أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد درسنا منه: عقيدة الإيمان بوجود الرب تبارك وتعالى. أي: الإيمان بالله عز وجل.
وأعيد إلى أذهانكم وتأملوا: العقيدة الإسلامية المركبة والمبنية على ستة أركان، والتي هي: الإيمان بالله وبملائكته وبكتبه وبرسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. هذه العقيدة لو أردنا أن نرسم لها صورة أو نضرب لها مثلاً أو نضع لها حقيقة كاملة، نقول: إنها بمثابة الروح، وصاحب هذه العقيدة الصحيحة السليمة حي بروحه هذه، وفاقدها ميت، وإن شئتم برهنت لكم بما تعلمون، فالمؤمن الصادق الإيمان حي، ودليل حياته: أنه يسمع النداء فيجيب، يؤمر فيفعل، ينهى فينتهي.
وفاقد هذه العقيدة إذا سمع النداء أجاب؟ إذا أمر فعل؟ إذا نهى ترك؟ الجواب: لا لا، ميت.
وأقوى برهاناً هو: أن أهل الذمة في ديار المسلمين -وهم الكفار من اليهود والنصارى والمجوس- لا يؤمرون بصلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج ولا رباط ولا جهاد أبداً.
لماذا لا يأمرهم إمام المسلمين بذلك؟! الناس المسلمون صائمون وهم مفطرون! المسلمون في بيوت الرب راكعون ساجدون وهم في بيوتهم يغنون! لماذا لا يأمرهم؟ الجواب: لأنهم أموات، فهل الميت يؤمر وينهى؟ الجواب: لا. فيوم ما تنفخ فيه روح الإيمان ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسوله حيي، قل له يومها: توضأ يتوضأ، غداً رمضان صم يصوم؛ وذلك لأنه حيي بعد موته، وشاهده من القرآن: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80].
وصاحب هذه الروح إذا داخل عقيدته ضعف.. قلة وعي وبصيرة؛ مرض، تتجلى عقيدته في مرضه، يصبح يجيب النداء يوماً ويعجز عنه آخر، يمتثل أوامر ويعجز عن أخرى، ينتهي عن مناهٍ ويفعل الأخرى، وهو مؤمن، ولكنه ضعيف الإيمان، أي: مريض؛ فلهذا يجب على المؤمنين والمؤمنات أن يصححوا عقائدهم؛ لتصبح حقاً طاقة نورانية وحياة تدفع صاحبها إلى طلب السعادة والكمال.
والذي لا يعلم هل يستطيع أن يصل إلى غايته بجهله؟! اركب سيارتك وامش طالباً دار فلان أو القرية الفلانية؛ إن لم تعرف الطريق والله ما تصل.
لعلكم تحركتم! أحلف لكم بالله على أن الضعف الذي أصاب المسلمين والانهيار والسقوط والذل والمسكنة والفقر والنزول تحت الأرض علته ترك العلم، ما عرفوا الله حتى يتحدوا تحت راية لا إله إلا الله. أمر واضح.
يا شيخ! كيف نصنع؟ ماذا نعمل؟
قلنا: أهل القرية -تعرفون القرى؟- باللغة العصرية الأوروبية: البلاد الصغيرة، وإلا القرى في الإسلام أم القرى مكة، العواصم والحواضر، أهل القرية.. المدينة الصغيرة إذا كانوا فلاحين أو كانوا صناعاً أو كانوا تجاراً يلتزمون بهذا المبدأ، إذا دقت الساعة السادسة مساء أوقفوا العمل، أغلق الباب، ارم بالمسحاة أو المنجل من يدك يا فلاح! أغلق باب متجرك يا تاجر، ويتوضئون ويأتون بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، وإن ضاق البيت وسعوه، وليس شرطاً بالحديد ولو بالخشب والحطب، وسعوا بيت الله ليتسع لأفراد أسرتكم في هذه القرية، فيجتمعون نساءً ورجالاً وأطفالاً، ما يبقى في القرية أحد، كلهم في بيت ربي جل جلاله وعظم سلطانه، يصلون المغرب كما صليناها، ثم النساء وراء الستارة تفصلهن عن الفحول، والأطفال يصففونهم صفوفاً كالملائكة، والفحول أمامهم، ويجلس لهم عالم بالكتاب والسنة، قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم.
في الليلة آية من كتاب الله، في القرآن ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، كل ليلة آية يتغنى بها المدرس بنغم وهم يرددونها رجالاً ونساء وأطفالاً في نفوسهم وبألسنتهم، في ربع ساعة يحفظونها كلها، فإذا حفظوها أخذ في شرحها وتفسيرها وبيان مراد الله منها، ما تدل هذه الآية على شيء هو كذا وكذا، فإن دلت على أمر يجب أن يعلموه ويعزموا على القيام به، وإن دلت على نهي يعرفونه ويجب أن يعزموا على ترك هذا المنهي والبعد عنه، وإن دلت على أدب يجب أن يعرفوه ويتأدبوا به من الآن، وإن دلت على خلق فاضل كذلك، ويعودون إلى بيوتهم شباعاً قانعين بذلك النور الذي دخل قلوبهم، وتلك المعرفة التي استنارت بها بصائرهم، ثم يدخلون بيوتهم الطاهرة.. بيوت الإيمان، فوالله لا شاشة لتلفاز ولا فيديو، ولا راقصة ترقص ولا مغنية تغني، ولا ولا.. بيوت المؤمنين، يتناولون طعامهم ثم يقف أمير البيت على أطفاله حتى يناموا، وينامون أطهاراً أتقياء، ما تلوح أنوار الفجر إلا وقد قاموا، يكفيهم هذا الليل الطويل، يصلون الصبح، الرجل يأخذ أولاده، والنساء يبقين في البيت، يصلون الصبح ويعودون، وإلى العمل: الفلاح في مزرعته، والتاجر في متجره، والصانع في مصنعه، ليس هناك الساعة السابعة ولا ثامنة ولا تاسعة، نهايتها صلاة الصبح والانطلاق للعمل، ويبقى ذلك النور معهم طول النهار، الآية يرددونها.
فإذا جاء المساء أيضاً، تطهروا قبل غروب الشمس بدقائق، وهرعوا إلى بيت الرب في قريتهم، وفعلوا كما فعلوا بالأمس، ثم المعلم يتغنى أمامهم بحديث واحد: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله )، ويتغنون به رجالاً ونساء وأطفالاً، ربع ساعة يحفظونه حفظاً وإن كانوا أميين لا يقرءون ولا يكتبون، ثم بعد الربع الساعة يشرح لهم ويبين، ويضع أيديهم على المطلوب، هذا نبي الله، هذا حديث رسول الله، علمتم فاعملوا، ويعودون إلى بيوتهم فرحين مسرورين وإن كانوا جياعاً، وإن كانوا عراة والبرد شديداً! يجلسون في بيوتهم يتناولون طعامهم إن كان، وينامون على ذكر الله، وغداً وبعد غدٍ وأربعين يوماً وسنة، كيف تصبح تلك القرية؟! يا علماء النفس! دلونا.
الجواب: يصبحون كأنهم أسرة واحدة، يختفي من تلك القرية كل مظهر من مظاهر الباطل والشر، فلا كذب ولا غش ولا خداع، ولا زنا ولا باطل ولا اعتداء، ولا ولا، عرفوا!!
وشيء آخر: لم يبت بينهم جائع، ولم يمش في الشارع عار وقد عرفوا أخوة الإسلام ودعوة الله!
وأزيدكم اقتصاداً ومالاً: والله لينمو مالهم ويتوفر لهم، ويصبحون ماذا يصنعون به؟ رغبتهم في الدنيا قلت، رغبتهم في الآخرة نمت وزادت، إذاً: فلا شح ولا بخل، ولا إسراف ولا تقتير، والله ليفيض مالهم عليهم؛ لأنها السنة الإلهية، وسنن الله لا تتبدل، الطعام يشبع دائماً وأبداً، الماء يروي دائماً وأبداً، الحديد يقطع دائماً، النار تحرق دائماً.
إذاً: العمل بهدي الله ورسوله صاحبه لن يضل.. لن يقبح.. لن يفسد.. لن يتشرر أبداً.
وأزيدكم برهاناً عادياً: اعلموا أنه لا يوجد بلد ولا قرية إلا وأعلمهم بالله أصلحهم بين الناس وأتقاهم لله.
أزيد أحلف أم لا؟ والله لا توجد مدينة ولا قرية إلا وأعلم أهلها بالله ومحابه ومساخطه هو أتقاهم لله وأكثرهم خيراً وصلاحاً وهدى.
تشكون في هذا؟ لا. إذاً: من أين أتانا هذا الباطل والشر؟
الجواب: من الجهل وظلماته، ما أقبلنا على الله في صدق نطلب الهداية منه والنور الإلهي.
متى ينهض العلماء والحكام بهذا الواجب؟!
وقد يقول قائل: لا نستطيع يا شيخ. فأقول: ما نستطيع أن نستريح ساعة ونصف من المغرب إلى العشاء؟ أموات نحن أم حيوانات؟ لِم لا نستطيع؟ ماذا يكلفنا؟
ودائماً نقول: ألسنا قد اقتدينا وائتسينا بالغرب وتمثلنا حياته حتى بالبرانيط على رءوس أطفالنا، فالغرب -وزوروا ديارهم- إذا دقت الساعة السادسة مساء وقف العمل نهائياً. أين يذهبون؟ إلى المقاصف.. إلى المراقص.. السينما.. الملاهي.. الملاعب، وأنتم الربانيون أولياء الله تعجزون على أن تأتون بيت الله بعد نهاية العمل؟! أين يذهب بعقولنا لو كان لنا عقول سليمة صحيحة؟!
من غير الممكن أن أهل القرية أو الحي يجتمعون كل ليلة طول العام هذه الساعة التي يلعب فيها اللاعبون ويفسق فيها الفاسقون يجتمعون على كتاب الله وسنة الرسول، وتمضي الأعوام وليسوا بعلماء، والله ما كان!
وإذا أصبحوا علماء صالحين يتركهم الله؟ يضيعهم الله؟ لا والله. بل يفتح لهم أبواب الهداية والسعادة والكمال، تحققت ولاية الله، عرفوا الله وأحبوه وأحبوا ما يحب وكرهوا ما يكره.
هذا هو الكلام، وهذا هو الطريق، ووالله لا طريق لنجاة أمة الإسلام مما وقعت فيه إلا هذا، إلا أن تعلم علم اليقين وتعمل بعلمها.
ومن هنا عرفنا أن وجود الله مجمع عليه، منذ آدم، والبشرية كلها مجوس يهود نصارى مشركون وثنيون في القرون كلها مؤمنون بوجود الخالق الله جل جلاله وعظم سلطانه!
تراه عاكفاً على صنم ويؤمن بالله، ويقول: أنا أتوسل إلى الله بهذا الصنم!
ولم تعرف البشرية من أنكر وجود الله أو قال به إلا منذ مائة وسبعين سنة، حيث وضع اليهود هذه الخطة المدمرة للبشرية وهي قاعدة: (لا إله والحياة مادة) من صنع بني عمنا اليهود عليهم لعائن الله، لا إله والحياة مادة، فلما انكشفت سوأتهم ظهروا في مظهر آخر: (العلم هو الذي يسعدك ويرفعك).
هل تشكون فيما تسمعون؟ أبرهن لكم أم لا؟
عندنا الشيخ عبد السلام من فرنسا هداه الله وأسلم.. طالب في الجامعة: كان المسيحي يعجز عن رؤية اليهودي، فكيف يحبه وهو لا يريد أن ينظر إليه أبداً.. في الشرق والغرب؟ لم؟ لأنه يقول: هذا قتل ربي. هذا الذي صلب عيسى. فكان النصارى أشد بغضاً لليهود من غيرهم.
وكيف يستطيع اليهود أن ينشئوا دولة بني إسرائيل والعالم المسيحي -وخاصة الغرب لما ساد وحكم وداس المسلمين بقدميه؟ كيف يصنعون؟ فابتدعوا بدعة: (لا إله والحياة مادة)، فاستطاعوا أن يمسخوا المسيحية، ولم يبق إلا رجال الكنيسة ومن يأكلون على حسابها، ولا يُشكل مليون واحد يعبد عيسى ولا يحبهم! من صرفهم؟ صرفهم عن هذا من وضع (لا إله والحياة مادة)، اليهود.
ومن أعلنها وقام بها؟ الروس أم لا؟ الصقالبة الروم البيض في شمال أوروبا، نشروها أم لا؟ وانتقلت حتى إلى العالم الإسلامي.
والشاهد عندنا في تقرير الإيمان بالله أننا لسنا بحاجة إلى البراهين والأدلة أبداً، بالفطرة أنت تعلم أنك مخلوق وأن لك خالق، اسأل عنه تعرفه، ما تستطيع تقول: أنا غير مخلوق، ممكن يقول هذا قائل: أنا غير موجود؟ والله لا يوجد عاقل تحت الشمس يقول هذا الكلام: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [المؤمنون:86-87]، هؤلاء طغاة الشرك وكفارهم يؤمنون بالله!
هل علمتم الليلة هذه المسألة بالذات: أن مذهب الإلحاد: (لا إله والحياة مادة) وضعه بنو عمنا اليهود؟ لماذا وضعوه؟
ليصرفوا القلوب الكارهة لهم، المبغضة لهم عنهم، وبذلك سادوا أوروبا، وهم يتحكمون فيها، ويديرون أموالها ويديرون أفكارها، حتى روسيا الآن سادوا فيها وظهروا؛ لأنهم يعملون بجد على إعادة مجدهم ودولتهم ومملكة بني إسرائيل.
وبرهنة أخرى: أين العالم الإسلامي.. ألف مليون أين هم؟ أرض القدس احتلها اليهود، جيوش اليهود كم؟ أفراد اليهود كم؟ ولا (1%) من العالم الإسلامي وأذلنا الله وأخزانا ونصبوا دولتهم وتحكموا فينا! آية من آيات الله!
لما أعرضنا عن الله إذاً أدبنا الله عز وجل، ذوقوها.. حفنة من اليهود الأذلاء الصاغرين في الأرض تذلكم.
ربما يقول البعض: لعل الشيخ واهم، أو لا علاقة له بالسياسة هذه؟ انزعوا هذا من أذهانكم، أهل القرآن أعلم الناس في الأرض، العلم الحقيقي.
إذاً: أعود فأقول: عرفنا أن الله موجود، وذلك بالأدلة النقلية والأدلة العقلية، وكل الأشياء تثبت بالدليل العقلي والنقلي، وأوردنا ما شاء الله أن نورد من الأحاديث والأخبار، وعلى سبيل المثال: فهذه العناوين ستذكركم بما درستم سابقاً:
هل هناك من ادعى في الخلق خلق شيء؟
الجواب: لا. ولا قملة إذا تعرفون القمل، فكيف بالشمس والقمر والكواكب والنجوم والأشجار والجبال والبشر والحيوانات؟! فهذا أكبر دليل على وجود خالقها، وأنه ذو كمال في كل شيء.
وكلامه سبحانه بين أيدينا القرآن الكريم، آلاف الكلمات.. آلاف الآيات، وكلها علم فوق مستوى البشر، وعلوم ومعارف لم تدركها العقول إلا به، هذا كلام الله وتشك في وجوده؟! إذاً: ما لك عقل أبداً.
وفي النملة.. وفي النحلة.. وفي البقرة والناقة وفي كل هذه الكائنات هل اختلفت السنن؟ هل اختلف النظام؟ هل امرأة ولدت قطة؟ هل وجد هذا؟ كان المفروض أن يقع هذا، ولكن آلاف السنين ولم يقع.
لو جاء أحدهم وقال: عندنا عنزة يا شيخ ولدت طفلاً، فهل تقبلون هذا؟
كيف العنزة تلد جدياً طوال آلاف السنين، ما تغلط ويأتي بدل الجدي حمار أو إنسان؟ من يدبر هذا التدبير؟
إنه الله! وهذه وحدها كافية .
قال: [ وهذه السنن العامة في الإنسان والحيوان هي نفسها في الأشجار والنباتات ]
فهل رأيتم نخلة أثمرت العنب؟ أو تفاحة أثمرت الرمان؟ لم ما يقع هذا؟ ما تغلط أبداً؛ لأنها سنن، نظام وضعه العليم الحكيم، ومن أجل ماذا؟ من أجل صالحنا.
ونعود إلى الحقيقة -والزوار كثيرون- هل تعرفون سر هذه الحياة ما هو؟ اسألوا علماء ألمانيا أو اليابان -فيهم علماء- اسألوهم عن علة هذا الوجود، لماذا وجد؟
علماء الكفر يقولون: هاه لا ندري، أما علماء القرآن فيقولون: العلة أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر؛ فأوجد هذه الخليقة من أجل أن يسمع ذكره ويرى شكره.
فقط، ما هو في حاجة إليك ولا إلى أمك ولا أبيك ولا جبالكم ولا مياهكم ولا حكومتكم أبداً، فقط أراد أن يذكر ويشكر، فخلق العالم هذا وأعده كنزل وفندق عظيم، وجاء بآدم وامرأته حواء، وبارك في نسلهما فأصبحت البشرية في كل مكان بالملايين.
من أجل ماذا فعل هذا؟ ليحفظوا صحته؟ أعوذ بالله. ليشدوا السماء كيلا تسقط عنه؟ أعوذ بالله.
لماذا؟ ما السر؟ من أجل أن يذكر ويشكر، والذكر والشكر يتمثل في هذه العبادات، كل عبادة هي ذكر لله وشكر له، والله لولا أنك ذكرت الله ما توضأت، ووالله لولا أنك تريد شكر الله ما صليت.
إذاً: فالذكر والشكر علة هذه الحياة، فالذين يذكرون ويشكرون يرفعهم إليه وينزلهم منازل الأبرار والسعداء، والذين كفروا ولم يشكروه.. نسوا ولم يذكروه؛ ينزلهم في الدركات السفلى في العوالم حيث الشقاء الأبدي.
ومن قال: يا شيخ! هل هناك دليل على ما تقول؟
فالجواب: نعم، في الحديث عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ( يقول الله: يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي ).
وإن قلت: الحديث قد يضعف أو يصح، فاسمع قول الله تعالى من سورة الذاريات: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فقط لا علة أخرى.
إذاً: بلغوا البشرية أن لهذه الحياة علة وسر لا بد من معرفته إن كنا عقلاء.
لما توضع المائدة بين يديك ؟ للتغذي؛ لتحفظ حياتك.
لماذا وجدت الشمس؟ للحرارة والإضاءة.
لماذا وجدنا نحن؟ من أجل أن نذكر الله ونشكره: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، فهل عرفتم علة الوجود ما هي؟
لو سألك يهودي فما تقول؟ هل ستقول: لا أدري؟ ألست مسلماً؟! كيف ما تدري؟! أين العلم؟! هل هناك أعلم من المسلمين؟! ما علة وجودنا؟ لماذا وجدت هذه الحياة؟
الجواب: من أجل أن نذكر الله ونشكره، فيجب أن لا ننسى الله أبداً، ويجب أن لا نكفره أبداً، ونذكره ونشكره بهذه العبادات من الصلاة إلى الزكاة.
ولهذا تاركو الصلاة كفار أو مؤمنون؟ لو آمنوا لشكروا!
مانعو الزكاة مؤمنون؟! أين ذكر الله وأين شكره؟
وهكذا من آمن حق الإيمان بالله يطلب كيف يعبد الله ويتقرب إليه، دلوني على شيء يحبه ربي لأفعله له، نبهوني عن شيء يكرهه ربي والله لأكرهه بكراهيته!
والحياة الآخرة تؤمنون بها أو لا؟ أو ما عندكم فيها شيء؟ هناك حياة أخرى أم لا؟
نعم. لقد أخبر تعالى بنفسه عنها في كلامه في مئات الآيات من كتابه الدار الآخرة، فهل من المعقول أن سلطاناً أو ملكاً أو جباراً يخلق هذا الخلق ويدبره وبعد ذلك يعدمه وانتهى. ممكن؟ هل يقبل العقل هذا؟
ثم عندنا أخباره تعالى وأخبار رسله وأنبيائه تخبر بأن هناك داراً أخرى تسمى الدار الآخرة، وهذه تسمى الدار الأولى، وأن هذه موقوتة بوعد محدود وساعات والله ولحظات ودقائق معدودة وتنتهي، وإن أردت فقل: كيف قبل مائة سنة من اليوم أين هذه البشرية أين كانت؟ لا وجود لها. أين كانت البشرية الأولى؟ من ذهب بها؟ هذا تدبير العزيز العليم.
ثم كما قلت لكم: جاءنا كتاب ربي يصف لنا دار السلام دار الأبرار الجنة وصفاً عجباً، ما ترك أنهارها ولا قصورها ولا سعتها ولا أنوارها ولا نعيمها أبداً، كأن الذي يقرأ القرآن داخل في الجنة، وفوق ذلك الارتياد العجيب العظيم الذي ارتاده الرسول صلى الله عليه وسلم إذ رفعه الله إليه نقله من مكة إلى بيت المقدس، وجمع له الأنبياء فصلى بهم إماماً، ثم عرج به إلى السماء، السبع السماوات سماء بعد سماء إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ومشى مشى بقدميه الطاهرتين في تلك الأرض وشاهد قصورها وأنهارها، وارتفع إلى مستوى وقف دونه جبريل، فقيل: تقدم يا جبريل. قال: ما منا إلا له مقام معلوم، وناداه ربه وكلمه وفرض عليه الصلوات الخمس وهو يسمع كلامه. أبعد هذا تبقى هواجس أو خواطر السوء في نفوس المؤمنين والمؤمنات؟!
ما هو سر الحياة الثانية؟ يا من علمتم سر الحياة الأولى! اعلموا أن سر الحياة الثانية هو الجزاء على العمل في هذه الدنيا، لا شيء سوى هذا، سر هذه الحياة الذكر والشكر، والأخرى الجزاء فقط، يعيدنا الله عز وجل كما بدأنا من أجل أن يجزينا بأعمالنا، الخير بالخير والشر بمثله، فالدار الآخرة علتها الجزاء. ألسنا عاملين؟ ألسنا نكدح الليل والنهار؟ متى نتلقى الجزاء على عملنا؟ بعد نهاية هذه الدورة، بعد نهاية العمل، فالذين يعملون موايمة أو مشاهرة يعطون الجزاء في كل يوم أم في نهاية العمل؟ في نهاية العمل، فكذلك الإنس والجن يعملون اليوم ولا يطالبون بالجزاء، الجزاء بعد نهاية هذه الحياة، واقرءوا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، من أخبر بهذا؟ الله.
ما معنى: رب كل شيء؟ أي: مالكه وخالقه ومدبره وإلهه الحق.
ما الأدلة على أنه رب كل شيء؟ أول شيء لما تقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، هذا إخبار أم لا؟ ما معنى رب العالمين؟ أي: خالقهم ورازقهم ومدبر حياتهم ومالكهم وإلههم الحق الذي لا إله لهم غيره.
قال: [ يؤمن المسلم بربوبيته تعالى لكل شيء، وأنه لا شريك له في ربوبيته لجميع العالمين ] فوالله ما يشارك الله في خلق ورقة في شجرة، أو خلق أذن في إنسان، أو عين في ذي عينين.. أو أو، لا شريك لله في ربوبيته ولا في حجرة أتى بها من غير هذا العالم.
الله رب كل شيء، فعلى كل عاقل أن يؤمن بأن الله رب كل شيء، لا يوجد رب غيره، بمعنى: يملك.. يأخذ ويعطي.. يعز ويذل.. يحيي ويميت، ليس هذا إلا الله وحده.
قال: [وذلك لهداية الله تعالى له أولاً، ثم للأدلة النقلية والعقلية ].
أولاً: هداية الله، لولا أنه هدانا ما آمنا ولا عرفنا، فهدانا لمعرفة ربوبيته أولاً.
وثانياً: الأدلة العقلية والنقلية أمامنا تقرر ذلك وتثبته.
من الخالق ومن المدبر ومن الرازق سوى الله: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرعد:16] أجب: قُلِ اللَّهُ [الرعد:16] [ وقال في بيان ربوبيته وألوهيته: رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ [الدخان:7-8]. وقال في التذكير بالميثاق الذي أخذه على البشر وهم في أصلاب آبائهم بأن يؤمنوا بربوبيته لهم ويعبدوه ولا يشركوا به غيره وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172] ] مسح الله ظهر آدم فاستخرج ذريته إلى يوم القيامة.
وقد قال علماء الطبيعة -كما تعلمون- أن فنجاناً واحداً يتسع للحيوان المنوية للبشرية كلها، أرواح الخلق كلهم ما تملأ كأساً واحداً، قال تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:171-172]، فاستنطق الله الأرواح كلها ونطقت. كيف تنطق؟ أين لسانها؟ يقول لك الوسواس هكذا، هذه عمتنا النملة أو خالتنا، النملة ضعها بين يديك أين عينيها؟ أين لسانها؟ أين اللحمة المستطيلة؟ أين أخزاقها؟ أين كذا، تنطق أم لا؟ عندنا تسجيل لها: قَالَتْ نَمْلَةٌ [النمل:18] ماذا قالت؟ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا [النمل:18-19]، النملة! ثم أنت وأنت الجبل ينطق ... مليون مرة، ما قيمتك مع الجبل أنت أو النخلة أو الشجرة والله يُنطق كل شيء؟ استنطقنا بعدما مسح ظهر أبينا واستشهدنا فشهدنا وقلنا: أنت ربنا ورب العالمين.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر