أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم. وها نحن قد انتهى بنا الدرس إلى المادة الرابعة في بيان كيفية السباق والمناضلة.
[وإن بدأ الذي دفع الرهن فهو أولى، ولتجر المباراة بعيدة من كل حيف أو ظلم حتى تتم، ومن سبق أخذ الرهن] إن بدأ الذي دفع الرهن بالرماية فهو أولى به، ولتجر المباراة بعيدة من كل حيف أو ظلم أو جور حتى تتم على الوجه المطلوب، ومن سبق أخذ الرهن، فلا حيف فيها ولا ظلم ولا جور.
إذاً: السباق والرماية عقد جائز ليس بواجب، وعلى هذا فإن لكل من المتسابقين أن يفسخ العقد متى شاء هو حر في ذلك، ومن قال: من سبقني فله كذا كان هذا منه وعداً، فلا يجبر على تنفيذ الوعد، وإنما ينفذه صاحبه تقوى من الله وكرماً؛ لأن خلف الوعد محرم، فما دام وعد فالأفضل أن يوفي بوعده، ومن قال: من سبقته منكم فليعطني كذا، أو عليه كذا فلا يجوز؛ لأنه خرج عن جنس السباق المشروع، وأصبح طريقة لاكتساب المال بغير حق شرعي.
لا تجوز المباراة والمسابقة في لعب النرد، والشطرنج، وما ماثلهما من ألعاب زماننا هذا مثل الكيرم، والورق، والديمنو، وكرة الطاولة، وما إلى ذلك، وتجوز لعبة كرة القدم بشروط:
أولاً: أن ينوي بها الحفاظ على قوة بدنه نامية صالحة للجهاد، فإن لم تكن هذه النية فلا يجوز له ذلك.
ثانياً: ألا تنكشف فيها الأفخاذ، بل يجب أن يكون اللاعب مستور الأفخاذ بما يساوي الركبة.
ثالثاً: ألا تؤخر لها الصلوات، فلا تُؤخر صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس.
رابعاً: أن تخلو من الرفث وهو: الكلام الباطل، وقول الزور والباطل من سب وشتم وما إلى ذلك.
إذاً: يجوز لأي محسن من المسلمين أن يقول: من حفظ كذا جزءاً من كتاب الله فله كذا من المال عندي، أو من حفظ كذا حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فله جائزة كذا، أو من حل مسألة فرضية أو حسابية فله كذا، سواء أعطى مالاً أو أعطى ثياباً أو شيئاً آخر؛ بقصد التشجيع على حفظ كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى حفظ مسائل العلم التي لابد منها للأمة كالفرائض، وإن نجح من سابق أخذ الجائزة إن شاء أو تركها إن شاء، فليس واجباً عليه أن يأخذ الجائزة، وعلى واضع الرهن أن يسلمه لصاحبه الفائز.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
الجواب: إذا كان المكان واسعاً، والطريق معلوم محدد، فما دمنا أجزنا السباق بالطائرات والدبابات يجوز بالسيارات قياساً على الطائرة والدبابة، بشرط: أن تكون المسافة محدودة، وهناك من يقف قاضياً، ومن يرسلهما يكبر ثلاثاً ثم ينطلقون، وأن لا يقع صدام في الطريق، فلا بأس يجوز بهذه الشروط، ومن سبق أخذ الجائزة؛ لأن السباق بالخيل والإبل إعداد للجهاد، والسيارات كذلك.
الجواب: سائلة تقول: بلغني أن لأولياء الله تعالى منزلة عند الله -وهذا ليس فيه شك- أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، المؤمنون صادقو الإيمان، الذين يتقون الله طوال حياتهم فلا يعصونه، ولا يتركون واجباً، ولا يرتكبون محرماً، هم أولياء الله عز وجل، لهم عنده منزلة.
يبقى: ماذا لو توسلت إلى الله بهؤلاء الأولياء؟
نقول: إذا كان الولي حياً بين أيدينا لا بأس بأن نقول له: يا سيد! أو يا عم! أو يا أخي! ادع الله لي بكذا. هذه وسيلة، وقد يستجيب الله وقد لا يستجيب، فنحن ندعو والاستجابة على الله.
أما إذا كان الولي ميتاً في قبره -كما هو واقع المسلمين- فهذا شرك -والعياذ بالله تعالى-، وليس من الإسلام في شيء، فكم وكم من ولي هو ولي للشيطان، يبنون ويضعون القباب عليه، ويقولون: الولي!
فالولي الذي بيننا نعرفه، ونعرف صلاحه وتقواه، وإيمانه نقول له: يا فلان ادع الله لي! لا بأس بهذه الوسيلة، فإن استجاب الله فذاك، وإن لم يستجب؛ فالله لا يعطيك إلا ما فيه خيرك وصلاحك.
الجواب: نقول: ما هذه العلامة؟ إذا كانت صورة أو تمثالاً أو شجرة فهي باطلة، إما إن كانت عبارة عن حجرة أو صخرة وضعتها كعلامة فلا بأس، الرسول فعل هذا وأذن فيه.
الجواب: نعم. فأرواحهم في الملكوت الأعلى في عليين إذا كانوا من أهل الإيمان والتقوى، والأبدان في الأرض، والاتصال الآن لا يشك فيه ذو عقل، فنحن جالسون الآن ونتصل بأمريكا واليابان، فأصبح هذا من المسلّم اليقيني، وقد أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قلت: السلام عليكم يا أهل البقيع، علموا سلامك وردوا عليك السلام، فليس شرطاً أن تكون أرواحهم في القبر أو في الجسد، فالجسد قد يفنى، ولكن يبقى فيه عجب الذنب الذي هو أقل من رأس الأصبع، فتتصل به الروح ويرد السلام.
الجواب: الرياء: إذا كان لا يصلي إلا ليري الناس صلاته، ولا يتصدق إلا ليري الناس صدقته، ولا ينطق بمعروف إلا ليسمعه الناس، فهذا كافر مشرك، لكن إن حصل الرياء في حالة من الحالات، كأن يصلي فحسن صوته ليحمد عليه، والصلاة لله والقراءة لله، فلا يخلد في النار ولا يدخل النار، ولكن أخطأ.
وهذا رياء العمل؛ ليراه الناس، وهو لا يرضي الله، فإذا أخذ -مثلاً- يصلي وكان إلى جنبه عالم أو صديق حسّن صلاته، حتى لا يقال إنه يسيء صلاته! فهذه مراءاة، وهذا رياء من الشرك، لكن صاحبه ليس بكافر ولا يدخل النار.
الجواب: قال الله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، والرفث: هو الكلام بالفاحشة، الكلام الذي يزين الفاحشة ويُقرب منها. فهذا فعل فاحشة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، فنقول: ما دام هذا حصل له في عرفة، كان ينظر إلى زوجته وأعجب بها فخرج منه المذي فعليه هدي: ذبح شاة، ويستغفر الله ويتوب إليه، إما إن كانت امرأة أجنبية فهذا أبعد من ذلك وشر منه، فلا يجوز النظر إلى الأجنبية، حرام، حرام، حرام، معصية كبيرة.
الجواب: يجوز، فإذا كان هناك محتاجون وفقراء أكثر فلا بأس، مع أن العقيقة لا يأكلها الفقراء فقط، وإنما ثلث للفقراء، وثلث لأهل البيت، وثلث للأقارب أو الأصدقاء، لكن من باب التسامح يجوز.
الجواب: سائل كريم يقول: رأينا الشبان حول باب المدرسة عند دخول الطلاب أو خروجهم يدخنون ويضحكون ويلعبون، فهل هذا من الإسلام؟ والله ما هو من الإسلام في شيء. هل هذا يجوز؟ والله ما يجوز. فما الذي يجب؟
الذي يجب -هو- على أهل الهيئة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر أن ترصد هذه الأماكن وتؤدب أصحابها، وعلى إمام المدينة أن يشجعهم على ذلك، وأن يساعدهم بالعسكر والجيش، ليؤدبوا هؤلاء الفسقة الفجرة.
فهؤلاء الذين يدخنون ويعبثون حول المدارس، يجب أن يؤدبوا، والذي يقوم بتأديبهم هي الهيئة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، فإن استعصوا وأبوا أن يستجيبوا فعلى أمير المدينة -حفظه الله- أن يشجعهم بالجيش، وأن يؤدب أولئك الصعاليك، وأن يسجنهم أو يعزرهم التعزير اللائق بهم، هذا هو الواجب.
الجواب: يقول هذا القائل: يوجد في بلدنا شيخ يقال له: الشيخ موسى ، ملازماً لبيته لا يخرج منه، لا يصلي جماعة ولا يدخل المسجد، ويأتيه أهل البلاد زائرين متبركين متوسلين مقدمين له الهدايا، طالبين منه قضاء الحاجات، فهل هذا العمل يجوز بين المسلمين؟
هذا والله لا يجوز، وليس من الإسلام في شيء، وهذا الشيخ شيطان ليس بشيخ، فيجب أن يخرج ويشهد الصلوات الخمس في بيوت الله، وألا يقبل هذه الهدايا الظالمة المظلمة التي ليست بحق، وألا يكذب على الناس بأنه يعلم الغيب، ويهديهم إلى كذا وكذا، فهذا الشيخ يجب أن يضرب على يديه ويهجر، ولا يصح لمؤمن أن يأتيه أو يتقرب به إلى الله، هذا واجب على كل أهل القرية، وعليهم ألا يسمحوا -أبداً- ببقاء هذا الشخص، فإنه كالشيطان يفتنهم والعياذ بالله.
الجواب: يجوز؛ لأنكم في بلد الكفر، وهذا من باب نشر الإسلام والدعوة إلى الله عز وجل، فهذا الإنفاق في سبيل الله، بخلاف بناء المساجد في بلاد الإسلام فلا يجوز من الزكاة، فأهل البلاد يجب أن يبنوا المساجد، ولا نعطي الزكاة -حق الفقراء والمساكين- لتبنى بها المساجد، لكن في بلاد أوروبا الكافرة إذا أردنا أن ننشر دعوة الله، وأن ينتشر الإسلام فنبني المسجد والمركز بالزكاة، لأنه يدخل في سبل الله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، الذي هو الجهاد، فبناية مسجد في أوروبا من الجهاد، بل هو الجهاد بحد ذاته، وكذلك المدرسة فهي لتعليم الإسلام.
الجواب: إذا كان لك عمل بها تتردد عليه فقد أفتى العلماء بجواز ذلك، أن تدخل بلا إحرام ولا حرج، أما إذا لم تكن ملازماً لعمل هناك، ولكن مرة في السنة أو في الثلاثة أشهر فيجب أن تدخلها محرماً تطوف وتسعى بعمرة.
قالت العلماء: إذا كان الرجل يتردد على الحرم لعمل عنده، فلا يطالب كل أسبوع بعمرة، أو أن يدخل محرماً، لكن إذا كان لا يعمل فيها وإنما يدخل بعد عام أو عامين مرة، فلا يحل له أبداً أن يدخل إلا محرماً بعمرة يطوف ويسعى.
الجواب: بهلول يقول: استلفت من شخص مالاً وأنا أعلم أن هذا المال مسروق، فما هو الحكم؟
يجب عليك أن تبلغ من سُرق ماله وتقول: مالك المسروق عند فلان؛ لأنك تأخذه سلفة وتأكله وتستعمله، لا يجوز، لا يجوز، لا يجوز، يجب أن تبلغ من سُرق ماله أباً كان أو أخاً حتى يعلم ذلك، أما أن تأخذ السلفة فقط وتردها لا يجوز هذا فأنت السارق والعياذ بالله.
الجواب: سائل يسأل عن مقدار كفارة اليمين، والذي استعملناه بعد أن ذهبنا إلى الميزان في الدكان كيلو وافي، كيلو رز تطعم به مسكيناً، وإن شئت أخذت حفنة بيدك؛ لأن هذا هو المد، وتكون كيلوا أو أقل، فالكيلو كافي، لكن سماحة الشيخ عبد العزيز تغمده الله برحمته أفتى غير ما مرة بكيلو ونصف، وهذا من باب الاحتياط، فتطعم عشرة مساكين كل مسكين بمد، والمد حفنة شخص ليس بالصغير ولا بالكبير وإنما متوسط، فإذا وضعتها في الميزان وجدتها كيلو وأكثر.
ومن قال: أنا أعطي كيلو ونصف فليعط كيلو ونصف، ومن شك يأتي إلى الدكان، ويضع بين يديه التمر أو القمح أو الرز ثم يجعلها في الميزان فسيجد أنها كيلو.
الجواب: إن شاء أن يعيد ويصلي مع الجماعة أثيب على ذلك، وإن شاء ذهب إلى بيته ولا حرج؛ لأنه صلى الظهر والعصر في سفره.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر