يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:102-103].
بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً.
أيها الإخوة في الله: علينا أن نتذكر هذه النعمة التي حبانا الله بها؛ إنها نعمة الإسلام, قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:103] يا لها من نعمة! جمعت بين الناس جميعاً؛ وهذا بفضل الله ثم بفضل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله إلى الناس جميعاً ليخرجهم به من الظلمات إلى النور.
فاعرفوا هذه النعمة -نعمة الإسلام- وقدروها حق قدرها, ثم اعرفوا فضل هذا النبي الأمي الذي ختم الله به الأديان, ونسخ به جميع الأديان, قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] ثم أخبر الله جل وعلا أنه لا يقبل يوم القيامة -يوم لا ينفع مال ولا بنون- إلا هذا الدين الإسلامي، فلا يقبل الله ديناً سواه، حيث قال سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وقال عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
إذا عرفنا هذا؛ فإن الدين الإسلامي يدعو إلى كل خلُق كريم.. يدعو إلى الآداب الحميدة, ويدعو إلى مكارم الأخلاق؛ لأن الله سبحانه وتعالى جاء بهذا الإسلام ليمحو به الجاهلية, وليخرج الناس به من الظلمات إلى النور, ومن الجهل إلى العلم, فأخرج الله هذه الأمة بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم, الذي جاء بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك, بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي! عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة. وفي رواية: وكل ضلالة في النار) فعلينا -أيها الإخوة في الله- أن نقتدي ونهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21] أجل! إن الذي لا يرجو الله ولا اليوم الآخر لا يهتم ولا يقتدي بمحمد صلى الله عليه وسلم، القائل: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان).
أيها الإخوة: إن الله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الحياة الدنيا للابتلاء والامتحان؛ حيث قال: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] ثم في هذه الحياة الدنيا نعيش ما كتب الله لنا, فمن عاش هذا العمر في طاعة الله سبحانه وتعالى فهنيئاً له عند الموت, وهنيئاً له بعد الموت, وهنيئاً له في قبره, وهنيئاً له في حشره ونشره, وهنيئاً له حين يدخل الجنة.. أما من أضاع هذا العمر في المعاصي والسيئات، وتعدى الحدود، وعصى المعبود، فيا ويله عند الممات! ويا ويله في قبره! ويا ويله في حشره ونشره! ويا ويله عندما يُسحب إلى نار جهنم.. نسأل الله العفو والعافية.
واسمعوا إلى خبر العليم الخبير بالعباد حيث يقول الله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:55-58] فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق عبثاً, ولم يتركهم هملاً، بل أرسل إليهم الرسل, وأنزل معهم الكتب, فبينوا وبلغوا، وتركوا أممهم على البيضاء ليلها كنهارها.. فعند ذلك يتبين من اهتدى ممن أعرض؛ أما من اهتدى فله من الله سبحانه وتعالى خير كثير, وأما من ضل وتحسر عند الموت فلن يقبل منه؛ لأنه قد قامت عليه الحجة, قال تعالى: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59] فيا لها من خيبة! ويا لها من حسرة وندامة في ذلك اليوم العظيم! يوم لا ينفع مال ولا بنون, عندما تعلو وجوه العصاة القترة والذلة, ويفضحون على رءوس الأشهاد.. قد كبلوا بالأغلال والسلاسل يسحبون بها على وجوههم إلى نار جهنم وبئس المصير.. ذلك جزاؤهم؛ لأنهم عصوا الله ورسله، وكذبوا بالحق لما جاءهم.. قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60].
تذكر يا عبد الله! إن كنت مع هؤلاء الزمرة كيف تدخل ووجهك مشرق بياضاً فرحاً, وتذكر إن كنت مع أولئك الذي عصوا الله، فتب إلى الله عز وجل.. إذا كانت أحوالك مثل أحوال السابقين الذين يساقون إلى نار جهنم؛ فبادر إلى التوبة قبل أن يحول بينك وبينها هاذم اللذات, ومفرِّق الجماعات.. وإن كانت أحوالك طيبة فزد من ذلك، واسأل الله الثبات.
