أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسية من يوم الأربعاء ليلة الخميس ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي -أي: الجامع- للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً. فو الله لم يخرج عن جماعة المسلمين لا في حكم ولا في عبادة ولا في أدب ولا في خلق، بل هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد انتهى بنا الدرس إلى [ المادة الثالثة: في الجناية على الأطراف] وتقدم في الدرس الماضي الجناية على النفس وأنواعها: وهي العمد، وشبه العمد، والخطأ، وذكرنا شروط وجوب القصاص ثم أحكام الجناية، وشروط وجوب القصاص هي أربعة:
الأول: أن يكون المقتول معصوم الدم.
الثاني: أن يكون القاتل مكلفاً.
الثالث: أن يكافئ المقتول القاتل في الدين، يماثله في الدين والحرية والرق.
الرابع: أن لا يكون القاتل والداً للمقتول، أي: أباً أو أماً.
وأما شروط استيفاء القصاص، فهي:
الأول: أن يكون صاحب الحق مكلفاً.
الثاني: أن يتفقوا أولياء الدم على القصاص.
الثالث: أن يؤمن في حال استيفاء التعدي.
الرابع: أن يكون القصاص بآلة حادة.
ثم درسنا التخيير بين القود والدية والعفو. وها نحن اليوم مع الجناية على الأطراف.
قال: [المادة الثالثة: في الجناية على الأطراف] كاليد والرجل والعين والأذن.
إذاً: حكم هذه الجناية: إذا كان الجاني عامداً متعمداً وليس والداً للمجني عليه لا أباه ولا أمه، وكان المجني عليه مكافئاً للجاني في الإسلام والحرية -أما إذا كان أحدهما مسلماً والثاني كافراً، أو أحدهما حراً والثاني عبداً فلا- فإنه يقاد منه للمجني عليه بأن يقطع منه ما قطع، ويجرح بمثل ما جرح؛ لقول الله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] إلا أن يقبل المجني عليه الدية فلا بأس، أو يقبل العفو ويعفو فلا حرج.
[ثالثاً: شروط القصاص في الأطراف: يشترط لاستيفاء القصاص في الأطراف ما يلي: ]
إذاً من شروط القصاص: أن يكون العضو المراد قطعه مماثلاً في الاسم والموضع للعضو المتلف، فلا تقطع يد يمنى في يد يسرى ولا تقطع اليد بالرجل أو الرجل باليد، ولا أصبع أصلي بأصبع زائد مثلاً.
لابد من استواء العضوين -المتلف والمراد أخذه- في الصحة. أي: لابد أن يكونا مستويين في الصحة والكمال، فلا تأخذ اليد التي بها شلل في اليد الصحيحة، ولا العين العوراء بالعين السليمة، ولكن الدية فقط.
إذاً: إن كان الجرح في الرأس أو الوجه -وهو يسمى بالشجة- فلا قصاص فيه اللهم إلا إذا كان لا ينتهي الجرح ذاك إلى العظم، وكل جرح لا يمكن فيه الاستيفاء لخطورته فلا يقتص فيه أبداً، فلا قصاص في كسر عظم ولا في جائفة، وإنما يُكتفى بالدية.
إذاً: الجناية التي تسري في الأعضاء مضمونة، فلو جنى أحد على آخر بقطع أصبعه ثم لم يندمل الجرح حتى شلت اليد بكاملها أو مات، فإن القصاص يكون أو الدية بحسب ذلك.
وأما سراية القود فهدر، فلو قطع أحد يد أحد فاقتص منه بقطع يده ثم لم يلبث أن مات متأثراً بالجرح فلا شيء له، إلا إذا كان هناك حيف حال القصاص بأن كان القطع بآلة كالّة أو مسمومة مثلاً فتضمن السراية حينئذ].
إذاً: سراية القود -وهو القصاص- هدر، فلو قطع أحد يد أحد فاقتص منه بقطع يده ثم لم يلبث أن مات متأثراً بالجرح فلا شيء له، إلا إذا كان هناك حيف وجور حال القصاص بأن كان القطع بآلة كالّة أو مسمومة مثلاً فتضمن السراية حينئذ.
إذاً: لا يقتص في جرح أو عضو قبل برئه.
لماذا؟ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن القود في الجرح قبل البرء؛ نهى أن نقتص في الجرح قبل أن يبرأ المجروح، فإذا برأ نعم؛ لأنه لا يؤمن أن يسري الجرح إلى باقي الجسد فيتلفه، فلذا لو خالف أحد واقتص قبل البرء ثم سرى جرحه فأتلف له عضواً آخر، فلا حق له في المطالبة في السراية لمخالفته النهي عن القود قبل البرء.
معاشر المستمعين والمستمعات! هذا هو شرع الله، هذا هو دين الله، هذه هي أحكام الله، أعرض عنها المسلمون في الشرق والغرب باستثناء هذه المملكة منذ عبد العزيز إلى اليوم، والعالم الإسلامي أكثر من ثلاثين دولة لا يقيمون هذه الحدود أبداً، ولا يلتفتون إليها ولا يبحثون عنها. لماذا؟ هذا هو الإعراض عن ذكر الله وكتابه، والله نسأل أن يتوب عليهم وأن يرجعوا إلى الحق، والله إقامة حد في الأرض خير من أن تمطر السماء بأمطار كذا، فهناك فضل كبير في إقامة حدود الله بين عباده المؤمنين. اللهم تب عليهم واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
الجواب: تذكرون ما بينته مئات المرات وقلت: إذا حضر الموت وأنت معه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومات عليها فنعم؛ يُحج عنه ويُعتمر وهو إن شاء الله من أهل الجنة وإن عذب في النار؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من مات وآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )، ولهذا المطلوب من إخواننا إذا مرض أحدهم أن يلزموه وأن لا يتركوا هذا التلقين: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )، فتقول عنده: لا إله إلا الله، ولا تقل له: قل! لئلا يغضب ويقول: لا أقول. فيهلك، ولكن قل إلى جنبه: لا إله إلا الله. مرة أو مرتين أو ثلاثاً، فإذا قالها اسكت، وإذا تكلم بعد ذلك أو شرب فأعدها عليه حتى يكون آخر كلامه لا إله إلا الله.
أما إذا مات تارك الصلاة على غير لا إله إلا الله فلا ينفع عنه حج ولا عمرة، ولا تحج عنه ولا تعتمر.
الجواب: لا تعطه الزكاة، ولكن ما المانع أن يصلي؟ فلو قلت له: صلِّ وأعطيك الزكاة، سيقوم ويصلي، فلماذا تتركه؟! هل الصلاة فيها تعب؟! هل فيها مشقة؟! هل فيها ذهاب مال أو ذهاب عقل؟! ما هي إلا غفلة شيطانية فحسب، كيف لأخيك أن يبقى يومين أو ثلاثة لا يصلي أو عاماً أو عامين، أين أنتما؟! لابد وأن يصلي، فإن قال: لن أصلي! فلا يعطى زكاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر