إسلام ويب

عبر من الحب والكراهيةللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإنسان بقلة علمه وضعف إدراكه، لا يستطيع معرفة المستقبل وما تئول إليه الأمور، فالله جل وعلا هو الذي يعلم الغيب، وقد يحرمنا من أشياء نظن أن فيها خيراً، ولكن الحقيقة أن فيها شراً، وكذلك قد تكتب علينا أشياء نكرهها -مثل القتال- ولكنه جل وعلا يضع فيها خيراً كثيراً، وهنا أمثلة واقعية لذلك.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    اللهم ربنا لك الحمد أنت الذي خلقتنا من عدم، وأسبغت علينا وافر النعم، كبرتنا من صغر، وأطعمتنا من جوع، وسقيتنا من ظمأ، وعلمتنا من جهالة، وهديتنا من ضلالة، وحببت إلينا الإيمان وزينته في قلوبنا، وكرهت إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وعلمتنا قراءة القرآن، وكثرت حولنا الأحباب والإخوان، اللهم لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

    وأصلي وأسلم على قدوتي وقرة عيني محمد بن عبد الله، وعلى أصحابه وخلفائه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

    اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك.

    اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، واجعل جمعنا هذا مرحوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، اللهم حقق بالصالحات آمالنا، واختم بالطاعات أعمالنا، واجعل بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين في أمن وإيمان، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدميره في تدبيره، اللهم اجعلنا وبلدنا في أمن وإيمان، في ضمانك وأمانك وبرك وإحسانك، احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم أنت ملاذنا ومعاذنا ومصيرنا وظهيرنا، وحسبنا ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير، نسألك اللهم لنا ولأولادنا وأرحامنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء، اجعل لنا في عامنا هذا في أوله صلاحاً وفي أوسطه فلاحاً، وفي آخره نجاحاً، وعتقاً من النار برحمتك يا أرحم الراحمين.

    أمــا بـعـد:

    أيها الأحباب الكرام: أشهد الله وملائكته والناس أجمعين أني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في مستقر رحمته وفي ظل عرشه، وأن يسمعنا نداءه على رءوس الخلائق: (أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).

    أيها الأحبة الكرام: يقول تعالى في كتابه الكريم: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] هذه الآية الكريمة -أيها الأحباب الكرام- أعتبرها حلالة المشاكل، وهي التي تدفع الرضا في قلب العبد المؤمن، كم من أمر حدث لنا تضايقنا منه في أول الأمر وتبرمنا وشكونا وتمنينا ألا يحدث، ثم نفاجأ في نهايته أن فيه الخير كل الخير.

    كم من إنسان تزوج امرأة ولكنه في شهوره الأولى لم يجدها على حسب ما اشتهى، كان يظن أن الزواج كما يشاهد في التلفزيون والمسرحيات والسينما؛ أنها تختار العبارة، وتختار الكلمة والحركة، وتتغنج وتتدلع، ويظن أن الزواج يكون بحركات السينمائيين والفنانين، فلما تزوج وجدها امرأة شريفة عفيفة حيية، ذاكرة لله عارفة لدينها عارفة لربها، لا تعرف من فنون وخبث وبدع هؤلاء السينمائيين والمسرحيين؛ فلهذا فوجئ وقال: أهذا هو الزواج الذي يذكر؟ ولكن لما صبر عليها ومر العام الأول فإذا به يراها كنـزاً لا تنتهي عجائبه ولا خزائنه، وجد عندها الصدق والإخلاص والأمانة والوفاء والكرامة، وكانت نعم الأم لنعم الأولاد والبنات، وظل يردد على مسامعها: إنني أحمد الله كثيراً أن كنت زوجتي، ولم تكن تلك المرأة التي في خيالي وكنت أرسمها من خلال شاشة التلفزيون أو السينما.

    كثير من الشباب -أيها الإخوة الكرام- كان يظن أن الزواج كما يقرأ أو يشاهد في الجرائد والصحف، ولم يعلم أن الزواج عالم آخر فيه مودة ورحمة، وفيه آيات الله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21].

    لم يجعل بين المتزوجين العشق السينمائي والغرام المسرحي والفن التلفازي، وإنما جعل بينهم شيئاً آخر يدوم ولا ينقطع، لا كما يقولون: الحب من أول نظرة، إنما هي علاقة قلب من قلب وروح بروح، ولهذا يدوم الزواج القديم أكثر من الزواج الحديث، آخر إحصائية قرأتها يقول لك: (75%) من العقود تتعرض للطلاق، لا حول ولا قوة إلا بالله! ما السبب؟ مع أن الزواج القديم كل مائة حالة زواج تسعين أو خمسة وتسعين تثبت وخمسة في المائة فقط هي التي تتزعزع، السبب في ذلك: أن الزواج الحديث -مع الأسف الشديد- دفع أهلُ الفن والفنانون في نفوس الشباب نموذجاً خاصاً للمرأة، يريدها خفيفة الظل، خفيفة العبارة، كثيرة الحركة، تغمز وتلمز وترقص وتتدلع، ويظن أن هذه الذي يراها في الفيلم هي الزوجة المثالية، أما الصامتة الهادئة الحيية فيظهرها الفن أنها غبية ساذجة بليدة، ولا بد أن يأخذ عليها أو يطلقها، ولما كان هذا المفهوم المعكوس المنكوس يحل في نفوس الناس تعرضت تلك الزواجات إلى الانهيار والتمزق ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    إذاً: عندما يقول الله: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] نعم ورب الكعبة! كم واحد جاء إلي وقال لي: يا أخي! أنا عازم على طلاقها.

    يا أخي! لماذا؟

    قال: لا أحبها.. رضي الله عن عمر، لما جاءه رجل وقال: [إني أريد أن أطلق زوجتي، قال: ولم؟ قال: لا أحبها يا أمير المؤمنين. دائماً يريد أن يكون قيساً وهي تكون ليلى ! فقال عمر: أوكل البيوت تبنى على الحب يا رجل؟ أين الوفاء والعهد والتذمم؟ أين هذا كله؟ ] فلما سكن الرجل رأى زوجته بعد مدة أنها هي المرأة التي يجب أن تكون له.

    مواقف كرهها الصحابة وجعل الله فيها خيراً

    أيها الأحبة: هذه الآية كم فيها من العلم وكم فيها من الفهم! وسأذكر لكم مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن حياة أصحابه والتابعين وفي واقعنا اليوم؛ لتروا كيف تكون هذه الآية فعلاً كما ذكرت لكم أنها حلالة المشاكل.

    الرسول صلى الله عليه وسلم كان كارهاً أشد الكره أن يتعرض أصحابه إلى الفتنة والإيذاء في مكة ، ولكن الله ابتلاه بالفتنة والإيذاء في مكة؛ فتعرضوا إلى الهجرتين إلى الحبشة ، فكانت هذه الهجرة إلى الحبشة (الأولى والثانية) سبباً في هداية ملك من ملوك النصارى وهو النجاشي، الذي دخل في الإسلام والتوحيد، إذاً كما يقول الله: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216].

    وكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كارهاً أن يترك مكة ، حتى أنه كان يلتفت إلى جبالها ويقول: (يعلم الله أنك أحب البقاع إليَّ وأحب البقاع إلى الله، ولكن أهلك أخرجوني) كان صلى الله عليه وسلم لا يحب الخروج من مكة لحبه لـمكة ، ولكن كم انطوى في هذا الخروج من خير.. قامت دولة الإيمان والإسلام على يثرب ، وجاءت المدينة المنورة تنشر راية التوحيد والجهاد.

    وأصحابه لما قضى الله لهم القتال في بدر كانوا قد خرجوا معه من أجل القافلة، والقافلة كم فيها؟ ليتخيل كل واحد منكم لو أن الصحابة فازوا بالقافلة ماذا سيكتب التاريخ؟ سيقول أعداء الدين والمستشرقون: خرج محمد وعصابته وقطعوا الطريق على قوافل آمنة وسرقوها، هكذا يقول المستشرقون، وهكذا يقول العلمانيون من أبنائنا الذين درسوا في الغرب وتتلمذوا على أساتذة الغرب، يطعنون في محمد صلى الله عليه وسلم، ويتهجمون بأقلامهم في صحفنا التي نشتريها بأموالنا ونقرؤها، كل يوم، والله كل يوم أقرأ تهجماً على الدين وتهجماً على الإسلام، عندما أقرأ الجرائد في كل خمس أو ست جرائد لابد أن أجد واحدة أو اثنتين فيهما تهجم على الإسلام؛ لهذا لا تعجبوا يوم أن فتح الله بغزوة بدر ولم يفتح بالقافلة، القافلة فيها أرز أو قمح كم فيها؟ لكن انظر فتح بدر ولكن الصحابة كانوا كارهين .. كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [الأنفال:5] سبحان الله! كرهوا الخروج، وأبو أيوب الأنصاري يقول: [كأنها نزلت فينا] ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل الخير كل الخير فيما كرهوا رضي الله عنهم وأرضاهم، انتصر معسكر الإيمان على معسكر الشيطان، وكانت لدولة الإيمان مهابة عظيمة، حتى إن المنافقين أخذوا يهابون الرسول صلى الله عليه وسلم، واليهود يحسبون ألف حساب للجيش الإسلامي، كل ذلك كان بفتح الله بغزوة بدر الذي كان يكره بعض الصحابة أن يخوضوها ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    حادثة أخرى: كم تضايق الصحابة لما عادوا من الحديبية ولم يدخلوا مكة في عمرتهم، حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً، عندما حلق الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه ونحر هديه وفعل الصحابة بأنفسهم حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً من شدة التنفيذ للهم والغم الذي كان في قلوبهم، وعمر بن الخطاب يقول: (ألسنا بالمسلمين؟ ألست أنت برسول الله؟ لماذا نعطي الدنية في ديننا؟ لماذا تعاهد الكافرين على أنه إذا فر مسلم من المدينة لا يعاد إلى المدينة، وإذا فر مسلم من مكة إلينا في المدينة نعيده إليهم لكي نفتن يا رسول الله؟ لماذا هذه الذلة؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يا عمر! إن الله لن يضيعني ولن أعصي الله).

    وما إن عادوا من الحديبية إلا والقرآن ينزل والنبي تسير به الناقة حتى كاد فخذ أسامة بن زيد ينكسر رضي الله عنه، وكان تحت فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن ينـزل عليه: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح:1] يقول عمر: (أهو فتح يا رسول الله؟ قال: بلى إنه الفتح، فجثا عمر على ركبتيه يستغفر الله على ما فعل، وهو يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً) ثم أخذ يصوم كثيراً، ويعتق كثيراً، ويتصدق كثيراً، حتى يكفر خطيئته تلك.

    أرأيتم يا أحبابي في الله! كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] لهذا لو تتبعنا قصص القرآن لوجدنا العجائب، حيث إن هذه الآية تعبر عن أحداث قصص القرآن.

    قصة موسى عليه السلام موقف أمه

    وهذا الشعب المؤمن الذي كان فرعون يسومه سوء العذاب، يذبح أبناءه ويستحيي نساءه، والشعب إذا ذبح فيه الذكور وترك الإناث أصبح الشعب ضعيفاً، أصبح مهزوزاً؛ لأن المرأة إذا كبرت وليس عندها رجل ينفق عليها ويسعى عليها، سوف تمد يدها إلى الأنذال، سوف تمد يدها إلى المجرمين، فيبدءون يساومونها على عرضها ولا حول ولا قوة إلا بالله! كما يحدث في بعض البلاد العربية والإسلامية، يذبح شباب الدعوة الإسلامية ويدخلون في السجون والمعتقلات وتنصب لهم المشانق، ويتركون نساءهم حتى إنهم يمنعون كل من يتصدق عليهن، ويخرجون أولادهم من المدارس ولا يعالجونهم في المستشفيات، كل ذلك تضييقاً عليهم حتى يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، ولكن أين الخير في هذه القضية؟

    اسمعوا: لما ولدت أم موسى موسى احتارت فيه أين تذهب به؟ كل امرأة محسوبة في الحساب متى حملت، ومتى ستلد، وما نوع ولدها، ويذبح على صدرها وهي تنظر! وإذا بالله جل جلاله يجعل مكان الخوف أمناً، ومكان الكره خيراً، ومكان الشر رحمة... وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7] لا إله إلا الله! وهل تحتاج الأم في رضاعة ولدها إلى وحي؟ كل أم في قلبها رحمة تجاه ابنها ترضعه بدون وحي، ولكن هذه الرضعة رضعة خاصة، هذه الرضعة بأمر الله رب العالمين؛ لأن موسى إذا ذاق طعمها سيرفض جميع أنواع الحليب والرضاعة حتى يعود إلى آخر رضعة رضع أمه فيها، فالله يقول: أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ [القصص:7] كان الواحد يتوقع عنده الخوف والوجل أن يقول: إذا خفتِ عليه فاهربي به، إذا خفتِ عليه فأخفيه في البيت، إذا خفتِ عليه فغيري اسمه وملامحه حتى لا يظنوا أنه ولد، غيري ملابسه مثلاً، ولكن ميزان البشر غير ميزان الله أيها الإخوان، مقاييسنا نحن البشر غير مقياس الله وسنته فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7] ضعيه في البحر، مكان التماسيح والأسماك والوحوش، والأمواج التي تغرق، والتيارات الجارفة، هذا كله شر في شر، الله يجعل فيه كل خير: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7] وإذا وعد الله فالله لا يخلف الميعاد، فكان الخير في مكان الشر، إذ نشأ موسى في بيت فرعون؛ يأكل من طعامه، ويشرب من شرابه، ويلبس من لباسه.

    إن الله يمكر ويكيد بفرعون الطاغية المتجبر، حتى إذا بلغ موسى أشده ابتلاه الله وفتنه الله فتوناً عظيماً، ثم أرسله مرة ثانية إلى فرعون وقال الله سبحانه وتعالى: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] فأعطاه الرسالة وأعطاه المعية: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] والقصة باقيها معروف من طفل وليد صغير مطارد في تابوت يجرفه النهر إلى اللقطة الأخيرة وفرعون تتقاذفه الأمواج وهو يصيح صيحته الأخيرة، وجبريل عليه السلام يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو تراني -يا محمد- وأنا آخذ من طينة البحر وأحثو فم فرعون حتى لا تدركه رحمة) انظر رحمة الله الواسعة، هذا حديث صحيح يرويه السيوطي في صحيح الجامع الصغير ، جبريل أعلم مني ومنك ومن كثير من الناس برحمة الله، ولهذا لشدة ما ينتقم لله ويثأر لله قبل أن يصدق فرعون في توبته ألجمه بالتراب حتى مات كافراً والعياذ بالله.

    فرضية الفتال وما فيه من الخير الكثير

    أيها الأحبة: هذه الآية العظيمة كم تواسي القلوب المجروحة والنفوس المكلومة والعيون المحزونة.

    الإسلام -أيها الأحباب- دين الفطرة لا يصطدم مع فطرة الناس؛ الإسلام يعترف بأن القتل والقتال مكروه عند جميع الناس سوءاً كان هؤلاء الناس أنبياء أو صحابة أو تابعين، ليس هناك أحد يحب القتل والموت، فطرة البشر كلها تكره القتل والموت، والله يقرر هذه الحقيقة ويقول: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216]، الإسلام لا يقول: القتال جيد وأنتم تحبونه، لا. أولاً يقرر هذه الحقيقة وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ فإذا أكد هذه الحقيقة التي تتمشى مع فطرة الناس جميعاً، أعطى الله دوافع أخرى تجعل هذا المكروه محبوباً، وتجعل هذا المتعب راحة، وهي دوافع الإيمان والثواب ودوافع العقيدة، لهذا كان بلال يعذب، فيقولون: [كيف تصبر يا بلال ؟ قال: أخلط حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فتطغى حلاوة الإيمان على مرارة العذاب فأصبر]، والناس اليوم -مع الأسف الشديد- عندما يخوضون القتال مع عدوهم لم تكن عندهم تلك الحوافز.

    كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] أين الخير؟ الخير يوم كان الجهاد في سبيل الله، وراية الإسلام عزيزة.

    إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءت امرأة تشتري ذهباً من يهودي في المدينة ، فقال لها اليهودي: لا أبيعك الذهب حتى تكشفي عن مواضع حسنك وجمالك، فقالت: أنا امرأة مؤمنة وقد نزل الحجاب، وكان يهودي آخر خلفها، فربط طرف ثوبها بطرف خمارها، فلما قامت ارتفع الثوب وانكشفت عورتها، فصاحت: وا سوأتاه! وا إسلاماه! ومر رجل من المسلمين سمع هذه المرأة تصيح فما سأل: ما هو السبب؟ التفت يميناً وشمالاً فنظر يهودياً يضحك بجوارها، فسل السيف وأطاح برأسه، انظر غيرة المسلم والمؤمن، فاجتمع اليهود على هذا المؤمن وقتلوه، ولما وصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب حصاراً على بني قينقاع وأجلاهم عن المدينة ، وقد هم بإبادتهم لولا تدخل بعض المنافقين، وأخرجهم ونفاهم إلى خارج المدينة ، ثم قضى عليهم بعد ذلك، إنهم مرض عضال فتك بهم.

    انظروا إلى عزة الإيمان والإسلام، امرأة واحدة تصيح، أي مسلم بدون تحديد يستجيب لندائها ويحفظ ماء وجهها، الآن كم امرأة في عالمنا تصيح في فلسطين وفي لبنان وفي آسان وفي أفغانستان وفي الفليبين؟ كم من امرأة الآن تصيح ولا مجيب؟ والسبب: القتال والجهاد الذي كان كرهاً وفيه الخير الكثير، أصبحت الحرب الهجومية محرمة، هذا مكتوب في كل الدساتير، الحرب الهجومية محرمة، أي: الجهاد حرام إلى يوم القيامة، محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (الجهاد ماض إلى يوم القيامة) والدساتير تقول: الجهاد حرام إلى يوم القيامة، الواحد منا يقول: يا شيخ! أين الجهاد وأين دنياه؟ من تريد أن تجاهد؟ أمريكا أو روسيا؟ نحن فينا شدة أمريكا أو روسيا أو الكفار هؤلاء الذين اجتمعوا علينا، أقول: الأفغاني المسكين الحافي العاري الجائع لماذا الآن يجاهد خمس سنوات وهذه السنة السادسة، السبب: إن العقيدة والإيمان عنده غير الإيمان عند كثير من الناس، فلهذا أقول: إننا بأمس الحاجة إلى هذا الإيمان وهذه العقيدة التي ذكرتها في الأسبوع الماضي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088987734

    عدد مرات الحفظ

    780398571