يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:18-20].
اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار يا أرحم الراحمين!
أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، نعوذ بالله من الضلالة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
إخواني في الله: إن موضوع الجنة والنار موضوع عظيم جد عظيم.. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وأول ما نبدأ بوصف ذلك النعيم الذي أعده الله لمن أطاع، وإن كنا لن نحط بذلك الوصف ولم يحط به الواصفون؛ لأن الله جل وعلا قال في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ولكن العلماء جزاهم الله خيراً أخذوا بعض تلك الأوصاف من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فيا عباد الله! سارعوا إلى الجنة دار السلام، قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] وقال تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] نسأل الله من فضله الجنة، إي والله إنها دار السلام يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!
قال بعضهم جزاه الله خيراً: يا عباد الله! هلموا إلى دارٍ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها الأنهار المتنوعة، مما لذ وطاب، دارٌ جل من بناها، دارٌ طابت للأبرار، دارٌ تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، رياضها الناضرة مجمع الأتقياء المتحابين، بساتينها الزاهرة نزهة المشتاقين، خيام اللؤلؤ والدر على شواطئ أنهارها مبهجة للناظرين، فيها خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قد جمع الله لهن الجمال الظاهر والباطن من جميع الوجوه، أبكاراً عرباً أتراباً، كأنهن الياقوت والمرجان، قاصرات الطرف من حسنهن الذي قصر عن وصفه الواصفون، مقصورات في خيام اللؤلؤ والزبرجد عن رؤية العيون، إنها دار السلام، يتمتع أهلها بكرم الرب الرحيم، ينظرون بأبصارهم إلى وجهه الكريم، فإذا رأوا ربهم تعالى نسو ما هم فيه من النعيم.
ينادي المنادي في أرجاء الجنة مبشراً لأهلها بدوام النعيم سرمداً، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن يحل عليكم الكريم رضوانه فلا يسخط عليكم أبداً.
إنها الجنة دار السلام، إنها الجنة دار السلام، يتزاور فيها الأصحاب، ويلتقي فيها الأقارب والأحباب، ويجتمعون في ظلها الظليل، ويتعاطون فيها كئوس الرحيق والتسنيم والسلسبيل، ويتنادمون بأطيب الأحاديث متحدثين بنعم المولى الجليل، قد نزع من قلوبهم الغل والهم والأحزان، وتوالت عليهم المسرات والخيرات والكرم والإحسان، لمثل هذه الدار فليعمل العاملون، وفي أعمالها فليتنافس المتنافسون.
يقول الله جل وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45-48] لا يجدون في الجنة نصب وتعب، نسأل الله من فضله الجنة وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48] ما يأتيه صاحب العقار ويقول: انتهت المدة جدد أو اخرج.
في الدنيا -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- إما أن يكون مستأجراً ويأتيه صاحب العقار ويقول: سدد أو اخرج، وإن كان مالكاً لهذا المنزل، فإنه قد شيد هذا المنزل وتعب عليه في الدنيا، فوالله لا بد أن يخرج منه، بماذا؟
بالموت، مفرق الجماعات، ميتم الأطفال، ومرمل النساء ولابد؛ لأن هذه الدنيا دار الهموم والغموم والأنكاد والأحزان، أما الجنة فهي دار السلام يقال لهم فيها: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46].
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى. والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين}.
إنها الجنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقاب قوس في الجنة خيرٌ مما تطلع عليه الشمس أو تغرب} متفق عليه، الله أكبر! {لقاب قوس في الجنة} مقداره متر ونصف كما قال بعض العلماء.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهليهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً}.
اللهم إنا نسألك الجنة يا أكرم الأكرمين! يا أجود الأجودين!
وإن سألتم عن عرائسهم وأزواجهم في الجنة؛ فهن الكواعب الأتراب التي جرى في أعضائهن ماء الشباب، كأن الشمس تجري في محاسن وجهها إذا برزت، وكأن البرق يضيء من بين ثناياها إذا ابتسمت، يرى وجهه في صحن خدها، ويرى مخ ساقيها من وراء اللحم من حسنها وجمالها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما عليها، ومع ذلك لا تزداد مع طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، مبرأة من الحيض والنفاس، ومطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، قد قصرت طرفها على زوجها، لا تطمح لأحدٍ سواه، وقصر طرفه عليها، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته ومع ذلك لم يطمثها قبله إنسٌ ولا جان، لونها كأنه الياقوت والمرجان.
فيا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها |
اللهم إنا نسألك الجنة. البدار البدار.. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!
ولا يفوت أن أذكر بعض الأخوات اللواتي جزاهن الله خيراً حضرن هذه الدروس أقول: أبشرن أيتها المؤمنات؛ فإن المؤمنة إذا دخلت الجنة فإنها تكون أفضل من الحور العين، فيا أمة الله! الله الله في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم!
فبينما هم كذلك إذا سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى، أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه؟
فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه يقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يذكره ببعض غدراته في الدنيا، ويقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً تطهر بها قلوبنا، وتمحص بها ذنوبنا يا أرحم الراحمينّ! يا أكرم الأكرمين! اللهم اغفر لنا!
