أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم؛ وهو كتاب شامل جامع للشريعة الإسلامية عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً.
وقد انتهى بنا الدرس إلى [المادة الخامسة: في الجعالة] والجُعالة والجَعالة والجِعالة بمعنى واحد، وهي من الأحكام الشرعية.
[وشرعاً: أن يجعل جائز التصرف قدراً معلوماً من المال لمن يقوم له بعمل خاص معلوماً أو مجهولاً]
إذاً: الجعالة في الشرع، في الإسلام، في دين الله، في القوانين الإلهية.. أن يجعل إنسان جائز التصرف -أي ليس المجنون ولا الأحمق ولا الطفل الصغير- قدراً معلوماً من المال كألف أو ألفين أو خمسة أو عشرة لمن يقوم له بعمل خاص من الأعمال. هذه هي الجعالة في الشرع.
[كأن يقول: من بنى لي هذا الحائط فله كذا من المال مثلاً] أو من حفر لي بئراً وأخرج الماء فله مبلغ كذا وكذا، ويسميه ويبين نوعه وعدده [فالذي يبني له الحائط يستحق الجعل الذي جعله عليه قليلاً كان أو كثيراً] فإن جعله قليلاً ورضي بالعمل فلا حق له في أن يطالب بأكثر.
هذه هي الجعالة في الشرع.
وهذه القضية في البخاري وغيره: وهي أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا بحي من الأحياء بعيد عن المدينة، وظنوا أنهم يستضيفونهم لكنهم ما استضافوهم، فطبخوا طعامهم وأكلوه والصحابة جياع ينتظرون، وشاء الله تعالى أن يُلدغ سيد هذه الجماعة أو القرية، فلدغته عقرب، وكاد يتقلب من آلام السم القاتل، وبعدما حاولوا محاولات عديدة في أن يشفى وما استطاعوا جاءوا إلى تلك الجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن سيدنا قد لدغ، فهل منكم من يعالجه أو يداويه؟ قالوا: نعم، على شرط قطيع من الغنم، أي: ثلاثين أو أربعين شاة أو أقل أو أكثر، فقالوا: لا بأس، فجيء به ووضع بين أيديهم، فكان أحدهم يقرأ الفاتحة في كفيه وينفث ويضعها على ذلك اللديغ، وعمل ذلك سبع مرات فقام يمشي وشفاه الله.
وهذه الرقية جائزة، أن تقرأ الفاتحة في كفيك وتنفث، ثم تمسح الجرح أو الألم الموجود في الجسم، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها.
فلما أخذوا القطيع، قال بعضهم: هيا نأكل ونقتسم، فقالوا: لا، حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يجوز لنا هذا أو لا يجوز؟ فليس عندهم علم سابق، وهكذا يجب على المؤمن أن يوقف العمل حتى يتبين له الحق، وهذا شأن المسلمين، فما قالوا: الآن أخذنا الغنم ونحن جياع فهيا نأكل، ولكن: لا، حتى نستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لنا في أكل هذه الغنم أكلناه، وإن قال: ردوها إلى أهلها رددناها، وهذا هو الإيمان وهؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما أتوا المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه، قال: ( خذوها واضربوا لي معكم بسهم )، أي: أعطوني شاة أو شاتين، وما أخذ، ولكن طيبهم وطمأنهم، فاقتسموها، وهذا دليل على جواز الجعالة؛ لأنهم جاعلوهم قالوا: إن شفيت مريضنا نعطيك عشرين شاة مثلاً أو ثلاثين، فلما حصل الشفاء أخذوا الغنم، وهذا الدليل في البخاري وغيره.
[وإن كان الفسخ قبل العمل فلا شيء للعامل] فإذا كان الفسخ قبل العمل فلا شيء للعامل لأنه لم يعمل، فإذا ضاع عليك بعير، فقلت: من رده علي فله كذا، ثم قلت: ليس هناك حاجة، أو قال هو: لا أبحث عنه فلا شيء له، وإذا كان الفسخ بعد العمل فله قدر ما عمل حسب الاشتراط [وإن كان أثناءه] أثناء العمل [فله أجرة مثل عمله] فإذا أمر أن يبني هذا الجدار وبنى نصفه، فله نصف أجره مقابل عمله.
هذه الشريعة الإسلامية أعرضنا عنها وأقبلنا على القوانين الكافرة الفاجرة الإلحادية العلمانية، إلا ما كان من هذا البلد الطاهر.
نكتفي بهذا القدر. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. والآن مع بعض الأسئلة والإجابة عنها.
الجواب: النعل لا قيمة له، مخيط أو غير مخيط يجوز، وإنما فقط لا يغطي قدمه كاملة، ويبقى مكشوفاً بعضها ولا حرج.
الجواب: هذه الجعالة باطلة، لما يدخلها من الكذب والباطل، يريدون أن يروجوا سلعهم وبضائعهم فيجعلون جوائز، فهذا ليس بسليم ولا بصحيح، ولا عرفه السلف الصالح.
الجواب: إذا كان هذا المبلغ الذي تعتمر به يسدد دينك، فيجب أن تسدد دينك ولا تعتمر، وإذا كانت العمرة بمائة ريال -مثلاً- وأنت عليك عشرين ألف ريال فلا تعطل نفسك عنها.
فإذا كان الدين الذي عليك قدر ما تعتمر فسدد الدين أولاً، وإذا كانت الديون آلاف وما قصدت تزيدها فيجوز أن تعتمر.
الجواب: إن كنت صادقاً في أنك منعت لعذر فلا حرج.
الجواب: صلاة الجنازة يوضع الرجل فيها أو المرأة أمام الإمام، وكيفية الصلاة: هي أن تكون متطهراً متوضئاً -وتوضع هذه الجنائز في القبلة ليس بعيداً عنها- ثم ترفع يديك وتقول: الله أكبر، والتكبيرة الأولى واجبة، وبعد أن تكبر التكبيرة الأولى تقرأ الفاتحة، وإن اكتفيت بقولك: الحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيي الموتى، له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والثناء، وهو على كل شيء قدير، فكان أبو هريرة يفعل هذا، وإن قرأت الفاتحة ففيها الحمد والثناء أعظم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] تمجيد وتعظيم لله، وعندما تفرغ من هذا التحميد أو الفاتحة، تكبر التكبيرة ثانية: الله أكبر، وهل ترفع يديك؟ يستحب الرفع وليس بواجب، وإذا لم ترفع يديك إلا مع التكبيرة الأولى فإنه يجزيك ذلك ولا حرج، لكن يستحب مع كل تكبيرة أن ترفع يديك لله عز وجل، فتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية التي تصلي بها في كل فريضة ونافلة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ولو قلت: اللهم صل على محمد وسلم فإنه لا يكفي، فلابد من هذه الثلاث.
ثم تكبر التكبيرة الثالثة: الله أكبر، وتدعو للأموات، فإن كان ميتاً قلت: اللهم اغفر له وارحمه، وإن كانا اثنين قلت: اللهم اغفر لهما وارحمهما، وإن كانوا جماعة قلت: اللهم اغفر لهم وارحمهم، وإن كانت امرأة قلت: اللهم اغفر لها وارحمها، وإن كانوا نساء قلت: اللهم اغفر لهن وارحمهن.. بحسب الواقع، وإن كانوا خليطاً نساء ورجال فعمم: اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وهذا الدعاء موجود في الكتب ومحفوظ، فيه الطويل والقصير، وأقل ما يكون: اللهم اغفر له وارحمه، وإلا الدعاء طويل ليس هذا اللفظ فقط.
ثم تكبر التكبيرة الرابعة، وعندما يكبر الإمام وقبل أن يسلم، تقول: اللهم اغفر لميتنا وحاضرنا وغائبنا، وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمات، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم: والسلام عليكم. هذا مستحب.
وخلاصة القول: صلاة الجنازة أربع تكبيرات: التكبيرة الأولى تقرأ فيها الفاتحة وتحمد الله وتثني عليه، والتكبيرة الثانية تصلي فيها على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية مرة واحدة، والتكبيرة الثالثة: تدعو فيها للأموات، ميت أو ميتين أو أكثر، والتكبيرة الرابعة تسلم بعدها، وإن دعوت بذلك الدعاء فلا بأس.
مداخلة: وبالنسبة للطفل الذي ما بلغ الحلم؟
الشيخ: والطفل كيف يدعى له؟
الطفل من أهل الجنة، ليس في حاجة إلى أن تقول: اغفر له وارحمه؛ لأنه ما أذنب ولا عصى، ولكن تدعو لأبويه، اللهم اغفر لأبويه وارحمهما وعافهما واعف عنهما، اللهم اجعله لوالديه سلفاً وذخراً وفرطاً وأجراً، وثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، ولا تحرمنا وإياهم أجره، ولا تفتنا وإياهم بعده، وإن قلت: اللهم ألحقه بالسلف الصالحين في كفالة أبيه إبراهيم فذلك خير أيضاً. هذا الدعاء للطفل ذكراً كان أو أنثى.
الجواب: يكون بعدم قراءته، وبعدم سماعه، وبعدم الجلوس مع من يقرءون ويسمعون، فهجر القرآن تركه، كما أن هجر فلان تركه، فلا يُجلس معه ولا يُتحدث، وكذلك عدم تعلمه، وعدم العمل له، كل ذلك هجران للقرآن.
الجواب: الذي عليه الجمهور -وهو الأقرب إلى الصواب-: أن المصحف الكامل غير المجزأ الذي ليس به تفسير لا يمسه إلا متوضئ، ودليل المنع قوله تعالى: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:78-79]، سواء الملائكة أو بنو آدم، فمن استطاع ألا يمس المصحف إلا إذا كان متوضئاً فليفعل، أما إذا كان مجزأ أحزاباً أو أجزاء فلا حرج، لا يدخل في قوله (لا يمسه) وهو أجزاء، أو كان به تفسيراً؛ فأصبح فيه كلام الغير فيجوز، ومن اضطر بضرورة قاسية فلا بأس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر