إسلام ويب

سنن الله والرد على الصحافةللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للذنوب والمعاصي آثار عاجلة وأخرى آجلة، ولعل من مظاهر غضب الله على هذه الأمة تخلفها الملحوظ عن ركب التطور العالمي، وهذا ما أنكرته إحدى الصحف على أحد الخطباء. وهذا المادة تمثل مجموعة من الأدلة على انتقام الله من البشر، حين يغضبونه بذنوبهم، كعدم تحكيم شرع الله، والاستهزاء بالمقدسات، وجحود النعم، وتعاطي الربا، والوقوع في الفواحش. وهذه الأدلة تعالج الموضوع من خلال: النصوص الشرعية .. قصص الأمم السابقة .. والواقع المعاصر.
    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أعز أولياءه بالطاعات، وأذل أعداءه بالمعاصي والموبقات، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله بالإيمان والإسلام والقرآن، الحمد لله ببعثه محمداً صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، والصحابة والتابعين ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

    لك الحمد ربنا أنت الذي خلقتنا من عدم، وأسبغت علينا وافر النعم، كبرتنا من صغر، وأطعمتنا من جوع، وسقيتنا من ظمأ، وسترتنا من عورة، وشفيتنا من مرض، وكثرتنا من قلة، ورفعتنا من ذلة، وأمنتنا من خوف، وصبرتنا من جزع، وعلمتنا من جهالة، وهديتنا من ضلالة، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

    عباد الله! إني أحبكم في الله، واسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأبرأ إلى الله من ذنوبنا ومعاصينا التي بسببها تأخرنا وهزمنا، وأخذنا ومزقنا، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

    والذي لا يتقي الله لا يجعل له مخرجاً ولا يرزقه من حيث لا يحتسب.

    أيها الأحبة الكرام! قرأتم في الأسابيع الماضية مقولة في إحدى الصحف، كتبت على إثر خطبة خطبها أحد الخطباء المتطوعين، حيث قال: إن تخلف الأمة الإسلامية وهزائمها بسبب ذنوبها وغضب الله، فثارت ثائرة الصحيفة وردوا عليه، وقالوا له: إن الله لم يغضب على هذه الأمة، وإن هذا التخلف وتلك الهزائم لأننا ما أخذنا بركب العلم المادي والتقني والتكنولوجيا، ولا تضر الذنوب ولا تضر المعاصي، ثم أثاروها قضية وطلبوا لها الباحثين والدكاترة والمفتين، وأخذ كل يدلو بدلوه فيها.

    محصلة دعوى الصحيفة وبطلانها

    ومحصل ذلك أننا ظهرنا بنتيجة أن الله سبحانه وتعالى لم يغضب على هذه الأمة، وذنوبها لم تُغضب الله، وأن هذه الهزائم التي نحن فيها والتفرق والتخلف؛ بسبب أننا لم نأخذ بما أخذ به الغرب من العلم المادي، ولو أخذنا نحن ذلك ولو كنا عاصين وكافرين، لأصبحنا من المنتصرين المتقدمين، وهذه دعوى مبَطَّنة، ظاهرها فيه حق، وباطنها ينادي: أيها الناس: أذنبوا ما شئتم واعصوا ما أردتم، فإن الذنوب والمعاصي ليست معوقات.

    فليفتح باب الزنا على مصراعيه، والربا، ثم لننشئ مصانع تقنية، ونجري فيها التجارب الذرية، عند ذلك ننتصر على أعدائنا اعتماداً على هذه المصانع والتقنية، لا على الله ولا على رضوان الله.

    وأما ظاهر هذه المقالات ونحن نحسن الظن دائماً بالمسلمين؛ أنهم يريدون بعث هذه الأمة من جديد لكي تأخذ بالعلم المادي جنباً إلى جنب مع العلم الروحي الشرعي حتى لا تتخلف، ولكن أخشى أن يفهم من هذه المقالات أننا بخير، وأن ذنوبنا قليلة، وأن رضوان الله علينا على ما نحن فيه، والويل كل الويل للمجتمعات والأفراد إذا أصروا على الذنوب والمعاصي ولم يتطهروا منها، فإن سخط الله وغضبه يطاردهم كائناً ما كانوا، ولو كان معهم أنبياء ورسل وصديقون ومحدثون وصحابة، فإن الله سبحانه وتعالى ينزل العقوبة فينجي من يشاء ويأخذ من يشاء.

    تدمير الأمم السابقة بسبب الذنوب

    الفصل بيننا وبينهم في هذه الموضوعات التي طرحت هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأدلة في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى، لكننا نأخذ منها أمثلة.

    استمعوا! والله سبحانه وتعالى يبين لنا الحضارات التي سادت ثم بادت، كيف أخذها بذنوبها ونوَّع أساليب الأخذ، حتى لا يقول إنسان بأن دليل غضب الله هو هذا النوع من العذاب، فإذا ما جاء هذا النوع من العذاب وجاء نوع آخر، فهذا ليس من الله، هذا من الطبيعة!! هذه كوارث.

    قال الله تعالى: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40] بيَّن المقدمة قبل أن يعطيك النتيجة، السبب في الأخذ: الذنب، ثم نوَّع الأساليب والوسائل في الأخذ، حتى لا نقول: هذا الزلزال من الطبيعة لكن هذا الخسف من الله، كل من الله بسبب الذنوب.

    فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].

    ثم يبين الله سبحانه وتعالى صورة أخرى للتخلف والهزائم والتدمير، ويستخدم كلمة التدمير الشامل في قضيتين، تأمير الفاسقين، أو عدم تنفيذهم لأمر الله، قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا [الإسراء:16] أصبح الأمراء والمسئولون والوزراء في تلك الأمة من غير الصالحين، عند ذلك من خلال الممارسات الظالمة الموجهة المنظمة الحزبية، يبدأ الأخذ والتدمير.

    والقراءة الثانية: (أَمَرْنَا) أي بالأمر الشرعي، بأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويحجوا البيت، يحلون ما أحل الله ويحرمون ما حرم الله، هذا هو أمر الله، أمرنا مترفيها (الملأ).

    قال: ففسقوا، تركوا الأمر الشرعي واتخذوا الأمر الشيطاني، فاستجابوا للشيطان بالفسق: (فَفَسقُوا فِيْهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16] تكررت كلمة (تدمير) مرة وراء الثانية، حتى نراقب قوة الله: فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16].

    وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [الإسراء:17] يقول الله تعالى: ليس هذه القرية فقط إنما كل المدن والحضارات من عهد نوح، ونوح في عهده حدث تدمير شامل للبشرية إلا من كان معه، بطوفان اجتاح الكرة الأرضية كلها ولم يبق أحياءً وكائنات إلا من كان في السفينة من البشر والطير والحيوان والحشرات، وسبب معصيتهم أنهم جعلوا أصناماً لصالحين عبدوها من دون الله بعد ثلاثة أجيال.

    (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً [الإسراء:17] فأصبح بذنوب عباده خبيراً بصيراً يمهل ويصبر ثم يأخذ بعد ذلك.

    ثم استمعوا أيها الأحباب: يقول الله سبحانه وتعالى عن قوم صالح: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:14-15].

    كل الأمم والحضارات تخاف عقبى تدمير الحروب، الله سبحانه وتعالى غضب غضبة عظيمة على اليهود والنصارى، فسلَّط عليهم الحرب العالمية الأولى، ثم سلط عليهم الحرب العالمية الثانية، لكنهم لم يعتبروا ولم يتعظوا، وهو الآن يعد لهم حرباً عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر، فإن كانت الحرب الثانية وهم أهل دين واحد وملة واحدة، طحنت منهم عشرات الملايين، فإن الحرب الثالثة كما تعلمون من التقارير أنها لا تبقي ولا تذر، وكلهم يتسابقون بها في الأرض والبحر والفضاء، أي من فوقهم ومن تحت أرجلهم، العذاب الذي وعد الله به.

    وهل هذا التسابق والإمهال: فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:17] هل هذا دليل على أنه من رضوان الله؟

    هذا هو المقياس الذي تطرحه تلك الجريدة، يقولون: لو كان الأخذ بسبب الذنوب لكان أول من يدمر أمريكا وإسرائيل؛ لأن ذنوبهم أكبر وأكثر، وأنا أقول: إذا أعد العدو لعدوه سماً في العسل، هل شراء العسل وتحضير العسل دليل على حبه لهذا العدو، لا.

    فالله يستدرجهم، ويملي لهم، ويمهلهم، ثم بعد ذلك يكون الأخذ الشديد بعد المكر والاستدراج.

    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [آل عمران:11] آل فرعون ماذا أعطاهم الله؟ الأموال والسلطان وجعلهم ملوكاً ودولاً، وعما قليل ستسمعون طاغوتهم يفتخر بالحضارة والمادة والذهب والصناعة والأهرام إلى آخره.

    كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [آل عمران:11].

    عقوبة عامة للبشر بسبب ذنب آدم

    والله سبحانه وتعالى يبين لنا بعض أسباب الأخذ أو بعض الذنوب، لا ننسى أن الله عاقب البشرية كلها ونحن منهم بذنب واحد ارتكبه آدم، لا تغيب عنا هذه الحقيقة.

    طردنا من موطننا الأصلي وهو الجنة، لا نصب ولا صخب، ولا جوع ولا ظمأ، ولا برد ولا زمهرير ولا حر، فيها رؤية الله والحور العين، والخلود والنعيم، كل ذلك ذهب منا بذنب واحد: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] ولولا توبته لما بقي لنا أمل واحد في الجنة، لكن أبانا آدم تاب فتاب الله عليه، وعلى كل من يتوب من ذريته، وتكبر الشيطان، ولم يلتزم أمر الله فسخط الله عليه وطرده من رحمته، فالله لا يحابي أحداً، الكل خلقه وهو الخالق، من استجاب استجاب الله له، ومن عصى أخذه الله.

    زعم اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] كأي بشر يأخذكم بالذنوب، والله قد وعد: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً [الإسراء:7].

    وهل بعد هذا الوعد يقول إنسان: إن الله يحب اليهود فنصرهم على العرب في حزيران: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5] ما كفى هذه الأمة تشكيك وتضليل في عقيدتها ودينها وقرآنها وصلاتها وعبادتها، حتى أخذوا يخترقون السماوات العلى، ويصعدون على العرش، والله استوى على العرش، ويريدون أن يعرفوا مراد الله، أن الله لم يغضب على هذه الأمة، وإن كثرت ذنوبها ومعاصيها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088976406

    عدد مرات الحفظ

    780293164