أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد سبق أن درسنا أولاً: الإيمان بوجود الله عز وجل بالأدلة النقلية والعقلية، والذي نفسي بيده! لله تعالى موجود سميع بصير عليم حكيم، خلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما.
وعلمنا أن البشرية قبل وجود المذهب الشيوعي ما كان يوجد فيها من يكذب بوجود الله أو ينكره قط واستمر هذا عشرات الآلاف من السنين، إذ هي الفطرة التي فطر الله عليها الآدمي معترفاً
بوجود خالقه وخالق كل شيء، لكن المذهب البلشفي الأحمر الشيوعي، مبدأ (لا إله والحياة مادة) وضعه بنو عمنا اليهود؛ من أجل تضليل البشرية ومحو الإيمان من نفوسها حتى يتمكنوا في يوم من الأيام أن يسوقوها كالبهائم، ويعلنوا عن مملكة إسرائيل في العالم، واستجاب المسيحيون لهم أكثر من المسلمين؛ لأن المسيحيين معتقدهم فاسد وباطل، ولا يعتمد على شيء من الحق؛ فلهذا اجتاحهم هذا المذهب.
وهناك دول انمسخت لروسيا مسخاً، وأما المسلمون فقد أصيب من أصيب ولكنهم قلة، فالفطرة تصرخ بوجود خالقنا ورازقنا ومدبر حياتنا.
ثانياً: من آمن بوجود الله يجب أن يؤمن بربوبية الله، ومعنى ربوبية الله: أن تؤمن أن الله عز وجل هو رب كل شيء، ومالكه، وخالقه، فلا توجد ذرة في الكون لم يخلقها الله، ولا يوجد في الكون من شارك الله في خلقه بشعرة في إنسان أو ريشة في حيوان: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16].
فالله هو الرب الخالق الرازق المدبر للحياة كلها، ولا رب غيره، وهناك أدلة عقلية ونقلية على ذلك:
فالرسول يقال له: اسأل العرب المشركين، قل لهم: من رب السماوات والأرض؟ اسألهم من خلقهم، سيقولون: الله العزيز العليم.
فالإيمان بوجود الله قل من ينكره، إلا أن الربوبية وجد فيها من يشرك بالله، فالذي يدعي أن فلاناً يخلق أو يرزق أو يميت أو يحيي أو ينفع أو يضر فقد سواه بالله في ربوبيته.
فالذي اعتقد أن فلاناً يشرع ويقنن للحياة أشرك في ربوبية الله هذا المخلوق؛ لأن الله هو الذي يشرع ويقنن لعباده ما يصلحهم، ويسعدهم، ويكملهم في الدارين الدنيا والآخرة.
فالذي يعتقد أن ولياً من أولياء الله ينفع أو يضر، أو يعطي أو يمنع بعد موته فقد سواه بالله في ربوبيته، والشرك في الربوبية وقع فيه كثيرون، ولهذا يجب أن نؤمن إيماناً كاملاً أن الربوبية لله لا يشاركه فيها أحد، أي: هو الخالق لكل شيء، المالك لكل شيء، المحيي المميت، المعز المذل، المعطي المانع، الضار النافع، بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، والخليقة كلها مربوبة مخلوقة، خلقها ودبر حياتها، فهي مربوبة له، وهو مدبر حياتها بعد أن خلقها، فلا رب لنا سوى الله قط.
ثالثاً: الربوبية تستلزم الألوهية، فمن كان رباً يجب أن يعبد، ومن كان رباً يجب أن يطاع فيما يأمر وينهى، ومن كان رباً يجب أن يشرع ويقنن، ومن هنا فإن الربوبية أوجبت الألوهية لله عز وجل، فما دمت قد آمنت بربوبية الله فأنت مضطر إلى أن تؤمن بألوهيته، أي: بأنه لا إله غيره أبداً، وإن وجدت الآلهة كالأصنام والأحجار والأشجار فكلها آلهة باطلة، منسوفة بكلمة: (لا إله إلا الله)، فلا يبقى إله أبداً لا في الأرض ولا في السماء إلا الله عز وجل.
والإله معناه: المعبود الذي يستحق أن يعبد، والذي يستحق أن يعبد هو الذي خلقني، ويحافظ على حياتي، ومصيري إليه، الذي يميتني ويحييني، أما غيره فليس له حق في العبادة.
فمن آمن بربوبية الله وعرفها آمن بألوهيته وسلم بها، وقال في صراحة: لا إله إلا الله؛ لأن الألوهية معناها عبادة الرب بحبه وتعظيمه وتوقيره وإجلاله وإكباره، ثم بطاعته فيما يأمر به عبيده، وفيما ينهى عنه، فالألوهية معناها العبادة، فلا معبود يستحق العبادة بحق -والله- إلا الله.
فالذين يحلفون وينذرون لـعبد القادر الجيلاني، ويشدون الرحال من الغرب إلى الشرق لزيارة قبره، ألهوا عبد القادر، وهل عبد القادر -رحمة الله عليه- إله يستغاث به، أو ينادى في الشرق والغرب: يا مولى بغداد! يا راعي الحمراء! يا سيدي عبد القادر ! حتى تناديه فيسمعك؟ وحتى لو فرضنا أنه سمعك فهل سيجيبك ويعطيك؟ لكنه اللعب واللهو، وليست القضية خاصة بـعبد القادر فهناك عشرات الأولياء بل المئات، لما عم الجهل وغطى هذه الأمة في القرون التي مضت.
فلا يصح أن تقول: ورأسك، وحقك، فإن قلت: ورأسك يا فلان! فقد رفعت بهذا فلاناً إلى منصب الربوبية فألهته وحلفت به؛ لأن الحلف بالشيء تعظيم له ورفع إلى مستوى الربوبية.
والذين ينذرون للسيد فلان بأنه إذا تزوجت ابنته فعل له كذا، أو إذا نجح في خصومته فعل له كذا وكذا يخاطبون أولياء قد ماتوا من قرون، وهم يشركون بالله في ألوهيته، صرفوها عنه إلى مخلوقاته وعبيده، ولكن لا لوم ولا عتاب، فلقد جهلوهم وضللوهم وأماتوهم -هذا كيد أعداء الإسلام- والسبب أنهم لا يجتمعون في درس كهذا قط، ولا يدرسون كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقرآن يقرءونه على الموتى لا أقل ولا أكثر، فكيف يعرفون؟! أكثر من ثمانمائة سنة والأمة هابطة.
فألوهية الله: لا إله إلا الله، أي: لا يعبد غير الله بأي نوع من أنواع العبادة ولو بركوع أو بسجود على الأرض، ولو بحلف به، ولو بالخوف منه، فلا يعبد إلا الله، فشعارنا لا إله إلا الله.
والآن مع الأسماء والصفات، أسماء الله تعالى وصفاته، فلله أسماء عددها تسعة وتسعون اسماً.
يا عبد الله! اعلم أن لربك أسماء أنزلها في كتابه تعدادها مائة إلا اسماً واحداً، وفائدة هذه الأسماء أن تنادي الله بها، وتدعوه بها، وتتملق وتتوسل إليه بها، هذه هي فائدتها: أن تقول: يا رب! يا رحمان! يا علي! يا عظيم! يا كبير! يا غفور! يا رحيم! فتطلب حاجاتك، ولو كان اسماً واحداً أو ثلاثة لضاقت بك، ولكنها تسعة وتسعون اسماً، فإذا أردت المغفرة قلت: يا غفور! وإذا أردت الرحمة قلت: يا رحيم! وإذا أردت النجاة من مرض قلت: يا كاشف الضر! وهكذا تناديه بأسمائه.
والأسماء والصفات مختلطة بمعنى واحد، كل اسم هو صفة -يحمل صفة- واسم الجلالة الأعظم (الله)، و(الله) من لفظ الإله، ولهذا دائماً نبتدئ به الدعاء، يا الله! يا رحمان! يا رحيم!
وهذه الأسماء تحمل صفات: فالرحمن والرحيم صفات، والملك صفة، والعزيز والحكيم والغفور صفات وأسماء، وهذه ضلت فيها أقوام، فبعضهم يحرفونها ويفسرونها ويدخلون فيها، ولا حق لهم في ذلك، فشبهوا الله بمخلوقاته، وبعضهم نفى أن يكون هذا هو الله عز وجل، والتأويل والتعطيل والتشبيه كلها محرمة، فهيا نسمع ماذا قال أهل العلم في أسماء الله وصفاته؟
من تحريف المشركين قولهم: (العزى) من (العزيز) وقولهم: (اللات) من (الله)، وهذا التحريف لأسماء الله تعالى كفر والعياذ بالله، فينبغي أن ننطق بأسمائه كما أنزلها وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نبدل ولا نغير ولا نحرف ولا نؤول، فالآية واضحة الدلالة: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] توعدهم؛ لأنهم حرفوا ومالوا بأسماء الله عن حقيقتها.
[كما وصف نفسه بأنه سميع بصير، وعليم حكيم، وقوي عزيز، ولطيف خبير، وشكور عليم، وغفور رحيم، وأنه كلم موسى تكليماً] كلم الله موسى، ولو أن أحداً قال: ما كلمه. كفر. ولو قال: كلمه كما أكلمكم أنا. كفر. ولو قال: كلمه بمعنى أوحى إليه. كفر. ولا يؤمن إلا من قال: كلم الله موسى تكليماً حقيقياً يليق بجلاله.
[وأنه استوى على عرشه، وأنه خلق بيديه] خلق بيدين، إي نعم. لله يدان فقد أخبر بنفسه أنه خلق آدم بيديه، ففاز بهذه الفضيلة العجيبة، ونفخ فيه من روحه بعدما خلقه بيديه، فتؤمن بيدي الله ولكن لا يقتضي ذلك -انتبه- أن تشبه يد الله بأيدي المخلوقات، مستحيل هذا! لن يكون الخالق كالمخلوقات بحال من الأحوال، انزع هذا من ذهنك، واعتمد على كلمة واحدة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
[وأنه يحب المحسنين] الحب صفة من صفاته عز وجل، لكن حبه ليس كحبك أنت لأمك وأبيك، فحب الخالق ليس كحب المخلوقات، وصفات الخالق ليست صفات المخلوقات، ولكن آمن بأن الله يحب المحسنين.
[ورضي عن المؤمنين، إلى غير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية، كمجيئه تعالى] وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] الخطاب هنا لرسول الله، فالله يجيء في عرصات القيامة ليحاسب الخلق، ويجزيهم على أعمالهم.
فلو قلت: (وجاء ربك) بمعنى: جاء ملكه، فمعناه أنك كذبت الله، ورفضت ما أخبر؛ بحجة أنك لا تشبهه بالمخلوقين، وشتان ما بين الخالق والمخلوق! فمجيء الله شيء ومجيء الكائنات شيء آخر.
ومن باب التمثيل: هل مجيء النملة كمجيء البقرة؟ هل تشبّه مجيء النملة بمجيء البقرة؟ لا؛ لأن ذات البقرة شيء والنملة شيء آخر، فالمخلوقات كلها لا تشبه بعضها، فكيف تشبه صانعها؟ لكنه تعالى يعطينا من أسمائه ليملأ قلوبنا بالنور؛ وليزداد حبنا له، ولتزداد رهبتنا وخوفنا منه، فنطيعه ونكمل ونسعد.
[ونزوله وإتيانه] ( ينزل ربنا كل ليلة في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ) عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا لم يقل الصحابي: كيف ينزل؟ أبداً. ولا قال: نزوله كما ننزل على الكرسي -أعوذ بالله- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فآمن بنزوله ولا يخطر ببالك كيف ينزل، فإذا ما عرفت الذات فكيف تعرف النزول؟ فنزوله وإتيانه سبحانه [مما أنزله في كتابه ونطق به رسوله صلى الله عليه وسلم].
فالمسلم الذي يجاهد ويقتل في المعركة يدخل الجنة، وهذا الذي قتله برصاصة أو بسيف بعد عام أو عامين أو بعد ساعة يسلم ويعبد الله، فيدخل الجنة أيضاً، فربك يضحك من هذين الرجلين.
[وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال جهنم يلقى فيها)] الإنس والجن من أهل الشرك والكفر [( وهي تقول: هل من مزيد )] أي: زيدوا، هل من مزيد، واقرءوا الآية من سورة ق: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30].
[( حتى يضع رب العزة فيها رجله -وفي رواية: قدمهُ- فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط )] أي: امتلأت، ولولا هذا لزيد لها مليارات الإنس والجن وما اكتفت، ولكن حتى يضع الجبار رجله فيها.
فلو رفع -والعياذ بالله- مشبه رجله وقال: هكذا. كفر؛ لأن رجل الله لا تشبه رجل المخلوقات أبداً. بل له رجل تليق بذاته وجلاله سبحانه.
وأعطيكم أمثلة عامة: هل هذا الكرسي مثل النجار الذي صنعه في عقله وإرادته ويده؟ مستحيل! فالمخلوقات كلها لن تكون شبيهة بخالقها.
فقوله: ( لا تزال جهنم يلقى فيها) أي: من الأنس والجن من الكفرة والمجرمين ( وهي تقول: هل من مزيد؟ )، أي: تستعطف ( حتى يضع رب العزة فيها رجله ) وفي رواية (قدمه) والرجل هي القدم [( فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط ) أي: يكفي يكفي؛ بسبب وضع الجبار قدمه فيها.
ولكي نعرف مساحة جهنم نضرب مثلاً بكوكب الشمس الذي هو أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، هذا الكوب نسبته إلى جهنم كشرارة طارت منها، ومع هذا إذا وضع الجبار قدمه فيها صرخت: قط قط. أي: لا أحتاج بعد هذا فقد امتلأت.
[وقوله صلى الله عليه وسلم : (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له )] هل نحن محتاجون إلى الله في شيء أم أننا أغنياء؟
علينا بآخر الليل: يستغفر المذنب فيغفر له، ويطلب المحتاج حاجته فيعطى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ).
[وقوله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته) الحديث] هذا حديث طويل، فيه أن مسافراً كان على ناقة فتعب ونزل وترك ناقته وعليها متاعه لينام، فلما استيقظ لم يجد الراحلة، فصار في كرب وهم وغم، وفجأة وجدها فأراد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ من شدة فرحه غلط.
فالله أشد فرحاً بتوبة عبده -أيما كان أبيض أو أسود في الأول أو الأخير- من فرحة هذا الرجل براحلته. ومع هذا لا يتوبون؛ لأنهم ما سمعوا بهذا ولا عرفوه.
[وقوله للجارية: (أين الله؟ فقالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة)] قال لصاحب الجارية: هذه مؤمنة، وعرف إيمانها بسؤاله لها: (أين الله؟ فقالت: في السماء) أي: في العلو، وقوله: (من أنا؟ قالت: أنت رسول الله) والشاهد في هذا: أنها قالت: في السماء.
والمتعصبون والمقلدون والعميان -رد الله بصائرهم- إذا قلت: في السماء قطعوا يدك، يقولون: شبهت الله عز وجل!! ويكذبون على شيخ الإسلام ابن تيمية وأنه على الخطبة مثل الله برجله وبيده -والله ما يكون ولن يكون أبداً-.
[وقوله: ( يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ )] واقرءوا قوله تعالى من سورة الزمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] هذا الإيمان إذا ملأ القلب أصبح العبد وكأنه ملك. وهذا دليل نقلي.
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى في هذا المسجد عن قوله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة] فما عرفت ذات الله حتى تعرف كيفه! والسؤال عنه بدعة منكرة، ليس من دين الله.
[وكان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول] تلميذ مالك [آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله] كما أراد الله [وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله] لا رأي لنا في هذا ولا قول ولا عقل.
[وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول في مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا .. وإن الله يرى يوم القيامة .. وأنه تعالى يعجب ويضحك ويغضب ويرضى ويكره ويحب .. كان يقول -في هذه الصفات كلها-: نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى.
يعني: أننا نؤمن بأن الله تعالى ينزل ويرى، وهو فوق عرشه بائن من خلقه، ولكن لا نعلم كيفية النزول ولا الرؤية، ولا الاستواء، ولا المعنى الحقيقي لذلك. بل نفوض الأمر في علم ذلك إلى الله تعالى قائله وموحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا نرد على رسول الله، ولا نصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، بلا حد ولا غاية، ونحن نعلم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير].
الكتاب، والرسول، والصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين، والأئمة الأربعة، كلهم يؤمنون بأسماء الله وصفاته، لا يؤولون ولا يشبهون أبداً، بل ينطقون بها كما هي، وهم يؤمنون بصدق أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فيقولون: لا تقل: الله فوق، انتبه! لو أشرت هلكت، ولا تقل: تحت. ولا تقل: يمين أو شمال.
إذاً: أين الله؟! حتى مسخوا القلوب، فما دام لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال، فأين هو؟
والله! إنهم ليعلمونهم هذا. وإذا قلت: الله فوق! كفروك؛ لأنك حصرت الله في منطقة معينة. كل هذا من أجل إهباط هذه الأمة بعد ما وصلت إلى السماء، وفعلوا هذا ونجحوا [أو حملها على غير ظاهرها، فهل يعقل أن يقال: إننا إذا وصفناه بها نكون قد شبهناه بخلقه؟ فيلزمنا إذاً تأويلها وحملها على غير ظاهرها، وإن أصبحنا معطلين] الله وصف نفسه وأعلمنا بتلك الصفات، وأمرنا أن نقولها، ثم يأتي من يحرفها حتى لا يشبهه بالخلق، فيقع في التعطيل [وإن أصبحنا معطلين نفاة لصفاته تعالى، ملحدين في أسمائه!! وهو يتوعد الملحدين فيها بقوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]] اتركوهم لنا [ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]] أي: الذين يلحدون في أسماء الله.
يا سميع يا بصير! اغفر لنا ولهم، وارحمنا وإياهم! اللهم ارزقنا العلم بك والمعرفة يا الله! وارزقنا الخوف منك والمحبة فيك يا رب العالمين! وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر