إسلام ويب

عمل المرأةللشيخ : عبد الباري الثبيتي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كفل الإسلام للمرأة حقوقاً لا تحلم بها في أي عصر أو زمان أو مكان، بل عجزت عقول البشر وواضعي حقوق الإنسان أن تصل إلى مستوى حقوق المرأة في الإسلام، فقد ضمن لها الإسلام حقوقاً بنتاً وأختاً وزوجة ورفيقة درب وشريكة حياة.
    الحمد لله العلي القدير، العليم الخبير، الذي أحاط بكل شيء علماً وإليه المصير، نهى المرأة عن تبرجها ومواطن الفساد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر النساء بالحشمة والحياء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه الله إلينا بالهدى، فكان لنا معلماً ومرشداً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم أشرق نور الإسلام، فاكتسح الظلام، وأفاض الخير، ونشر العدل، ومن ثَمَّ استعادت المرأة حقوقها، وعرفت منـزلتها، واستنشقت نسمات الحرية، يتلفت الإنسان في عالمنا المعاصر فلا يرى إلا سُعار الشهوات، وحمى المغريات، ويرى المرأة المسكينة تترنح تحت سياطها، وتصطلي بنارها، يرى تحت طلاء العصرية والحرية والحضارة لهيب الشقاء والنكد والعبودية، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].

    تواجه المرأة المسلمة أمام هذا المد الإعلامي والدعائي الفضائي الهادر دعاوى منهزمة، يصوَّر فيها أن حياتها رزية، وحقوقها مسلوبة، وكرامتها مهدرة، ومنـزلتها منحطة، حيث ارتدى الأعداء مسوح المحبة والود، ولبس الذئاب براقع العطف والرعاية، يعرضون أفانين السُم فيما لذ وطاب من الدسم، وهيهات هيهات أن تعبر الدعاوى الثغور، أو تطفئ النور، فقد كفل الإسلام للمرأة حقوقاً لا تحلم بها في أي عصر وفي أي مكان، بل عجزت عقول البشر، وعجزت عقول واضعي حقوق الإنسان أن تصل إلى مستوى حقوق المرأة في الإسلام، فقد ضمن لها الإسلام حقوقها بنتاً، وأختاً، وأماً، وزوجةً.. رفيقةَ دربٍ وشريكة حياة.

    ولقد أنكر القرآن على المشركين تشاؤمهم بالأنثى وعاب عليهم ذلك، فقال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58].

    اعتبر الإسلام البنت من أسباب دخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا دخل الجنة) أخرجه الترمذي .

    ولقد أعطى الإسلام المرأة كامل الحرية في اختيار الزوج، ولو أُكرهت على الزواج من شخص لا ترتضيه، فالشارع يجعل الأمر إليها، إن شاءت أمضت، وإن شاءت فسخت النكاح.

    وحين تكون المرأة أماً، فإن منـزلتها في الإسلام عظيمة، وثوابها جزيل، ويكفي أن التواضع لها سبب لدخول الجنة، قال عليه الصلاة والسلام لمن ترك أمه وأراد الغزو: (ويحك! الزم رِجْلها فَثَمَّ الجنة) ولأنها تعاني متاعب الحمل، وتكابد آلام الوضع، ومشقة الرعاية في الصغر والكِبَر،فلذلك جعل الإسلام بر الأم أكبر، والوفاء لها أعظم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك).

    وقد نشرت الصحف قصة شاب غربي قَبِل أن يئوي أمه العجوز في بيته، مقابل أن تقوم بخدمته وخدمة زوجته وأولاده، وتأوي في بيته، وهذا يُعتبر كرماً من هذا الولد البار بأمه، وشتان بين الإسلام وبين أولئك.

    إن المسلم لا تنقطع صلته بأمه وأبيه حتى بعد الموت: (جاء رجل، فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم. الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما).

    دور المرأة في التضحية والبناء

    إلى جانب ذلك كله -عباد الله- حافظ الإسلام على المرأة وصانها من عبث العابثين وطمع الطامعين، فالإسلام أراد لها أن تبقى جوهرة مصونة مكنونة، لا تمتد إليها يد آثمة، أو لسان فاسقٍ بأذى، فحرم الاختلاط، وحرم السفور والتبرج، وألزمها بالحجاب؛ صيانة لعفتها، وحفظاً لكرامتها.

    فالمرأة في الإسلام -عباد الله- ليست كما يزعمون كَمَّاً مهملاً، وطاقة مهدرة، ورئة معطلةً، أسيرة جدران أربعة، فلو عاش هؤلاء الإسلام حقيقةً وقرءوا التاريخ، لنطق لهم بأجلى بيان، وتحدث بأوضح أسلوب عن الدور العظيم الذي قامت به المرأة في زمن أشرق بالنبوة والرسالة، فقد كانت المرأة تهز المهد بيمينها، وتهز العالم بشمالها، عندما تنشئ قادة ومفكرين وأبطالاً ميامين، تفخر بهم الأمة.

    نعم! كانت المرأة وما زالت لها دور في التربية والبناء والبطولة والتضحية والرأي والمشورة، كانت مثالاً يُحتذى في العبادة والقيام والزهد والدعوة.

    حماية المرأة للرسالة ومساندتها للدعوة

    فهذه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تفني شبابها سنداً للدعوة، وحاميةً للرسالة، وهي أول قلب آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقدمت المرأة دمها وحياتها في سبيل الله شهيدة طاهرة، بل كانت المرأة أول شهيدة في الإسلام، إنها سمية زوجة ياسر ، وأم عمار بن ياسر .

    كانت المرأة في الإسلام فقيهة.. بارعة.. عالمة.. حاوية.. قال أبو موسى الأشعري : [ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً] فصارت رضي الله عنها مرجعاً في كل علم، وحلّالة لكل مشكلة.

    أسهمت الفتاة المسلمة بكل جهدٍ في نصرة الإسلام والمسلمين، ولذلك وُصفت أسماء بنت أبي بكر بذات النطاقين على مدار التاريخ، بتضحيةٍ بذلتها في الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي موقف عصيب عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، في صلح الحديبية, تأتي مشورة زوجه أم سلمة منقذة لذلك الموقف العصيب.

    المرأة في قيام الليل وطلب الرزق الحلال

    أما نساء الليل فالحديث عنهن يطول، ونقتطف من نسماته موقف امرأة حبيب أبي محمد الفارسي، فلقد كانت توقظه بالليل وتقول: قم يا حبيب! فإن الطريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت من بين أيدينا، ونحن قد بقينا، المرأة توجه الأجيال، وتهذب أخلاق الرجال، فيصنع بهن التاريخ.

    لقد كان نساء السلف يوصين أزواجهن إذا خرجوا للسعي والكسب فيقلن لهم: [اتقوا الله فينا، ولا تطعمونا الحرام، فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار].

    وتقول أم سفيان لابنها: اذهب واطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي وتقول: يا بني، إذا حفظت شيئاً من العلم، فانظر هل تزيد أم تنقص.

    إن المرأة وإن كانت قارة في بيتها إلا أنها تعيش آلام المجتمع.. أحزان اليتامى.. تشعر بمأساة الأمة.. تدفع من مالها وتنفق للخير من وقتها.. تقول عائشة عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن: [ولم أرَ امرأة قط خيراً في الدين من زينت بنت جحش ، وأتقى لله وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً في العمل الذي تصدقُ به وتتقرب به إلى الله].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089032002

    عدد مرات الحفظ

    780742344