الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ملك الملوك، وقاصم الجبارين، الحمد لله الذي يأتي الأرض ينقصها من أطرافها، والله يحكم لا معقب لحكمه، والأرض قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، الذي خلقنا من عدم، وأسبغ علينا وافر النعم، كبَّرنا من صغر، وأطعمنا من جوع، وسقانا من ظمأ، وشفانا من مرض، وكسانا من عري، وأمننا من فزع، وعلمنا قراءة القرآن وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكثر حولنا الأحباب والإخوان لا نحصي ثناءً عليه ربي كما أثنى على نفسه، وأصلي وأسلم على قدوتي ومعلمي وقرة عيني محمد بن عبد الله.
اللهم إنا نسألك لأمتنا قائداً ربانياً، نسألك لأمة محمد في مشارق الأرض ومغاربها قائداً ربانياً يسمع كلام الله ويسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، ويحكم بكتاب الله وتحرسه، ويرفع راية لا إله إلا الله، ويجاهد في سبيل الله تحت صيحة (الله أكبر الله أكبر) فيجعل شتات أمة محمد دولةً، وخوفها أمناً، ويأسها رجاءً، وقنوطها رحمةً، وذلها عزاً، وفقرها غنىً، وسخطها رضاً، وخوفها أمناً.
اللهم إنا نسألك هذا الخليفة الرباني الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فكم من أعراض مسلوبة، وأموالٍ منهوبة، ودماء مسكوبةٍ، وشعوب منكوبة ليس لها إلا الله.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[آل عمران:102]
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
[الطلاق:2-3] ..
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
[النساء:9]
أحبتي في الله: الإنسان بين الستر والفضيحة عند الله، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينادى يوم القيامة والخلائق مجتمعة: ادن يا عبد الله! فيقوم عبد الله يدنيه ربه، يرخي عليه ستره ثم يحاسبه، فإن كان من الموحدين الصالحين ألمَّ ببعض الذنوب والمعاصي ولم يجاهر بها كان حساب الله عليه يسيراً فهو حساب العرض وليس حساب النقاش، فمن نوقش الحساب عذب، يقرره ربه بنعمه وأول ما يسأل الإنسان يوم القيامة عن الماء البارد، يقول الله له: ألم أبرده لك؟ ألم أهنئه؟ ألم أمرئه؟ ويبدأ يقرره الله ويعرض عليه نعمه نعمة نعمة، ثم يعرض عليه صغار الذنوب ذنباً ذنباً حتى يرى أنه من الهالكين، وهو من الكبائر مشفق عندها، فيقول الله له: أي عبدي! سترتك في دنياي وأسترك في آخرتي، خذ كتابك بيمينك، بدلوا سيئاته حسنات، فهنا العبد يذكر الكبائر التي خاف منها حتى تبدل حسنات.
وإذا كان من الأشقياء، فضحه الله على رءوس الخلائق، جاءته أعماله ويحشر في أمته التي أجرم معها، شركاء الجريمة كلهم، كبيرهم وصغيرهم في الموضوع الواحد يجمعهم الله ويأتي بأعمالهم تعرض عليهم مجسمة ثم محمولة على الظهور ثم تحيط بهم وتحاصرهم من كل جانب، ثم تعرض النار عليهم عرضاً بمواقعها وبجميع أنواع عذابها، ثم هم يعرضون عليها لتنتقي منهم -فالنار تنتقي بعنق يخرج منها له عينان ولسان- أول ما ينتقي: أين الجبارون؟ أين الملوك؟ أين المتكبرون؟ وهم كهيئة الذر -أي: النمل- تحت أقدام الخلائق.
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسول صلى الله عليه وسلم.
اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور.
أما بعد :
عباد الله: وتكون قمة الفضيحة يوم القيامة يوم أن تأتي أعضاء الإنسان تشهد عليه، وإذا كل إنسان دائرة مخابرات، هؤلاء المساكين الذين يسلطون جلاوزتهم على المؤمنين الصادقين زوار الفجر، المخبر الصادق، والله لا مخبر صدق إلا العين واليد والسمع والجلد عند الله يوم القيامة، أين يذهبون من أنفسهم؟
استمع ماذا يقول الله عن هذا الموقف:
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
[فصلت:19]يوزعون: يجمعون، كل أحد منهم يسمع أنه في سجل ناري فيهرب يمنة ويسرة، ويحيص يميناً وشمالاً، ولكن لا مفر، يجمعون مثل الغنم المشتتة تضرب فتجمع:
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
[فصلت:19-21].
يوم أن تأتي الأيدي التي تمتد إلى ثروات الأمة وتسرق تقول: أخذت كذا وكذا .. درهماً درهماً ودولاراً دولاراً، ويوم أن تأتي العيون والأسماع والجلود المترفة الناعمة التي من الحرام تأكل وتلبس وتستمتع وتشهد بكل صغيرة وكبيرة، ويتحول كل مخلوق منه إلى ضجيج صاخب من الشهادة، العين تقول: زنيت، والأذن تقول: سمعت، والجلد يقول: فعلت، والرجل تقول: مشيت، واليد تقول: سرقت، ضجيج هائل يحار معه العقل ويطير معه اللب!
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ
[الطارق:9-10]
اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض:
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
[الشعراء:88-89] اللهم إنا نسألك الستر يوم القيامة، اللهم لا تفضحنا بأعمالنا فإن الذنب كبير، اللهم استرنا يوم نعرض عليك، وأظلنا في ظل عرشك برفقة محمد صلى الله عليه وسلم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
اللهم إنا نسألك يا أرحم الراحمين الأمن يوم الفزع، والصبر يوم الجزع، والصدق يوم الكذب، والتوحيد يوم لا ينفع الإنسان إلا توحيده، ونسألك اللهم علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء، نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين سخاءً رخاءً أمناً وإيماناً، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، اللهم من فجر النفط ففجره، اللهم من زعزع الأمن فزعزع أمنه، اللهم عليك بأعدائنا اكشفهم وافضحهم يا رب العالمين! أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، ومجري الحساب، وهازم الأحزاب، اهزم أحزاب الباطل وانصر حزب الحق يا رب العالمين! هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، اللهم انصر إخواننا في أفغانستان فلسطين الفلبين وفي كل أرض يجاهد فيها، اللهم سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، ووحد صفهم، واغفر ذنبهم، وارم واقتل عنهم يا أرحم الراحمين!
اللهم حقق بالصالحات آمالنا وآمالهم، واختم بالطاعات أعمالنا وأعمالهم، اللهم أكرم الشهداء وثبت الغرباء، وأطلق السجناء والمأسورين من المخلصين وانصر المجاهدين.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.