فعند ذلك أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يحمدون الله جل وعلا أن سلمهم من نار جهنم، وما فيها من الأنكال والأغلال والزقوم والصديد والغِسلين والضريع, وما فيها من الأودية والمقامع والعقارب والحيات, والزبانية الشداد الغلاظ.. يحمدون الله أن أورثهم الجنة بما فيها من النعيم المقيم الذي لم تر العيون, ولم تسمع الآذان مثله, ولم يخطر على بال، فيها الأنهار والحلل والقصور والحور العين واللذة والسرور، بجوار مالك الملك، وبصحبة الأنبياء المقربين, ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اسمعوا إلى أهل الجنة ماذا يقولون وهم في تلك المحلة الآمنة: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74] الله أكبر! هي تلك النهاية -يا عباد الله- عندما يؤتى بالموت في صورة كبش أملح, ثم يذبح بين الجنة والنار, ثم يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود فلا موت! ويا أهل النار خلود فلا موت!
فإذا تذكرنا تلك الأهوال, وتذكرنا الموت وما بعده, وتذكرنا القبر وما فيه؛ وأنه إما روضة من رياض الجنة, أو حفرة من حفر النار.. ثم إذا تذكرنا المنصرف يوم القيامة، قال تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] إذا تذكرنا من يُركبون على النجائب إلى الجنة, وتذكرنا من يسبحون إلى النار؛ فعند ذلك يحصل عندنا الاهتمام لما أمامنا.
أمة الإسلام: إذا قمنا بالأمر بالمعروف حصل الأمن -بإذن الله تعالى- على الأخلاق الفاضلة والآداب من الذهاب والانحلال, وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نأمن على الدين من الاضمحلال والتلاشي.
وكان كلٌ منهم يحب لأخيه ما يحب لنفسه, وكانوا يتراحمون بينهم, ويوقر الصغير الكبير, حتى إنهم ينصفون الأعداء من أنفسهم, فالقوي عندهم ضعيف حتى يستوفى منه الحق, والضعيف عندهم قوي حتى يؤخذ حقه.. كانوا إذا فقدوا أخاهم بحثوا عنه؛ فإن كان مريضاً عادوه, وإن كان محتاجاً واسوه, وإن نزل عليهم أكرموه؛ مطبقين لتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فهل يوجد هذا الشعور في مجتمعنا اليوم؟
لقد كانت الأمة آخذة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً}.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لعنة الله على المصورين} ويقول صلى الله عليه وسلم: {أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون} ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة} فأين نحن من هذه الإرشادات النبوية يا عباد الله؟!
من ذلك: إتيان الكهان والسحرة والمشعوذين والمنجمين، الذين من أتاهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن ذلك: حلق اللحى, وإعفاء الشوارب, وهذا -والله ثم والله- معاندة لله ولرسوله, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من تشبه بقوم فهو منهم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس } ويقول: {خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب} ولكن قال البعض من الذين يدعون الإسلام: لا سمع ولا طاعة يا رسول الله, بل نتبعهم ونقتدي بهم..! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبعضهم يتعدى في الجواب ويقول: هذا دين قديم.. وهذه رجعية.. هذا تزمت.. والنظافة من الإيمان..! يحلق لحيته ويقول: النظافة من الإيمان!!
والبعض من المسلمين قد حبب إليه التشبه بأعداء الله ورسله جميعاً, فمنهم من تخنفس, ومنهم من أطال الأظفار، حتى انزلق بعض النساء في متاهات وضلالات مبتدعة, دسها الإفرنج وعملاؤهم من اليهود والنصارى والمجوس.. في أفلام ومجلات قضت على الآداب والأخلاق والفضيلة والعفة, حتى آل الأمر إلى انتهاك الشرف.. نسأل الله العفو والعافية. وانظروا إلى ما تلبسه بعض النساء من ملابس شفافة, وضيقة وقصيرة, فإلى الله المشتكى.
ومن المنكرات التي ارتكبها بعض من المسلمين: ترويج المسكرات والمخدرات بأنواعها, حتى قضت على العقول, والعقل أهم ميزة ميز الله بها الإنسان وفضله على سائر المخلوقات، فعندما يفقد هذا العقل فإنه يبتعد عن الدين وعن تعاليمه؛ مما يجعله يعصي الله في كل شيء, ويأتي الفواحش، ويرتكب الموبقات.. وبسبب هذه المسكرات والمخدرات ينتشر الفساد في الأسرة والمجتمع, فالمدمنون على المخدرات لا يتورعون عن الإتيان بأنواع الجرائم.. من سرقة، ونهب، وسلب، وقتل، واغتصاب؛ لأجل الحصول على المخدرات, وربما باع بعضهم شرفه وعرضه، وربما مكَّن بعضهم من فعل الفاحشة به كما تنكح المرأة -والعياذ بالله- وهذا واقع في بعض الشباب, فنسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً.
ومن المنكرات التي فشت: الأغاني بأنواعها.. في البيوت، وفي الحوانيت، وفي السيارات, وقد امتلكت قلوب الكثير من الناس، وقد قال ابن مسعود: [[إن الغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل]] والغناء بريد الزنا.
وقد صدرت من هيئة كبار العلماء فتاوى قالوا فيها: يحرم حلق اللحية، أو قصها، أو نتفها، أو أخذ شيء منها, والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن حلق اللحية، وأمر بإعفائها, وإكرامها, وإرخائها, وأمر بقص الشارب أو حفه... فهذا هو الذي ينبغي لنا, أما أن تكون مجالسنا مجالس غيبة فهذا لا ينبغي.
ثم البعض من الناس يجلس ويأتي بقصة أخرى فيقول: فلان لا يأتي إلى المسجد لا هو ولا أولاده، فنقول له: أيها الأخ في الله! هل طرقت عليه الباب؟ هل دعوته إلى الله؟ هل أمرته بالمعروف؟ فيقول: لا.. إنما أتى في هذا المجلس ليغتابه أمام الحاضرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما إن كان يصلي ولكنه يتهاون بها, فقل له: يا أخي! أما سمعت الله عز وجل بماذا توعد المتهاونين عن الصلاة؛ توعدهم بويل، وهو شدة العذاب، أو وادٍ في جهنم, وأنا أسأل الله عز وجل ألا تكون معهم في هذا الوادي، فبادر يا أخي بالصلوات الخمس.
وهذا رجل من إخوانكم -جزاه الله خيراً- سكن بجوار رجل من الناس، وإذا بهذا الجار لا يصلي ولا يعرف المسجد, ففكر هذا الرجل بأي شيء يأتي به إلى المسجد؟ فطرق عليه الباب وجلس عنده قليلاً، ودار الحديث بينهما، حتى عرف كل واحد منهما صاحبه, ولما استأنس به قال له: يا أخي! أنا جارك منذ شهر، وتفوتني الصلاة -مع أنه لا تفوته الصلاة، لكن اسمعوا إلى النهاية- وأريد منك أن توقظني لصلاة الفجر. وهذا لا يعرف الصلاة أبداً ولا يعرف المسجد, فعند ذلك أصيب بحيرة, ماذا يعمل؟ هل يقول: أنا لا أصلي؟ لا يمكن أن يقول: أنا لا أصلي، ولا أعرف المسجد.. ولكن قال: إن شاء الله. فسهر الليل كله حتى يوقظ هذا الجار ليذهب هو وإياه إلى المسجد, مع أن جاره مستيقظ ولله الحمد، ولكن انظروا -أيها الإخوة- إلى فائدة الدعوة بالحكمة, فلما أذن الفجر طرق عليه الباب وخرجا إلى المسجد جميعاً، فاستمرا على هذه الحال, وبعد مدة اجتمع به جاره الذي كان لا يصلي وقال: يا أخي! جزاك الله خيراً، والله إني كنت لا أعرف المسجد ولا أصلي، والآن قد صرت عوناً لي على طاعة الله. قال: وأنا -ولله الحمد- أخبرك أني لست بحاجة إلى أن توقظني، ولكن أردت أن أتعاون أنا وإياك على الخير.. فنعم هذا التعاون، ولو سلكه الجميع لانتشر الخير والبركة.
وإذا أتينا إلى الآخر وهو في المجلس وجدناه يقول: رأيت فلان بن فلان يسحب ثوبه وراءه كأنه امرأة.. ماذا قلت له؟ قال: والله لم أقل له شيئاً, إنما أتى ليغتابه في المجلس, مع أن الواجب عليه لما رأى هذا المنكر أن يأمره بالمعروف, والمعروف أن يبين له أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.. فجعل يكررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، حتى قال
وبعض الناس إذا جلسوا في المجالس تحدثوا: رأينا زوجة فلان! ورأينا بنت فلان مع السائق! ماذا يريدون من هذا؟ يريدون التشهير بهذا الرجل, فلو أخذوا بيد هذا الرجل وقالوا له: اتق الله يا فلان! لماذا تدع الحبل على الغارب لابنتك وامرأتك مع السائق؟ أما علمت أن هذا منكر؟ وأن هذا لا يرضاه الله بل يبغضه ويأباه, أما سمعت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وقد يقول هذا الرجل الذي أتى بالسائق: أنا أتيت بهذا السائق، وهو رجل طيب ذو دين. فنقول له: اسمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الصحابة رضي الله عنهم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) يخاطب الصحابة الذين هم أطيب منَّا قلوباً، وأفضل القرون بعد نبينا صلى الله عليه وسلم, يخاطبهم ويقول: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) فإن أبيت ورأيت المنكر بأهلك وأقررت ذلك فسوف تحرم من الجنة, لماذا؟ لأن الجنة لا يدخلها ديوث, والديوث: هو الذي يقر الخبث في أهله, نسأل الله العفو والعافية. قل له هذا الكلام؛ لعله أن يرعوي ويتوب إلى الله عز وجل.
والبعض من الناس إذا جلسوا في المجالس قالوا: سمعنا فلان بن فلان يسمع الأغاني. فنقول لهم: أيها الإخوة في الله! هل جلستم معه قليلاً فنصحتموه في الله؟ قالوا: لا. ما جلسنا معه، فلو جلستم معه قليلاً وقلتم له: يا أخي! اتق الله. فإن الغناء بريد الزنا، والغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء البقل, ولا تكن ممن أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يحصل منهم هذا الأمر الخطير في آخر الزمان حيث قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فلا تكن منهم يا عبد الله, بل كن من خير أمة أخرجت للناس.. كن من الطائفة الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله.. كن من الغرباء الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (فطوبى للغرباء! قيل: من هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس, أو يُصلحون ما أفسد الناس).
وإذا كان الجار سوف يتعلق بك؛ فما بالك إذا تعلق بك الأولاد والزوجة ومن تحت يدك في البيوت، وأنت تخرج تصلي الفجر وهم في فرشهم نائمون, ما هو الخلاص يا عبد الله؟ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
فعلينا -أيها الإخوة- أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونسلك طرق السلف الصالح , ونصدع بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم, وليكن هذا باللين والحكمة والموعظة الحسنة, ونعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق, كما قال سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
وكونوا عباد الله إخواناً قبل أن يحلَّ بكم ما حل بمن قبلكم.. فإن ما نسمعه من الحوادث والزلازل والفيضانات والمجاعات وغيرها كلها موعظة لنا يا عباد الله, لعلنا أن نتعظ ونرجع إلى الله سبحانه وتعالى, قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41].
فعلينا أيها الإخوة! أن نسلك سبيل الذين اتقوا الله عز وجل, ووالله ثم والله لا يضرنا ذلك, ولا ينقص من أعمالنا ولا من أموالنا شيئاً, بل يزيدنا شرفاً عند الله سبحانه وتعالى, قبل أن تضرب قلوب بعضكم على بعض, قبل أن تصيبكم فتنة لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25] لأن العذاب إذا نزل عم الصالح والطالح.
يقول الله عز وجل في قومٍ تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
أمة الإسلام: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن أعظم الشعائر الإسلامية, وأقوى الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمعات النزيهة الراقية, فإذا لم يكن أمرٌ ولا نهي، أو كان ولكن كالمعدوم؛ فعلى الأخلاق والمثل العليا السلام, وإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيومئذٍ ويلٌ للفضيلة من الرذيلة.
أمة الإسلام! تداركوا الأمر قبل أن يفوت الأوان, وتعضوا على البنان، فقد حثكم نبيكم صلى الله عليه وسلم على تغيير المنكر.
فالله الله في الحكمة والموعظة الحسنة, والله الله في الرفق يا عباد الله.. واعلموا أن مراتب التغيير ثلاث كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.
وإليكم هذا الخبر الذي ينبئ بوخامة عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقول عائشة رضي الله عنها: {دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفزه الناس، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء, فما تكلم حتى توضأ وخرج، فلصقت بالحجرة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس! إن الله عز وجل يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم} ألا نفكر لماذا انتزعت البركات؟ ولماذا نستغيث ولا يستجاب لنا؟ لكثرة المنكرات, لقد انتشرت المنكرات بين الناس, فنسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تأخذ بأيدينا إلى كل خير.
اللهم وفقنا ووفق ولاة أمورنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم حبب إلينا وحبب إلى ولاة أمورنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, اللهم وفقنا ووفق ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين لما تحبه وترضاه.
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل, اللهم طهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من الرياء, وألسنتنا من الكذب, وعيوننا من الخيانة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر