إسلام ويب

هل من عودة إلى الله [1، 2]للشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه لم يخلق خلقاً معصومين عن المعاصي والآثام إلا الأنبياء، فقد كتب الله لهم العصمة حتى يكونوا أهلاً للرسالة والبلاغ، لكنه قد جعل للعبد المذنب مخرجاً من الذنوب، وهو: التوبة إلى الله عز وجل، فالتوبة سبب لنجاة العبد وحلول البركة والرزق، وتكثير الأموال والأولاد، وهي موجبة لرحمة الله سبحانه وتعالى، فالبدار إلى التوبة النصوح بشروطها.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

    أما بعد..

    أيها الأحباب الكرام! إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم تحت ظل عرشه ومستقر رحمته، اللهم لك الحمد أنت الذي خلقتنا ورزقتنا وكفيتنا وآويتنا، كبرتنا من صغر، وقويتنا من ضعف، وشفيتنا من مرض، وكسوتنا من عري، وأطعمتنا من جوع، وسقيتنا من ظمأ، وعلمتنا من جهالة، وهديتنا من ضلالة، ودللتنا إليك من حيرة، وحببت إلينا الإيمان وزينته في قلوبنا، وكرهت إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ووفقتنا إلى التوبة، وأعطيتنا من قبل أن نسأل، فلا تردنا ونحن نسأل يا أرحم الراحمين!

    اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، انصر المجاهدين في فلسطين ، وفي أفغانستان ، وفي كل مكان، وردنا إلى الكويت رداً جميلاً، واحفظ إخواننا المرابطين هناك، اللهم احقن دماءهم، وصن أعراضهم، وآمن روعاتهم، واستر عوراتهم، وأعنا على نصرتهم يا رب العالمين!

    واغفر اللهم لنا تقصيرنا وذنوبنا التي كانت سبباً في بلائنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

    الذنب كبير، والعمل قليل، ولا نثق إلا برحمتك يا أرحم الراحمين! لو كانت لنا مثل جميع حسنات عبادك ما دخلنا جنتك إلا برحمتك، ولو كانت علينا مثل جميع ذنوب عبادك إلا الشرك ما يئسنا من رحمتك، ونسألك أن تسعنا مغفرتك يا أرحم الراحمين! يا غفور! يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد اغفر خطايا وذنوبنا!

    أيها الأحباب الكرام! نتذكر الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتوب ويستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإذا أراد أن يختم صلاته يقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وخطئي وعمدي، وهزلي وجدي، وكل ذلك عندي) يعلم أمته كيف تتواضع أمام الله، المعصوم الذي تاب الله عليه في سورة التوبة يقول: (وكل ذلك عندي) فماذا نقول نحن؟!! ولو كان لنا في كل يوم معصية بأي وجه نقابل الله خلال عمرنا الطويل، وفي كل يوم لنا ذنب واحد وفي الشهر ثلاثين ذنباً. كم في السنة؟ كم في العمر؟ فلنتذكر -أيها الأحباب- أن الله قال للمؤمنين: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:31] وتوبة المؤمن لما عمل، ولما لم يعمل، ولما علم، ولما لم يعلم، ولعل هناك من الذنوب لا تعرفها ويعلمها الله، لكنه يغفر ويحلم ويصبر، وما أصابكم جميعاً من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير سبحانه وتعالى.

    كانت أسماء ذات النطاقين رضوان الله عليها ابنة الصديق ، وزوجة المبشر بالجنة الزبير ، وأم الخليفة الشهيد/ عبد الله بن الزبير ، وأخت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا أصابها الصداع تمسك رأسها بيديها، وتقول: (هذا بذنبي ويعفو عن كثير، هذا بذنبي ويعفو عن كثير) وبعض المسلمين اليوم إذا أصيب شكا ربه إلى الناس، فيشكو الذي يرحم إلى الذي لا يرحم، يتأوه ويتألم، ويقول: حدث لي كذا .. وحدث لي كذا .. وحدث لي كذا .. والإمام أحمد رحمة الله عليه سمعه ابنه وهو في نزعه الأخير وله أنين، فقال: يا أبتاه! إن الأنين من الشكوى، فقطع الأنين حتى مات:

    سبحان علام الغيوب     عجباً لتصريف الخطوب

    تغدو على مهج النفوس     وتجتني ثمر القلوب

    حتى متى يا نفس تغترين بالأمل الكذوب

    الأمل الكذوب: أمل التسويف، سوف أتوب، سوف أنيب، والنفس الأمارة بالسوء المسوفة تقول له: تمتع في شبابك، فإنها فرصة العمر، وآخر العمر موت، ولا تقول له: وبعد الموت بعث، إنما توهمه أن الحياة فقط هي حياة الدنيا.

    الأمل الكذوب يظل صاحبه يتبعه، فيقطعه الأجل، ومعظم أهل القبور ماتوا وهم مشغولون خلف الأمل، ولو بعثهم الله وسألتهم: على أي شيء ماتوا؟ لقال كثير منهم: متنا ولم نتم الدار، ولم نزوج الأولاد، ولم نكثر الأموال، ولم نحصد الزروع.

    كثيرٌ منهم يموت ويوصي أبناءه: اقبضوا قيمة الشقة الفلانية، والشقة العلانية، ولا يتذكر شق الأرض الذي فيه يلحد، ولا يبقى للإنسان إلا أملٌ واحدٌ: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46].

    تغدو على مهج النفوس     وتجتني ثمر القلوب

    حتى متى يا نفس تغـ     ـترين بالأمل الكذوب

    يا نفس توبي قبل ألا      تستطيعي أن تتوبي

    واستغفري لذنوبك الرحمن     غفار الذنوب

    إن المنايا كالرياح عليك     دائمة الهبوب

    والموت شرعٌ واحـدٌ     والناس مختلفو الدروب

    ولقلما ينجو الفتى بتقاه     من لطخ العيوب

    من ينجو من العيوب والذنوب؟ إذاً التوبة! التوبة! وا أسفاه على لحظات التوبة ساعة الأسحار عند وجوب الاستغفار! يوم ينـزل الجبار إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ وينام العاصون، ويستيقظ الطائعون الذي لم يذنب يبكي بعد قيام الليل لا يدري يأتيه الصباح أو لا يأتيه، أتعبهم القيام، وأضناهم الصيام، فلما جاء وقت السحر، تذكروا ما هم عليه من تقصير، وأنهم ما وفوا الله حقه، وأن حق الله أعظم وأكبر وأكثر، تذكروا وهم يقومون عن الطاعات كأنهم يقومون على الكبائر والمعاصي، فأكثروا الاستغفار بعد الاستغفار وقت الأسحار: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] أما العاصون فهم يغطون في النوم لا يبالون، كل ليلة ينـزل الله إلى السماء الدنيا ويقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ ينام السكارى والزناة وأكلة الربا وقاطعو الأرحام ويتقدمون إلى النار ولا يبالون، والطائعون يبكون يقول أحدهم: إلهي وسيدي وخالقي ومولاي إن نظرت إلى ذنوبي فإني أستحق العقوبة بعد العقوبة، ولكنك أنت الستير، فاغفر لي واسترني، ولو كانت لذنوبي رائحة ما جلس إلي أحدٌ من الناس.

    أيا من ليس لي منه مجير     بعفوك من عذابك أستجير

    أنا العبد المقر بكل ذنبٍ     وأنت السيد المولى الغفور

    فإن عذبتني فبسوء فعلي     وإن تغفر فأنت به جدير

    أفر إليك منك وأين إلا     إليك يفر منك المستجير

    والمستجير محمد صلى الله عليه وسلم تفقده أم المؤمنين عائشة فتتلمس في الظلام، فتقع يداها على راحة قدميه وهو ساجد يناجي ربه ويقول: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ويقول: (ربي اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم) ويقول في دعاء سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

    أحبابنا الكرام! بعد هذه المقدمة لابد من التوبة والرجوع إلى الله على جميع المستويات حكاماً ومحكومين، رجالاً ونساءً، مدنيين وعسكريين، توبوا إلى الله جميعاً، لأن الله لو حاسبنا بحقه لهلكنا، وإنما يحاسبنا بفضله وبره ورحمته لا إله إلا هو، ولو تفحصنا الكتاب لوجدنا الله يقسم الناس إلى قسمين: تائب، وظالم، ولا ثالث لهما، يقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].

    إذاً نقول: تبنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، فاغفر لنا يا أرحم الراحمين! ونحن الآن نمر في فتنة ومحنة، وكما تعلمون أن البلاء لا يكون إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، وهذا أوان التوبة، الأعداء في الداخل وفي الخارج ومكر الليل والنهار، وقد رفع الشيطان لواءه، وأحاط به شياطين الإنس والجن يأزون الناس أزاً، يلبسون عليهم دينهم، يتمسحون مرة باسم الإسلام، فيذبحون الإسلام باسم الإسلام، ويخنقون الحرية باسم الحرية، ويهدرون الكرامة باسم الكرامة، وهناك كثيرٌ من الشعوب قد سلب منها التوحيد، وعبدت القبور والأضرحة، وأشركت بالله وهي لا تعلم، وهناك مؤتمرات ومؤامرات تعقد لاقتلاع الإيمان من صدور المؤمنين، ولكن هيهات! هيهات! إن جبال الإيمان في قلوب المؤمنين لا تزول ولا تحول: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46] ( وإن كان) أي: وما كان مكرهم لتزول منه جبال الإيمان الراسيات الثابتات، لأن الله هو الذي يثبتها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089023743

    عدد مرات الحفظ

    780676336