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فيا لذة الأسماع لتلك المحاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، وربنا جل وعلا يقول: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] هنيئاً لأهل الجنة ما هم فيه من النعيم المقيم نسأل الله من فضله الجنة، يا أكرم الأكرمين! ويا أجود الأجودين! اللهم اجعلنا من أهل الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعلنا من المحافظين على عقيدة التوحيد؛ لأننا يا إخواني في هذه الأزمنة كثير من يدعو إلى الإخلال بعقيدة التوحيد، حسبنا الله ونعم الوكيل! أهل الشعوذة، والكهانة، والعرافين والسحرة كل أولئك يهدمون عقيدة التوحيد، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولئك وأخبر أن من أتاهم وسألهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديينا.
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من أتاهم وسألهم عن شيءٍ فصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم احذروا من أولئك الكهنة والعرافين والمنجمين والمشعوذين، الذين همهم دمار العقيدة نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم.
وأيضاً يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إذا حققتم التوحيد فالله الله! في اتباع هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي بشر أمته، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) وقد حذركم وقال: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
ومن الأعمال التي توصل إلى الجنة: المحافظة على الصلاة، فمن حافظ عليها فليبشر بأعلى درجات الجنة، التي حث على طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).
يقول ربنا جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:9-11] الله أكبر! الفردوس يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن الأعمال التي توصل إلى الجنة؛ أداء الزكاة، وكثرة النفقات والصدقات والصيام، والحج يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! من الأعمال التي تدخل الجنة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والمساكين.
واعرف وقتك -يا أخي في الله- فالوقت ثمين، عليك بقضاء هذا الوقت بما يقربك من الله جل وعلا ما دمت في زمن الإمكان، واعلم أنه والله! ثم والله! سوف يأتيك يومٌ من الأيام تنتقل من هذه الدار وتتمنى التزود من الأعمال وهيهات هيهات! يقول الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث) الله أكبر! بماذا يكون انقطاع العمل؟
بالموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فالبدار البدار.. قبل أن يهجم هادم اللذات، قبل أن يهجم مفرق الجماعات، قبل أن يهجم ميتم الأطفال ومرمل النساء، الموت الموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم وهدايتهم واستقامتهم يا رب العالمين!
فإن سألتم عن تلك النار؛ فقد وصفها الجبار جل جلاله فقال سبحانه وبحمده: نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
وإن سألتم عن وصف ملابس أهل النار؛ فقد أخبر الله عنها فقال: قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج:19] وقال تعالى: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:50].
إنها النار! كلما أحرقت تلك الأجسام تعاد، كما أخبر الباري جل جلاله نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:56].
أما إن سألتم عن طعام أهل النار؛ فقد قال الله جل جلاله: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:43-46] يشتعل في بطونهم فيطلبون الشراب، بماذا يسقون؟
اسمعوا إلى وصف شراب أهل النار، قال الله تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] ويقول تعالى: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:16-17].
ومن أوصاف النار ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (يؤتى بالنار يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها).
ويقول صلى الله عليه وسلم عن نار جهنم: (ناركم هذه -ما يوقد ابن آدم- جزءٌ واحدٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله! إنها لكافية، قال صلى الله عليه وسلم: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها).
قال الحسن البصري رحمه الله: "ما ظنك بقومٍ قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية، قد آل حرها واشتد نضجها!" إي والله كيف تعمل بهم يا إخواني؟! نسأل الله العفو والعافية، اللهم إنا نستجير بك من النار يا أرحم الرحمين!
النار النار.. يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وقف نبيكم صلوات ربي وسلامه عليه على المنبر يوماً من الأيام فقال: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار} يخاطب أفضل الخلق بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، يخاطب الصحابة رضي الله عنهم، يقول الراوي: {وكانت على عاتقه خميصة سقطت عند رجليه، حتى سمعه من في السوق وهو يحذر أمته من النار}.
يا ويل أهل النار! فقد باءوا بالخيبة والخسران، لقد حق عليهم العذاب، إنهم في نار جهنم، قد غلت أيديهم وأرجلهم إلى النواصي بالأغلال، إنهم في نار جهنم، أمانيهم فيها الهلاك، وليس لهم من أسر جهنم فكاك، يسحبون في أودية جهنم على وجوههم صماً وبكماً وعمياً، وقد ترادف عليهم العذاب.
عباد الله: تصوروا أهل النار وقد وصلت النار إلى أفئدتهم! تصوروا أهل النار وقد أطبقت عليهم النار! تصوروا أهل النار وهم يضربون بمقامع من حديد! تصوروا أهل النار وقد ازرقت عيونهم من شدة العذاب! تصوروا أهل النار وقد أحرقت وجوههم النار! تصوروا أهل النار والحيات تنهشهم، والعقارب تلدغهم! تصوروا أهل النار وقد نضجت جلودهم، وكلما نضجت جلودهم تعاد، فيا ويلهم من نار جهنم! عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ [التحريم:6] لهم فيها زفيرٌ وشهيق، قد ارتفعت أصواتهم بالبكاء يبكون على تضييع أوقات العمر في غير طاعة الله، وكلما جاء البكاء زاد، ينادون مالك كما أخبر الله جل جلاله: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77].
فتصوروا تلك الدموع التي لو أجريت بها السفن لجرت، ثم يرد عليهم بعد زمان طويل: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77].
وقال صلى الله عليه وسلم: {ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث} رواه مسلم.
وإن سألتم عن ثيابهم التي يلبسونها في النار؛ فكما سمعتم في آيات القرآن نسأل الله العفو والعافية!
اللهم إنا نستجير بك من النار، اللهم إنا نستجير بك من النار.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر