكون حاله؟!]] الله أكبر! وربنا جل وعلا قال سبحانه وتعالى في محكم القرآن: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] التقوى: الزاد الذي ينتقل به الإنسان من هذه الدار، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا مات الإنسان انقطع عمله} ينقطع العمل فلا صلاة ولا صيام ولا حج، لا ذكر ولا تلاوة للقرآن، يقطع العمل فكيف نفرط بهذه الأوقات يا أمة محمد؟!
اللهم رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، مجيب دعوة المضطر إذا دعاه اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم اشف مرض قلوبنا، اللهم اشفِ مرض قلوبنا، اللهم أيقظنا من غفلتنا يا رب العالمين!
إن هذه الأحوال تحيا بها القلوب، تذكر المنصرف، تذكر الموت، تذكر القبر، تذكر الجنة والنار، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هادم اللذات} ويقول صلى الله عليه وسلم: {زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا تنسوا العظيمتين، لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار}.
هذا عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، لما أفاق من بكائه أخبرهم رحمه الله فقال: [[تذكرت منصرف القوم بين يدي الله عز وجل فتذكرت هل أنا من أصحاب الجنة، أم من أصحاب السعير؟]] من هذا؟ إنه عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
إذا كان مثل عمر يتذكر هذا الموقف ويخاف على نفسه مع علمه وزهده وورعه، بل إن بعضهم عده خامس الخلفاء الراشدين رحمه الله فكيف بالمقصرين، وكيف بالمذنبين، وكيف بأصحاب القلوب القاسية الذين تمضي حياتهم وهم في غفلة وإعراض؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الحارث بن سعيد: كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارئ يقرأ: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:1-6] يقول فجعل مالك ينتفض والقوم كلهم يبكون حتى بلغ قول الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]. قال: فجعل مالك يبكي ويشهق حتى حصل له ما حصل في ذلك المجلس، وكان يقول: عجباً لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده، كيف تقر عينه؟! وكيف يطيب بها عيشه؟! حتى يبكي ويشتد بكاؤه! رحمهم الله برحمته الواسعة، هذه بعض أحوال السلف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قم الليل يا هذا لعلك ترشد إلى كم تنام الليل والعمر ينفد |
يا شباب الإسلام! المجال مفتوح والفرصة مهيأة.
أراك بطول الليل وحدك نائماً وغيرك في محرابه يتهجد |
ولو علم البطال ما نال زاهد من الأجر والإحسان ما كان يرقد |
وصام وقام الليل والناس نوُّم يخلو برب واحد متفرد |
بحزم وعزم واجتهاد ورغبة ويعلم أن الله ذا العرش يعبد |
الله أكبر! ما هي أحوال الكثير من الناس الآن؟ مع الأسف الشديد طول الليل سهر. مع الملهيات والمغريات، مع الفتن التي أعمت القلوب، وصدت عن عبادة علام الغيوب، ووقع الكثير منهم تحت قوله جل وعلا: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] نسأل الله العفو والعافية. اللهم اجعل حياتنا كلها سعيدة، اللهم وفقنا لاغتنام أوقات العمر في طاعتك يا رب العالمين! ثم يقول رحمه الله:
ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً مخلد |
أترقد يا مغرور والنار توقد فما حرها يطفا ولا الجمر يخمد |
فيا راكب العصيان ويحك خله ستحشر عطشاناً ووجهك أسود |
فكم بين مشغول بطاعة ربه وآخر بالذنب الثقيل مقيد |
فهذا سيعد في الجنان منعم وهذا شقي في لجحيم مخلد |
هذا المشغول بطاعة ربه، وهذا شقي في الجحيم مخلد، ثم يقول رحمه الله وهو يصف ذلك الموقف:
كأني بنفسي في القيامة واقف وقد فاض دمعي والمفاصل ترعد |
وقد نصب الميزان للفصل والقضا وقد قام خير العالمين محمد |
صلى الله عليه وسلم.
القرآن أساس الشريعة الإسلامية، منه تستمد الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية، يقول الرب جل وعلا: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].
أمة الإسلام: إنه القرآن كلام الله، عمادنا في أمر ديننا ودنيانا، فهنيئاً لمن قرأ القرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وهنيئاً لمن عمل بالقرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما} رواه مسلم.
أمة الإسلام! كفى بالقرآن واعظاً ومذكراً وهادياً ودليلاً إلى الله عز وجل، كفى بالقرآن معرفاً بالله وبأسمائه وصفاته وآلائه.
أمة القرآن! إن القرآن كما أخبر الله عنه شفاء لما في الصدور، شفاء لها من مرض الشك والجحود والاستكبار على الحق أو الاستكبار على الخلق، القرآن شفاء لما في الصدور من الرياء والنفاق، والحسد، والغل، والحقد، والبغضاء، والعداوة للمؤمنين، وكما وصف صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي يوم أن كان القرآن هو إمامهم يهتدون به ويقتدون به، يقول صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى} الله أكبر! إنه القرآن شفاء لما في الصدور من الهم والغم والقلق، فلا عيش والله أوسع من عيش المتعظين بالقرآن المهتدين بهدي القرآن، ولا نعيم أتم من نعيمهم؛ لما هم فيه من شرح الصدور بالإيمان بالله، والسرور بطاعته وعبادته، إذا قاموا ينادون ربهم بكلامه الذي قال الله عنه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].أمة الإسلام! الله.. الله.. بالقرآن، اهتدوا بهديه، وسيروا على ضوئه، واستنيروا بنوره؛ لتخرجوا به من الظلمات إلى النور، ويهديكم إلى خالقكم، ويوصلكم إلى دار كرامته.
أمة الإسلام! إن هذه الموعظة التي جاءتكم من ربكم هو القرآن العظيم، وما فيه من أخبار صادقة نافعة، وأحكام عادلة، فيها مصلحة للخلق، ليس في دينهم فحسب، ولكن في دينهم ودنياهم، فأكرم وأنعم بهذا القرآن مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] هذا القرآن الذي قال الله عنه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]ولكن لمن؟ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82].
فحفظ هذا الشاب القرآن، وبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، لكنه مرض هذا الشاب -الله أكبر لا إله إلا الله- وكان عند عمه، وكان يمرضه، وانتهى أجله ومات هذا الشاب، يقول: مات في أول النهار فقال عمه: أنام وأرتاح وإذا قرب الظهر أقوم وندعو الأهل فيغسلونه ويكفنونه ونصلي عليه.
ولما نام هذا الرجل يقول: وإذا أنا بجاريتين من أحسن النساء تقولان لي: عجل علينا بهذا الشاب، عجل علينا بهذا الشاب، يقول: فقمت وأنا مذعور.
يقول: فدعوت الجماعة، وغسلناه وكفناه، وصلينا عليه، يقسم بالله أنه وجد في تلك الغرفة التي مات فيها هذا الشاب رائحة مكثت ثلاثة أشهر ما وجد مثل تلك الرائحة، رائحة طيب نسأل الله أن يجمعنا وإياه تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
ويقول: وكان محبباً إليه حلق القرآن، وفيه خصلة ما رأيتها في كثير من الناس، ما هي؟ قال: إذا بدأ يقرأ القرآن بدأت عيناه تدمعان، بدأت عيناه تذرفان بالدموع -لا إله إلا الله!- هنيئاً لك أيها الشاب يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة وهو على وجه الأرض، نسأل الله أن يجمعنا وإياه في جنته إنه على كل شيء قدير.
نعم أيها الإخوة في الله! هذا الشاب الذي يرح رائحة الجنة، لماذا؟ لأنه من حفظة كتاب الله عز وجل، وحبب إليه حلق القرآن في المساجد، وأيضاً تلك الحالة التي أخبر بها والده: أنه إذا بدأ يقرأ القرآن تذرف عيناه بالدموع، لا إله إلا الله!
بالله عليك ألم تقرأ كتاب الله عز وجل؟ كيف أحوال أولياء الله الذين يقرءون القرآن؟ يقول الرب جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً [الإسراء:107-108] ويقول جل وعلا: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58] ويقول جل وعلا: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109].وأخبر جل وعلا أن البكاء يزيدهم خشوعاً -الله أكبر- أيضاً يخبر الله جل وعلا عن العلماء أنهم أهل خشية لله سبحانه وتعالى فيقول سبحانه وبحمده: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ فاطر:28] فأعلمهم بالله أشدهم خشية لله تعالى، ولهذا يقول إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم به لما ألقى}.
أيضاً من أحول السلف: هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قرأ قول الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6]. فلما أتى على قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] بكى حتى انقطع عن قراءة ما بعدها، هذه حال سلف الأمة وصلحاؤها وخيارها، يمر أحدهم على ذكر النار فينخلع قلبه خوفاً منها، ورهبة من أوالها، ونكالها وخشية من عذابها وآلامها، ويمر بذكر الجنة ونعميها، وما أعد الله فيها لأوليائه فتشتاق نفسه إلى ذلك النعيم المقيم، وفي هذا وذاك يتأثر بما يقرأ؛ فتدمع عيناه ويخشع قلبه.
وينبغي لنا أيضاً أن نأخذ من الأوقات الحظ الوفير لتلاوة القرآن، لو تساءلنا في هذا المجلس وسأل بعضنا بعضاً: يا فلان كم قرأت من جزء اليوم؟ الله المستعان! الله المستعان! اللهم لا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين، ولقد أجاب الكثير في كثير من المجالس، بعضهم يقول: الله يرحم الحال! بعد رمضان ما سمعنا القرآن، وبعضهم يقول: إن بكرنا يوم الجمعة قرأنا ما تيسر من القرآن وفي غير الأيام قلبت كلها شغل وراء هذه الدنيا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا يا رب العالمين!
وهنيئاً لشباب الحلق الذين يعيشون في حلق المساجد، هنيئاً لهم وما يحصل لهم من الأجر الكبير في ذلك المجلس، نسأل الله ألا يجعل منا ولا فينا شقياً ولا محروماً.
ولذلك إخواني في الله! بعضهم رحمه الله في خطبة له ساق هذه الموعظة وفيها تأنيب وعتاب، يقول رحمه الله: عباد الله: ألا همة عالية، ألا نفوس تشتاق إلى أعمال السلف الصالح، عباد الله كفى جرياً وراء السراب -أي سراب الدنيا- كفى الاغترار بالمتاع القليل، ثم اعلموا أن عليكم رباً رقيباً لا تخفى عليه منكم خافية، قال الله جل وعلا: يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [التغابن:4]
ثم قال رحمه الله برحمته الواسعة: عباد الله! إلى متى هذه الغفلات، وإيثار الأهواء واتباع الشهوات؟! عباد الله! لقد اشتغل الكثير من الناس بما لا يجد إلا الندم والخسارة، والله ثم والله سوف يندمون عند حلول السكرات ونزول هادم اللذات، يوم ينطرحون على فراش الموت وهيهات هيهات.. يا بن آدم! يا مَنْ الكرام الكاتبون مشاهدون له في النوم واليقظات!
يابن آدم! يا مَنْ خالق الخلائق ناظر إليه في الخلوات والجلوات!
أما آن لك أن ترجع وتتوب قبل أن يهجم عليك هادم اللذات.. ابن آدم! تأهب للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه.
تنبه قبل الموت إن كنت تعقل فعما قريب للمقابر تنقل |
وتمسي رهيناً في القبور وتنثني لدى جدث حتى الثرى تتجندل |
فريداً وحيداً في التراب وإنما قرين الفتى في القبر ما كان يعمل |
الله أكبر! لو نتذكر هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لحق للقلوب أن تلين وتخشع وتأخذ أهبة الاستعداد، المجلس الطويل يجلس فيه بعض الناس من أجل ماذا؟ يقول: نقتل الوقت، نقضي على الوقت يا أخي اتق الله، الله أكبر لا إله إلا الله. أتقتل الوقت وتقضي على الوقت؟!
إذا أردت أن تقتل الوقت، وتقضي على الوقت فيما حرم الله فقل للملكين انتظرا حتى أنتهي من قتل الوقت، أو افعل بالوقت ما تريد، هل يسمحان لك بهذا؟ لا. لا بد أن يمضيا معك في وظيفتهما التي وظفا من أجلها، ما هي؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] ويقول الله جل وعلا: كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:11-12]. فأسأل الله جل وعلا أن يوقظنا جمعياً من رقداتنا، وأن يوفقنا لاغتنام أوقات المهلة، اللهم وفقنا لاغتنام أوقات المهلة، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين!
الجواب: كلنا والله محتاجون إلى هذا السؤال فالوسائل التي تساعد على قيام الليل:
أولاً: أكل الحلال.
ثانياً: الابتعاد عن الذنوب والمعاصي.
سئل ابن مسعود رضي الله عنه قالوا: نحب قيام الليل ولا نستطيعه، قال: [[قيدتكم خطايكم]] في زمن ابن مسعود لا أفلام، ولا مسلسلات، ولا فضائيات، ولا إنترنت، ولا مصائب هذا في زمن ابن مسعود يقول: [[قيدتكم خطاياكم]] إذاً: نبتعد عن المعاصي والذنوب.
ثالثاً: ننام مبكرين مقتدين بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته قال الصحابي الجليل: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها} هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: إذا نمت فنم على خفة من الطعام، لا تملأ بطنك من الطعام وتقول: سوف أقوم الليل، إذا وصلت الساعة الواحدة أو الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، تقول: قربوا العشاء، ثم ملأت بطنك وتقول: سأقوم الليل فإن هذا مستحيل.
خامساً: تجعل لك بعض الأسباب التي تعينك على قيام الليل، من منبه وغيره.
سادساً: تأخذ بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أخبر صلى الله عليه وسلم {أن الإنسان إذا نام عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، ويضرب على كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد -ما هو العلاج؟ اسمع أخي في الله، يقول صلى الله عليه وسلم:- فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقده الثلاث؛ فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً} نسأل الله العفو والعافية، هذه ستة عوامل.
سابعاً: تتذكر أيضاً ماذا يحصل لك في قيام الليل؟
أولاً: أنه من صفة المتقين الذين قال الله عنهم: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:15-18].
وأيضاً: تذكر خبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه عز وجل {قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا ذلك في كتاب الله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]} وماذا يعملون؟ اقرأ أول الآية: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16] ثم تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا بقي ثلث الليل الأخير ينزل ربنا جل جلاله إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من تائبٍ فأتوب عليه، هل من مستغفرٍ فأغفر له} الله أكبر! لا إله إلا الله!
أيضاً: تذكر خبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله إلا أعطاه الله من خير الدنيا والآخرة}.
ثم تذكر أيضاً خبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل}.
أسأل الله أن يوفقنا لقيام الليل إنه على كل شيء قدير.
الجواب: الشروط التي ذكرناها سابقاً.
أولاً: يحافظ على أكل الحلال أكل الحلال.
ثانياً: يبتعد عن المعاصي والذنوب.
ثالثاً: يكرر الآية مرتين ثلاث مرات، نعم. إذا قرأ الإنسان القرآن يكرر الآية مرتين وثلاث مرات، بعض السلف كان يكرر الآية بعد صلاة العشاء ويطلع عليه الفجر وهو مع آية يكررها، لا إله إلا الله!
نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر