أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد فرغنا من كتاب العقيدة وكتاب الآداب وكتاب الأخلاق، وها نحن مع كتاب العبادات، وأذكركم بما جاء في الدرس السابق، وهو:
أن الطهارة واجبة بالكتاب والسنة، وإن شئت قل: والإجماع أيضاً ؛ وذلك لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وقوله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] والخطاب للرسول والأمة معاً، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مفتاح الصلاة الطهور ) يا من أراد أن يدخل قصر الصلاة عليك بالمفتاح ألا وهو الطهور.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تقبل صلاة بغير طهور ) وقال: ( والطهور شطر الإيمان )، نصفه؛ لأن الطهارة كما علمتم جسمانية وروحانية، طهارة الجسم الوضوء والغسل والتيمم، وطهارة الروح تكون بالعبادات الصالحة التي تزكي النفس وتطهرها.
ومن هنا قلنا: الطهارة ظاهرة وباطنة، والطهارة الظاهرة: هي طهارة الخبث وطهارة الحدث. عرفنا أن الخبث هو ما يكون من دم أو بول أو قيء أو كذا في الثوب. وطهارة الحدث هو أن يكون منتقضاً وضوءه أو جنباً، وطهارة الحدث هي الوضوء والغسل والتيمم.
وبم تكون الطهارة؟ تكون بالماء الباقي على أصل خلقته، لم يغيره شيء لا في طعمه ولا لونه ولا ريحه، وتكون بالصعيد الطاهر -بالتراب الطاهر- في حالة العجز عن الوضوء والغسل، وهو التيمم. هذا الدرس سبق لنا، والآن مع هذا الفصل في آداب قضاء الحاجة.
التغوط والتبول، حاجة كل إنسان، إذا امتلأت بطنه أصبحت عنده حاجة لإفراغها، فهي حاجة.
قال: [ الفصل الثاني: في آداب قضاء الحاجة: وفيه ثلاث مواد: المادة الأولى: فيما ينبغي قبل التخلي ] ماذا يجب عليك أن تفعل قبل أن تتخلى [ وهو: ]
والآن الأولاد يشترون لهم ثياباً فيها اسم الله ويلبسونها، بل فيها اسم المسيح عيسى عليه السلام، الشركيات النصرانية الآن في الثياب، القبعات والبرانيط الآن على رءوس أولادنا.. إلى أين نسير؟
إلى الهاوية، وطأطأنا رءوسنا وسكتنا كلنا كأن شيئاً ما وقع!
جيل ينشأ على ملة الكفر في أزيائه وفي سلوكه، فيا ويلنا!
[ ويقول: ( بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) ] يقول هذا قبل أن يدخل، يقول: (بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، أو: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ثم يقدم رجله اليسرى ويدخل [ لما روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك ] ونحن أولى بذلك.
أما إذا كان في كنيف أو مرحاض وفيه جدران موجودة فلا بأس إذا استقبل القبلة أو استدبرها، لكن هذا منهي عنه في الخلاء، أما إذا كان في كنيف مصان له جدران عالية ومرتفعة فيجوز، لو فعل ما ضره ذلك، فالذي يتبول أو يتغوط لا يحل له أن يستقبل البيت أو يستدبره لبول أو غائط، ثم استثنى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان وراء جدار مستور فلا يضر استقبال القبلة؛ لأنه بينها وبين الجدار.
فمن فعل هذا وتبول في واحد منها لعن، يلعنه الناس، وهو ملعون وإن لم يلعنوه؛ لأنه أفسد عليهم حياتهم.
[ وقد ورد عنه كذلك النهي عن التبرز تحت الأشجار المثمرة ] كما تقدم، الشجرة إذا كانت مثمرة يتساقط منها الرطب أو التمر فلا يجوز التغوط تحتها، تين مثلاً أو زيتون يتساقط فلا يجوز التبرز تحته إلا إذا ما كان فيه ثمار، أي: في غير وقته.
والشاهد من هذا: أنه يحرم أذية المؤمنين، بل يحرم أذية الناس أجمعين، فما كان يؤذي المؤمنين ما يفعله المؤمن، من ذلك: أن يبول في طريقهم أو يتغوط في ظلهم أو تحت نخيلهم أو أشجارهم وهم يجنون ثمارها ويستفيدون منها.
[ المادة الثانية: فيما ينبغي في الاستجمار والاستنجاء ] الاستجمار بالحجارة ونحوها، والاستنجاء بالماء، كيف نفعل؟
الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وفي آخره، في أول الطعام أحسن إلي حتى أكلت وإلا لن أستطيع أن آكل، وفي خروجه حتى يخرج، لو يبقى البول أو الغائط في الجسم ماذا تفعل؟ عملية جراحية لن تنفع، لكن الحمد لله، فلهذا قال: (الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره). هل المسلمون على هذا النمط من الحياة؟ القليل فقط؛ لأنهم ما سمعوا بهذا [ أو ( الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيّ قوته وأذهب عني أذاه ) وكل هذا وارد وحسن ] في السنن الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: ينبغي قبل التخلي:
أولاً: أن يطلب مكاناً بعيداً عن أعين الناس.
ثانياً: أن لا يدخل معه ما فيه ذكر الله، لا ورقة ولا دينار ولا كل ما فيه اسم الله، حتى الخاتم إذا فيه اسم الله فلا يدخله معه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينزع خاتمه الذي يطبع به الرسائل والكتب (محمد رسول الله) إذا أراد المرحاض.
ثالثاً: أن يقدم رجله اليسرى، إذا ذهب إلى الغائط، ووصل إلى المرحاض فإنه يدخل بقدمه اليسرى ويؤخر اليمنى لشرفها.
وقبل أن يقدم رجله اليسرى يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) . الخبث جمع خبيث من الشياطين، والخبائث جمع خبيثة من الشيطانات والعياذ بالله.
رابعاً: أن لا يرفع ثوبه حتى يجلس أو يدنو من الأرض، فلا يرفعه وهو واقف فيبقى واقفاً مكشوف العورة بين الناس، وليس بين الناس فحسب ولكن والملائكة والعالم كله والجن يشاهدونه.
خامساً: أن لا يجلس للغائط أو البول مستقبلاً القبلة أو مستدبراً لها، واستثنى أهل العلم إذا كان في بنيان وجدار يستره واضطر إلى ذلك فلا بأس، ولهذا نقول لمن يبنون: لا تجعلوا المراحيض مستقبلة القبلة، بل حولوها، واجعلوها إلى غير القبلة.
سادساً: الابتعاد عن الأماكن التي ينهى عن التبول فيها كقارعة الطريق، وموارد المياه، والشجر التي فيها الثمار والظل، فحيث يستظل الناس ويجلسون لا تتبول فيه، فتؤذي المؤمنين ببول أو غائط.
سادساً: لا يجوز له أن يتكلم وهو يتغوط؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا تغوط رجلان فليتوارى كل واحد منهما عن صاحبه ولا يتحدثا، فإن الله يمقت على ذلك ) والجهال يفعلونه ويصوت ويغني ويتحدث، والعياذ بالله.
سابعاً: لا يجوز الاستجمار -أن تمسح بولك وغائطك- بروث أو عظم؛ لأنهما طعام إخواننا من الجن، والروث روث البغال والحمير.
ثامن هذه الآداب: أن لا يتمسح أو يستنجي بيمينه، فلا تأخذ الحجر بيمينك وتمسح دبرك بها، بل خذها بيدك اليسرى، أن لا يتمسح بالكتان أو الورق أو أي شيء تستجمر به استعمل يدك اليسرى به لا اليمنى، لما يصب الماء باليمنى يغسل دبره باليسرى، اليمنى لا بأس أن يصب بها الماء فقط.
ولا يمس ذكره بيمينه، فلا يجوز للمؤمن أن يمس ذكره بيده اليمنى سواء يبول أو لا يبول يمسه باليسرى، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر باليد اليمنى، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ) .
تاسعاً: أن يقطع الاستجمار على وتر. ما معنى وتر؟
ثلاثة أو خمسة أو سبعة، على وتر، فإن استجمر بحجرة ولم تكفِ، زاد الثانية، وإن كفت يزيد الثالثة، استجمر بثلاث وإن نزل البول والغائط منه يزيد الرابعة، ما نظف الدبر بالرابعة لا بد أن يستجمر بالخامسة، الوتر: ( إن الله وتر يحب الوتر في كل شيء ) .
رابعاً: إذا جمع بين الماء والحجارة يقدم الحجارة أولاً ثم الماء، وإذا اكتفى بأحدهما يجزئه.
وأخيراً: أن يقدم رجله اليسرى عند الدخول، ويقدم رجله اليمنى عند الخروج، إذا خرج من المرحاض يبدأ برجله اليمنى ثم يقول: (غفرانك) ، من أسهل ما يكون! بدل أن يقول: اللهم اغفر لي ويذكر اسم الجلالة يقتصر فيقول: غفرانك. ثم يقول: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني). نعمة كبيرة، أو (الحمد لله الذي رزقنيه طيباً وأخرج منه الخبيث) ألفاظ واردة كثيرة.
معاشر المستمعين والمستمعات! هذه الآداب يجب أن لا ننساها وألا نهملها، إذ بها تميزنا عن الناس وأصبحنا أهل الله وأولياء الله، أما أهل الأنجاس والأرجاس من الكفار والمشركين فلا يعرفون هذا ولا يذوقونه، أما أولياء الله فهكذا حالهم عند الأكل، عند الشرب، عند المشي، عند القعود دائماً شعار الإيمان معهم.
والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر