أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، والكتاب يحوي الشريعة الإسلامية بكاملها، أول باب فيه العقيدة، وثاني باب: الآداب، وها نحن مع آخر فصل في الآداب، وبعدها باب الأخلاق، ثم باب العبادات، ثم المعاملات، فأصبحت الشريعة خلاصة قيمة في هذا الكتاب: عقيدة، آداب، أخلاق، عبادات، معاملات.
ومما يبشر بالخير: استأذن مني رجال يريدون أن ينشروه في العالم بواسطة جهاز العصر الجديد (الكمبيوتر) فقلنا لهم: هنيئاً لكم! قالوا: ينشر في العالم بكامله. قلنا: الحمد لله! نشرتم الإسلام.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ الفصل الرابع عشر: في آداب النوم ] تنامون أم لا؟ هل تعرفون أن للنوم آداباً يجب أن نتأدب بها؟ إي نعم. فمن كان حافظاً لها ويؤديها فليحمد الله على ما آتاه، ومن كان مقصراً في بعضها فليصلح تقصيره وليحفظ ما بقي، ومن كان إلى الآن لا يعرف شيئاً فلا يجوز له، بل يسأل أهل العلم حتى يتعلم.
قال: [ المسلم ] تعرفون من هو المسلم؟ الذي أسلم قلبه ووجهه لله، فقلبه طول الحياة لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهه دائماً مقبل به على الله لا يسأل زيداً ولا عمراً، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً، دائماً مع الله، هذا المسلم، والله يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125] فالمسلم الحق [ يرى النوم من النعم التي امتن الله تعالى بها على عباده ] النوم نعمة أم لا؟ اسألوا المريض الذي لا يأتيه النوم كيف يبكي ويشتكي؟ فالنوم نعمة من نعم الله [ في قوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:73] ] أي: في الليل [ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [القصص:73] ] أي: في النهار [ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73] ] :
(ومن رحمته) بكم يا عباد الله!
(جعل لكم الليل) لتسكنوا فيه.
(والنهار) وجعل لكم النهار لتطلبوا فضل الله فيه بالعيش؛ وليعدكم للشكر بذلك وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73] اللهم اجعلنا من الشاكرين!
من هم الشاكرون؟ هل هم الذين يغنون ويرقصون، ويجلسون المجالس ساعات وهم يهرفون ويتكلمون؟! الشاكرون: الذاكرون لله، الذين لا يغفلون عن ذكره، العابدون له، المطيعون له ولرسوله؛ أولئك هم الشاكرون، يعدكم الله بهذا للشكر، إذ أعطاكم راحة بالليل تنامون بها؛ حتى تقوموا للصلاة والعبادات والأعمال [ وفي قوله تعالى: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا [النبأ:9] ] أي: راحة. النوم راحة أم لا؟ من جعله راحة للبدن؛ لينمو فيه ويزيل عنه عناءه؟
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا [النبأ:9]، من يشارك الله في هذا الجعل؟ لا أحد. إذاً: لا إله إلا الله [ إذ سكون العبد ساعات الليل بعد حركة النهار الدائمة مما يساعد على حياة الجسم وبقاء نمائه ونشاطه؛ ليؤدي وظيفته التي خلقه الله تعالى من أجلها ] ألا وهي الشكر.
نحن مسلمون،! لسنا يهوداً ولا نصارى ولا مجوساً! أليس لنا حياة خاصة بنا أم لا؟ من حياتنا الخاصة أننا إذا صلينا العشاء ننام ونستريح، وهيهات أن أستفيد فائدة مادية علمية ربانية روحانية من جلوسي أمام التلفاز بعد صلاة العشاء ساعة أو ساعتين!
أقول: ماذا تستفيد من إدخال التلفاز في بيتك؟ إذا قلت: والله نكتسب مالاً نعيش عليه فنقول: هذه ضرورة، إذاً: دع التلفاز في بيتك. إذا قلت: معارفنا وعلومنا ورقة قلوبنا وطهارة أرواحنا تنمو. نقول: إذاً: لا بأس.
لكن والله لا هذا ولا ذاك، ما هو إلا فساد القلوب، وتقسية النفوس، وإضاعة الوقت في الحرام، وقد يكتسب الإنسان أخلاقاً سيئة من مظاهر يشاهدها، وخاصة الأحداث الصغيرة، فكيف إذن يبيت التلفاز في بيتك؟! بالأمس بعد العصر إذا بي أسمع المكيف يشتغل بعد العصر، فقلت: ما هذا في الشتاء؟! دخلنا وقرعنا الباب، فوجدنا شابين في الغرفة والتلفاز بين أيديهما، فقلت: أخرجوه! فأخرجناه وربطناه في المكتبة، وبعد ذلك ننظر هل يحرق أو يكسر؟ فإذا به يقول: لا. أولادي! امرأتي! لا نستطيع! هل أنت رجل أم ماذا؟ هل أنت فحل أم ماذا؟ كيف تخضع لامرأتك في أمر التلفاز ولأولادك ليفسدوا ويهلكوا وأنت السبب في ذلك؟! أين كرامتك؟! وأين مروءتك؟! فأقول: والله الذي لا إله غيره لن يستفيدوا من هذه الشاشات ولا مما يشاهدونه علماً ولا هدى ولا خيراً ولا مالاً أبداً، فقط ضياع للوقت، وأكثرهم لا يصلي الصبح في جماعة!
فلم نترك آداب الإسلام ونحن مسلمون؟ اسم فقط مسلمون؟! ما أسلمنا شيئاً إذن، وما أعطينا لله قلوبنا ولا أبداننا ولا أموالنا!
قال: [ لما روى أبو برزة ] والحديث متفق عليه في البخاري ومسلم [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها)] كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسوتنا وقدوتنا وإمامنا، ونحن وراءه نحب ما يحب ونكره ما يكره، ونفعل ما يفعل ونترك ما يترك (كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها) وقل من ينام قبل صلاة العشاء، ولكن الكسالى ينامون، وأما في أمر الحديث فلن تجد (1%) لا يتحدث بعد صلاة العشاء! لأنك إذا تناولت طعامك أو نمت بعد العشاء هناك من يلومك ويعتب عليك، يقول: متخلف، متأخر! لكن طاعة لأبي القاسم صلى الله عليه وسلم إن شاء الله نأخذ بهذا المبدأ.
[ وقال: ( إنها ضجعة لا يحبها الله عز وجل ) ] وما لا يحبه مولاك وسيدك كيف تحبه أنت؟! أتتحداه والعياذ بالله؟! تريد الحرب عليه؟! يا ويلك!
فكل ما يكرهه الله يجب أن نكرهه، وكل ما يحبه الله يجب أن نحبه، وإلا أعلنا الحرب عليناسيدنا ومولانا؛ ولنتحمل حينئذ البلاء والشقاء.
إذاً: من الليلة لا يجد الشيطان أحداً منا نائماً على بطنه أبداً؛ حتى يبيت الشيطان في كرب!
قال: [ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام لـعلي رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنهما، وقد طلبا منه خادماً يساعدهما في البيت ] ماذا قال لهما؟ [ (ألا أدلكم على خير مما سألتما؟ ) ] ألا أدلكم على خير مما طلبتما؟ [ (إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكم من خادم ) ].
وإن شئت قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ختام المائة، وإن شئت قلت: الله أكبر ختام المائة. ورد هذا وهذا، هذا الورد الذي لا نفارقه طول الحياة، سواء كنت جنباً أو كنت طاهراً لا بد منه، إذا أويت إلى فراشك سبح الله ثلاثاً وثلاثين، واحمده ثلاثاً وثلاثين، وكبره ثلاثاً وثلاثين، واختم المائة بـ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وإن شئت قلت: الله أكبر، تمام مائة.
لكن أصحاب الشاشات والتلفاز لا أظنهم يأتون بهذه الأذكار؛ لأن النوم يخامرهم فينصرعون؛ لأنهم ليسوا مشغولين بالذكر، لكن نعوذ بالله أن يكون بيننا من في بيته تلفاز، ويرضى به ويضحك له.
وهذه الأذكار الواردة: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كالذي نقوله دبر كل فريضة من الصبح إلى العشاء.
[ ثانياً: أن يقرأ الفاتحة ] أي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] [ وأول سورة البقرة إلى الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5]، وآية الكرسي، وخاتمة سورة البقرة: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ ... [البقرة:284] إلى آخر السورة؛ لما ورد من الترغيب في ذلك ] ومع الأسف أنا نسيت أن أقرأ أول البقرة، أما الفاتحة وآية الكرسي وآخر البقرة فأنا أقرؤها دائماً، لكن هذه الليلة فيها زيادة؛ ففرحنا بها من الليلة: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:1-5]، هذه بعد الفاتحة، ثم آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] إلى آخرها إلى قوله: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، ثم آخر البقرة إن شئت: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285]أو لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284] هذه الخاتمة، وتحفظ أول البقرة كما تحفظ آية الكرسي، وكما تحفظ خاتمة البقرة.
[ ثالثاً: أن يجعل آخر ما يقوله هذا الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم: باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه، اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك، اللهم إني أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، أستغفرك وأتوب إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، رب قني عذابك يوم تبعث عبادك.
رابعاً: أن يقول إذا استيقظ أثناء نومه ] إذا نام ساعة أو ساعتين واستيقظ وعاد للنوم -يحصل هذا في الغالب- يقول: [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وليدع بعد ذلك بما شاء فإنه يستجاب له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من تعار من الليل فقال حين يستيقظ ... إلخ، ثم دعا استجيب له، فإن قام فتوضأ وصلى قبلت صلاته ) ] هذه جائزة قل من يظفر بها من الذين يستيقظون أثناء النوم!
من دعا بعد هذا الذكر لا يرد دعاؤه، فالذين لهم حاجات عند الله الليلة يطلبونه، لكن النائم منا يستيقظ بدون إرادة، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يدعو ربه بما شاء فيستجيب له!
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر