أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب (منهاج المسلم) وها نحن مع الركن الخامس وهو: الإيمان باليوم الآخر.
وأقدم للأبناء والإخوان مقدمة، كثيراً ما رددناها وكررناها، وهي: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة التي مصدرها قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه العقيدة بمثابة الروح -أي: كأنها الروح- ولا حياة بدون روح، فمن كانت عقيدته إسلامية صحيحة اعتبر حياً، يسمع، ويأخذ ويعطي، ويقبل ويدبر؛ لكمال حياته، ومن فقدها فهو في عداد الموتى، قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] هذه العقيدة التي مصدرها.. مأخذها من قال الله تعالى في كتابه، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم المبين له، هذه العقيدة الصحيحة السليمة هي كالروح، بمثابة الروح، بمنزلة الروح، من أعطيها أصبح حياً، مره يفعل، انهه يترك، بشره يستبشر، حذره يحذر، علمه يعلم، وذلك لكمال حياته.
ومن فقدها ميت، لا يؤمر بصيام، ولا صلاة، ولا جهاد، ولا رباط، ولا إنفاق، ولا زكاة، ولا دعاء، ميت!
والعقيدة الإسلامية إذا داخلها زيد أو نقص أصبح صاحبها كالمريض، حي ولكنه مريض، يقوى على شيء، ويعجز عن آخر، يعطي كذا ولا يعطي آخر، وذلك لمرضه، أي: لضعف عقيدته، فعليه أن يصححها، فإذا صحت سلم، وأصبح عبد الله الحي الذي يناديه الله عز وجل فيأمره فيفعل، فينهاه فيترك، فيبشره فيستبشر، فينذره فينتذر، فيعلمه فيتعلم.
إذاً: العقيدة الإسلامية التي مصدرها قال الله قال رسوله -أي: مأخوذة من كتاب الله القرآن العظيم، ومن سنة رسول الله سيد الأولين والآخرين- صاحبها حي، يسمع إذا ناديته، يطيعك إذا أمرته أو نهيته لكمال حياته، فإن فقدها فهو ميت، لا يؤمر بعبادة، ولا ينه عن باطل؛ وذلك لموته، فإن داخل العقيدة الإسلامية زيغ، ميل، بعض الفساد أصبح صاحبها كالمريض، وهذا غالب أحوال أمة الإسلام، يفعل واجباً ويترك آخر، ينتهي عن حرام ويفعل الثاني لضعفه؛ لأنه مريض، ما سلمت عقيدته ولا كملت، وإن شئتم حلفت لكم بالله على ما أقول لكم.
ولنضرب المثل دائماً بأهل الذمة: أهل الكتاب إذا كانوا تحت دولتنا الإسلامية، هل نأمرهم بصيام رمضان؟ أيعقل هذا؟ والله ما يؤمرون.
هل يؤمرون بإخراج زكاة؟ والله ما يؤمرون.
هل يؤمرون بالصلاة؟ والله ما يؤمرون.
وهم يعيشون.. يأكلون ويشربون في بلادنا، ونحميهم، وندفع عنهم الأذى والضرر.
أهل ذمتنا لماذا لا يعبدون الله؟ لأنهم أموات، فإذا نفخت فيه الروح، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله حيي. فمره يفعل، اغتسل يغتسل.
فالواجب أن نصحح عقيدتنا، والحمد لله! ما منكم إلا وهو يعتقد عقيدة الإسلام، لكن فيها النقص والزيادة، ولهذا حصل الضعف، وسببه الجهل وعدم العلم، وما تعلمنا ولا سألنا.
ثانياً: الإيمان بملائكته، بذلك العالم النوراني الذي فوق قدرة العقل البشري أن يدرك حقيقته.
ثالثاً: الإيمان بكتب الله التي أنزلها على رسله، الذين اصطفاهم وأوحى إليهم.
رابعاً: الإيمان بالرسل: جمع رسول، وقد علمنا أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وأما الأنبياء فمائة وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدة قوم طالوت، وعدة أهل بدر، ومنهم أولو العزم خمسة، ذكروا في آية واحدة من سورة الأحزاب، إذ قال تعالى: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7] .
وقال العلماء: الرسل الذين يجب أن يعرفهم كل مؤمن ومؤمنة عددهم خمسة وعشرون رسولاً، ثمانية عشر منهم في آية واحدة من سورة الأنعام، وسبعة مفرقون في القرآن، فيجب أن نعرف هذا.
وخامس الأركان، ما نحن الآن بصدده، ألا وهو: الإيمان بالدار الآخرة، ألا وهو الإيمان بالبعث الآخر، ألا وهو الإيمان بيوم القيامة، ألا وهو الإيمان بدار الجزاء على الكسب في هذه الدنيا.
اسأل الفلاسفة.. علماء الكون، علماء الطبيعة، علماء الذرة، علماء الطب، قل ما شئت، والله! لا يعرفون الجواب، ولا يجيبونك أبداً، يقولون: هاه لا أدري.
علة هذه الحياة الدنيا هي: أن يذكر الله تعالى فيها ويشكر. سله: لم خلقت هذه الحياة يا رب؟! يجيبك من أجل أن أذكر، وأشكر، وليس وراء ذلك شيء.
وإن قيل: ما البرهان؟ ما الدليل؟ فقل له: أما قال الله عز وجل في كتابه من سورة (والذاريات): وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]؟ فسر خلقه لهم أن يعبدوه. بماذا؟ بذكره وشكره، والذكر بالقلب واللسان، والشكر بالجوارح والأركان.
سل: علة هذه الحياة ما هي؟ أن يذكر الله ويشكر، الذكر والشكر، فلهذا من ذكر وشكر أكرمه وأسعده، ومن كفر ونسي أهلكه وأخزاه وأذله.
وما سر الحياة الثانية؟ لم وجدت؟ هذه وجدت من أجل أن يذكر الله فيها ويشكر، وتلك لم أوجدها؟ ما السر في وجودها، نريد أن نعرف؟ سر وجودها أن يجازي الله الذاكرين الشاكرين بالإنعام المقيم في دار السلام، ويجزي الكافرين الجاحدين الناسين بالعذاب المبين في دار البوار.. في النار، والله لهو هذا السر.
معشر المستمعين والمستمعات! هل هناك رغبة في أن نفهم هذا ونحتفظ به كعلم؟
ماذا تقولون؟ والله! لو ينشرح صدرك، ويقال لك: إن عالماً بجزر واق واق، أو بجبال تبت يعرف علة هذه الحياة وسر الدار الآخرة؛ لركبت دابتك إلى تلك الجبال لتعلم هذا!
والآن تعطاه بين يديك بدون رغبة، إذا خرجت من الدرس نسأل أحدكم: ما علة الحياة؟ يقول: ما أدري. أما كنت حاضراً؟ فيقول: كنت مشغولاً بذهني.
إذاً: علة هذه الحياة وهذا الوجود من أجل أن يذكر الله ويشكر، وهي العبادة بقوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .
وعلة الحياة الآخرة من أجل أن يجزي أهل هذه الدنيا، فالذاكرون الشاكرون يجزيهم بالنعيم المقيم في دار السلام، والتاركون الكافرون الناسون يجزيهم بالنار دار البوار والخزي والعار. والله! كما علمتم، إن شاء الله ما ننسى هذا، والذي عرف هذا يتهيأ لأن يذكر الله حقاً ويشكره، وهو فرح مسرور بما يلقاه في دار السلام من جزاء كريم من رب رحيم.
الإيمان بالدار الآخرة: هو الركن الخامس من أركان الإيمان الستة، فألفت النظر إلى أن أعظم الأركان تأثيراً في النفس الإيمان بالله وبالدار الآخرة، أما الإيمان بالملائكة، بالكتب، بالرسل، بالقضاء والقدر فليس بالقوة التي في الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، فلا يقوى على أن يشق طريقه إلى دار السلام فيفعل الأوامر وينتهي عن النواهي إلا من آمن حق الإيمان بالله، وآمن بالدار الآخرة، وأيقن أن الجزاء فيها. والدليل: كثيراً ما يقول تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النور:2] يأمر وينهى ويقول: افعلوا هذا أو اتركوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر.
وأحياناً يقول: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، وحتى النساء في قضية الحيض والولادة يقول: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228].
فعلمنا أن أركان العقيدة الستة من بينها الركن الأول والخامس، هذان الركنان هما الطاقة الدافعة للعبد، إذا آمن حق الإيمان سهل عليه أن ينهض بكل الواجبات، وأن ينتهي عن كل المحرمات، الإيمان بالله واليوم الآخر.
قال: يؤمن المسلم ] عرفتم المسلم من هو؟ نحن، كيف عرفنا أننا مسلمون؟ أسلمنا وجوهنا لله، فلا نرى إلا الله، وقلوبنا له فلا تتقلب أبداً إلا في طلب رضاه، أسلمنا لله أعز ما نملك: الوجه والقلب: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125] فالمسلم الحق الذي أسلم وجهه لله، فلا يرى إلهاً إلا الله، ولا يرهب ولا يخاف إلا الله، ولا يطمع ولا يرجو ولا يرغب إلا في الله، وأسلم قلبه لله، كلما تقلب القلب هو طالب لرضا الله عز وجل بفعل واجب أو بترك حرام، هذا هو المسلم.
[ يؤمن المسلم بأن لهذه الحياة الدنيا ساعة أخيرة تنتهي فيها ] والله العظيم! هذه الحياة الدنيا لها ساعة أخيرة تنتهي فيها. أما سبقها زمن لم تكن موجودة ؟ بلى. إذاً: فسوف تنتهي [ ويوماً آخر ليس بعده من يوم ] هو يوم القيامة، يوم واحد، ليس بعده يوم ثان، لا ينقضي أبداً، وحسبنا أن بعضه في عرصات القيامة مدته خمسون ألف سنة، واقرءوا من سورة (سأل سائل) قول الله تعالى فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج:4-5] إذ يوم القيامة لا ينتهي، فليس بعده فناء، بل حياة أبدية. فالدنيا كانت للعمل فقط، وليست للجزاء، فتنتهي ليعطي العاملون أجورهم جزاء بما كانوا يعملون [ ثم تأتي الحياة الثانية، واليوم الآخر للدار الآخرة، فيبعث الله سبحانه الخلائق بعثاً، ويحشرهم إليه جميعاً حشراً ليحاسبهم، فيجزي الأبرار بالنعيم المقيم في الجنة، ويجزي الفجار بالعذاب المهين في النار ] إذ هذا هو الجزاء [ وأنه يسبق هذا أشراط الساعة وأماراتها ] يؤمن المسلم بأنه يسبق هذا اليوم الأخير.. اليوم الآتي.. يوم القيامة تسبقه أشراط وعلامات تدل على قربه [ كخروج المسيح الدجال ] هذا الدجال الأعور يبتلي الله به البشرية للتمحيص والتحقيق، لتمييز الإيمان الصحيح والإيمان المزيف الكاذب، يبتلي الله به. فيقول لكم: أنزل لكم المطر فينزل، يحيي الميت فيحيا، وهذا ابتلاء. ونحن مأمورون بأن نستعيذ بالله من فتنته في كل صلاة: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) لأن فتنته لا فتنة أعظم منها [ ويأجوج ومأجوج ] وهذا عالم آخر، إذا تدفق على الأرض شرب ماءها والعياذ بالله [ ونزول عيسى عليه السلام ] من الملكوت الأعلى إلى الملكوت الأسفل. [ وخروج الدابة ] الدابة التي تخرج من صدع من جبل الصفا، كما أخبر بهذا رسول الله، وجبل الصفا كان صخوراً عالية، فكيف يخرج منها هذا المخلوق؟ والآن وجد الصدع، وتدخل الدابة وتخرج والسيارة أيضاً، فلا إله إلا الله! بيننا وبين الرسول ألف وأربعمائة سنة عندما قال: ( الدابة تخرج من صدع من جبل الصفا ) ومضت القرون وجبل الصفا جبل، من يستطيع أن يثقبه، والآن اخترق، وأصبح طريقاً من الصفا إلى نهاية مكة. إذاً: هذه آيات النبوة، الدابة تأتي من هناك.
وفتنة الدابة أنها تمتحن، قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] أي: لا توجد إلا في وقت يعم الكفر والعياذ بالله ، أما أهل الصلاح فكلهم يموتون [ وطلوع الشمس من مغربها ] تغرب الشمس من حيث تطلع.
وكثيراً ما أقرب المعنى للمستمعين والمستمعات، فأقول: طلوع الشمس من مغربها، الشمس دائرة في فلكها منذ أن خلقها الله عز وجل بنظام، باللحظة، تخرج من المشرق، وتغرب من المغرب، وتعود هكذا، فلما يختل نظامها تنعكس.. تخرج من الغرب؛ إيذاناً بقرب الهلاك والفناء.
ونضرب مثلاً: الدراجة التي يركبها الأولاد، إذا أدرتها بقوة تدور وتدور، فلما تتركها تتراجع إلى الوراء.. تفشل، فلما تفشل ترجع إلى الوراء، كذلك الشمس في فلكها. ومعنى هذا: إعلام بأن نهاية الحياة أوشكت، وإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، فالمؤمن مؤمن، والكافر كافر، البار بار، والفاجر فاجر، واقرءوا قول الله تعالى من سورة الأنعام: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] حتى يؤمنوا أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] هذه الآية أو العلامة إذا ظهرت انتهى كل شيء، فالمؤمن مؤمن، والكافر كافر، فلا توبة ولا تقبل التوبة [ وغير ذلك من الآيات ].
قال: [ثم ينفخ في الصور نفخة الفناء والصعق ] من الذي ينفخ؟ ملك اسمه: إسرافيل، موكل بأربع نفخات.
ما الصور؟ بوق. تعرفون أبواقاً قديمة للسيارات، وعند الذين يعلنون عن الأشياء في السوق بالبوق، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الزمر:68] إذ قالوا فيه الصور.
فينفخ في الصور نفخة الفناء التي يفنى فيها كل شيء في هذه الحياة الدنيا، فتتبخر الدنيا، وتصبح كلها سديماً وبخاراً، الكواكب، النجوم، الأفلاك، البحار، الكون كله سديماً وبخاراً. أي: كما كان قبل أن يوجده الله عز وجل. فهذه نفخة الفناء والموت والهلاك [ ثم نفخة البعث والنشور ] نفخة أخرى، وسيأتي بيان هذا مفصلاً إن شاء الله. نفخة البعث كما بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: لما يهدأ كل شيء، وتستقر الكائنات كلها، وتصبح الأرض بيضاء كخبز نقي، ينزل الله تبارك وتعالى من السماء ماء على تلك الأرض التي أصبحت أرضاً واحدة بيضاء نقية، فتنبت الخليقة كما ينبت البقل.. الثوم والبصل، والله العظيم ننبت! وما هي البذرة التي ننبت منها؟ إنها عجب الذنب، وهو عُظَيْم صغير يوجد في آخر خرزات الظهر، هذا العُظَيْم لا يفنى، تتبخر الحياة وهو في الهواء ويستقر، ومنه يركب الله تعالى الخلق من جديد، وننبت كما ينبت البقل.
ثم ينفخ نفخة البعث فتنزل الأرواح وتدخل كل روح في جسمها، ولا تخطئ أبداً، فننبت كما ينبت البقل، تمتد أجزاؤنا.. عظامنا أرجلنا حتى يستوي خلقنا على صورة واحدة، فلما يتم ذلك الخلق تنزل الأرواح في نفخة إسرافيل فتدخل كل روح في جسمها، والله ما تخطئه أبداً -قولوا: آمنا بالله- فينفخ إسرافيل فإذا بنا قيام واقفون، ثم نحشر إلى ساحة فصل القضاء للحساب والجزاء [ والقيام لرب العالمين ] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] يقومون من قبورهم.. من الأرض التي نبتوا فيها [ ثم تعطى الكتب، فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله، ويوضع الميزان، ويجري الحساب، وينصب الصراط، وينتهي الموقف الأعظم باستقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وذلك للأدلة النقلية والعقلية الآتية ].
[ وفي قوله: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:34-35] ] وامتحاناً [ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ] للحساب والجزاء.
وقوله: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء:34] الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا توفاه الله أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] ] لا أبداً.
[ وفي قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن:7] ] والزعم معروف كزعامة الزعماء، القول الكاذب.[ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] ] ما هو بالصعب أبداً. [ وفي قوله: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6] ] يقومون له لماذا؟ ليحاسبهم ويجزيهم على عملهم في هذه الدنيا.
[ وفي قوله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ] والسعير أي: النار، لماذا فريق الجنة دخل الجنة؟ لأنه آمن وعمل صالحاً في الدنيا، والثاني كفر وعمل الشر والفساد في النار، عدل الله عز وجل [ وفي قوله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] ] تعرفون الزلزال؟ فيه صور صغيرة في الدنيا، شاهدها الناس، البلاد تنقلب على رأسها. [ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:2-4] ] بنفسها [ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:5-8] ] لطيفة علمية خذوها: قبل هذه الصناعات والآلات والاختراعات كان أهل القرآن يفهمون: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] ليروا جزاء أعمالهم، لكن الآن دلت على أنك إن كنت تصلي حول المحراب ترى نفسك أمامك تصلي في المحراب، وإذا مددت يدك لتخون مؤمناً وتستخرج نقوده من جيبه، والله ترى نفسك هكذا. لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] الخير والشر. فهمتهم هذه؟ الآن قد يأخذ صورة لمجلسنا هذا، ويعرضها في التلفاز في لندن يشاهدونكم، أليس كذلك؟ فسبحان الله! ليرى الإنسان عمله حتى ما ينكر بعينك انظر، ما أنت هو؟ وأنت راكع، أو ساجد، أو سارق، أو كاذب. [ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ يره [الزلزلة:7] ] وزن مثقال ذرة من خير [ يره [الزلزلة:7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8] ] ويجزى به إما بالنعيم المقيم، وإما بالعذاب الأليم. [ وفي قوله لا إله إلا هو: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] . وفي قوله جل جلاله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] ] هذا شاهد الدابة. [ وفي قوله: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء:96-97] . وفي قوله: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف:57-60] ] ( وإنه لَعَلَمٌ للساعة ) هذه الآية الطويلة فيها شاهد أن عيسى من علامات الساعة، إذا نزل عيسى احلف بالله قد قامت القيامة. [ وإنه لَعَلَمٌ للساعة فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61]. وقوله سبحانه وتعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:68-70] . وفي قوله عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]. وفي قوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:13-24] ] هذه. [ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32] ] لماذا؟ [ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:33-34]. وفي قوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:68-72] ] هذه خلاصة آيات القرآن في الإيمان باليوم الآخر، نكتفي بهذا ونؤجل الأحاديث ليتسع الوقت، ونجيب على أسئلة المستمعين.
الجواب: السائل يقول: حولك يا شيخ مسلمون ما جاءوا إلا لعبادة الله وطاعته، متقربين إلى الله بفعل ما أمرهم، وترك ما نهاهم، فهل لك أن تلفت نظر الذين يحلقون لحاهم، لو يتركون ولو شعيرات قليلة حتى تميز بينهم وبين النساء، لحية ولو على هذا الذقن، خط منها وخط هنا، الشارب أسود شعره، هذا رجل، أما أن أحلق وجهي وشاربي فتمثلت بالمرأة سواء بسواء، وهل أذن لنا القائد صلى الله عليه وسلم بأن نتشبه بالنساء؟ اسمع ماذا قال: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال )، ولكي تشاهدوا فظاعة القضية، أرأيتم لو أن فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تجعل لها شعراً في لحيتها، وتجعل لحية صناعية، هل تقبلونها؟ ترضون بها؟ أسألكم بالله. لا.
فكذلك الفحل أيضاً إذا حلق وجهه وشاربه أصبح كذلك ما يرضى، لو كنا نعي، وأنا أعذر لإخواننا؛ لأن العلماء هبطوا فهبطنا معهم، هم الذين سهلوا القضية، وإلا فلا يحل لمؤمن أبداً أن يحلق كل شعر وجهه حتى يصبح كالفتاة، لا يجوز هذا أبداً، بل لا بد من علامة الرجولة، وإن شاء الله من الآن لا بد وأن نبقي على علامة رجولتنا على الأقل، ومن وفرها أطاع رسول الله فيها.
مداخلة: الثوب الطويل يا أستاذ!
الشيخ: ثانياً: قال: بعض إخواننا ثيابهم طويلة، سراويل، مشالح، برانس، فننتبه لهذا.
نعم يا أبنائي! نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثياب الطويلة، الثوب السروال ينتهي إلى الكعب، ما زاد على الكعب فهو في النار، هكذا أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم.
الاقتصاد يتطلب هذا، لماذا تزيد شيئاً لا ينفعك؟ لا يستر جسمك، ولا يقيك الحر ولا البرد، زائداً. فعلى الفحول أن تكون سراويلهم، ثيابهم، برانيسهم، مشالحهم إلى الكعب فقط، أما تحت الكعب فلا.
وعلى المؤمنات وهن يسمعن أن تكون جلابيبهن تحت الكعب إلى الأرض ولو بشبر، تغطي رجليها تماماً، وإن زادت بشبر لا حرج، إن شاء الله يعمل أبناؤنا وبناتنا بهذا التعليم، وما يضيع إن شاء الله.
الجواب: السائل يقول: هل للعمرة طواف وداع؟ إذا اعتمرنا وأردنا أن نسافر فهل نودع؟ الجواب: ما بلغنا عن رسول الله ولا عن أصحابه أن للعمرة وداعاً، فالوداع للحج، والسر فيه قد بيناه. أليس وصلتنا دعوة الرب تعالى في بيته؟ من يقول: لا؟ والله ما زار البيت أحد إلا بدعوة سبقت، وقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27] دعينا فأجبنا بدليل: لبيك اللهم لبيك، لبيك -طول النهار والليل- لبيك. أي: أجبنا دعوتك إجابة بعد إجابة بعد إجابة بعد إجابة، دعانا لبيته ليكرمنا أو يدعوكم لبيته ليجوعكم؟ بل ليكرمكم لا ليهينكم. ثم لما تجمع المدعوون من الشرق والغرب والشمال والجنوب جعل لهم حفلاً يقام في عرفات، يجتمعون فيه أجمعون، ثم شرع لهم لطفاً بهم ورحمة بهم وإحساناً إليهم أن يخرجوا قبل صلاة الظهر في الضحى إلى منى حوالي خمسة أو ستة كيلو ينقصوها من ثمانية عشر كيلو إلى عرفات ويستريحون، وهم كلهم لهفة وشوق إلى اللقاء الأعظم، إلى الحفل الأكبر في عرفات حيث يتجلى الرب للملائكة ويقول: ( ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً )، ثم توزع الجوائز على الحجاج والحاجات، والمحروم من حرم ذلك اليوم، لما توزع الجوائز انتهى الحفل إلى مكة، لكن لا، مسافة بعيدة، انزلوا في المزدلفة القريبة من عرفات، واستريحوا ليلتكم؛ لأنكم ظللتم واقفين في الشمس أو في الحر والبرد إذاً استريحوا.
هذا ربنا الرحمن الرحيم هو الذي يخولنا هذا الكمال، ويجعل لنا هذه الاستراحة في مزدلفة، أصبحنا هيا بنا، إلى أين؟ إلى العدو الذي أخرجنا من الجنة، ورمى بنا في هذه الحياة الدنيا ذات الأتعاب والمشاق، هذا العدو نرميه بسبع جمرات، أي: حجرات كالجمرة الصغيرة، وبعد ذلك نحلق، أي: نتحلل بالحلق ولباس الثياب، ثم نأتي إلى بيت المضيف الكريم لنشكره على ضيافته الكريمة، فنطوف طواف الإفاضة، هذا الطواف معناه: طواف الشكر لله على ما أنعم وتفضل به وأحسن إلينا.
فإذا طفنا طواف الإفاضة تأتي التعاليم من الملك جل جلاله: عبادي! أقيموا بمنى يومين أو ثلاثة للاستراحة، ما نريد أن تعودوا في تعب ومشقة، استريحوا في ضيافتنا، اللحم والطعام ثلاثة أيام في منى، هذه ضيافة أخرى، من مدبرها؟ الله جل جلاله، ( أيام منى أيام أكل وشرب ) كما قال أبو القاسم عليه الصلاة والسلام.
تمت الاستراحة؟ الآن إلى بلادنا، نودع وإلا ما نودع؟ حرام علينا، عيب يعني، في ضيافته ثلاثة أيام ونحن مسافرون نمشي الشرق والغرب ولا نودعه؟ هذا طواف الوداع، لا بد وأن تأتي وتودع بيت ربك وأنت قد ودعت ربك الذي أمرك بالطواف ببيته، وتذهب إلى بلادك، مغفور الذنب، مستور العيب.
أما العمرة ما فيها هذا، فلهذا ما فيها وداع، لا طواف وداع، طفت، سعيت، قصرت، مع السلامة.
ومع هذا إذا بقيت في مكة طف الليل والنهار، الطواف أفضل عبادة، أفضل من الركوع والسجود، ما دمت في مكة كل ساعة تجد ثلاثة طف، أو على الأقل طف طواف في النهار وطواف في الليل.
الجواب: السائل يقول: ما حكم ختان البنت؟ والختان معروف، يسميه بعض الناس بالطهارة والتطهير، وهو بمعنى التطهير، وهو قطع غلفة الذكر للذكر، يقطع بسكينة حادة، وهذه سنة الله في خلقه، وأول من فعلها إبراهيم بعدما بلغ من العمر ثمانين سنة، أوحى الله إليه بالختان فاختتن، ومن ثم العرب واليهود يختتنون؛ لأنهم أولاد إسماعيل وإبراهيم، حتى العرب في الجاهلية يختتون، وراثة عن إسماعيل وذريته، وأما النصارى فلا يختتنون.
والشاهد عندنا في الاختتان: أنه سنة من سنن الإسلام للذكور، أما للإناث فعلى وجه الندب، وفي بعض البلاد غلفة المرأة تكبر، ولا يطيب جماعها لزوجها فتقطع منها تلك القطعة، ولنا في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـأم عطية : ( اخفضي ولا تنهكي ) اقطعي قطعة صغيرة ولا تبالغي، فدل هذا على الجواز.
أما بالنسبة إلى الذكور فعلى الوجوب، فختان المرأة من أراد أن يقتطع تلك القطعة منها من قبل طبيب أو طبيبة فذاك، ما أراد فليس بمكلف بهذا، ما هو بواجب، فالختان .. الخفاض مكرمة للنساء.
الجواب: السائل يسأل: كيف يزكي ذهبه؟ بسم الله وافهموا! الذهب ذهبان: ذهب للتحلي والتزين والتجمل للفحول.. للرجال، المرأة المؤمنة مطالبة شرعاً بأن تتجمل لزوجها، وتتحلى له بما تصبح حلوة في نظره، ومن ذلك السخاب والأقراط والسوار من الذهب والفضة، هذا الذي تتحلى به لا زكاة فيه وإن قاله قائلون قليلون فلا نعادل قولهم بقول خمسة وسبعين في المائة من أمة الإسلام من الصحابة والتابعين الذين يقولون بعدم زكاة الحلي، ومن أراد أن يزكي فهنيئاً له، من أرادت من النساء أن تزكي حليها فهنيئاً لها، لكن إذا لم تزك ما كفرت ولا عصت أبداً، ولا منعت الزكاة.
كيف تزكيه؟ إذا أرادت أن تزكي تجمع ذهبها الذي في خزانتها وفي صندوقها أو الحلية إذا أرادت أن تزكيها، وتذهب إلى الصائغ فتزنه، فإن بلغ سبعين جراماً وجبت الزكاة فيه، وإن كان أقل من سبعين جراماً فلا زكاة، أكثر من سبعين تقول للبائع: كم يساوي الجرام؟ سبعين جراماً كم يساوي؟ قال: ألفين ريال، إذاً: وجب أن تدفع ألفين ريال.
كل ذي ذهب يذهب إلى بائع الذهب ويقول له: بكم الجرام؟ سبعين جراماً كم تساوي عندنا بالليرة، بالدولار، بالدرهم، بالريال؟ القدر الذي يساويه نصاب ذلك الذهب، فمن بلغ ماله النصاب زكاه، ومن لم يبلغ النصاب سقطت الزكاة عنه.
والحلي: ما تتحلى به المرأة. أي: تصبح حلوة، والجمهور من الصحابة وعلى رأسهم عائشة أم المؤمنين والأئمة مالك والشافعي وأحمد إلى اليوم: أنها لا زكاة عليها فيه، إلا أن تتطوع فلها ذلك.
وانظر إلى العلة: في يديها سوارين أو ثلاثة، هما عندها فبما تزكيهم؟ هل تبيعهم أو تكسرهم وتزكيهم؟ هل يأمر الله بهذا؟
في عنقها سخاب ذهب وليس عندها النقود التي تزكي بها، فهل تكسره أو تبيعه وتزكيه؟ إذاً ما تحلت ولا تزينت، فلهذا القول الراجح أن الحلي لا زكاة فيه.
ومن استشهد بالحديث، فهذا الحديث عرفه الصحابة وعرفه مالك قبل أن تعرفوه أنتم، ومع هذا نقول: إن زكت فلها ذلك وهو خير لها، ونتمنى أن تنفع مؤمنة بزكاتها، لكن لا نقول: يجب. فثلاثة أرباع الأمة لا تزكي. فهل كلهم في النار ؟ هل كلهم كانوا كافرين؟ فالذي يقول بالقول الشاذ يجب أن يقدر الموقف، ويعرف ماذا يقول.
فإذا كان الذهب للادخار..للحاجة، اشترته لا للتزين والتجمل بل اشترته لأن عندها نقود وخشيت أن تضيع منها ولتدخره للحاجة، فهذا أصبح كنزاً ورب الكعبة! ويجب أن تقومه كل سنة وتزكيه ولو نفذ بعد عشرين سنة، وما ينفذ؛ لأن الزكاة تنمي وتبارك ولا تنقص. ولكن من باب الفرض فقط.
والكيفية: أن تقول لبائع الذهب: كم سبعين جراماً تساوي؟ يقول: ألفين وخمسمائة ريال، فتوزن ذهبها، فإن ساوى أو عادل سبعين جراماً تزكيه، وإن كان أقل من سبعين جراماً فلا زكاة فيه.
الجواب: الزكاة لا تعطى للوالدين ولا للأولاد، أولادك يجب أن تنفق عليهم أنت، كيف تعطيهم الزكاة؟! أبوك، أمك، جدك، جدتك يجب أن تنفق عليها، كيف تعطيها زكاة الفقراء والمساكين؟!
أما الإخوة والأخوال والعمات والأعمام الفقراء فهم أولى، فلها أن تأخذ زكاة حليها وتعطيه لأخيها، هذا حسن هذا طيب، سواء وجبت عليه الزكاة أو لم تجب.
الجواب: السائل يسأل عن العمرة عن الوالدين من أين تكون؟ إذا كنت تسكن في لندن ووالدك كان في لندن ومات من لندن فتحرم من لندن على نفقتك لتعتمر، وإذا كان والدك في جدة ومات في جدة فتعتمر من جدة.
فإن قالوا: ليس عندنا قدرة يا شيخ على أن نأتي بنفقة خمسة آلاف ريال للطيارة مرتين، لا نستطيع، دلونا على شيء خفيف؛ قلنا لهم: اعتمر عن نفسك، أد الواجب، وبعد ذلك اخرج للتنعيم لحدود الحرم، وأحرم من هناك عن أمك أو أبيك ولا بأس. عمرة ليست كاملة، ولكنها مجزئة وكافية بإذن الله.
والمفروض أنك تحج وتعتمر من بلد الذي تحج عليه وتعتمر، لكن إذا كان هذا غير ممكن وشاق وما نستطيع ماذا نصنع؟ نعتمر من التنعيم، التنعيم جبل يسمى التنعيم، حدود الحرم وهو في الحل، أقرب حدود الحرم إلى مكة، والرسول هو الذي علمنا ذلك وبينه لنا، فتقول: لبيك اللهم لبيك عمرة عن أبي فلان أو عن أمي فلانة وتطوف وتسعى وتقصر شعرك، والله يتقبل.
الجواب: سائل يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام ) فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والمسجد الأقصى بخمسمائة فقط دون هذا، والبيت لما تصلي النافلة في البيت تكون ألف وزيادة، ألف وكسر، لأنه قال: ( صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة ) إلا الفريضة.
فأنت لما تصلي النافلة في بيتك تخرج من المسجد النبوي وتصلي في بيتك بألف صلاة وزيادة، وكلمة أفضل زيادة.
صلاة الفرض بألف صلاة في المسجد النبوي، وصلاة النافلة في المسجد بألف صلاة، وصلاة النافلة في البيت بألف وزيادة، ولهذا كان يصلي في بيته، لا يصلي النافلة في المسجد.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر