أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم، ندرس كتاب (منهاج المسلم)، وقد انتهى بنا الدرس إلى الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات ما علمناه وتكرر عندنا، وأصبح من الضرورة لدينا، وهو: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة الخالية من الزيادة والنقصان بمثابة الروح، والأبدان تحيا بأرواحها. هل رأيتم ميتاً فيه روح؟
الأبدان تحيا بالأرواح، والأرواح تحيا بالإيمان الصحيح؛ فلهذا المؤمن الصحيح الإيمان السليم العقيدة اعتبروه حياً بينكم، يسمع نداءكم ويجيب، يعطي ويأخذ، يذهب ويجيء؛ وذلك لكمال حياته.
والذي فقد العقيدة الإسلامية، وكان كافراً بها وجاحداً ولا يعرفها فهو بمثابة الميت، يدعى فلا يجيب، ينادى فلا يسمع، يؤمر فلا يطيع؛ وذلك لموته.
والدليل القطعي: هو أن أهل الذمة من اليهود والنصارى إذا كانوا يعيشون معنا في ديارنا الإسلامية، وأعلن عن دخول رمضان، فهل نأمرهم بالصيام؟ الجواب: لا.
إذا حان وقت الزكاة وأعلنا، فهل نأخذ من أهل الذمة زكاة، أو نأمرهم بزكاة؟
إذا نادى منادي الصلاة: أن حي على الصلاة، واليهودي جالس أو النصراني فهل نقول له: قم صلّ. أجب النداء؟ الجواب: لا. ما السر؟
هو أنهم بمنزلة الأموات، روح الإيمان ليست عندهم، فلا يسمعون ولا يبصرون، ولا يجيبون ولا يعطون؛ لأنهم كفار بمعنى: أموات.
إذاً: العقيدة الإسلامية الصحيحة صاحبها -أو صاحبتها- حي يسمع ويجيب؛ ولهذا يقوم بما أوجب الله عليه، وينتهي عما نهاه الله عنه، ويسمع الموعظة والنداء ويجيب؛ وذلك لكمال حياته، وفاقد العقيدة ميت لا يؤمر ولا ينهى، ولا يجاب ولا يسأل.
وإذا كانت العقيدة الإسلامية مخلخلة مهلهلة ليست سليمة، ما تلقاها أصحابها عن وحي الله وهدي رسوله، فيها الزيادة وفيها النقصان؛ فأهلها كالمرضى، فالمريض أحياناً يقوم وأحياناً لا يقوم، أحياناً يجيب إذا دعوته، وأحياناً لا يجيب لمرضه، فضعف العقيدة بعدم فهمها أو بما داخلها من زيادة أو نقصان؛ أصحابها مرضى لا يقوون ولا يقدرون على أن ينهضوا بالواجبات التي أوجب الله، ولا عن أن ينتهوا ويتنحوا عما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وإليكم برهاناً قاطعاً: تشاهد إخوانك في قريتك.. في بلدك؛ فتجد أعلمهم بالله عز وجل وأعرفهم به: أتقى أهل القرية أو المدينة، ومعنى (أتقى): أتقاهم لله، فلا شر منهم يوجد، ولا باطل ولا فساد؛ وذلك لكمال حياتهم.
والله يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، أي: العارفون بالله عز وجل، وبمحابه ومكارهه، العارفون بشرعه وما يحويه من هدى ونور، هؤلاء هم أتقى الناس لله عز وجل، وعلة ذلك: علمهم؛ ولذا كان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
هذه العقيدة الإسلامية -معشر المستمعين والمستمعات- مبناها الذي تقوم عليه: ستة أركان، فيجب أن تعلم هذه الأركان الستة بالضرورة، فبعد أن تصدق تصديقًا جازماً قاطعاً أنه لا إله إلا الله، اعلم أن أركان العقيدة هي الإيمان بالله، ثم الإيمان بملائكته، ثم الإيمان بكتبه، ثم الإيمان برسله، ثم الإيمان باليوم الآخر، ثم الإيمان بالقضاء والقدر.
هذه ستة أركان، إذا سقط ركن منها انهار البناء وسقط، ولو أن المرء يقول: أنا لا أؤمن فقط بالبعث الآخر لحكم المسلمون بكفره، ولو قال: أنا آمنت بالله ولقائه إلا أنني لا أؤمن بالقضاء والقدر الإلهي حكم المسلمين بكفره وسقط، وليس بالمؤمن.
ولو آمن برسل الله كلهم ثلاثمائة وأربعة عشر، وقال: أستثني عيسى لا أؤمن به، أو محمد بن عبد الله لا أصدق به؛ حكم المسلمون بكفره ولم يكن مؤمناً.. مات.. العقيدة تهلهلت ..سقطت.. أصبح ميتاً.
فلهذا درسنا هذه الأركان، وانتهى بنا الدرس إلى الركن الرابع: الإيمان بالرسل.
وعرفنا موجزاً لذلك، وهو: أن الرسل الذين أرسلهم الله إلى الأمم يحملون رسالة الله لإبلاغها إياهم؛ لأجل هدايتهم وليسعدوا ويكملوا، وهم ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أما الأنبياء فهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ولسنا مأمورين بحفظ أسمائهم أو بيان معرفتها، وإنما الذين ينبغي أن نحفظ أسماءهم وأن تكون معلومة عندنا خمسة وعشرون رسولاً، من بينهم أهل العزم الخمسة، هذه المجموعة من رسل الله جاء منها ثمانية عشر رسولاً في آية من سورة الأنعام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ .. [الأنعام:83]، تجد ثمانية عشر رسولاً، ويبقى سبعة موزعون في القرآن فاحفظهم واعلمهم.
وأولو العزم خمسة جاء ذكرهم في سورة الأحزاب، إذ قال تعالى: مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]، (منك) هذا الضمير الكاف للمخاطب، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك على الترتيب: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، فمحمد أفضلهم؛ لأنه ذكر أولهم، وبالترتيب الآتي: مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7].
إذاً: آمنا بالرسل بهذا الإجمال، ثم أخذنا نؤمن برسولنا، ونذكر الأدلة القطعية الدالة على رسالته، وأنه قطعاً رسول الله أرسله إلى الناس كافة.
فالأدلة النقلية: شهادة الله عز وجل وملائكته لمحمد بن عبد الله بأنه رسول الله.. بعد هذا تطلب دليلاً؟!
قال تعالى من سورة النساء: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:166].
وقول الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح:29]، هذا الخبر خبر من؟ خبر الله. أيكذب الله فيقول: (رسول الله) وليس برسول الله؟! حاشا وكلا!!
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29]، وفي آيات كثيرة: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [البقرة:119].
فشهادة القرآن الكريم -وما أعظمها وأجلها- تقرر نبوة محمد ورسالته صلى الله عليه وسلم، ثم التوراة والإنجيل، وقد استمعنا إلى آيات الله في التوراة والإنجيل وهي تقرر النبوة المحمدية وتثبتها، وانتهينا من الأدلة النقلية.
يا عقلاء! أليس العقل يأمر بهذا؟ فسدت البلاد كلها.. ما تحتاج إلى من يصلح؟ تحتاج بالضرورة، وقد فسدت البشرية عربها وعجمها، واختلط أمر دينها، وأصبحت وثنية وشركاً وباطلاً؛ فاقتضى الحال إذاً إرسال رسول إلى البشرية من جديد. العقل يقول بهذا أم لا؟
هل تستطيع أن تصل إليه بفئوسها وحديدها وتقطعه؟
الجواب: لا. والرسول يدعو الله ويسأله انشقاق القمر، فيستجاب له. آية من آيات نبوته، والله لقد انفلق فلقتين، أقسم بالله، واقرءوا: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ [القمر:1-3] هذه أعظم آية، أعظم معجزة، أعظم من إحياء الميت، انشقاق القمر [ انشقاق القمر له صلى الله عليه وسلم، فقد طلب الوليد بن المغيرة وغيره من كفار قريش آية] طالبوا رسول الله بآية[ -معجزة- منه عليه السلام] أي: معجزة تشهد له بالنبوة وتقرر له الرسالة [ تدل على صدقه في دعوى النبوة والرسالة] .
قال [ فانشق له القمر فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه] أي: جبل أبي قبيس في مكة [ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( اشهدوا ). قال بعضهم: رأيت القمر بين فرجتي الجبل -جبل أبي قبيس- وقد سألت قريش أهل بلاد أخرى: هل شاهدوا انشقاق القمر، فأخبروا به كما رأوه] منشقاً فرقتين [ ونزل قول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [القمر:1-3] ] لا عقولهم.
هل يقوى الأطباء على هذا في لحظة؟! مستحيل. ليست إذاً قضية طب هذه، بل هذه قضية استجابة ربي تعالى لرسوله؛ ليثبت بذلك نبوته ويقرر رسالته في العالم.
قال: [ رمدت عينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر، فنفث فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرئتا كأن لم يكن بهما شيء ] أي: كأن لم يكن بعينيه شيء من الرمد.
هذه معجزة أم لا؟
المعجزة: هي الحال التي يعجز عنها البشر ولا يقدر عليها أحد، لِمَ هذه المعجزة؟ تعجز الخليقة كلها على أن يأتوا بمثلها؛ فيدل ذلك على أن هذا من الله، وهي تشهد لصاحبها بأنه رسول الله ونبيه.
قال: [ فقد دنا منه أعرابي] بدوي قرب من النبي صلى الله عليه وسلم [ وقال له] أي: الرسول صلى الله عليه وسلم [ (يا أعرابي! أين تريد؟ قال: إلى أهلي. قال: هل لك إلى خير؟)] هل لك رغبة في خير أدلك عليه أحسن من أهلك؟ [ فقال: ( وما هو؟) ]ما هذا الخير [ ( قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله )] كيف حالكم يا أهل لا إله إلا الله! هذا خير أم لا؟ عندكم أم لا؟ قولوا: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله، ملايين البشر حرموه، مليارات البشر حرموه، طول الدهر ونحن أعطيناه لا بالسيف ولا بالرمح، ولا.. ولا .. عطية الله أم لا؟ أم أنه ليس بخير كثير؟ ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل لك في خير عظيم، ما هذا الخير العظيم؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنها مفتاح دار السعادة؛ لأنها سبيل النجاة؛ لأنها فتح لباب العلم والمعرفة في هذه الحياة [ (فقال الأعرابي: من يشهد لك على ما تقول؟ )] يا أيها الرجل الكريم الذي تدعوني إلى الخير! هل لك من يشهد لك بما تقول؟ هذا قول الأعرابي [ ( فقال له صلى الله عليه وسلم: هذه الشجرة -يشير إلى شجرة بشاطئ الوادي أمامهما- فأقبلت تخد الأرض وتمزقها حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت كما قال عليه الصلاة والسلام )].
هل هذه المعجزة- وحدها- تقدر عليها البشرية؟ كيف تعرف أن هذا وقع وما تؤمن برسالته؟
والجواب: إذا كتب الله شقاوة العبد فلابد وأن تأتيه، فقريش يسمعون هذا ويشاهدونه .. وكم ..وكم ممن مات منهم على كفره ولم يسلم وإن كان العدد قليلاً.
هذه المعجزات تشهد أن محمداً رسول الله، مستحيل أن يكون غير رسول الله، العقل يحيله مع هذه الشهادات والمعجزات.
هل الخشبة لها لسان؟! ولها فطرة وذوق فتحن وتصيح؟! هذا مستحيل، لكن والله لقد وقع هذا؛ ليكون آية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، آية أنه رسول الله؛ ولذا أنطق الله هذا الجذع، والجذع لا ينطق.
قال: [ حنين جذع النخلة وبكاؤه بصوت سمعه من في مسجده قاطبة ] كل أهل المسجد -كما نحن الآن- سمعوه [ وذلك لما فارقه صلى الله عليه وسلم بعدما كان يخطب عليه كمنبر له، ولما صنع له المنبر وترك الصعود عليه؛ بكى حنيناً وشوقاً إليه صلى الله عليه وسلم، فقد سمع له صوت كصوت العشار ] ولقد رأينا في زمان مضى الصادق من أهل الإيمان من الصالحين يخرجون من المدينة يبكون كما تبكي النساء، يعليهم فراق المدينة النبوية فلا عجب! فكما أن الجذع بكى فالبشر لماذا لا يبكون؟! قال: [ ولم يسكت حتى جاءه الرسول عليه الصلاة والسلام ووضع يده الشريفة عليه فسكت ]، هدهده كما تهدهد المرأة طفلها حتى سكت الجذع.
من العباس هذا؟! إنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عبد المطلب! وعبد الله ولده الصغير، وتحت رسول الله صلى الله عليه وسلم خالته ميمونة ، وهو طفل صغير وقال في نفسه: ( لأرمقن الليلة صلاة رسول الله؟ ) أي: الليلة أنظر كيف يصلي الرسول في الليل -يعني: التهجد- لذكائه وفطنته، فما بلغ سن الرشد بعد. قال: ( فجئت. فلما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونامت خالتي توسدت عرض الوسادة ونمت )، والليلة ليلة خالته؛ ولهذا تحين الليلة التي تكون لخالته. قال : ( فلما مضى كذا من الليل، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شنٍ معلق- قربة قديمة- فصب الماء وتوضأ، ثم قام يصلي، فتوضأت أنا كما توضأ، وأتيته ووقفت إلى يساره أصلي بصلاته، فأخذني بيده اليسرى وجعلني عن يمينه، وكان يصلي ويطيل الصلاة القيام والقراءة، ويفتل أذني هكذا )؛ ليلاطفه حتى يستأنس لأنه في ظلام.
هذا ابن عباس دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين )، فكان حبر هذه الأمة بالفعل، بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هل هناك أية معجزة أعظم من هذه؟! أي عاقل ينكر رسالة محمد ويكذب بها؟!
الذين أنكروها وكذبوها قسمان: قسم عرفوا وشاهدوا وحافظوا على أموالهم ومناصبهم، وشهواتهم ودنياهم.
وقسم ما بلغهم ولا عرفوا، فهم جاهلون.
فنقول: هذا القرآن الكريم، هذا المصحف مائة وأربع عشرة سورة، ثلاثون جزءاً، ستون حزباً، علوم الأولين والآخرين موجودة فيه.
من أين هذا الكتاب؟ من كتبه؟ أم فلان، أو أبو فلان؟ ما مصدره؟ الدنيا تطأطئ رأسها كلها إلا قائل يقول: هذا كلام الله، أوحاه الله إلى الرسول محمد، وأنزله عليه خلال ثلاث وعشرين سنة، وقبض صلى الله عليه وسلم والكتاب بين يدي البشرية تقرؤه وتتلوه.
تلك المعجزات تقولون: مضت، فهذه المعجزة خالدة [ القرآن الكريم، الكتاب الذي فيه نبأ من قبلنا وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، وفيه الهدى والنور، فهو معجزته العظمى، وآية نبوته الخالدة والباقية على مر الأيام وكل العصور؛ ليظل بها الدليل قائماً على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام، والحجة ثابتة إلى الخلق إلى أن يرث الله الأرض.
فالقرآن العظيم من أعظم ما أوتي نبينا صلى الله عليه وسلم من المعجزات، ومن أكبر ما أوتي من البينات. وفيه يقول: ( ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات -أي: المعجزات- ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )] وهذا هو الحاصل، فيوم القيامة أكبر أمة تتبع رسولها أمة الإسلام، ودونها أمة موسى، ودون ذلك أمم، منهم من معه ألف، ومنهم معه خمسمائة، ومنهم من معه عشرة أنفار.
أولاً: الإيمان الصادق به نبياً ورسولاً، لو نصلب لو نحرق لو نقطع لا ننفي رسالته ونبوته أبداً؛ لما شاهدنا وعلمنا من هذه الآيات.
ثانياً: الإيمان به إيماناً لا يفارق قلوبنا، ولا يغيب عن أذهاننا وأسماعنا وأبصارنا، كأن محمد صلى الله عليه وسلم دائماً بيننا.
ثالثاً: حبه أكثر من حبنا لأنفسنا وأهلينا وأموالنا والناس أجمعين.
رابعاً: المشي وراءه والاقتداء به، فنسلك سلوكه في حياتنا، في الصلاة والزكاة، في الرباط والجهاد، في الذكر والدعاء، في الأكل والشرب، في العطاء والأخذ، في البيع والشراء، وسيرته قائمة ثابتة في كتبها نطلبها، ونقتدي به ونمشي وراءه في حياتنا كلها، ونجاهد أنفسنا أن لا ننحرف أدنى انحراف عن هديه وطريقته، وتلك ثمرة اجتماعنا وطلبنا للعلم، والله تعالى أسأل أن يحقق لنا ذلك، إنه وليه والقادر عليه.
الجواب: السائل يقول: يوجد من الناس ممن ينتسبون إلى الإسلام من يقولون: الأولياء الصالحون يعلمون الغيب، ونحن نسمع من أهل العلم: أن الغيب لله، بل نقرأ في كتاب الله: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، أي: ما الغيب إلا لله، وسمعنا الرسول يقول في كتاب الله: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [الأعراف:188]، وما بلغنا أن أئمة الإسلام كـأبي حنيفة أو أحمد أو الشافعي أو مالك إمام دار الهجرة أنهم كانوا يقولون: فلان يعلم الغيب، ولا يوجد في السنن ولا في المسانيد ولا في الصحاح ولا في غيرها من آثار أن هناك مسلماً من المسلمين يعلم الغيب، ونحن الآن نجد من يقول: فلان يعلم الغيب؛ لأنه ولي وعبد صالح؟
أولاً: بالله الذي لا إله غيره، لا يعلم الغيب إلا الله فقط، إذ استأثر الله به لحكمة عالية، لو جعلنا نعلم الغيب لوقفت الحياة ولم تمشِ، لو كنت تعرف ما يصير فيك غداً لما أكلت الليلة ولا شربت، فحجب الغيب هذا من مصلحة البشرية؛ لتستمر الحياة وتدوم إلى نهايتها.
ثم الذي يقول: أعلم الغيب. معناه: أنه كذب الله؛ وبذلك كفر وخرج من الإسلام، فالله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65] فلا يعلم الغيب إلا الله، وأنت تقول: أنا أيضاً أعلم. هذا كفر أم لا؟ والله كفر.
ثم هؤلاء الذين يدعون علم الغيب يدعونه لصالحهم -أقسم بالله- لرفعتهم وعزهم وكرامتهم بين الجهال والعوام، وإلا فأي داع يدعو إلى ذلك؟!
ثم يقول السائل: يستشهدون بقول عمر : (يا سارية ! الجبل)، هذه حادثة تعتبر كرامة من كرامات الله لأوليائه، فـعمر يخطب على المنبر فما شعر إلا وهو ينطق يا سارية ! الجبل .. يا سارية ! الجبل! وسارية قائد يقود معركة في العراق، وضاقت به المعركة وما عرف الخروج، فألهم الله عمر أن ينطق وهو في المدينة، وصوته يُسمع في العراق: يا سارية الجبل! فانضموا إلى الجبل ونجوا وانتصروا في المعركة.
هذه كرامة من كرامات الله لأوليائه، عمر كان أصفى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روحاً؛ فلهذا أوتي ما لم يؤتَ غيره؛ وذلك لصفاء روحه، حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإن يكن في أمتي هذه منهم ؛ فإنه
نضرب مثلاً: بِمَ نال عمر هذا المنال؟ لأنه انقطع إلى الله عز وجل انقطاعاً كاملاً، رغب عن هذه الدنيا وأوساخها وشهواتها، وهو والله خليفة المسلمين يحمل اللحم في طرف ثوبه من السوق إلى بيته.
فلهذا أذكر حادثة بعينها: استدعاه أحد ولاته إلى غداء، ووضع السفرة منوعة الطعام كسفركم، فما إن رآها عمر حتى انتفض كالأسد وقام. فقال الوالي: لِمَ يا خليفة رسول الله؟! قال: خشيت أن أكون ممن قال الله فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20]، وأبى أن يأكل الطعام! فمن هذا الذي يساوي عمر ؟!
ويقول ابنه عبد الله : ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن.
فهذا الباب مفتوح إلى يوم القيامة، أيما مؤمن صفت روحه وزكت نفسه، وغشيته الأنوار لطهارته؛ إلا ويصبح قلّ ما يخطئ في نظرية من النظريات، لكن النظريات غير علم الغيب؛ فلهذا أنصح لكل مؤمن ومؤمنة أن لا يقبل أن فلاناً يقول الغيب ويعلم الغيب، والذي يدعي الغيب فقد كفر؛ لأنه كذب الله ورسوله.
الجواب: هذه مسألة فقهية، ظنوا أنها سجدة فسجدوا، والإمام قرأ وركع، فإذا أدركوه راكعاً يكفيهم ذلك، وإذا فاتهم الركوع يقضون ركعة أخرى بعد هذه، أما إذا أدركوه راكعاً فلا شيء عليهم.
الجواب: لا يسوغ، لا يسوغ، لا يسوغ؛ لأن الله قال: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، كيف هو يقرأ وأنت تقرأ؟ فلا استمعت ولا أنصت.
هذه بدعة ابتدعها بعض الطلاب أو بعض الجهلاء، عندما كان المصحف في ذراع أو ذراعين ما كان يقول هذا المؤمن، لكن عندما صار المصحف بالجيب وفي اليد أخذوا يستعملونه. يقول: أنا أتابع قراءة الإمام، وهذا لا يجوز، يجب أن تنصت وأن تسمع.
الجواب: يجوز أن يؤمهم من هو أعلم منهم بكتاب الله، من هو أعرفهم بدين الله، فإن كان هو أعلمهم ولم يحفظ من القرآن إلا الثلث أو النصف أو الربع يجوز أن يؤمهم، ويجوز أن يقرأ هو من المصحف؛ الآن مصحف صغير في يده يقرأ ويركع ويتبعونه ولا حرج؛ لأنهم يسمعون تلاوته.
الجواب: بعض العوام أو الجهال يكبر مرة أو مرتين حتى يدرك الإمام، والصحيح: إذا كبر الإمام التكبيرة الأولى وفاتتك وكبرت أنت قل: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يكبر الثالثة ويدعو، وأنت تدعو، ثم يكبر الإمام الرابعة ويسلم، وتكبر أنت: الله أكبر وتسلم، وبذلك أدركت تكبيرة واحدة. قلت: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لفلان وارحمه، سلم الإمام: قل أنت: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، السلام عليكم.. تقضيها بدون دعاء، أما أن تكبر تكبيرتين أو ثلاثاً أثناء الصلاة فلا. لا يصح، لكن عندما يفرغ الإمام كبر التي فاتتك، تكبيرة أو تكبيرتين وسلم، فإذا فاتتك تكبيرتان أو تكبيرة أو ثلاث؛ لما يسلم الإمام قل: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر. السلام عليكم.
الجواب: الله أعلم، لكن الذي فتح الله به علينا واستنبطناه: هو أن من الخير لها أن لا تستعمل الحبوب، وتفطر في رمضان إذا حاضت، وتقضي ما فاتها في رمضان في غير رمضان، فتحصل على أجرين:
الأجر الأول: كونها أطاعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطرت لما حاضت، إذ أصل الحائض لا تصوم، هذا أجر. ولما انقضى رمضان وطهرت وجاء شوال قضت، هذا القضاء لها أجر فيه، فهي ذات أجرين.
أما إذا استعملت الحبوب وما حاضت وما صامت كم أجراً لها؟ أجر واحد كونها صامت، فمن الخير فيما يبدو أن لا تستعمل الحبوب، وتفطر في رمضان وتقضي، فهذا أفضل لها.
أما في قضية الحج، فقد روي أن بعض نساء الأصحاب رضوان الله عليهن كنّ يستعملن بعض الأعشاب لمنع الحيض من أجل الوقوف في عرفة وطواف الإفاضة، فذاك أمر واسع، أما في الصيام كونها تفطر وتقضي أفضل لها، والله أعلم.
الجواب: نقول: إذا كنت ناسياً وتذكرت بالفعل وبادرت إلى الحلق أو التقصير فلا بأس عليك، وإن لم تفعل فعليك هدي.
الجواب: يجوز أن تعطيه من الزكاة، لكن لا تعطيه الزكاة كلها.
الجواب: نعم. الأخ والأخت كالعم والعمة والخالة والخال، إذا كانوا فقراء يعطون من الزكاة وهم أولى، الذي لا يعطى الزكاة هو الابن وابن الابن والأب والجد والأم والجدة، أما الذين لا تجب نفقتك عليهم فتعطيهم الزكاة.
الجواب: لا يجوز، لا يجوز أن تسقطه من الزكاة، بل يجوز أن تعطيه الزكاة، وإذا أخذها وكانت كثيرة تقول: أنت الآن غني فأعطني بعض ديني؛ لا بأس، أما أن تقول له: سامحناك في المضيق الفلاني بالزكاة فلا يجوز، ليس في يدك، نعم.
الجواب: زكاة الفطر تجب صباح العيد، إن شئت أخرجتها أنت أو اتصلت بأهلك هاتفياً على أن يخرجوها نيابة عنك، الأمر واسع، فقط لا بد أن تخرجها سواء حيث أنت هنا أو حيث أهلك هناك، فإن كان أهلك في مكة وأنت في المدينة، وقلت لهم: أخرجوا ما عندي أنا فلا بأس، يخرجونها عنك.
الجواب: لا يجوز؛ لأنه لو مات خالك يجوز أن تتزوجها، أخوك كذلك لو مات جاز لك أن تتزوج امرأته؛ فكيف تصافحها؟ لا يجوز، وهنا أقول كلمة للمؤمنات: يا معشر المؤمنات في المسجد النبوي! إن حالاً غير مرضية تظهر عليكنّ، وهو كشف وجوهكن- غير العجائز- وهذا لا يصح ولا يجوز أبداً، وإلا عطلنا القرآن. أين آيات الحجاب؟ ما معنى الحجاب هذا؟
أليس حجب المرأة يكون عن الرجال الفحول؟ فكيف تمشي بالشوارع بينهم، وهي تتلفت وتتحدث ووجهها مكشوف؟! هذا لا يصح أبداً بحال من الأحوال، ومن أفتى به أخطأ وحسابه على الله، فلابد وأن تستر المؤمنة الصغيرة وجهها بأي ستار، أما العجوز فقد عفا الله عنها، إذ قال: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، امرأة المائتين والمائة والخمسين والثلاثين لو تستر وجهها لكان ذلك خيراً لها؛ لقول الله تعالى: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60].
أما المرأة الشابة التي تلد وتتزوج وتخرج في الشارع، وتكشف عن وجهها وتنظر يميناً وشمالاً وتتكلم- أنا أسمع حديثهن، وأرى أن المرأة تتكلم في الشارع كأنها في السوق- فهذا ما لا ينبغي.
فالتوبة التوبة يا نساء المؤمنين! قبل فوات الوقت.
الجواب: إذا كان ما أعلن عن كفره وكان يؤمن بالله ولقائه، ولكن لجهله- وعامة الناس مثله- ما صلى، يجوز أن تعتمر عنه وادع له.
الجواب: يقول: نحن جماعة موظفون في مؤسسة من المؤسسات كالتعليم كالصناعة .. كذا، نفتح صندوقاً بيننا ونسهم فيه كل شهر بريال -مثلاً- فإذا احتاج أحدنا يأخذه، أو يأخذونه بالترتيب الأول فالأول.
سماحة مفتي الإسلام- لا ديار السعودية فقط- شيخنا عبد العزيز بن باز أفتى بجوازه؛ فلذا نقول بجوازه ولا حرج.
معاشر المؤمنين! هذا المؤمن الصالح يقول: ادع الله لي بالشفاء. ثلاثة أيام ما صام.
هيا نتوسل إلى الله بالإيمان به، وبحبه وحب رسوله أن يشفيه:
اللهم يا ولي المؤمنين! ويا متولي الصالحين! إنا نتوسل إليك بإيماننا بك وبرسولك، وبحبنا لك وحب رسولك وحب ما تحب يا رب العالمين! أن تشفي عبدك هذا شفاءً عاجلاً!
اللهم اشفه شفاءً عاجلاً، واشف كل مؤمن ومؤمنة يا رب العالمين! إن مرضى في بيوتنا وآخرين في مشافينا، فاشف الجميع يا رب العالمين! إنه لا شفاء إلا شفاؤك.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر